16-مايو-2021

دعوة لتغيير برامج التعليم في اتجاه فلسطين وصوب قضيتها الثابتة والتي لا تلين مع الأيام (ياسين القايدي/ الأناضول)

 

مقال رأي

 

كنت في لحظة متابعة للتطورات السريعة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة تلك الهجمة الحربية التي نفذها طيران الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر ودمر بنيته التحتية وقتل مدنيين عزل من بينهم أطفال، وانتفاضة عرب الداخل الفلسطيني إثر مداهمات شرطة الاحتلال لحي الشيخ جراح بالقدس ومحاولاتهم إخراج عائلات فلسطينية بالقوة من منازلهم وتوطين يهود بدلهم، وتلك الاستفزازات المتعمدة والمتكررة على بوابات المسجد الأقصى في الأيام الأخيرة من شهر رمضان وما تلاها من اعتداءات طالت اقتحام باحات المسجد من قبل شرطة الاحتلال.. عندما باغتتني ابنتي ذات العشر سنوات بالسؤال عن الحق الفلسطيني والقضية الفلسطينية؟ 

فاجأني سؤال ابنتي وشعرت بخطورته لأني من خلاله أدركت أن الأجيال التونسية الجديدة لا تعرف الكثير عن القضية الفلسطينية، بل هي لا تعرف تاريخها ولا ملابسات الاحتلال لأرض فلسطين

فاجأني سؤالها وشعرت بخطورته لأني من خلاله أدركت أن الأجيال التونسية الجديدة لا تعرف الكثير عن القضية الفلسطينية، بل هي لا تعرف تاريخها ولا ملابسات الاحتلال لأرض فلسطين ولا تعرف الجوانب السياسية الحافة بالقضية ولا تعرف معاناة الفلسطينيين تحت نير استعمار غاشم وهم فوق أرضهم وحذو المقدسات الإسلامية والمسيحية... ويقنت أنه ثمة تقصير ما يجعل من اسم فلسطين غير ناصع في أذهان أجيال المستقبل وهو جزء من مخططات صهيونية تريد للحق الفلسطيني النسيان.

اقرأ/ي أيضًا: تجريم التطبيع.. مبادرات تشريعية متعددة والتفعيل غائب في تونس

كانت ابنتي ذات العشر سنوات مندهشة وأنا أحدثها عن الحق الفلسطيني المسلوب والذي بدأ الصهاينة يخططون له منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في سنة 1897 بالتحالف مع الانتداب البريطاني والوعد الشهير لوزير خارجية بريطانيا اللورد آرثر جيمس بلفور سنة 1917 والذي ينص حرفيًا "أن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية.." وهو ما تم فعلاً  فبعد انسحاب البريطانيين وانتهاء الانتداب أعلن اليهود عن قيام دولتهم المزعومة في 14 ماي/آيار 1948 والتي انغرست في الجسم الفلسطيني إلى اليوم.. وهنا قاطعتني ابنتي قائلة "وماذا كان مصير الفلسطينيين؟". 

أجبتها أنهم عانوا كل الويلات من تهجير قسري من قراهم وأريافهم ومنازلهم فقد ذهب اليهود الإسرائيليون الذين حلوا في إطار هجرات توطين إلى تكوين عصابات إجرامية تحدت الفلسطينيين الرافضين للقرارات البريطانية فروّعتهم لسنوات طويلة ومن أشهر هذه  عصابات "هاجاناه " التي كان لها فروع وأزياء خاصة بها وتمتلك أسلحة و"إستل" و"أرغون" و"شتيرن".. وقد ارتكبت هذه العصابات مجازر عديدة على مرأى من العالم راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين والتي من أشهرها مجزرة دير ياسين ومجد الكروم ومذبحة حيفا ومذبحة قلقيلية وأغلبها حدث في النصف الأول من القرن العشرين.

ثمة تقصير ما يجعل من اسم فلسطين غير ناصع في أذهان أجيال المستقبل وهو جزء من مخططات صهيونية تريد للحق الفلسطيني النسيان

وبينت لها أن كل ذلك كان مقصودًا من أجل هروب الفلسطينيين وإجبارهم على الخروج بلا عودة، وهو ما تم إذ يقيم الآن في الشتات ملايين الفلسطينيين. وسألتني "أ لم يحارب العرب وهو كثرّ؟".

أجبتها أن الشعوب العربية والاسلامية متضامنة مع الشعب الفلسطيني ونصرته ولا تزال تنصره إلى اليوم وقد قادوا حربين شهيرتين منيتا بالهزيمة والخسران الأولى سنة 1948 وقد عرفت بحرب النكبة واندلعت على إثر القرار الأممي لسنة 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين. والثانية سنة 1967 وعرفت بحرب النكسة وشاركت فيها كل من العراق ومصر وسوريا والأردن وراح ضحيتها حوالي 25 ألف جندي ومدني عربي.  

وأوضحت للبنية الصغيرة أن الفلسطينيين استعملوا كل المتاح من أجل استرجاع حقهم فذهبوا للتفاوض في أوسلو ومدريد بعد أن وقعوا اتفاقية سلام سنة 1993 وذلك من أجل إرساء حكم ذاتي في الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة في انتظار قيام الدولة الفلسطينية، ولكنهم في نفس الوقت لم يستكينوا للتفاوض بل أسسوا للمقاومة التي تحولت إلى قيمة من قيم نصرة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المحتل..

اضطرت البنية لمقاطعتي فسألتني عن المقاومة؟ وقلت: المقاومة هي أن تذهب لتفتك حقك بنفس القوة التي استعملت لسلبك إياه... وحدثتها عن انتفاضات أطفال الحجارة في التسعينيات وانتفاضة الأقصى سنة 2000 وتأسيس الكتائب المسلحة الشهيرة (كتائب الشهيد عز الدين القسام وكتائب أبو علي مصطفى وكتائب عبد الله عزام وسرايا القدس..). 

وسألتني عن تونس ودعمها للقضية الفلسطينية؟ أجبتها أن الشعب التونسي لم يتأخر يومًا في نصرة فلسطين وشعبها وأوضحت لها أن التونسيين تطوعوا للقتال إلى جانب الفلسطينيين. كما استقبلت تونس سنة 1982 بعد حصار بيروت أغلب القيادات الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات الذين قضوا أكثر من عشر سنوات بيننا، كما حدثتها والدهشة تملأ وجهها الطفولي عن القصف الإسرائيلي لمدينة حمام الشط سنة 1985 أين كان يقطن أغلب الفلسطينيين.

اقرأ/ي أيضًا: عملية الساق الخشبية.. مجزرة إسرائيلية على أراضي تونس

إن هذه المذاكرة للتاريخ الفلسطيني والحق الفلسطيني المسلوب وتفسير دور المقاومة والجهد الذي بذلته من أجل إنارة ذهن بنية في العاشرة من عمرها يجعلني أتساءل بشدة عن غياب "الدرس الفلسطيني" عن مقررات المدرسة التونسية بمختلف مستوياتها. 

تغيب فلسطين عن المدرسة التونسية فعدا درس يتيم ومختصر في مستوى الباكالوريا اختصاص آداب لا يوجد ذكر للقضية الفلسطينية بوضوح واستفاضة

فبعد بحث وتحقيق أجد أن فلسطين تغيب عن المدرسة التونسية فعدا درس يتيم ومختصر في مستوى الباكالوريا اختصاص آداب لا يوجد ذكر للقضية الفلسطينية بوضوح واستفاضة، وحتى النصوص الشعرية والأدبية المدرجة في بعض المحاور لكتّاب فلسطينيين فإنه لا يتجاوز مدى شرحها الجوانب الفنية والجمالية لا غير. 

كما لا تحتفل المدرسة التونسية بالمواعيد والتواريخ الهامة التي تهم القضية الفلسطينية مثل يوم الأرض ويوم الشهيد وغيرها، إذ يبقى التلميذ التونسي بعيدًا عن القضية الفلسطينية إلى حدود ذهابه إلى الجامعة حيث تتكفل بتثقيفه وتأطيره النقابات الطلابية بمختلف أجنحتها غالبًا والتي لا تزال إلى اليوم تحمل الحق الفلسطيني بين جنباتها جيلاً بعد جيل.  

إن تونس بعد الثورة لا يمكن أن تثنيها الجهات المانحة أو كما كان يحصل في العهد النوفمبري من إدراج القضية الفلسطينية أو غيرها من المحاور والقضايا في برامج التعليم، إذ يمكن لنا الآن ومن دون تردد أن نجعل القضية الفلسطينية مركزًا في محاور مادة التاريخ وتخصيص درس لجغرافيا فلسطين، وتخصيص قسم للأدب الفلسطيني بكل اللغات في مختلف المستويات وذلك من أجل ترسيخ صورة فلسطين ناصعة في أذهان الأجيال الجديدة.

تونس بعد الثورة لا يمكن أن تثنيها الجهات المانحة أو كما كان يحصل في العهد النوفمبري من إدراج القضية الفلسطينية أو غيرها من المحاور والقضايا في برامج التعليم

لقد بات ذلك حتمية تاريخية وجمالية وحضارية، إذ من شأنه أن ينشئ الطفل التونسي على الإيمان بالحق ونصرة القضايا الإنسانية العادلة ونبذ الاستعمار بأشكاله وألوانه وتعميق الشعور لديه بالانتماء إلى الفضاء العربي الإسلامي والوقوف مع الشعوب في استرداد حقوقها المسلوبة.

وأعتقد أن الهبّة الإنسانية الحاصلة الآن في العالم من أجل دعم فلسطين وشعبها هي بمثابة الحافز للإرادة السياسية التونسية حتى تغير من برامج التعليم في اتجاه فلسطين وصوب قضيتها الثابتة والتي لا تلين مع الأيام.            

    

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس في المؤشر العربي.. الأعلى ديمقراطيًا و93% ضد الاعتراف بإسرائيل

م.ت.ف في تونس.. وداعًا أيها السلاح