16-ديسمبر-2020

تلقّن النساء تقنيات الدفاع عن النفس

 

"لم أعد أحسّ بأيّ وجع في جسدي وأصبحت أكثر ثقة في نفسي...كايزن عقليّة، كايزن محبّة" هي كلمات لن تستطيع حلّ شيفرتها إلا عندما تتعرّف على نادية.

ليس من السهل على المرء التأقلم مع فكرة مرض السرطان لذلك فأغلب من يصارع هذا المرض يخفت بريق الحياة في عينيه، وخاصّة إن كان مسؤولًا عن عائلة أو لديه أطفال صغار يخاف عليهم مشقة الدنيا في غيابه.

هذا ما عاشته نادية كشباطي، امرأة تونسية أصيبت بسرطان الثدي منذ 2018 وانقلبت حياتها. لفّ اليأس جسدها وغابت البسمة عن منزلها. ولكن لطف الله بها ورحمته كانا أرفق، إذ قاومت المرض وانتصرت عليه، لكنّها حملت في نفسها قوة ومقاومة لم تستطع ترجمتها إلى أن اعترضها في أحد الأيام إعلان عن نادٍ لتعلّم تقنيات الدفاع عن النفس.

قرّرت نادية الانضمام لهذا النادي وكانت تلك اللحظة فاصلة في حياتها. تغيّرت حياتها وأصبحت متفائلة وقرّرت أن توصل هذه الشحنة الإيجابية لكلّ المريضات بالسرطان.

كايزن هي كلمة صينية تعني التغير نحو الأفضل، وهي مجموعة من التقنيات البسيطة التي تستطيع كلّ امرأة مهما كان عمرها أو بنيتها الجسدية تعلّمها لتدافع عن نفسها

هذه قصّة من عشرات القصص التي تعيشها رائدات نادي كايزن بأريانة. نادٍ لم يتجاوز الشهرين منذ انطلاقه لكنّه نجح في تأسيس عائلة من النسوة شعارهنّ "تونس تعيش".

"ألترا تونس" كانت له مصافحة مع مؤّسس هذا النادي حاتم السماطي وبعض من متدرّباته، تجدون تفاصيلها في هذا التقرير:

مؤسس رياضة الكايزن: تونس تعيش عقليّة سنرسخها عند كلّ امرأة تونسية

بدأت الفكرة إبّان حادثة وفاة "رحمة الأحمر"، التي آلمت حاتم السماطي، مدرب فنون دفاعية وقتالية مختلطة، وحزّ في نفسه أن هذه  الشابّة لم تستطع حماية نفسها. فانتابته رغبة كبيرة في أن يمرّر تجربته وخلاصة ما تعلمه من تقنيات على امتداد سنوات تدريبه لأكثر عدد ممكن من نساء بلده.

بعد أول إعلان لتدريب الكايزن، قدمت إلى القاعة الرياضية أكثر من 70 امرأة

"أحسست بمظلمة كبيرة عندما بلغني خبر وفاة رحمة، رأيت فيها أختًا أو أمًا أو بنتًا. وما أكثر أخبار الجرائم والقضايا في بلادي ! لذلك قرّرت أن أقدم خبرتي لكل امرأة كي تستطيع فعل ما لم تستطع رحمة القيام به وهو أن تحمي نفسها" هكذا تحدّث حاتم عن فكرة كايزن.

وكايزن هي كلمة صينية تعني التغير نحو الأفضل، وهي مجموعة من التقنيات البسيطة التي تستطيع كلّ امرأة مهما كان عمرها أو بنيتها الجسدية تعلّمها لتدافع عن نفسها، وكل ما تحتاجه هو الكثير من الفطنة والحكمة والتدريب.

بعد أول إعلان قدمت أكثر من سبعين امرأة لقاعة عزيز تاج بأريانة، هدفهن الوحيد أن يتمكنّ من حماية أنفسهن من خطر يتربّص بهن أينما يتحركن في شوارع غير آمنة .

حاتم السماطي(مؤسس رياضة الكايزن): أحسست بمظلمة كبيرة عندما بلغني خبر وفاة رحمة، لذلك قرّرت أن أقدم خبرتي لكل امرأة كي تستطيع فعل ما لم تستطع رحمة القيام به وهو أن تحمي نفسها

"اخترت من الحضور اثنتيْ عشرة امرأة لتكنّ مدربات لنشر هذه التقنية سواء في الأحياء الشعبية أو المناطق الريفية. يستمرّ هذا التدريب المكثف على امتداد ثلاثة أشهر، واخترت أن يكون في أماكن مختلفة وأوقات مختلفة في الجبل كي تتخلّص الفتيات من الخجل والخوف".

حاتم السماطي يحلم أن يغيّر عقلية المرأة المستضعفة في تونس، حديثه عن متدرباته يجعلك لوهلة تخال أنه أب يريد أن يعطي من نفسه من أجل أن يغرس الثقة والقوة في نفوس بناته.

هو ربّ عائلة لم تتجاوز معرفته بهن الشهرين لكن علاقتهم أصبحت متجذّرة ومتّأصلة بفكرة الكايزن.

"لاقيت العشرات من النساء من مختلف الأعمار، وقد أثرت فيَّ قصص عديدة جعلتني أتشبّث بحلمي وغايتي الكبرى، وهي أن أصنع تغييرًا فيهنّ ." هكذا استرجع مدرّب الفنون الدفاعية لقاءاته مع تلميذاته، مضيفًا أنّ منهنّ من تعرّضت للتحرّش ولم تستطع الإفصاح عن ذلك ولم يهدأ له خاطر إلا عندما علّمها كيف تواجه المتحرّش وأن تتحدّث معه الند للندّ وبكلّ ثقة في النفس.

حاتم يطمح إلى أن تصل هذه الرياضة إلى العالمية "فكل امرأة مهما كان موطنها معرّضة للعنف وتحتاج إلى تعلّم الكايزن" ، وقد نسّق مع الاتحاد العالمي في أندونيسا وأخذ منهم موافقة أوّلية بممارسة هذه الرياضة. وأكّد لنا أنه وقع الاعتراف بها في أمريكا إلا أنه رفض نشر الشهادة لأنها مكتوبة باللغة العبرية وتحمل النجمة السداسية وهو مناصر للقضية الفلسطينية ومناهض للتطبيع.

اقرأ/ي أيضًا:  نورس الخلصي.. تحدي تونسية في عالم الكيك بوكسينغ

كما نسّق مع الجامعة التونسية التي أعربت عن دعمها المعنوي له، وهدفه أن تنشر في سبع جمعيات لتنطوي تحت الجامعة التونسية للكونغ فو. بالإضافة إلى أنه بصدد تحضير كتاب يفصّل هذه الرياضة وتقنياتها.

نادي الكايزن تنقّل أيضًا  للمدارس سواء الخاصة أو العمومية وذلك لنشر شعار "تونس تعيش"، يتحدّث حاتم عن التجربة قائلًا:"وجدنا تحمّسًا كبيرًا من الأطفال وأتمنى أن تدخل هذه الرياضة لكل المؤسسات التربوية".

منى زيتون:المرأة مستضعفة بسبب التنشئة الخاطئة

منى زيتون هي من الشابات اللاتي وقع اختيارهن لتكون من ضمن الدفعة الأولى من مدربات رياضة الكايزن، منذ بداية الحصّة تجدها إما تساعد امرأة على تعلّم تقنية أو تلاعب طفلًا جاء مع أمّه ليرافقها في هذه الحصّة ومرات كثيرة تجدها حاملة لهاتفها لتوثق الحصّة، فهي المسؤولة الإعلامية لهذا النادي.

تعليم تقنيات الدفاع عن النفس

 تحدّثنا منى عن بدايتها مع نادي الكايزن قائلة: " اعتضرتني صدفة المعلقة الإشهارية للنادي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهي عبارة عن تدريب مجاني لتقنيات الدفاع عن النفس. وبما أنني مغرمة بالرياضة أردت أن أكتشف هذه الرياضة التونسية".

الحصة الأولى كانت بداية شغف لمنى التي لم تنقطع عن التدريبات منذ أن انطلقت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وتعلمت التقنيات واسترجعت ليونة جسدها وبدأت بدعوة صديقتها للانضمام لهذا النادي.

منى زيتون (مدربة): أنا ككل امرأة تونسية تعمل أو تدرس، تستقل وسائل النقل العمومي وهي معرّضة لكلّ أشكال العنف والتحرّش، وبالتالي أنا في حاجة للدفاع عن نفسي

"أنا ككل امرأة تونسية تعمل أو تدرس، تستقل وسائل النقل العمومي وهي معرّضة لكلّ أشكال العنف والتحرّش" هكذا تحدّثت منى زيتون عن واقع المرأة في تونس التي تضطرّ للخروج في الصباح الباكر والعودة في ساعات متأخرة من الليل مضيفة: "لا أحس بالأمان في شوارعنا وامشي وأنا خائفة، ونظرًا لأنني أعيش لوحدي في العاصمة فإني أحتاج إلى الدفاع عن نفسي".

تتنهّد محدثتنا عند الحديث عن تنشئة المرأة في المجتمعات العربية، وتؤكّد انّ استضعاف المرأة يبدأ من توصيات أمها عند الخروج: "إمشي حيط الحيط"، "إمشي راسك لوطة".. وغيرها من العبارات التي تغرس فيها الخوف أينما تحرّكت والأم الفاقدة للأمان ستربّي جيلًا فاقدًا للثقة سواءً في نفسه أو في محيطه.

بعد هذه التجربة، تقول منى إنها أصبحت أكثر ثقة في نفسها، تمشي في الشوراع دون أن يتملّكها خوف من نشل أو اعتداء أو خطف.

وحدثتنا منى عن طموحها قائلة: "أريد أن أوصل هذه التقنيات لكل امرأة في تونس أو أي مكان في العالم".

سحر بومعيزة: سأصبح مدربة كايزن وألقّنها لزميلاتي المحاميات

مهنة المحاماة من المهن التي تحتاج صلابة نفسية وجسدية على حدّ سواء خاصّة وأن المحامي معرّض لكثير من المصاعب عند مزاولته لشغله ومخالطته لأصحاب السوابق أو بعض المجرمين، فماذا لو كان المحامي امرأة.

"ما جعلني أدخل هذا النادي هو حادثة اعتداء على زميلتنا في أحد مراكز الشرطة حيث دخلت لتدافع عن منوبها فوقع ضربها ولم تأخذ حقها" هكذا تحدّثت سحر بومعيزة (32 سنة)  عن سبب التحاقها بنادي كايزن مضيفة أنها تتعرّض لكثير من الاضطهاد في شغلها وأن كثيرين في قطاع المحاماة يتحدّث بمنطق الذكورية، على حدّ تعبيرها.

التدرب على الكايزن في أماكن مختلفة، حتى بالجبال

قرّرت سحر أن تتعلّم تقنيات الدفاع عن النفس وأن تصبح مدرّبة لتستطيع تدريب رفيقات مهنتها وما زادها عزيمة هو ما لاقته من استهزاء من بعض المقرّبين منها والذين لخّصوا هذه الرياضة في كلمة : "ماشية تتعلّم تضرب كيما الرجال".

سحر بومعيزة (محامية): ما جعلني أدخل هذا النادي هو حادثة اعتداء على زميلتنا في أحد مراكز الشرطة حيث دخلت لتدافع عن منوبها فوقع ضربها ولم تأخذ حقها

وقد تعرّضت محدّثتنا في ما مضى لمحاولة نشل لحقيبتها إلا أنها قامت بضرب الجاني نظرًا لأن بنيته الجسديه ضعيفة وكانت ردّة فعل تلقائية منها، على حدّ قولها.

وعن واقع المرأة في المجتمع التونسي، تؤكّد الأستاذة سحر بومعيزة أن العنف تجاوز كل الحدود في تونس ولم يعد الأمر مقتصرًا على تعنيف الزوج لزوجته بل أن اليوم الحديث عن الخطف والاغتصاب والقتل أصبح من الخبز اليومي للتونسي. ودعت كل امرأة للالتحاق بهذا النادي: "أنت أنثى مهما كان عمرك ومهما كانت وضعيتك المهنية أو الاجتماعية أو الثقافية يجب أن تتعلمي أن تدافعي عن نفسك. هي تجربة مميّزة خاصّة وأنّ الأجواء فيها عائلية".

مدرّبون متطوّعون من أجل المرأة  

فور دخولك لقاعة الرياضة بأريانة، تجد مجموعة من المدرّبين من مختلف الرياضات الدفاعية والقتالية تجنّدوا وتطوّعوا لمساعدة المشاركات للتمكن من تقنيات رياضة الكايزن. من بينهم المدرب الدولي لرياضة الملاكمة بنادي الحرس الوطني بشير الفطناسي الذي أكّد لـ"ألترا تونس" أن المخاطر التي تهدّد المرأة كثر،  وعليها أن تتعلم أن لها حرمة جسدية ومعنوية وليس من حق أيّ كان أن يعتدي عليها.

وعن تطوّعه ضمن فريق نادي الكايزن، يقول بشير الفطناسي: "عندما نتحدّث عن المرأة فهي إمّا أم أو زوجة أو بنت أو أخت، لذلك أنا متحمّس لهذه الفكرة ومؤمن بأنها ستساعد الكثير منهنّ على تجاوز حاجز الخوف الذي ينتابهنّ".

تم إجراء تجارب في "الكايزن" بعدد من المدارس والمعاهد

ويضيف أن الرياضة هي هرمون سعادة، ورغم أنّ التدريب متعب بعض الشيء بالنسبة للمشاركات إلا أنهنّ متفهمات ومتحمّسات كثيرًا لهذه التجربة، على حدّ تعبيره.

وانضم لهذه المحادثة مدرب التايكواندو زين العابدين بن عبروق الذي أكّد لـ"ألترا تونس" أن المرأة التونسية أثبتت جدارتها في عديد المجالات، ومن الممكن أن تصل لمبتغاها إذا واضبت على التمارين والتقنيات التي تتعلّمها خاصّة وأنها حتى وإن لم تنقذها بصفة كليّة فهي ستساعدها على تقليص الأضرار المسلّطة عليها، على حدّ قوله.

جلال المزليني (مدرب كاراتي): رياضة الكايزن تجمع العديد من الرياضات وتتماشى مع جميع الأعمار والبنيات الجسديّة، فتقنياتها بسيطة تجعل من المرأة قادرة على أن تكون أقوى من معنّفها

ويضيف زين العابدين عبروق أن هذه الرياضة تتماشى أيضًا مع الصغار، إذ كانت لهم تجارب مع بعض المدارس والمعاهد الثانوية، مشددًا أن على الطفل أن يتعلّم أن لجسده حرمة لا يجب أن يعتدي عليها أحد.

وختم حديثه قائلًا إن: "الرياضة هي تربية وأخلاق أساسًا، وتقنيات الكايزن لا نلجأ لها سوى عند الضرورة القصوى".

مؤسس رياضة الكايزن حاتم السميطي

ويؤيّده في هذه الفكرة مدرّب الكاراتي جلال المزليني الذي فسّر لـ"ألترا تونس" أن رياضة الكايزن تجمع العديد من الرياضات وتتماشى مع جميع الأعمار والبنيات الجسديّة، فتقنياتها بسيطة تجعل من المرأة قادرة على أن تكون أقوى حتى من معنّفها، مضيفًا أن "كلّ عضو من أعضاء الجسم يمثل سلاحًا يمكن اعتماده للدفاع عن النفس".

وأضاف جلال المزليني، في سياق متصل، أن المجموعة تسعى لأن تكون هذه الرياضة منضوية تحت الجامعة، وتنتشر وطنيًا وعربيًا وحتى عالميًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"شيطانة ألترا ترايل".. عن توظيف الرياضة في مجالات أخرى

عن "فدوى" التي آمنت أن العضلات المفتولة ليست حكرًا على الرجال..