20-فبراير-2019

الجريمة تعلقت بتلميذة في المدرسة الابتدائية عمرها 10 سنوات (صورة تقريبية/Getty)

 

الترا تونس - فريق التحرير

 

هل قيام حارس مدرسة ابتدائية بتلمس تلميذة، عمرها 10 سنوات، من صدرها وتحديدًا من ثدييها في عدة مناسبات لما كانت بصدد انتظار والدتها بقرب غرفة توجد بالباب الخلفي للمدرسة، يمثل جريمة تحرش جنسي أم جريمة اعتداء بالفاحشة؟

تكفلت محكمة التعقيب بالإجابة عن هذا السؤال في قرار صادر بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، استعرضه التقرير السنوي الأخير للمحكمة الأعلى في الهيكل القضائي التونسي.

ماذا يقول القانون في البداية حول الجريمتين؟

نصت المجلة الجزائية على جريمة الاعتداء بالفاحشة على أنثى دون رضاها سنها دون الثمانية عشر سنة بالفصل 228 وعقوبة هذه الجريمة هي السجن لمدة 12 سنة، ولكن يرتفع العقاب للضعف إن كان الاعتداء من أصول الضحية أو ممن كانت له سلطة عليه أو كانوا معلميه، وهو ما ينطبق على واقعة الحال على اعتبار أن الجاني هو حارس المدرسة.

ولم يعرف المشرع التونسي مفهوم الاعتداء بالفاحشة تاركًا المهمة لفقه القضاء الذي عرفه في قرار مرجعي يعود لسنة 1969 بأنه "كل فعل مناف للحياء يقع قصدًا أو مباشرة على جسم الذكر والأنثى أو على عورتهما".

عقوبة الاعتداء بالفاحشة هي السجن لمدة 12 عامًا أما عقوبة التحرش الجنسي فهي السجن لمدة عامين اثنين مع وجود ظروف تشديد

اقرأ/ي أيضًا: حراس المدارس.. أمناء على التلاميذ أم مغتصبون؟!

فيما نص المشرع على جريمة التحرش الجنسي في الفصل 226 جديد وعقوبتها السجن لمدة عامين مع الترفيع في العقاب للضعف في عدة صور منها إذا كانت الضحية طفلًا أو إذا كان الفاعل سلطة على الضحية أو استغل نفوذ وظيفه، مع الإشارة أن العقوبة كانت السجن بعام واحد قبل إصدار قانون القضاء على العنف ضد المرأة عام 2017.

وقد عرف القانون التونسي التحرش الجنسي بأنه "كل اعتداء على الغير بالأفعال أو الإشارات أو الأقوال تتضمن إيحاءات جنسية تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغبات المعتدي أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغط خطير عليه من شأنها إضعاف قدرته على التصدي لتلك الضغوط".

ما الفرق بين الاعتداء بالفاحشة والتحرش الجنسي؟

أكدت محكمة التعقيب على وجود اختلافات عديدة بين جريمتي التحرش الجنسي والاعتداء بالفاحشة من حيث الشروط والعقاب وحتى على مستوى الإجراءات.

فمن حيث الشروط، تقوم جريمة التحرش الجنسي على تكرار الجاني لأفعال وأقوال تهدف لإجبار الضحية على الاستجابة لرغباته الجنسية عن طريق إضعاف إرادته واستنزافها عبر الضغط والتكرار، وهي لا تفترض اعتداءً مباشرًا على جسم الضحية بل تهدف تحديدًا للوصول لتحقيق رغبات جنسية للفاعل. لكن اللمس والتلمس هو أكثر من مجرد تحرش، فهو إشباع مباشر لرغبة جنسية، كما تقول المحكمة.

تقوم جريمة التحرش الجنسي على تكرار الجاني لأفعال وأقوال تهدف لإجبار الضحية على الاستجابة لرغباته الجنسية ولا تفترض الاعتداء المباشر على جسم الضحية

وأضافت المحكمة أن تعريف التحرش الجنسي المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة هو "كل سلوك له إيحاءات جنسية غير مرحب بها من قبل الطرف الآخر ويشمل أيضًا طلب خدمات جنسية أو تصرفات ذات طابع جنسي ويمكن أن يكون عبر الكلام أو النظرات أو عرض مواد جنسية في مكان العمل بحيث يراها الطرف المستهدف." لتؤكد محكمة التعقيب أن جريمة التحرش بالجنسي تتميز بكون بداية الأقوال والأفعال الصادرة عن الجاني لا تتسلط مباشرة على جسم الضحية ولكن يمكن أن تكون جريمة التحرش الجنسي هي وسيلة تحقيق اعتداء جنسي آخر، وفي هذه الحالة يتم تطبيق العقوبة الأشد للجرائم.

اقرأ/ي أيضًا: هل تبيح عدم عذرية الزوجة طلب الطلاق لدى المحاكم التونسية؟ (تحليل قانوني)

ومن حيث اختلاف العقاب بين الجريمتين، فعقوبة الاعتداء بالفاحشة على أنثى بدون رضاها سنها دون الثمانية عشر سنة هو 12 سنة مع التضعيف في حالة الاعتداء الواقع ممن له سلطة، أما عقوبة التحرش الجنسي فهي سنتين مع مضاعفة العقاب في حالة الاعتداء الواقع على طفل أو ممن له سلطة عليه.

ويوجد اختلاف أيضًا بين الجريمتين على مستوى الإجراءات، فلا يمكن إثارة جريمة التحرش الجنسي إلا بطلب من الضحية فقط وذلك على خلاف جريمة الاعتداء بفعل الفاحشة التي بحكم خطورتها يسترجع الحق العام سلطته في إثارة الدعوى العمومية وتتبعها بغض النظر عن طلب الضحية.

إذًا ماهو التكييف السليم للجريمة؟

أحالت النيابة العمومية الجريمة المذكورة، تلمس حارس المدرسة لثديي تلميذة عمرها 10 سنوات، على أساس أنها اعتداء بفعل الفاحشة وهو ما تبناه قاضي التحقيق وثم دائرة الاتهام غير أن المحكمة أعادت تكييف الجريمة على اعتبار أنها من قبيل التحرش الجنسي وليس اعتداء بفعل الفاحشة، وهو ما جعل الجهة المتضررة تطعن بالتعقيب معيبة على المحكمة عدم تعليلها لتغيير وصف الجريمة.

أكدت محكمة التعقيب، في قرارها المذكور، أن فقه القضاء أقرّ في عدة قرارات أن الفعل الفاحش يجب أن يسلط على جسد المجني عليه مباشرة فيخدش عاطفة الحياء عنده ومن الضروري أن يكون الفعل ماسًا بجسم المتضرر وهو ما يميز هذه الجريمة عن بعض الاعتداءات الجنسية الأخرى.

 الفعل الفاحش هو كل فعل مناف للآداب ويمتد لجسم المتضرر وذلك مع إخلاله بالحياء

وأشارت لقرار سابق بتاريخ 1996 عند ما رأت المحكمة أنه يكفي لقيام جريمة الاعتداء بفعل الفاحشة مجرد "اللمس والتلمس" ولكن يجب أن يكون ذلك بشكل يخدش عاطفة الحياء لأن الفقه مستقر على أن هذه الجريمة تنطوي على مس بعرض المتضرر حتى أنها تسمى في أغلب البلدان العربية بجريمة هتك العرض.

وأضاف أن فقه القضاء حاول التوسع في تقدير الأفعال الداخلة في الاعتداء بفعل الفاحشة التي لم تقتصر على لمس العورة وحتى مجرد الكشف عنها ذلك في إطار مزيد حماية المتضررين خاصة الأطفال منهم" لعجزهم عن تقدير قيمة الاعتداء المسلط عليهم ومؤثراته النفسية الخطيرة عليهم في مستقبل حياتهم وعدم قدرتهم على حماية أنفسهم أو وقف الاعتداء كما هو في ملف قضية الحال". وأكد القرار بأن الفعل الفاحش هو كل فعل مناف للآداب ويمتد لجسم المتضرر وذلك مع إخلاله بالحياء.

وانتهت محكمة التعقيب، بذلك، أن وصف الأفعال التي تجسدت في لمس المتهم لثدي الضحية في عدة مناسبات وقرصها هو فعل اكتملت فيه شروط جريمة الاعتداء بفعل الفاحشة على أنثى لم تبلغ سن التمييز القانوني "داخل حرم المدرسة المفترض كونها مكان تلقي العلم ومكارم الأخلاق ومن قبل حارس المدرسة وهو شخص متاح له بحكم عمله الاحتكاك بعديد من الأطفال وأن أي انحراف سلوكي في شخصيته قد تكون له آثار كارثية على جيل بأكمله". فتلمس حارس المدرسة الابتدائية لثديي فتاة عمرها 10 سنوات هو فعل فاحش وهتك عرض، وليس مجرّد تحرش جنسي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحلة البحث عن الذات من "لينا" إلى "ريان".. ما رأي الطب الجنسي وعلم الاجتماع؟

خاصّ: حقيقة الجدل حول "أول قرار قضائي في تونس يقبل الخيانة الإلكترونية"