مقال رأي
سؤال أولّي: هل تأخّر حراك طلبة تونس إسنادًا لغزة المقاومة بعد طوفان 7 أكتوبر؟ السؤال ينطلق من فرضية يشيعها البعض أن الحراك الميداني للطلبة طيلة الأيام الأخيرة بالخصوص، عبر تمثيلياتهم النقابية وداخل كلياتهم وخارجها، جاء متأخرًا ولاحقًا لحراك طلبة الجامعات الأميركية.
لم يتردّد بعض الناشطين في الحديث عما اعتبروه تخلّف الحركة الطلابية التونسية، وذلك خاصة بعد تصاعد مشاهد الاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة والواقع أن هذا القول متعسّف بل يتخالف وواقع الأمور
ولم يتردّد بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي في الحديث عما اعتبروه تخلّف الحركة الطلابية التونسية، وذلك خاصة بعد تصاعد مشاهد الاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة. والواقع، أن هذا القول متعسّف بل يتخالف وواقع الأمور.
-
الاحتجاج الطلابي التونسي منذ 7 أكتوبر
فإن كان الحراك الميداني المستجدّ للطلبة التونسيين يأتي على وقع الحراك الجامعي الأميركي، فإن ذلك حال في سياق تفاعل وتضامن، وهو لا يعني أن الاحتجاج الطلابي التونسي بوجه عامّ هو لاحق زمنيًا للاحتجاجات الأميركية. إذ التحم الطلبة التونسيون، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مع الحراك الشعبي العام، سواء العفوي أو المنظّم، إسنادًا للمقاومة في غزة واحتجاجًا على الجرائم الصهيونية.
لم ينتظر طلبة تونس احتجاج طلبة خلف المحيط الأطلسي لإسناد غزة، وهو الأمر الواجب التأكيد عليه في السياق الراهن، فالحراك الأخير ليس إلا مواصلة للحراك الذي كان قد انطلق منذ أول أيام الحرب
بل تصدّر الطلبة، واقعًا، عديد التحركات على غرار حراك طرد السفير الفرنسي بتونس في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المنقضي، كما أطلقوا حملة تبرعات لفائدة ضحايا الحرب، ونظموا ملتقيات إسناد بالتنسيق مع اتحادات طلابية عربية. فقد يكون من الحريّ التذكير أن الاتحاد العام لطلبة تونس نظم وقفة أمام البرلمان نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول لمطالبته بالتسريع في المصادقة على قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ونظّم الاتحاد العام التونسي للطلبة، من جهته، ملتقى وطني في شهر جانفي/يناير الفارط بمناسبة مائة يوم من العدوان.
لم ينتظر طلبة تونس احتجاج طلبة خلف المحيط الأطلسي لإسناد غزة، وهو الأمر الواجب التأكيد عليه في السياق الراهن. فالحراك الأخير ليس إلا مواصلة للحراك الذي كان قد انطلق منذ أول أيام الحرب، فلم تكن الاحتجاجات الأميركية إلا مناسبة لاستعادة المبادرة.
-
هل الحراك الطلابي في تونس في مستوى اللحظة؟
ولكن السؤال الأهمّ يتعلّق بما إذا كان الحراك الطلابي في تونس في مستوى اللحظة. الإجابة لا تبدو يسيرة وقاطعة. يُظهر الاطلاع على أنشطة اتحاديْ الطلبة في تونس على وجه الخصوص، طيلة الأشهر الماضية، اهتمامًا بينًا بـ"الطوفان" عبر سلسلة من التحركات الاحتجاجية والتضامنية. وهي للملاحظة استفادت من حرية النشاط مقارنة بالتضييقات التي واجهتها اتحادات الطلبة في بلدان عربية اختارت أنظمتها قمع أي شكل من أشكال إسناد المقاومة.
الحراك الطلابي، لم يحافظ على زخمه انعكاسًا للشارع الشعبي التونسي والعربي بوجه عامّ الذي خرج في الميادين في الأسابيع الأولى ثم تراجع نسبيًا، بالخصوص بعد تبيّن عدم تأثّر المواقف الرسمية بأهازيج الشارع
الحراك الطلابي، في الأثناء، لم يحافظ على زخمه انعكاسًا للشارع الشعبي التونسي والعربي بوجه عامّ الذي خرج في الميادين في الأسابيع الأولى ثم تراجع نسبيًا، بالخصوص بعد تبيّن عدم تأثّر المواقف الرسمية بأهازيج الشارع. انغمس الطلبة بدورهم في مشاغلهم النقابية الصرفة، ولكن ظلّت التحركات رهينة أحداث الحرب وتفاعلاتها، آخرها حراك الاحتجاجات الأميركية التي أعادت، أمام العالم في الأثناء، إحياء فاعلية دور الطلبة بعد أن ذهب الظنّ إلى أن الجامعات تحوّلت، في العقود الأخيرة، لمدارس أكاديمية صرفة، وحصر تفاعلات التسيّس في القضايا الكبرى في مربعات الأحزاب والجمعيات بالأساس.
ولكن اللافت أن حراك الطلبة في تونس ظلّ منحصرًا في شكل تحركات احتجاجية وتضامنية وأحيانًا مطلبية وكلّ ذلك دون إنتاج بناء نضالي تراكمي ومستمرّ عبر الزمن، يؤدي إلى تحويل الحراك إلى قوة وازنة في الحراك المحلي ولما لا يقوده.
حراك الطلبة في تونس ظلّ منحصرًا في شكل تحركات احتجاجية وتضامنية وأحيانًا مطلبية وكلّ ذلك دون إنتاج بناء نضالي تراكمي ومستمرّ عبر الزمن، يؤدي إلى تحويل الحراك إلى قوة وازنة
مطلب سن قانون تجريم التطبيع، والذي تبنّته مكونات مختلفة من المجتمع السياسي والمدني والشعبي، كان يجب بالخصوص أن تتلقّفه الحركة الطلابية كعنوان رئيسي لنضالها الهادف للتغيير وليس فقط التعبير: أن تتوّجه مباشرة إلى السلطة السياسية بغاية تبني التشريع، وذلك بعد تدخّل رئيس الدولة، بشكل علني، في منع البرلمان من المصادقة على مشروع المبادرة البرلمانية قبل ستة أشهر.
ولكن ربمّا أن الخطاب الرسمي في المقابل، وبما حمله من حسم في رفض التطبيع، هو الذي أفقد الحراك الطلابي وهجه وبما ظهر اكتفاءً بالقول دون الفعل في نهاية المطاف. ومعضلة أن يسقط الطلبة في هذا الفخ، على نحو ما يبيّنه خفوت الصبغة المطلبية في تحركاتهم التي بدت احتجاجية وتضامنية بدرجة أولى.
مطلب سن قانون تجريم التطبيع، والذي تبنّته مكونات مختلفة من المجتمع السياسي والمدني والشعبي، كان يجب بالخصوص أن تتلقّفه الحركة الطلابية كعنوان رئيسي لنضالها الهادف للتغيير وليس فقط التعبير
وإن محدودية إنتاج نسق نضالي مستقرّ ومتصاعد محدد الأهداف يعود لأسباب متعددة منها ما يتعلق بتراجع الوعي بأساليب العمل النقابي ومحدودية الخبرة وكذلك تراجع الوعي المسيّس في السنوات الأخيرة بعد الثورة، خاصة بعد أن فقدت الكليات موقعها كمربعات رئيسية للتنشئة والخوض في الشأن العام لفائدة مربعات أخرى فرضت نفسها في سياق التأسيس الديمقراطي. لم يكن فقدان الجامعة لبريقها بعد الثورة سوءة بهذا المعنى، ولكن هذا التجريف انتهى بتراجع موقع الجامعة في مشهدية الزخم السياسي والحقوقي.
والرهان اليوم هو في استعادة الحركة الطلابية لموقعها كفاعل واعي ومنظّم قادر على التأثير على السلطة بوسائلها النضالية المشروعة في قضايا الاستحقاق الديمقراطي والإسناد الفاعل للقضية الفلسطينية. والحراك الطلابي الأميركي هو، بهذا المعنى، مثال عبر تحديد مفصّل لمطالب مجالس جامعاتهم كسحب الاستثمارات الجامعية في جيش الكيان والمقاطعة الأكاديمية والثقافية وغيرها، مع تحديد أساليب النضال لتحقيقها وتطويرها عبر الزمن.
الحركة الطلابية في تونس تبقى بحاجة للاستلهام من الحركات الطلابية العالمية وقبلها من تاريخ الحركة الطلابية في تونس وذلك كي يكون حراكها لنصرة القضية الأم فاعلًا ومؤثرًا
فالحركة الطلابية في تونس إن كانت قد انتصرت ولازالت منذ الأيام الأولى للطوفان، والتحمت مع الحراك الشعبي إسنادًا لغزة المقاومة، وهي الآن تستأنف حراكها الاحتجاجي، فإنها تبقى بحاجة للاستلهام من الحركات الطلابية العالمية وقبلها من تاريخ الحركة الطلابية في تونس وذلك كي يكون حراكها لنصرة القضية الأم فاعلًا ومؤثرًا سواء عبر المطالب الواجب رفعها في مواجهة السلطة السياسية وأيضًا مجالس الكليات. تشريع لرفض التطبيع مع الكيان، والتصدي للتطبيع الأكاديمي، والمقاطعة الصارمة لكل داعمي الكيان، هي مطالب مبدئية تستلزم توفّر إطار نضالي واع ومستمرّ لتحقيقها.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"