20-يوليو-2019

اضطر فلاحون إلى ترك محاصيلهم في العراء قرب مخازن التجميع (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

أطنان من صابة الحبوب متراصة، هذه الأيام، في أكوام قرب مخازن التجميع في أغلب الولايات المنتجة للحبوب على غرار سليانة والكاف وجندوبة والقصرين وغيرها، مع وجود طوابير من الشّاحنات أمام المخازن تنتظر دورها لإفراغ حمولتها.

لم يكن حجم الصابة خافيًا على سلط الإشراف وقد صرّح وزير الفلاحة سمير الطيب في ماي/أيار الماضي أنّ صابة الحبوب ستتجاوز 20 مليون قنطار مقارنة بـ14 مليون قنطار خلال الموسم الماضي. وقد قدّرت مساحة الحبوب المبذورة لموسم 2018/ 2019 بنحو 1.224 مليون هكتار توزّعت إلى 568 ألف هكتار من شعير و563 ألف هكتار للقمح الصلب و80 ألف هكتار للقمح اللين وفق وزارة الفلاحة.

يشكو فلاحون في عديد الولايات من عدم قدرتهم على تخزين صابة الحبوب في مخازن التجميع والاضطرار لوضعها في العراء ما يهدد بإتلافها

اقرأي أيضًا: إنتاج فلاحي وفير.. الفلاح متضرر والمستهلك غير مستفيد

ومع ذلك لم تُتخذ أي إجراءات احتياطية لخزن هذه الصابة، إذ من غير الوارد عدم دراية الجهات المختصة بطاقة استيعاب مخازنها والمخازن الخاصة، على النحو المذكور، والحال كان من المفترض رسم خطة استباقية وبدائل لحفظ صابة الحبوب من التلف بدل تكدسها في العراء. وتتزايد خطورة التلف مع إصدار معهد الرصد الجوي مؤخرًا لنشرات تحذيرية عن تغيرات مناخية مرتقبة في قادم الأيام مرفقة بأمطار قد تهدد الصابة غير المخزّنة.

وكانت قد أكدت الجهات الرسمية أن الموسم الفلاحي الحالي سيحقق أرقامًا قياسية على مستوى الإنتاج مقارنة بالمواسم الماضية التي تأثرت بسنوات الجفاف، وهو ما يعني تقليص الواردات من الحبوب وبالتالي التقليص من عجز الميزان التجاري. إذ تورد تونس في بعض المواسم أكثر من 60 في المائة من حاجياتها، وتبلغ نسبة التوريد أحيانًا 80 في المائة من القمح اللين وفق الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.

يشكو الفلاحون في عديد الولايات من عدم قدرتهم على تخزين محاصيلهم (مريم الناصري/ألترا تونس)

في الأثناء، يشهد هذا الموسم إشكاليات انطلقت بسلسلة حرائق أتت على أكثر من 500 هكتار وسط شكوك بفرضية افتعالها من مورّدي الحبوب وهو ما نفاه وزير الفلاحة. لكن تعود هذه الشكوك مجددًا اليوم لما اُعتبر تعمّدًا لاتلاف محاصيل الحبوب بهدف التوريد.

علي بن عون، فلاح من ولاية سليانة يعاني مثل أغلب فلاحي الولاية من مشكل تخزين الصابة، يقول لـ"ألترا تونس" إنّ الدولة "تتعمّد اتلاف المحاصيل أو الصابة" مضيفًا "لا مبرّر لعجزها عن تخزين 10 مليون قنطار زائدة عن الموسم الماضي، وكان من الممكن توفير مخازن احتياطية لحفظ "نعمة" تعب الفلاح في زرعها وحصادها، والحال أنّها كانت تعلم أنّه سيقع تسجيل صابة قياسية هذا العام". واعتبر أن الفلاح هو دائمًا من يتكبّد خسائر فادحة ويتحمّل وحده مسؤولية وفرة الإنتاج، وفق تأكيده.

علي بن عون (فلاح من سليانة): لا مبرّر لعجز الدولة عن تخزين 10 مليون قنطار زائدة عن الموسم الماضي وهي تتعمد إتلاف المحاصيل

اقرأ/ي أيضًا: ما معنى أن تكون حبوب الكسكسي جزءًا من كرامة التونسي؟

نفس الموقف يتبناه فلاح آخر هو محمّد بشير من ولاية القصرين الذي يؤكّد لنا تكدّس الصابة خارج المخازن التي يبلغ عددها 7 في القصرين بينها مخزنين خاصين، والحال أنّ الصابة في الولاية تحتاج إلى 12 مخزنًا على الأقل، وفق تأكيده.

وأضاف محدثنا أنّ أغلب الفلاحين اضطروا إلى ترك محاصيلهم في العراء قرب مخازن التخزين لإيجاد حلول وسط مخاوف من تقلبات الأحوال الجوية في المدّة الأخيرة وهطول أمطار ستتلف الحبوب وتسوّسها، على حد تعبيره.

صابة قياسية للحبوب تبلغ مبدئيًا 20 مليون قنطار (مريم الناصري/ألترا تونس)

في المقابل، كان قد أشار وزير الفلاحة سمير الطيب إلى علم وزارته بعدم قدرة البلاد على استيعاب صابة الحبوب، مصرحًا أنه تمّ تخزين حوالي 11 مليون قنطار من بينها 3 مليون قنطار من الشعير وأكثر من 7 مليون قنطار من القمح الصلب، فيما لا يزال 800 ألف قنطار من الحبوب خارج مخازن التخزين، واعدًا بتخزينها خلال الفترة المقبلة. وقال، في تصريحات إعلامية، إن وزارة النقل خصصت 60 عربة لتعزيز عملية نقل الحبوب عبر السكك الحديدية منها 55 عربة انطلقت في النشاط منذ بداية موسم الحصاد.

وعادة ما تنزل في أواخر شهر أوت/اغسطس وبداية سبتمبر/أيلول من كل عام أمطار غزيرة في تونس تعرف في الأوساط الشعبية باسم "غسّالة النوادر" لغزارتها. ولكن شهدت أغلب الولايات مؤخرًا أمطارًا متفرقة يقول أغلب الفلاحين إنّها لم تكن منتظرة في هذا الوقت، بيد أن التغيرات المناخية خلال السنوات الماضية جعلت أمطار الصيف تحلّ بشكل غير منتظم ومباغت، وهو ما يهدّد السير العادي للموسم الفلاحي.

تتزايد المخاوف من إتلاف كميات كبيرة من صابة الحبوب بسبب العجز عن التخزين مع  ترقب تقلبات جوية وهطول الأمطار خلال الفترة المقبلة

وتتصاعد اليوم المخاوف من هطول أمطار خاصة في ظل بقاء صابة الحبوب المجمّعة في العراء القابلة للإتلاف بمجرّد هطول كميات بسيطة، لا سيما وأنّ القمح سريع التلف إذا ما تبلّل بالأمطار وفق ما يشير إليه عمر العبيدي أحد الفلاحين في ولاية الكاف.

وأضاف، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أنّ صابة الحبوب هذه السنة تعدّ قياسية ولكن يذكرنا أن البلاد شهدت في التسعينيات صابة أكبر تجاوزت 24 مليون قنطار ومع ذلك تمّ توفير مخازن احتياطية في محلات كبيرة. وعليه، يتأسف محدثنا على عدم إعداد وزارة الفلاحة لحلول استباقية رغم درايتها بعدم قدرة مخازن التخزين على استيعاب الكميات المجمّعة.

يذكر، بالنهاية، أنّ عددًا من الفلاحين في الشمال الغربي والوسط نظموا وقفات احتجاجية، طيلة الأيام الماضية من شهر جويلية/يوليو الحالي، وذلك بسبب نقص مراكز تجميع محاصيل الحبوب وعدم توفير وسائل نقل كافية لنقل الصابة إلى مراكز التخزين المتوفرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أي مصير للفلاحة التونسية بعد اتفاقية "الأليكا"؟

الفلاح التونسي "في الشتاء مغروق وفي الصيف محروق"