10-أغسطس-2022
دلال أبو آمنة

الفنانة الفلسطينية "دلال أبو آمنة" من سهرتها بمهرجان الحمامات الدولي

 

"كيف نشفى من حب فلسطين الذي يجري فينا مجرى النفس؟" إنها المعارضة الشعرية الراقية التي اصطفاها الشعب التونسي علانية لما قاله الشاعر محمود درويش ذات رحيل قاس، لكنه بدا ضروريًا في تلك اللحظة من أجل استحضار الحياة الأولى على أرض فلسطين عندما قال: "كيف نشفى من حب تونس الذي يجري فينا مجرى النفس.. سنلتقي غدًا على أرض أختك فلسطين.. هل نسينا شيئًا ورائنا؟ نعم، نسينا القلب، وتركنا فيك خير ما فينا.. تركنا فيك شهداءنا الذين نوصيك بهم خيرًا..".

تحضر فلسطين في تونس حضورًا أيقونيًا في أغلب الأنشطة الثقافية والسياسية والحقوقية والنقابية والطلابية والجمعياتية

يبدو أنه لا شفاء لتونس من هذا الحب وهذا الارتباط الموغل في الوجدانية والتفاصيل التاريخية والسياسية، فالشعب التونسي حوّل فلسطين إلى غنائية مجيدة تضيء الحاضر والمستقبل وتردّدها الأجيال عبر الأزمان في كل الأحيان.

في تونس، تحضر فلسطين حضورًا أيقونيًا ورمزيًا في أغلب الأنشطة الثقافية والسياسية والحقوقية والنقابية والطلابية والجمعياتية.. إنها كناية قصوى من النخب التونسية لقيمة إنسانية أساسية وهي "الحريّة" يتوخاها الجميع هنا رغم تبايناتهم السياسية والإيديولوجية. فأيّ معنى للحرية وأيّ قيمة لها وفلسطين محتلّة وشعبها مسلوب الحقوق على مرأى من العالم؟ هكذا تفهم تونس عمق القضية الفلسطينية، حتى إنّ تجريم التطبيع بجميع أشكاله تحوّل إلى نقاش شعبي، وطالب التونسيون طيلة العشرية الأخيرة بدسترة تجريم التطبيع وذلك ضمن فهم راق لما يحدث في العالم بخصوص فلسطين وحقوقها المشروعة.

تحضر فلسطين في برمجة المهرجانات التونسية إما حضورًا مباشرًا لفنانين فلسطينيين أو برمجة آخرين معروفين بمناصرتهم للقضية وترويجها في أعمالهم الإبداعية

داخل هذه السياقات التونسية العامة في علاقة بفلسطين الرمز، وضمن الأنشطة الثقافية المفتوحة خلال صائفة 2022 والممتدة من شمال تونس إلى جنوبها، تحضر فلسطين في برمجة المهرجانات سواء أكانت هذه المهرجانات دولية أو محلية، وقد يكون حضورها مباشرًا عبر برمجة فنانين فلسطينيين أو برمجة فنانين معروف عنهم مناصرتهم للقضية الفلسطينية وترويجها في أعمالهم الإبداعية.

الفنانة الفلسطينية "دلال أبو آمنة" كانت نجمة من نجوم المهرجانات التونسية لهذه السنة، فقد استضافها مهرجان الحمامات الدولي لسهرة الجمعة 5 أوت/ أغسطس 2022 وهو ثاني أهم تظاهرة صيفية بعد مهرجان قرطاج الدولي، فهو تحت رعاية مباشرة من قبل وزارة الثقافة التونسية، وطيلة العقود الخمسة من عمر المهرجان، فإن فلسطين لا تغيب عن مواعيده الفنية أبدًا. لقد تحوّل حضورها إلى تقليد أسهم بشكل من الأشكال في تأصيل الثقافة الفلسطينية لدى الأجيال التونسية.

 

 

وقد حضرت دلال أبو آمنة خلال تلك السهرة التي أمنتها فرقة المايسترو التونسي "محمد الأسود"، وكان حضورها الفلسطيني طاغيًا ومضيئًا صوتًا وموسيقى.. لقد كانت فلسطين متجلية من خلالها كقمر مكتمل على شاطئ الحمامات. وكان الجمهور في انتظارها بكثافة غير معهودة إجلالًا واحترامًا لفنها ومقدمها من الأرض الحبيبة "فلسطين"، فغنت من ألبوماتها المنشورة: "عن بلدي" و"يا ستّي" و"نور" وهي مشاريع فنية مستمدة من وجدان وتراث الشعب الفلسطيني. كما غنت الفنانة الفلسطينية من رصيد سيدة من سيدات الغناء التونسي وهي السيدة نعمة.

دلال أبو آمنة التي عرفها الجمهور التونسي والعربي عمومًا من خلال حضورها المتميز عبر شبكات التواصل الاجتماعي باستعادتها لمقاطع فنية وطربيّة منتقاة من كلاسيكيات الأغنية العربية والمواويل الشامية المفعمة بروح الشرق والموسيقى الرّحبانية، كانت وفية لنفسها وصوتها وأناقتها الفلسطينية. فهي لم تحرم جمهور تونس من تلك المقاطع التي تصادفه عبر إنستغرام أو فيسبوك.

دلال أبو آمنة كانت وفية في سهرتها بمهرجان الحمامات الدولي لنفسها وصوتها وأناقتها الفلسطينية، فكانت سفيرة فوق العادة للفن والثقافة الفلسطينيين

دلال أبو آمنة ابنة مدينة الناصرة بالشمال الفلسطيني والدكتورة المختصة في الأعصاب والمطربة ذات الصوت الرخيم، وقفت وغنّت فوق أحد أجمل وأعرق المسارح الرومانية التونسية وهو "المسرح الأثري بدقة" بالشمال الغربي التونسي (ولاية باجة) في إطار سهرة فلسطين بمهرجان دقة الدولي يوم 7 أوت/ أغسطس 2022. كانت دلال أبو آمنة عبر حضورها في تونس سفيرة فوق العادة للفن والثقافة الفلسطينيين، فهي لا تغني فقط بقدر ما تقدم تلك الروح الفلسطينية التي يبحث عنها المتلقي التونسي كلما أتيحت له الفرصة للالتقاء بالفن الفلسطيني.

ودلال أبو آمنة في إحيائها لفلسطين وذكراها وثقافتها من خلال مشاريع موسيقية عميقة، فهي تعمل على تطوير المفردة الموسيقية الفلسطينية بأسلوب تحافظ من خلاله على أصالتها ويحاكي في نفس الوقت الأجيال الجديدة، وقد مثلت أبو آمنة فلسطين في العديد من المحافل الثقافية العالمية والمهرجانات العربية الشهيرة.

 

 

ومن الفنانين الفلسطينيين الذين لمعوا في تونس خلال صيف 2022، نجد الفنان المثقف وعازف البيانو "فرج سليمان" الذي اعتلى ركح المسرح الأثري بقرطاج يوم 28 جويلية/ يوليو 2022 ضمن سهرة شبابية مشتركة مع الأخوين التونسيين نور وسليم عرجون. قدم من خلالها الفنان الفلسطيني صورة غير نمطية عن الموسيقى الفلسطينية، فهو يمزج بين القديم والحديث في مستوى الألحان ويربطها بالإيقاع اليومي للفلسطينيين فتأتي الموسيقى شبيهة بمشاعر الناس وتقول تفاصيلهم.

فرج سليمان يتحرك ضمن إطار موسيقى الجاز وأنماط موسيقية غير شرقية متأتية من زخم ثقافة أمريكا اللاتينية والتي يعتبرها الفنان أطرًا فنية إنسانية لأنها تنفذ إلى قلب الإنسان مباشرة من دون أي حاجز ثقافي ويقوم بدمجها مع الموسيقى الفلسطينية مستخدمًا آلات غربية مثل البيانو والجيتار وأدوات النفخ كالفليت والترونبات.

 

صورة لعازف البيانو فرج سليمان من صفحة مهرجان قرطاج الدولي

 

فرج سليمان ضمن حفله بمهرجان قرطاج الدولي لم يكن مغنيًا بصوت عذب، بل كان حكواتيًا بلهجة فلسطينية أصيلة متجذرة، يروي قصص الفلسطينيين والمدن والقرى الفلسطينية والشارع الفلسطيني بما حوى من علامات وأصوات وروائح ومشاعر الحزن و الفرح.. ليقول للمتلقي أينما كان إن فلسطين هي أم البدايات وأم النهايات، وما بين ذلك هناك شعب له تاريخ ضارب في القدم هو الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود. 

وقد غنى فرج سليمان من رصيده الشخصي الذي ساعد في كتابته رفيقه "مجد كيال": "إسّا جاي" و"أحلى من برلين" و"قصة بلا حبّ" و"صندوق ألعاب" و"البيت الثاني" و"شارع يافا"  و"في أسئلة برأسي".

الفنان الفلسطيني المجدد فرج سليمان تحدث بحب عن تونس قائلًا: "تونس هي أكثر الأماكن أمنًا بالنسبة للفلسطينيين.." وقد كانت تلك الكلمات كافية لاستنهاض همة الجمهور الذي صفق لفلسطين طويلًا.

 

 

تحضر فلسطين أيضًا في سياق جولة الفنان اللبناني الملتزم "مارسيل خليفة" الذي أعد عرضًا بعنوان "محمود مارسيل وأنا" تنقل به إلى عدة مهرجانات تونسية دولية ومحلية.. ومعروف عن مارسيل خليفة نصرته للقضية الفلسطينية فهو يغنيها في كل العالم. وعرضه الجديد الذي تتجلى من خلاله العلاقة الوجدانية التي جمعته بالشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش يشي مرة أخرى بمدى التزام مارسيل بمبادئه التي عرف بها.

كما لم تغب فلسطين عن فعاليات "مهرجان الزين الصافي للأغنية الملتزمة بقليبية" من ولاية نابل وهو مهرجان يؤسس للثقافة الحقوقية عن طريق الموسيقى والفن وفلسطين تعد خطًا أساسيًا من خطوطه.

إن فلسطين وثقافتها وتاريخها وفنونها وآدابها ومسرحها وسينمائها، تعتبر جوهرًا في الأنشطة الثقافية التونسية لا تغيب عنا ولا نغيب عنها في تماه عفوي يحمل رسالة قوية إلى العالم بأسره.