قبل حوالي 3 أشهر من الموعد القانوني للانتخابات البلدية في تونس، المفترض أن تكون الثانية من نوعها بعد الثورة التونسية، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء 8 مارس/آذار 2023، أنه قرر حلّ كلّ المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية.
يأتي ذلك مع اقتراب انتهاء المدة النيابية (2018-2023) للمجالس البلدية المنتخبة مباشرة، والأولى من نوعها بعد الثورة، والتي انطلقت عهدتها منذ سنة 2018.
جاء قرار قيس سعيّد بحلّ المجالس البلدية المنتخبة في سياق عام تدقّ فيه الجامعة الوطنية للبلديات التونسية ناقوس الخطر من فرضية وجود "مخطط واضح لإنهاء مسار اللامركزية في تونس"
كما أعلن قيس سعيّد، لدى ترؤسه مجلس الوزراء مساء الأربعاء، أن المجلس نظر أيضًا في "مرسومين يتعلقان بتنقيح القانون الانتخابي لأعضاء المجالس البلدية، وبانتخاب المجلس الوطني للجهات"، وذلك وفق مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية في ساعة مبكرة من فجر الخميس.
وقال قيس سعيّد، في خطاب أدلى به في مفتتح المجلس الوزاري: "المعركة التي نقودها بالقانون ضد الذين عاثوا في البلاد فسادًا ستستمرّ بنفس القوة وبنفس العزم"، على حد ما جاء على لسانه.
- جامعة البلديات تدق ناقوس الخطر
وجاء قرار قيس سعيّد بحلّ المجالس البلدية المنتخبة في ماي/أيار 2018، في سياق عام تدقّ فيه الجامعة الوطنية للبلديات التونسية ناقوس الخطر من فرضية وجود "مخطط واضح لإنهاء مسار اللامركزية في تونس" وذلك مع اقتراب انقضاء المدة النيابية للمجالس البلدية المنتخبة (2018-2023)، باعتبار أن الموعد المفترض للانتخابات البلدية القادمة هو 12 جوان/يونيو 2023 وفق ما ينص عليه القانون الانتخابي.
وكانت جامعة البلديات قد استشرفت حلّ المجالس البلدية، وذلك بالتحذير بشكل مستمر، خاصة خلال الأسابيع الأخيرة، من أن "الغموض يكتنف مصير المجالس البلدية الحالية وموعد إجراء الانتخابات البلدية القادمة، خصوصًا مع غياب أي بوادر على إجرائها في موعدها المحدد، مما يفتح باب التأويلات وتعدد السيناريوهات واسعًا"، وفق ما ورد في بيان أصدرته بتاريخ 21 فيفري/شباط 2023.
كانت جامعة البلديات قد استشرفت حلّ المجالس البلدية بالتحذير بشكل مستمر من "الغموض الذي يكتنف مصير المجالس وموعد إجراء الانتخابات البلدية خاصة مع غياب أي بوادر لإجرائها مما يفتح باب التأويلات وتعدد السيناريوهات واسعًا"
ودعت الجامعة في ذات الصدد إلى "عدم تعديل القانون الانتخابي بشكل يفرغه من أهم المكتسبات المحققة على المستوى المحلي، والمتمثلة أساسًا في ضمان تمثيلية كبيرة للشباب والمرأة وذوي الإعاقة داخل المجالس البلدية المنتخبة".
كما عبرت عن تمسكها بـ"تجربة اللامركزية كإطار عام لعمل المجالس البلدية المنتخبة نظرًا للمبادئ العديدة التي كرستها مجلة الجماعات المحلية والتي تهدف إلى تكريس فعلي للتدبير الحر للبلديات في إطار التكامل مع السلط الجهوية والمركزية"، وبـ"مجلة الجماعات المحلية إطارًا قانونيًا عامًا منظمًا لعمل البلديات، مع ضرورة إدخال بعض التنقيحات بشكل تشاركي لتجاوز صعوبات تطبيق بعض أحكام المجلة شريطة عدم المساس بالمبادئ الأساسية والجوهرية".
- "لماذا يجب إجراء الانتخابات البلدية؟"
وتحت سؤال عام ومحوري "لماذا يجب إجراء الانتخابات البلدية؟"، طرحت الجماعة الوطنية للبلديات التونسية، في 6 مارس/آذار 2023، ورقة سياسية قدمت من خلالها ما قالت إنها "أسباب مترابطة الأبعاد لتأكيد ضرورة إعادة انتخاب المجالس البلدية، لا فقط تمسكًا بأهمية البعد التمثيلي بل كذلك نظرًا لانعكاساته على فلسفة الشأن المحلي والتوجه نحو تحسين مستوى عيش المواطنين"، ومن بينها ما يلي:
لأن المدة النيابية شارفت على الانتهاء
من الناحية القانونية-الزمنية، انطلقت العهدة النيابية الحالية للمجالس البلدية منذ سنة 2018، تاريخ إجراء الانتخابات البلدية. وينص القانون الانتخابي في فصله 117 على أن "ينتخب أعضاء المجالس البلدية والجهوية لمدة نيابية بخمس سنوات. ويتم انتخابهم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة النيابية ". وعليه، اعتبرت جامعة البلديات أن "النهاية الطبيعية لدورة حياة المجالس الحالية هي سنة 2023".
فيما استدركت أن "تحديد تاريخ إجراء الانتخابات البلدية يستوجب أولًا تحديد تاريخ بداية العهدة النيابية". مشيرة إلى أن "القراءات القانونية في هذا الموضع لتتأرجح بين يوم إجراء الانتخابات (6 ماي/أيار 2018) والإعلان عن النتائج النهائية من قبل هيئة العليا الانتخابات (12 جوان/يونيو 2018).
جامعة البلديات تقول إن "الدعوة للانتخابات البلدية تكون في أجل أدناه 3 أشهر قبل يوم الاقتراع أي قبل يوم 12 مارس" لكن الرئيس استبق ذلك وأعلن قراره بحلّ المجالس البلدية وتنقيح القانون الانتخابي لأعضاء المجالس البلدية
وذكرت أن "المنطق القانوني يقوم على اعتبار المباشرة الفعلية للمهام النيابية لا تاريخ إجراء الانتخابات كنقطة بداية المدة النيابية، وهو ما ذهبت إليه سابقًا هيئة الانتخابات في علاقة بالانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 عندما قدرت أن بداية المدة الرئاسية يكون انطلاقًا من أداء رئيس الجمهورية اليمين أمام مجلس نواب الشعب، ويقع احتساب انطلاق المدة البرلمانية منذ تنظيم الجلسة الافتتاحية للمجلس".
لا شك أن اتباع هذا التمشي في علاقة بالانتخابات البلدية صعب التحقيق نظرًا لتعدد تواريخ تنصيب المجالس البلدية، إذ أنه تم تنصيب 350 مجلس بلدية على امتداد قرابة الشهر (من جوان/يونيو إلى جويلية/يوليو 2018). لذلك، لا يمكن تعميم تاريخ موحد لكل المجالس. وبالتالي، اعتبرت جامعة البلديات أن "التاريخ القانوني يميل إلى كفة الفرضية المرتبطة بيوم الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات البلدية، بما يعنيه ذلك من النهاية القانونية للمدة الحالية يوم 12 جوان/يونيو 2023".
وعلى هذا الأساس، أشارت الجامعة إلى أن "القانون الانتخابي في الفصل 101 ينص على أن دعوة الناخبين للانتخابات البلدية تكون بمقتضى أمر رئاسي في أجل أدناه 3 أشهر قبل يوم الاقتراع. حسابيًا، يعني ذلك ضرورة صدور أمر دعوة الناخبين قبل يوم 12 مارس/آذار 2023".
لكن عمومًا الرئيس التونسي قيس سعيّد لم ينتظر ذلك الموعد ليعلن عن قراره بحلّ المجالس البلدية.
لأن الشأن المحلي يقوم على التمثيلية
إضافة الى المعطى القانوني المتعلق بضرورة احترام الآجال، لفتت جامعة البلديات إلى أن "تأكيد ضرورة الالتزام بالموعد الانتخابي يعود إلى الإيمان بأن فلسفة الشأن المحلي تقوم على انتخاب المتساكنين لمن يمثلهم بكامل الحرية سعيًا لتحقيق الصالح العام وفقًا لمبدأ التدبير الحر وفي إطار وحدة الدولة".
وأكدت، في هذا السياق، أن الانتخاب بشكل عام يمثل أداة هامة تتيح الإمكانية لصاحب السيادة الأصلي من ممارسة سيادته عن طريق ممثليه. وللانتخاب على المستوى المحلي أهمية مؤكدة بالنظر إلى علاقة القرب التي تربط المُنتخب بالمُنتخَب في إطار رقعة ترابية صغيرة الحجم، على خلاف الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تتميز إجمالًا بضعف الرابط المباشر الذي يصبغ العلاقة بين الطرفين، وفق ما جاء في الورقة السياسية ذاتها.
جامعة البلديات: الحديث عن تعيين نيابات خصوصية يعد إعادة إنتاج لآلية مؤقتة أثبتت ضعف نجاعتها وتمهيدًا لإمكانية إفراغ التجربة البلدية من أهم مبادئها
وشددت الجامعة الوطنية للبلديات على أن "أي خرق للبعد التمثيلي يفرغ المؤسسة البلدية من أحد أعمدتها ويفقدها الكثير من مقومات نجاحها في تسيير الشأن المحلي"، مردفة أن "خير دليل على ذلك تجربة النيابات الخصوصية التي مرت بها البلديات خلال المدة الممتدة من 2011 الى 2018".
وذكرت في هذا الصدد أنه "على الرغم من ضرورة تركيزها حينها (عن النيابات الخصوصية) نظرًا للوضع السياسي ما بعد الثورة، إلا أن عملها طيلة هذه السنوات شابه العديد من النقائص سواء في طريقة التسيير أو التأثير الإيجابي على الشأن والحياة البلدية ككل"، مشيرة إلى أن "أحد الأسباب الرئيسية لذلك تعود إلى آلية تعيين من ترأس وشارك في هذه الهياكل التي من المفترض أن تكون مهمتها مؤقتة في الزمن ومجالات العمل".
وعليه، أكدت الجامعة أن "الحديث عن تعيين نيابات خصوصية يعد إعادة إنتاج لآلية مؤقتة أثبتت ضعف نجاعتها، وتمهيدًا لإمكانية إفراغ التجربة البلدية من أهم مبادئها".
نعيد الإشارة في هذا السياق إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيّد لدى إعلانه قراره بحلّ المجالس البلدية، قال إنه سيقع تعويضها بنيابات خصوصية.
لأنه يجب المحافظة على اللامركزية كإطار عام للمجالس البلدية
ترى جامعة البلديات التونسية أن "إجراء الانتخابات البلدية لا يعد هدفًا في حد ذاته، بل هو وسيلة ضرورية لكي تتواصل تجربة المجالس البلدية بفلسفتها وإطارها العام القائم على التدبير الحر في إطار وحدة الدولة"، بما هو تكريس للامركزية.
جامعة البلديات: مجلة الجماعات المحلية والقانون الانتخابي تمثل أهم الأعمدة التي تستند إليها تجربة اللامركزية التي تعتبر مسارًا ثوريًا من حيث إعادة تشكيل طبيعة العلاقة بين السلطة المحلية والسلطة الجهوية والمركزية
وأكدت، في هذا الإطار، أن "مسار اللامركزية يعتبر مسارًا ثوريًا من حيث إعادة تشكيل طبيعة وميكانيزمات العلاقة بين السلطة المحلية والسلطة الجهوية والمركزية القائمة، على التكامل والتعاون فيما بينها، لا التنافر والتنازع نظرًا لوحدة الهدف المنشود والمتمثل في خدمة المواطنين بشكل أفضل".
غير أن هذا التغيير العميق، كأي تغيير جذري، يتوقف نجاحه على توفر العديد من العوامل السياسية والقانونية والإدارية والثقافية التي يتطلب تظافرها حيزًا زمنيًا هامًا يتجاوز بكثير المدة النيابية الأولى للمجالس البلدية، وفق ما تراه الجامعة الوطنية للبلديات، مذكرة أن تجربة اللامركزية لا تزال فتيّة وفي خطواتها الأولى.
وشددت الجامعة على أن "مجلة الجماعات المحلية والقانون الانتخابي أحد أهم الأعمدة التي تستند إليها تجربة اللامركزية"، مؤكدة ضرورة "المحافظة على المبادئ الجوهرية المكرسة بمجلة الجماعات المحلية والتي تهدف إلى تكريس فعلي للتدبير الحر للبلديات في إطار التكامل مع السلط الجهوية والمركزية".
حتى لا تتحول المجالس البلدية إلى هيكل شكلي في إطار التصور السياسي الجديد
على مستوى السياق السياسي الحالي، اعتبرت جامعة البلديات أنه يتميز بـ"بتصور سياسي غير مكتمل ومختلف للسلطة القائمة"، مؤكدة أن "الخطر الأكبر يتمثل في أن تتحول وظيفة المجلس البلدي الرئيسية من هيكل منتخب يتداول ويتخذ القرارات المتعلقة بالشأن المحلي إلى مجرد مجلس محلي مهمته تصعيد النواب من المحلي إلى الجهوي فالوطني".
جامعة البلديات: يقوم التصور السياسي الجديد للسلطة القائمة على إضعاف جميع المجالس المنتخبة محليًا وجهويًا ووطنيًا لفائدة مركزة السلطة بيد الجهاز التنفيذي وبالتحديد رئيس الجمهورية
بعبارة أخرى، يفقد المجلس المنتخب محليًا مجال حركته الواسع لفائدة المجلس الوطني، حسب تصوّرها، معقبة: "أكثر من ذلك، يقوم التصور الجديد على إضعاف جميع المجالس المنتخبة محليًا وجهويًا ووطنيًا لفائدة مركزة السلطة بيد الجهاز التنفيذي، وبالتحديد رئيس الجمهورية"، وفق تصورها.
وسبق أن نبّه رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية ورئيس بلدية رواد، عدنان بوعصيدة، في 30 ديسمبر/كانون الأول 2022، إلى أنّ "كل المؤشرات تدل اليوم على مخطط واضح لإنهاء مسار اللامركزية في تونس".
وأكد عدنان بوعصيدة، في مداخلة له على إذاعة "موزاييك" (محلية) أن نسف السلطة المحلية والعودة إلى قانون سنة 1975 المتعلق بالبلديات، بات واردًا منذ قرار إلغاء وزارة الشؤون المحلية وإحالة جميع هياكلها إلى وزارة الداخلية التونسية، وفق تقديره.
وينص القانون المؤرخ سنة 1975 المتعلق بالبلديات على أن "البلدية تحدث بأمر باقتراح من وزير الداخلية بعد أخذ رأي وزيري المال والتجهيز وينص الأمر المحدث لها على اسمها ومقرها ويضبط حدود منطقتها"، أي أنها لا تحدث بناء على انتخابات بلدية، مع الإشارة أن أول انتخابات بلدية في تونس انتظمت في 6 ماي/آيار 2018.
يذكر أنه كان قد صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، في عدده المنشور في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أمر رئاسي يتعلق بحذف وزارة الشؤون المحلية وإحالة مشمولاتها وإلحاق هياكلها المركزية والجهوية بوزارة الداخلية.