18-نوفمبر-2020

تضمّن مشروع المجلة تعديلات جوهرية على المنظومة الإجرائية الجزائية (Getty)

 

بعد تعرّضنا في الجزء الأول للكتب الثلاثة الأولى من مشروع مجلة الإجراءات الجزائية، نواصل في الجزء الثاني تناول بقية كتب المشروع المكوّن تذكيرًا من 631 فصلًا موزعًا على 7 كتب مقارنة بـ377 فصلًا في المجلة الحالية.

اقرأ/ي أيضًا: عين على مشروع مجلة الإجراءات الجزائية (2/1)

الكتاب الرابع: في محاكم القضاء والقانون

ينظم هذا الكتاب عمل محاكم الأصل إضافة لمحكمة التعقيب، ولم يتضمّن تغييرات جوهرية عدا ما تم بموجب التغييرات المُقترحة، إذ حدد الفصل 371 تفصيلًا لتركيبة المحكمة الابتدائية التي تضم قضاء جالسين (حاكم تحقيق ودائرة حقوق وحريات في طور التحقيق، ودوائر جنائية وجناحية وقضاء فردي في  طور المحاكمة، وقاضي تطبيق العقوبات ودائرة تطبيق العقوبات وقاضي السجل العادي في طور التنفيذ) وقضاة النيابة العمومية.

وخصص الباب أول للأحكام التمهيدية لتنظيم الاستدعاء عبر ضبط دقيق لشكلياته (9 فصول) وإضافة صورة الاستدعاء الإلكتروني، وأيضًا مسألة حضور المتهمين. وتضمن الفصل 299 من مشروع المجلة حالات تبيح عدم حضور المتهم في الجلسة منها إن كانت الجريمة لا تتجاوز عقوبتها سنتين. وفي إطار المواكبة للتطور التكنولوجي أيضًا، نص الفصل 308 من المشروع على إمكانية استعمال وسائل التسجيل التكنولوجية السمعية أو البصرية لتدوين ما يدور بالمحاكمة، كما يمكن للدفاع تقديم عرض مرافعته بوسائل العرض التكنولوجية السمعية والبصرية بشرط تقديم مطلب كتابي قبل الجلسة. وتأكيدًا لفاعلية الاستدعاء الإلكتروني، يصدر الحكم حضوريًا بالاعتبار، أي لا يعد غيابيًا، وذلك في صورة عدم حضور المتهم للجلسة رغم استدعائه عبر البريد الإلكتروني الشخصي.

يقترح مشروع المجلة تقليص عدد أعضاء الدائرة الجنائية الابتدائية من 5 إلى 3 قضاة مع الابقاء على التركيبة الخماسية في الدائرة الجنائية الاستئنافية

وفي خصوص المحاكم من حيث اختصاصها وتركيبتها، تحل بعض التعديلات اللافتة أهمها أن استئناف قاضي الناحية في الأحكام الجزائية بات يُنظر فيه من طرف القاضي المنفرد بدل الدائرة الجناحية كماهو معمول به حاليًا وذلك بعنوان تخفيف الضغط المسلط على هذه الدوائر مع تقليص عدد أعضاء الدائرة الجنائية الابتدائية من 5 إلى 3 قضاة مع الإبقاء على التركيبة الخماسية في الدارة الجنائية الاستئنافية. وفي التعقيب، قنّنت المجلة العمل الجاري به بتعيين مقرر أو اثنين  من خارج تركيبة الدوائر المجتمعة لإعداد تقرير في موضوع القضية المحالة على الداوئر حال اجتماعها.

وكلّ هذه الإضافات سواء فيما يهمّ التركيبة والاختصاص، والتي يكتسي بعضها خطورة منها تثليث الدائرة الجنائية ابتدائيًا، تستوجب تعميق النقاشات حولها، ليس فقط بتقدير ثبوت النجاعة لما هو جاري به العمل، بل أيضًا ربطها بمحاور أخرى منها ضمان تعزيز تكوين القضاة بالخصوص على مستوى الدوائر الجنائية الابتدائية، وهو حذر تفطنت له اللجنة بتمكينها صراحة لإمكانية الاستعانة بقاض أو أكثر في تركيبة هذه الدوائر في "القضايا التي تستوجب محاكمات طويلة".

الكتاب الخامس: في طرق الطعن

جمّعت لجنة مراجعة مجلة الإجراءات الجزائية طرق الطعن في كتاب واحد، يضمّ أحكامًا مشتركة ثم قسم خاص بكل طعن، بعد أن كانت متفرقة في أقسام مختلفة في المجلة الحالية. ويضم هذا الكتاب واحدة من أهم خصائص المشروع المقترح وهو التبويب وحسن التنظيم بتجميع الأحكام التي تشترك ذات الموضوع.

اقرأ/ي أيضًا: لتنقيح مجلة الأحوال الشخصية.. إليكم مقترحات لجنة الحريات الفردية والمساواة

وفي باب الأحكام المشتركة، نظم الفصل 385 مسألة الرجوع في الطعن بعدما أثاره من إشكاليات تطبيقية بسبب عدم وضوح النص أو سكوته، ونص على مبدأ الرجوع من جميع الأطراف دون النيابة العمومية، مع مبدأ الرجوع الكتابي مع إمكانية الرجوع الشفاهي من الطاعن شخصيًا، مع عدم إمكانية الرجوع على الرجوع إضافة لتنظيم مسألة الرجوع الصادر من المحامي (موافقة المنوّب بأثر كتابي).

وطرق الطعن هي ثلاثة، وهي الاعتراض والاستئناف والتعقيب إضافة للطعون الخاصة بمحكمة التعقيب (الالتماس والاستجلاب والتعديل والخطأ البين ومصلحة القانون).

وعرّفت اللجنة، في الاعتراض، الحكم الغيابي نظرًا للخلاف بين المحاكم والشراح في طبيعته القانونية أحيانًا، باعتباره "حكم غير نهائي الدرجة وصدر دون حضور المحكوم عليه" (الفصل 388). وألزمت بتأجيل الجلسة المخصصة للنظر في الاعتراض في صورة عدم قيام الطاعن باستدعاء القائم بالحق الشخصي، وذلك في إطار تفادي رفض الاعتراض شكلًا بصورة آلية، ولمنح الأطراف للدفاع عن حقوقهم تفعيلًا لمبدأ المواجهة، كما قدّمت اللجنة تأسيسًا. كما تم التنصيص على إمكانية الاعتراض من نائب المحكوم عليه تبنيًا من اللجنة لقرارات سابقة للدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب. وهذان الإجراءان الجديدان اللذان يأتيان لصالح المحكوم، يقابله إجراء آخر محدث في ذات الفصل لصالح المتضرر الذي بات له مباشرة الدعوى المدنية في القضية الاعتراضية ولو لم يسبق القيام في القضية الأصلية.

وفيما يتعلق بالاستئناف، أُلغي، في استئناف القائم بالحق الشخصي، قيد أن يكون هذا الاستئناف "في خصوص حقوقه المدنية فقط" (الفصل 210 من المجلة) ليصبح حقه في هذا الطعن مطلقًا دون قيد، لتحسم اللجنة في واحدة من أكثر المسائل التي أثارها الشراح وتناولتها المحاكم كلما جاء الحديث عن هذا الطعن. وقدمت اللجنة 4 مسوغّات لتوجهها وهي حق المتضرر في إثبات الجرم في إطار الدفاع عن حقوقه المدنية، وحماية المتضرر (الرفض شكلًا حال عدم معاضدة النيابة)، وما أثبته التطبيق القضائي أن دفاعات المتضرر تتأسس على الدعوى العمومية لـ"وجود عروى وثقى" بينهما وذلك إضافة لقاعدة العدل والإنصاف ومبدأ التوازن بين مصالح الأطراف. والنقطة الثانية المستجدة، في هذا الطعن، هو أنه لم يعد من الجائز أن تبت محكمة الاستئناف في الأصل لأول مرة إثر النظر في مسألة الاختصاص تكريسًا لمبدأ التقاضي على درجتين.

بات حال الطعن لنفس السبب للمرة الثانية، تفصل مباشرة الدوائر المجتمعة دون الحاجة أن يكون قرارها واجب الاتباع من طرف محكمة الإحالة

وفيما يتعلق بالتعقيب وعلى غرار الاستئناف، أصبح طعن القائم بالحق الشعبي مطلقًا دون قيد، كما اُحدثت تعديلات بخصوص إجراءات مطلب التعقيب (إلغاء إعلام المعقب ضده/إلغاء استدعاء الطاعن في أجل شهر) وظهرت رغبة في تقليص الآجال كإمكانية طلب اختصار آجال البت (الفصل 413)، وضبط النيابة بأجل لتحرير مستندات الطعن (الفصل 414)، والحط من آجال مطلب تعقيب وكيل الدولة العام من 60 إلى 20 يومًا (الفصل 417)، وإجمالًا تحدد أجل 4 أشهر كأجل أقصى للنظر في القضية في الطور التعقيبي. وتم إحداث مبدأ جديد وهو إيقاف مطلب التعقيب للتنفيذ مثله مثل الاستئناف تكريسًا لقرينة البراءة. وبات حال الطعن لنفس السبب للمرة الثانية، تفصل مباشرة الدوائر المجتمعة دون الحاجة أن يكون قرارها واجب الاتباع من طرف محكمة الإحالة (الفصل 424).

وفيما يتعلق بالطعون الخاصة لدى محكمة التعقيب، تم تنظيم تعقيب قرارات دائرة الحقوق والحريات بشكل شبيه لتعقيب قرارات دائرة الاتهام حاليًا مع بعض التعديلات أهمها إقرار عدم جواز التعقيب في نفس القضية إلا مرة واحدة للحد من التعسف في الطعن بالتعقيب. كما أقر المشروع التعقيب بسبب الخطأ البين وهو الذي لم تكرسه المجلة حاليًا ولكن كرسته محكمة التعقيب قياسًا على الإجراءات المدنية باعتبارها "النص الإجرائي العام". وعُوّض مصطلح "التماس إعادة النظر" بمصطلح "مراجعة المحاكمة الجزائية" مع إضافة سبب لهذه المراجعة وهو صدور قرار من محكمة إقليمية ودولية قضى بإبطال حكم تونسي لخرق إجراءات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع، وذلك تماشيًا مع انفتاح القضاء التونسي على المحيط القضائي الإقليمي والدولي في القانون الجزائي الدولي والاتفاقيات الدولية، وفق اللجنة.

الكتاب السادس: في بعض الإجراءات الخاصة

جمّع المشروع بعض المسائل الفرعية في كتاب واحد بعنوان "بعض الإجراءات الخاصة" تضمن بالخصوص تنظيمًا لـ7 مسائل هي التدليس، وتلقي شهادة أعضاء الحكومة أو ممثلي الدول والمنظمات الأجنبية، والجرائم المجلسية، والتجريح في القضاة، والجرائم المرتكبة بالخارج، وتسليم المتهمين والمحكوم عليه للأجانب وأخيرًا مسألة التعويض للمحتفظ بهم أو الموقوفين أو المحكوم عليهم الذين ثبتت براءتهم. وجميع المسائل الست الأول تناولتها المجلة الحالية عدا المسألة السابعة المنظمة حاليًا في قانون مستقل.

ولم ينص المشروع على تغييرات جوهرية تذكر مقارنة بالأحكام الحالية ولعل أهم تعديل شمل المسألة الرابعة، المتعلقة بالتجريح في القضاة، بإقرار مبدأ التجريح في قضاة النيابة العمومية، مع التذكير أن الفصل 279 من المجلة حاليًا يمنع ذلك رغم إصدار الدوائر المجتمعة في الفترة الأخيرة قرارات مخالفة لذلك. كما نص المشروع على تعديلات بسيطة عدا منها استعمال مصطلح "التدليس" بدل "الزور" في المسألة الأولى.

أقرّ مشروع مجلة الإجراءات الجزائية مبدأ التجريح في قضاة النيابة العمومية

وفي المسألة السابعة، بررت اللجنة تضمين أحكام القانون عدد 94 لسنة 2000 في المجلة الجديدة للعلاقة المتينة بين أحكام القانون ومجال الإجراءات الجزائية عدا أن إجراءات التعويض في التشريعات المقارنة منظمة ضمن مجلات الإجرءات الجزائية، وتكاد اللجنة نسخت أحكام القانون مع تعديلات بسيطة محدودة أهمها تقديم مطلب التعويض لدى المحكمة الابتدائية وليس لدى محكمة الاستئناف بتونس وإقرار مبدأ الطعن بالاستئناف في هذا الصنف من المطالب تطبيقًا لمبدأ التقاضي على درجتين، والترفيع في أجل تقديم المطلب من 6 أشهر إلى عام من تاريخ الحكم المعني، وعمومًا يخلص أن التعديلات تأتي في اتجاه فلسفة المشروع في اتجاه تأمين حقوق المتهم/المحكوم عليه والمتضرر، والمعني بالأمر يجمع واقعًا بين هذه الصفتين، فهو كان متهمًا أو محكومًا عليه في البداية وتحول إلى متضرر في النهاية يحق له طلب التعويض من الدولة.

الكتاب السابع: في إجراءات التنفيذ

يعدّ هذا الكتاب الذي يضم 110 فصلًا (من 522 إلى 631) واحدًا من أهم كتب المشروع إن لم يكن أهمها، إذ يرسي المشرع من خلاله نظامًا واضحًا للتنفيذ في المادة الجزائية، ليس فقط واضح المعالم وحسن التبويب في المجلة حاليًا، بل تضمن تعزيزًا لأنسنة العقوبة وحسن تطبيقها وضمان مراقبتها، وفي اتجاه تعميق انغراس المشرع التونسي تحت مظلة آخر ما استجدّ في القانون المقارن في مسألة تنفيذ العقوبة، التي ظلت لعقود مسألة مُهملة بل يُنظر إليها كمرحلة ما بعد قضائية، فلا تحظى بالعناية التشريعية اللازمة ولا بالاهتمام الواقعي المطلوب.

يمثل الفصل 522 عنوان تأسيس واضح: تنفيذ العقوبة تحت إشراف ورقابة السلطة القضائية، ويتولى التنفيذ من النيابة العمومية أو من قاضي تطبيق العقوبات عند الاقتضاء، مع حق النيابة في الاستنجاد بالقوة العامة، فيما "يتتبع التنفيذ" الخصوم ومديرو السجون وقباض المالية. والمستجد فيما يخصّ قاضي تطبيق العقوبات هو توسيع صلاحياته مقارنة بتلك المُسندة إلى قاضي تنفيذ العقوبات حاليًا، فهو لا يراقب فقط تنفيذ العقوبة السجنية بل أيضًا وخصوصًا يتابع تنفيذ العقوبات البديلة التي تم توسيع مجالها.

اقرأ/ي أيضًا: ثورة تشريعية.. ماهي أهم التنقيحات المنتظرة في المجلة الجزائية؟

فقاضي تطبيق العقوبات يراقب تنفيذ العقوبات ومتابعة الموقوفين مع تعزيز المشروع لنجاعة هذه الرقابة عبر الزيارة الأسبوعية "على الأقل" للسجن وليس الزيارة كل شهرين كما ينص التشريع الحالي، مع إحالة تقريرين في السنة لسلطة الإشراف وليس تقرير واحد كما هو الشأن الآن. والجانب الإنساني في التنفيذ عكسه بالخصوص التوسيع في حالات الترخيص للخروج من المؤسسة التشريعية بغاية مزيد تدعيم الروابط العائلية (زيارة الزوج أو الأصول أو الفروع عند المرض الشديد/ الجنازة بما يشمل حتى الأصهار والأخوال والأعمام/ زواج الفرع الأول/اجتياز مناظرة لها علاقة بمستقبله)، عدا عن التمكين من رخص خروج لمدة 5 أيام كل شهر وفق شروط محددة (آخر 3 أشهر في التنفيذ وحسن السلوك).

كما يمكن لقاضي التطبيق تعديل عقوبة السجن المحكوم بها وفق شروط (الفصل 546)، وتشمل البدائل نظام العمل لفائدة المصلحة العامة والمراقبة الإلكترونية ونظام نصف الحرية والتعويض الجزائي والغرامة اليومية، وذلك مع إمكانية الحط من العقوبة السجنية وفق ضوابط (3 أشهر عن كل سنة للمبتدئ وشهران عن كل سنة للعائد) بعد توفر الشروط (السلوك الإيجابي والانضباط وقابلية الاندماج). وإن العقوبات البديلة المذكورة تمثل ثورة في منظمة تنفيذ العقوبات في تونس، فعدا المراقبة الإلكترونية، تشجعت اللجنة على إقحام نظام نصف الحرية وهو الخروج من السجن لفترة أقصاها من السابعة صباحًا إلى السابعة مساءً لأسباب متعددة (منها مزاولة التعليم أو التكوين) مع إمكانية فرض شروط (كعدم الاتصال بالمتضرر أو ارتياد بعض الأماكن أو مخالطة بعض الأشخاص). كما أقر المشروع مؤسسة المصاحبة القضائية في كل محكمة ابتدائية لمتابعة تنفيذ العقوبات، وهي تضم موظفين من إدارة السجون ومختصين في العمل الاجتماعي والنفسي يعملون تحت إشراف قاضي تطبيق العقوبات. كما اُحدثت دائرة ثلاثية التركيبة لتطبيق العقوبات تنظر في الطعون والقرارات الصادرة عن قاضي التطبيق، فيما تختص بالنظر في منح السراح الشرطي بناء على اقتراح لجنة السراح.

يعدّ كتاب "في إجراءات التنفيذ" من أهم كتب مشروع المجلة إن لم يكن أهمها، إذ يرسي المشرع من خلاله نظامًا واضحًا للتنفيذ في المادة الجزائية، ليس فقط واضح المعالم وحسن التبويب في المجلة حاليًا، بل تضمن تعزيزًا لأنسنة العقوبة وحسن تطبيقها وضمان مراقبتها

ويحفل هذا الكتاب من المجلة المُقترحة بالتعديلات ذات النفس الإنساني في عديد المواضع المختلفة ومن ذلك أن الخطية لا تتحول إلى الجبر القضائي إذا كان مبلغها لا يتجاوز 100 دينار (حاليًا يوم واحد سجن عن كل 3 دنانير)، وإلغاء المنع الآلي من الإقامة دون رخصة في صورة سقوط العقوبة، وبالخصوص، فيما يهم السراح الشرطي، حذف شرط المدة الدنيا المقدرة بـ3 أشهر للمبتدئ و6 أشهر للعائد حتى لا يقع حرمان المحكوم عليه بمدة قصيرة من التمتع بالسراح. كما تلوح محاور التجديد من خلال رقابة الوكيل العام على السجل العدلي مع التمييز بين السجل الخاص بالأشخاص الطبيعيين والسجل الخاص بالأشخاص المعنويين، وذلك مع إحداث مؤسسة قاضي السجل العدلي.

وإن إعلاء صوت السلطة القضائية وتأكيد استقلاليتها بل وعلّو كعبها على السلطة التنفيذية في تنفيذ العقوبة يتجلّى بالخصوص من خلال تقييد حق رئيس الجمهورية في إعلان العفو الخاص بوصفها ليس حقًا مطلقًا بل خاضع للتقييد وفق قراءة متكاملة للدستور (الفصول 21 و30 و49 و146)، فالعفو عدا أنه يُمارس بموجب تقرير من وزارة العدل وفق رأي لجنة العفو، مقيد بثلاث حالات لا غير (عدم توفر شروط مراجعة الأحكام أو إذا لم تُنشر أو طال نشر قضية المراجعة الجزائية أو في صورة عدم التناسب الواضح بين العقوبة وخطورة الأفعال).

وأما بعد

يعدّ مشروع مجلة الإجراءات الجزائية مشروعًا تأسيسيًا في المنظومة القانونية التونسية، فهو جاء لتجاوز الإخلالات والنقائص على النحو الذي أفرزه تطبيق المجلة الحالية بعد نصف قرن، ولإخضاع قواعد المسائل الإجرائية الجزائية للقواعد الدستورية الواردة في دستور 2014، إضافة للأخذ بما بلغت إليه أحدث التوجهات التشريعية للمادة الإجرائية في القوانين المقارنة.

قامت اللجنة بعمل جبّار إثر عمل دام 5 سنوات، ولعلّ عمق الجراحة التشريعية المُقترحة شكلًا ومضمونًا والملاحظات التفصيلية والإحالات للقوانين المقارنة خير دليل، وما على الحكومة وأهل الاختصاص الآن إلا إخضاع هذا المشروع لمزيد التشريح والتفصيل في إطار الاستشارات تحت رعاية وزارة العدل والشركاء من مجلس أعلى للقضاء، وهياكل مهن الأسرة القضائية من قضاة ومحامين وكتبة إضافة للجامعيين، وهو مسار تشاركي من المُستحسن أن تضبطه الوزارة بجدول زمني ومن ثم صياغة المشروع النهائي ليُحال لمجلس الوزراء ومنه للبرلمان الذي يجب عليه فتح ورشة استشارات جديدة، محدودة في الزمن بالنظر للمسار الاستشاري لإعداد المشروع نفسه، وذلك مع إعطاء المشروع الأولوية اللازمة في برنامج عمل اللجنة البرلمانية المُختصة، وذلك للتسريع في عرضه على الجلسة العامة والمصادقة عليه، كي لا يطول الانتظار أكثر مما طال لسنوات. والمؤكد أن بعض كل هذا المخاض الطويل والعسير في آن، سيفخر التونسيون أمام العالم بمجلة قانونية رائدة، هي نموذج لتحديث المادة الإجرائية الجزائية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المهر في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة (3/1)

المهر في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة (3/2)

المهر في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة (3/3)