22-يونيو-2018

المهر هي إحدى المسائل المطروحة في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة

تضمن تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، وتحديدًا في جزئه الثاني المتعلق بالمساواة، فقرة ثالثة خاصة بشروط الزواج تعرّضت في نقطة أولى لمسألة المهر في الزواج كـ"إحدى ثلاث مسائل تستحق المراجعة لتخليص شروط الزواج من بعض الحلول التي تمسّ من كرامة المرأة وحقها في المساواة التامة مع الرجل"، وذلك كما مهّدت اللجنة في تقريرها حين طرقه هذا المبحث.

واعتبرت اللجنة أن أولى المآخذ على المهر على النحو المنظم في مجلة الأحوال الشخصية هو "إخلاله بكرامة الزوجة"، بيد أنها مهّدت بتأكيد طبيعة المهر بما هو في معنى إكرام المرأة إذ هو "في بعده الرمزي هدية للزوجة" كما دوّنت، وذلك تأكيدًا لما ذهب إليه اتجاه غالب في الفقه الإسلامي في تحديد طبيعة المهر الذي هو أحد عناصر الزواج الموروثة من التشريع الإسلامي. ذلك أنه ذهب بعض الفقهاء على غرار عزالدين عبد السلام لاعتبار المهر هو مقابل للبضع أو الدخول، وهو قول يحمل تحقيرًا للمرأة وسلعنة لها بما هي متاع للاستمتاع.

ولعلّ هذا الأساس مردود عليه لأن الاستمتاع هو مشترك بين الزّوجين ولو كان المهر مقابل للاستمتاع لكان واجبًا على الاثنين، فوجوب المهر على الزّوج دون الزّوجة معناه أن الأساس لا يتعلق بالاستمتاع الذي هو بالضرورة مشترك على النحو المذكور إلا إذا تم تسمية استمتاع الرجل بزوجته استمتاعًا واستمتاع المرأة بزوجها شيئًا آخر.

المهر ليس عوضًا على التمكين بل هو لتطييب النفس بلفظ ابن حزم الأندلسي وهو في معنى جبر الخاطر وتأليف القلوب كما اعتبر أبو وليد الباجي وهو هدية في بعده الرمزي كما أكد شرّاح القانون

ولذلك ذهب فريق آخر، وهو الغالب، للتأكيد بأن المهر ليس عوض على التمكين بل هو لتطييب النفس بلفظ ابن حزم الأندلسي وهو في معنى جبر الخاطر وتأليف القلوب كما اعتبر أبو وليد الباجي في أصول الأحكام، كما شدد وهبة الزحيلي مؤلف موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته بأن الحكمة من المهر إظهار خطورة عقد الزواج ومكانته. وهذا ما أكده شراح القانون المعاصرين على غرار بدران أبو العينين بدران وعبد الرحمن الجزيري.

وإن لم يعرف القانون التونسي المهر، فلا خلاف أن معناه لا يختلف على السابق عرضه، وهو ما يتأكد بالخصوص مع تنقيح 1993 حينما ألغى المشرع التركيز علي القيمة المالية للمهر التي قد توحي بفكرة "دونية المرأة" كما ورد في هامش مجلة الأحوال الشخصية. بل وقد قلّمت المجلة من عنصر المهر بعدم تمييزها بين المهر المسمى ومهر المثل، أو المهر المعجل والمهر المؤجل كما تفرق كتب الفقه الإسلامي وتنص على أحكام خاصة بكل نوع من المهر وشروطه. وقد أصابت اللجنة إجمالًا بضبط طبيعة المهر بما هو هدية و "في الهدية مشاعر متبادلة من المودة والمحبة" كما دوّنت.

اقرأ/ي أيضًا: لجنة الحريات: تقريرنا ثوريّ ولا يمس من العقيدة.. والمعارضون يردّون: بل هو فتنة

وبعد هذا الضبط، وفي إطار الحديث عن "إخلال المهر بكرامة الزوجة"، تقول اللجنة أن النظام القانوني للمهر ينطوي على إخلال عميق خطير بكرامة المرأة على مستويين، مشيرة في المستوى الأولى بأن "إرادة المرأة لا تكفي لانعقاد زواجها" وتوضح بأن المشرع التونسي جعل المهر شرطًا وجوبيًا لصحة الزواج يعني أنه لا يمكن أصلاً وفي كل الحالات أن ينعقد زواج دون مال. بالتالي، فإنه حتى إن رضيت الزوجة بالزواج فإن رضائها يبقى قاصرُا وحده، فلا يتم زواجها ولا تكتمل شروطه الأصلية إلا بعد تسمية المهر لها".

اعتبر القانون التونسي تسمية المهر شرطًا للزواج مخالفًا بذلك جميع المذاهب الإسلامية ذلك أن المهر حقيقة ليس ركنًا من أركان الزواج وليس شرطًا من شروط صحته بل هو أثر من آثاره إذ قد ينعقد الزواج ويكون صحيحًا ولو دون مهر

هذه النقطة التي تثيرها اللجنة هي في الحقيقة إخلال من المشرع التونسي حينما سلك نحو اعتبار تسمية المهر شرطًا للزواج مخالفًا جميع المذاهب الإسلامية، ذلك أن المهر حقيقة ليس ركنًا من أركان الزواج، وليس شرطًا من شروط صحته بل هو أثر من آثاره، إذ قد ينعقد الزواج ويكون صحيحًا ولو دون مهر كما يبيّن وهبة الزحيلي في موسوعته. وعلى اعتباره تسمية المهر شرطًا للزّواج في إن تخلفه لا يفسد العقد ولا ويبطله في التشريع التونسي، ذلك أنه لم يرد عدم تسمية المهر كسبب مفسد لعقد الزّواج. ولم ينصّ قانون 1957 المتعلق بالحالة المدنية على إبطال عقد الزّواج في صورة تخلّف تسمية المهر. يوجد خلل من المشرع التونسي في تنظيم مسألة المهر، على هذا المستوى على الأقل، ولكن يظلّ السؤال حول عدم إشارة اللجنة لإجماع المذاهب الإسلامية نفسها بأنها لا تعتبر المهر من شروط صحة الزواج على خلاف القانون التونسي، وهي إشارة كانت يمكن أن تمثل دعامة لتمشي اللجنة.

اقرأ/ي أيضًا: الجورشي لـ"الترا تونس": يجب أن تتكامل الشريعة مع مبادئ حقوق الإنسان

وتقول اللجنة في استتباع نقدها لورود تسمية المهر كشرط للزواج بأن "المهر لا يتلائم مع طبيعة عقد الزواج بوصفه عقدًا شخصيًا يجب أن ينبني على رضى مستقل بذاته على الصعيد القانوني عن كل اعتبارات مالية". بيد إن القول بأن عقد الزواج عقد شخصي واعتبار ذلك بوابة للقول بأن الرضا يجب أن يكون مستقلًا عن كل اعتبار مالي هو قول يتجاوز طبيعة الزواج بما هو مؤسسة بتعبير شراح القانون بمعنى أن لها خصوصياتها وأحكامها التي تتجاوز توصيف الزواج كمجرد عقد، وهذا مما لا خلاف فيه. كما إنه لا يجب التعامل مع عقد الزواج كعقد مدني كلاسيكي، فخصوصيته واستفراده بأحكام دون أخرى مقارنة ببقية العقود مما لا جدل حولها.

الرضا في الزواج في جوهره لا علاقة له بأي اعتبار مالي إذ  يكون الرضا ومنه ينعقد الزواج فيأتي لاحقًا الأثر أي المهر الذي هو أثر وليس شرطًا للزواج على خلاف ما ذهب إليه القانون التونسي

ثم الأهم إن الربط بين الرضا والعنصر المالي أي المهر في تكوين الزواج يمكن تجاوزه بالعودة للتموقع السليم للمهر في النظام القانوني للزواج. فعلى النحو السابق عرضه، إن المهر هو أثر للزواج وليس شرطًا له في الفقه الإسلامي على خلاف ما انحرف إليه المشرع التونسي. بذلك فالرضا في الزواج في جوهره لا علاقة له بأي اعتبار مالي/المهر، يكون الرضا ومنه ينعقد الزواج فيأتي لاحقا الأثر، أي بالمحصّلة وبهذا المعنى، فالرضى "مستقلّ" بذاته عن كل اعتبار مالي.

وسنتابع في الجزء الثاني من التقرير الجانب المتعلق بالمهر والعنصر الجنسي وتحديدًا علاقة استحقاق المهر بإتمام الدخول.

 

اقرأ/ي أيضًا:

يسرا فراوس: يجب تحرير الجسد بتونس وهذا موقفنا من أحكام الشريعة الخاصة بالنساء

موقف هادئ من المساواة في الميراث بين الجنسين