08-أبريل-2021

لا يحصل الكاتب سوى على 10% فقط من ثمن بيع كتابه (صورة أرشيفية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

ربما يجيب القارئ عن سؤال أكثر دافع شدّه لشراء كتاب ما في العادة، بقوله إنّ العنوان قد أعجبه، أو إنّ الغلاف جميل وأثار فضوله، أو إنّه مغرم ببساطة بهذا الكاتب ومهتمّ بأفكاره.. هي مجموعة من العوامل التي تلعب دورًا محدّدًا في عمليّة الشراء إذًا، لكن.. ألا يلعب سعر الكتاب دورًا محوريًا أيضًا في إقدام فرد منّا على الشراء من عدمه؟ ألم يقف بعضنا أمام واجهة مكتبة ما تمزّقه الحيرة، هل يستحقّ هذا الكتاب أن يدفع فيه هذا السعر الباهظ أم لا؟

يكون ثمن الكتاب عادة واحدًا من أهمّ دوافع القارئ وتفضيله لشراء هذا الكتاب عن غيره. على أنّه قد يذهب إلى الاعتقاد بأنّ الكاتب يعيش حقًا ممّا يكتبه. فيمسك القارئ الكتاب بين يديه في إحدى المكتبات، يتصفّح الفهرس ويقلّب الصفحات، ويلقي نظرة على الغلاف الخلفيّ ليشرع ربما في عدّ ما قد يجنيه الكاتب من بيع ألف نسخة على سبيل المثال. اعتقاد سائد لدى الكثيرين، دفعنا إلى الوقوف وقفة تأمّل لطرح الأسئلة اللازمة:

  • ما هي نسبة ربح الكاتب من جملة كتبه المباعة؟
  • هو هل فعلًا الحلقة الأضعف بين كلّ المتدخّلين؟
  • إلى من يؤول نصيب الأسد من هذه الأرباح؟

أسئلة عديدة تحتاج أن نستمع إلى جلّ الأطراف المشاركة في عملية صناعة الكتاب من لحظة موافقة دار النشر على المخطوط إلى حين عرض الكتاب في واجهات المكتبات.

توجّه "ألترا تونس" بالسؤال إلى سامي المقدّم عن دار نشر "بوب ليبريس" فأجاب بأنّ تحديد ثمن بيع الكتاب يتوقف على سعر عمليّة الطبع، ذاك أنّ عديد الأطراف يجب أن تتقاضى نسبة من المبيعات قبل الناشر نفسه.

وقال سامي المقدّم إنّ الموزّع الذي يقتصر عمله على إيصال الكتاب من الناشر إلى نقاط البيع يتقاسم مع نقطة البيع (المكتبة) ما قيمته 50% من سعر البيع للعموم، وإذا علمنا أنّ دار النشر تحصل على 40% من سعر الكتاب، نستنتج أنّ ما يبقى فقط هي نسبة تقدّر بـ 10 بالمئة، وهي ما يحصل عليها الكاتب لا غير!

سامي المقدّم: لا يحصل الكاتب سوى على 10% فقط من ثمن بيع كتابه

وعن هذه النسبة التي يحصل عليها الناشر (40%)، من المهمّ أن نعلم أنّه يجب أن تطرح منها دار النشر تكلفة الطبع التي تتجاوز أحيانًا 25% من ثمن البيع، وأن تطرح كلفة التدقيق اللغويّ والتنضيد وتصميم الغلاف.. فضلًا عن طرح مصاريف الشركة من أداءات وكراء ومصاريف أخرى.

ويشدّد سامي المقدّم في هذا الإطار على أنّ ما يبقى من هامش ربح للناشر لا يكون إلاّ في حدود 10% تقريبًا وربما أكثر إذا ما كانت كلفة الطبع أقل من 25% أو إذا ما حقق الكتاب مبيعات هامة تسمح بهامش ربح أهم.

وكمثال توضيحي لكتاب ما سعره 40 دينارًا يشرح الناشر نصيب كلّ طرف:

  • الموزع والمكتبة: 20 دينارًا.
  • المؤلف: 4 دينارات.
  • المطبعة: 10 دينارات (في أفضل الأحوال).
  • التنضيد والتدقيق اللغويّ وتصميم الغلاف: 2 دينارات.
  • الناشر: 4 دينارات.

اقرأ/ي أيضًا: الكاتب التونسي في زمن الكورونا.. غيمة الوباء قد تمطر أعمالًا أدبية

عشرة بالمئة فقط هي نسبة ربح الكاتب إذن، الأمر الذي يدفع عديد الكتّاب إلى عدم المطالبة بهذا الربح الضئيل من الأساس.. تمامًا كما هو الحال مع الكاتبة "إيناس مانسي" التي صرّحت لـ "ألترا تونس": لنتفق أوّلًا أنّنا نكتب في البداية بشغفٍ منزوع المادّة، وما إن يجد الكتاب نفسه في عباب السوق مملوكًا بعقد يصف ما له وما عليه من مستحقّات بين دار النشر والكاتب حتى نصطدم بواقع ماديّ غائر في الرمزية، ونسب ربحية تدفعك إلى الزهد حينًا والخجل من المطالبة بها حينًا آخر".

وتؤمن إيناس مانسي بأنّ الكاتب إن طالب بهذه النسبة القليلة فإنّه لا يحتمي بعقده في النهاية، لأن احتساب عدد المبيعات يبدو متروكًا لنزاهة دار النشر وحدها وفق قولها، "إذ لا يمكنك ككاتب غالبًا حصرها أو تتبّعها، بالنسبة إليّ شخصيًا لم أطالب حتى الآن بأيّ مستحقات عدا عدد النسخ التي أخذتها والمنصوص عليها في العقد" هكذا أوضحت صاحبة كتاب "هيتيروجان".

 ولعلّ إجابة سؤال "هل يعيش الكاتب ممّا يكتبه؟" تبدو بديهية جدًا في نظرها إذ تتساءل بدورها: "من الصعب أن يعيش الكاتب من الكتابة، هو يعيش من خلالها غالبًا أو ربما علينا التوجّه إلى التمعّش مثلا!؟ فأيهما أقرب؟".

إيناس مانسي: يصطدم الكاتب بواقع مادي ونسب ربحية تدفعه إلى الخجل من المطالبة بنسبة ربحه القليلة أصلاً ويزهد فيها

ولسائل أن يسأل حول المنطق الذي يحكم عمليّة تقسيم أرباح الكتاب، هل هو قانون مثلا أو عرف؟ وبخصوص هذا توجّه "ألترا تونس" بالسؤال لصاحبة مكتبة ملاك بصفاقس "استبرق العايدي" التي أجابت بأنّها دخلت السوق فوجدت أنّ هذه هي النسب المعمول بها والمنطقيّة في نظرها.

وأوضحت العايدي بقولها: "لا ننسى أنّ صاحب المكتبة هو من يقوم بعملية الترويج للكتاب، وهو من يكرّس كلّ جهده في التسويق لمختلف الكتب المعروضة لديه، ولهذا فنسبة ربحه مشروعة" وقالت إنّها تشتغل بين نسبة ربح 35 و40 بالمئة.

اقرأ/ي أيضًا: عادل الحامدي.. كاتب يسمع العالم عبر الكتابة

وبات من الواضح أنّ عددًا مهمّا من الكتّاب فضّلوا عدم المغامرة بالدخول إلى هذه المنظومة (دور النشر)، وخاضوا عمليّة طبع كتبهم على حسابهم الخاصّ تجنّبًا لأن يرتفع سعر الكتاب بتعدّد الأطراف المتداخلة فيه.

وتشير العايدي في هذا الصدد إلى أنّه لا يجب أن نربط بين عزوف البعض عن شراء الكتب لارتفاع هامش ربح صاحب المكتبة، فالنسبة التي يكسبها صاحب المكتبة مقبولة، وقد تكون غير كافية في بعض الأوقات وفق وصفها.

وتابعت العايدي: " في كتاب ثمنه 10 دينارات مثلا، يحصل صاحب المكتبة على ربح قدره 4 دينارات.. فكم يلزمه من 4 دينارت كي يدفع ثمن كراء المحل والمصاريف المتفرّقة الأخرى؟" هكذا تساءلت.

استبرق العايدي: النسبة التي يكسبها صاحب المكتبة مقبولة ومشروعة، بل قد تكون غير كافية في بعض الأوقات

وذكّرت العايدي بأنّ وزارة الثقافة تساعد الناشر عبر الشراءات التي تقتنيها وتوزّعها على المكتبات العمومية بالإضافة إلى دعم الورق.. فضلًا عن أنّ نسبة ربح الكاتب تكون محلّ اتّفاق مع دار النشر منذ البداية، وما دام الكاتب قد وقّع على هذا في العقد فهو موافق على المبدأ، لكن نسبة ربح الكاتب لن تتجاوز العشرين بالمئة في أفضل الحالات. وهو ما نراه في العالم أيضا وليس على مستوى تونس فقط.

ووسط كلّ هذه الأطراف المتداخلة في عمليّة صناعة الكتاب، ونسب أرباحهم المتفاوتة، قد يحتاج القارئ أن يتأمّل في المشهد مليّا ليعلم حجم "التضحيات" التي قد يبذلها كاتبه المفضّل في سبيل النشر.. تُراه يطمح لتوسيع هامش ربحه أم يغنيه عن ذلك الفوز بقلب قارئ جديد؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

"نازلة دار الأكابر".. الطاهر الحداد مرآة لتراجيديا الحب والنضال في تونس

الكتابة السردية بـ"الدارجة".. جدل قديم متجدد