يعرف قطاع المحاماة في تونس خلال هذه الفترة حركية داخلية نشطة على وقع استعداد الهيئة الوطنية للمحامين لعقد جلستها العامة لانتخاب عميد جديد وأعضاء مجلس الهيئة البالغ عددهم 14 عضوًا لعهدة جديدة بثلاث سنوات.
بخصوص حصيلة الثلاث سنوات الفائتة وراهن قطاع المحاماة ومشاغله والقضايا المطروحة على المجلس الجديد للهيئة، التقى "ألترا تونس" عميد المحامين المتخلّي عامر المحرزي ليدور الحوار التالي:
- لم يتبق في فترتكم كعميد إلاّ بضعة أيام، كيف تقيم هذه التجربة على الصعيدين الشخصي والمهني؟
أعتبر هذه التجربة تجربة ثرية جدًا بالنسبة لي كعميد محامين خصوصًا وأنني لست جديدًا على هذه المهنة وهذه المسؤولية، على اعتبار وجودي ضمن هياكل المهنة منذ 2004.
عامر المحرزي: تجربتي كعميد للمحامين لمدة ثلاث سنوات مكنتني من الاطلاع بصفة واضحة وجلية على المسائل التي تهم الشأن الوطني وباقي المهن
ولعل تجربتي كعميد للمحامين لمدة ثلاث سنوات مكنتني من الاطلاع بصفة واضحة وجلية، وفضلًا على أوضاع المحاماة التي أنا متمرس بها، على المسائل التي تهم الشأن الوطني وباقي المهن، وخصوصًا المنظمات الوطنية العتيدة والتي أصبحت لنا معها علاقات جيدة وخضنا عديد المعارك والتجارب سويًا.
- كيف ترون وضع المحاماة بصفة عامة في تونس؟
في هذا الصدد، أريد التعليق على وضعية المحامي خاصة المحامي الشاب التي باتت متردية جدًا بسبب عدم تفهم الدولة لمشاغل المحامين وعدم اعتبارهم عناصر فاعلة في النسيج الاقتصادي الوطني.
إضافة الى عدم تمتيعهم بأي امتياز، توجد ضغوطات بصدد التراكم سنة بعد أخرى وهذا ما عمّق الأزمة داخل القطاع باعتبار أنها مست حتى كهول المهنة.
- خُضتم هذا العام إضرابات للتصدي لرفع السر المهني غير أن استماتتكم يراها البعض دفاعًا عن مصالحكم المادية لمراوغة الضرائب أكثر من كونها حماية لخصوصية حرفائكم، ما تعليقكم؟
مسألة السر المهني غير مرتبطة بأي طريقة وبأي صفة بالجانب المالي للمحامي، ولكنها تهم الجانب المعنوي والمبدئي لعمل المحامي.
عامر المحرزي: وضعية المحامي الشاب باتت متردية جدًا
اقرأ/ي أيضًا: عضو هيئة مكافحة الفساد محمد العيادي: لا نتحمّل مسؤولية تباطؤ القضاء (حوار)
الجانب الذي يهم عمل المحامي بصفة يومية هو عنصر الثقة الذي ينبغي أن يربط بين المحامي وحريفه على اعتبار أن إفشاء هذا السر المهني هو إفشاء لكامل هذه المنظومة، وهو اعتداء على النصوص القانونية التي تجرم هتك السر المهني سواء ضمن القانون الجزائي أو القانون المدني.
- لاحظنا على وسائل التواصل الاجتماعي ارتجالًا في تقديم الترشحات لعضوية الهيئة عبر نشر تدوينات دون برامج، هل هو مؤشر على أن النجاح في الانتخابات رهين الارتباط بأسماء وتوافقات وربما انتماءات على حساب البرامج؟
الترشحات للهيئة مفتوحة للجميع والدليل على ذلك وفرة عدد المترشحين سواء للمناصب الأولى أي العمادة ورئاسة الفروع أوعضويات المجالس وخاصة مجلس الهيئة الذي تجاوز عدد المترشحين فيه الخمسين مترشحًا.
كل هذا نعتبره دليلًا صحيًا على اعتبار أن الجميع يريد أن يقدم إضافة، ويعتبر أن بإمكانه أن يكون عنصرًا فاعلًا ضمن الهيئات. أما في ما يتعلق بالاصطفافات الحزبية، هي فعلًا موجودة ولكنها ليست محددة على اعتبار أن الجانب المهني هو الغالب.
- ما الذي ينتظر الفائزين الجدد من اختبارات واستحقاقات من وجهة نظرك؟
في الواقع تنتظرهم معركة متواصلة منذ سنوات نظرًا إلى استهداف المحاماة من قبل الدولة والحكومات المتعاقبة، باعتبارهم يرون المحامين عنصرًا مشاكسًا، وبالتالي هناك رغبة ومحاولة لتلجيم أفواههم. وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا عبر قوانين المالية أو باقي القوانين التي تتم صياغتها كل سنة، ولكن حتى اللحظة لم يمر منها أي قانون ونرجو أن تظل المحاماة مستميتة في الدفاع عن مبادئها.
عامر المحرزي: يوجد استهداف للمحاماة من قبل الدولة والحكومات المتعاقبة باعتبارهم يرون المحامين عنصرًا مشاكسًا وبالتالي هناك رغبة ومحاولة لتلجيم أفواههم
- يشتكي عديد المحامين من السمسرة، وأكدتم سابقًا على صرامة الهيئة في التعامل مع هذا الموضوع. لكن ألا ترون المسألة أكبر من مجرد حالات معزولة بل أقرب إلى ظاهرة متفشية وفق المحامين الشبان وهو ما يتطلب قرارات استباقية جريئة؟
القوانين موجودة ولكن ينبغي توفر عمل قاعدي لعزل هذه الظاهرة المستفحلة منذ عشرات السنين، هذا من جهة أولى، لكن على الدولة أن تقوم بدورها في منع موظفيها من التعامل في هذه الملفات وإعطائها بمقابل لبعض المحامين وهم قلة، من جهة ثانية.
ولا بد كذلك من توسيع مجال تدخل المحامي حتى يتمكن من العمل بأريحية تغنيه عن السمسرة.
مراسل "ألترا تونس" مع عميد المحامين عامر المحرزي (ألترا تونس)
- يقال اليوم إن إنابة المؤسسات العمومية مستحوذة عليها جهات معينة، كذلك قضايا المرور في يد من لهم علاقة بمراكز المرور والمستشفيات، ما تعليقك، وكيف يمكن التصدي لمثل هذه الإخلالات؟
مستحيل ذلك، لقد تغيرت الأمور وأصبحت هناك لجنة وطنية تعنى بإسناد لزمات قضايا الدولة ولم يعد بإمكان المحامي إنابة أكثر من مؤسستين.
المسألة باتت منظمة وتخضع لمعايير قيس مضبوطة ودقيقة، ولكل محامي أن يقدم ملفه إذا توفرت فيه الشروط فيمكن أن ينوب الدولة ومؤسساتها.
- عبرتم أكثر من مرة عن رفضكم لامتهان القضاة للمحاماة بعد التقاعد. هل سنرى تحركات احتجاجية أو مطالبات أكثر جدية لتقنين منع القضاة من امتهان المحاماة؟
في الحقيقة هذا هو المأمول من الهيئة المقبلة التي نرجو أن تقوم بأساليبها النضالية للتصدي لهاته الظاهرة. ويمكن أن يقع القضاء على هذا الإشكال بسن القانون الأساسي الجديد وغلق الباب أمام القضاة المتقاعدين.
عامر المحرزي: لابدّ من توسيع مجال تدخل المحامي حتى يتمكن من العمل بأريحية تغنيه عن السمسرة
- نلاحظ اليوم شكاوي عديدة من المحامين بخصوص وضع المحاكم (صعوبة الولوج للمعلومة/الاكتظاظ/قاعات غير مجهزة بالأنترنت/غياب التكييف) لماذا لا يتغير هذا الوضع؟ وهل كانت لكم جهود في هذا الصدد؟
الهيئة ليست طرفًا بمحاميها، هذه مسؤولية الدولة ويبدو أن الدولة غير متحمسة لتحسين ظروف العمل في المحاكم التونسية.
- دائمًا ما تثار مسألة تنشيط المحامين للبرامج الإعلامية، وقد اتخذت العمادة خلال الفترة الماضية قرارات تأديبية صارمة. هل يمكن القول إن العمادة زمن رئاستك قد حسمت هذه المسألة المثيرة للجدل داخل أوساط المحامين بالشكل اللازم؟
التنشيط ممنوع منعًا تامًا، ويعاقب عليه القانون. وبالتالي إن كان هناك منشطين محامين، فهم الآن في وضعية غير مباشرة.
- صادق مجلس الهيئة في جوان 2018 على مشروع قانون لتنظيم مهنة المحاماة، لماذا لم يقع تقديمه إلى البرلمان؟
وقع تقديمه إلى وزارة العدل وهي الآن بصدد نقاشه ولكن هناك تلكؤ في تقديمه لمجلس وزاري ثم للبرلمان، وهذا يعود إلى الدولة وهي مسؤولية منوطة بعهدتها.
عامر المحرزي: يبدو أن الدولة غير متحمسة لتحسين ظروف العمل في المحاكم التونسية
- يوجد اتهام بوجود نفس إنغلاقي داخل هيئة المحامين على غرار رفض التحاق القضاة المتقاعدين بالمهنة وتضمين مشروع المهنة حذف صنف القضاة من هيئة تدريس المعهد الأعلى المحاماة، إضافة إلى عدم تسجيل الحاصلين على دكتوراه في القانون في جدول المحامين. ما تعليقكم؟
لا إطلاقًا. مشروعنا الذي قدمناه يسمح للأستاذ الجامعي المتحصل على شهادة التبريز مثلما هو الوضع الآن بدخول مهنة المحاماة، كما أن من حق القاضي الذي قضى فترة معينة أن يدخل إلى المهنة ولكن بالنسبة للقضاة المتقاعدين فهذا غير مقبول على اعتبار أن مهنة المحاماة الوحيدة التي تقبل ضمن منتسبيها من هو متحصل على التقاعد.
اقرأ/ي أيضًا: معضلة طول آجال التقاضي في المحاكم التونسية (حوار مع القاضي عمر الوسلاتي)
- ورد في مشروع قانون المحاماة أن قرارات الإحالة على عدم المباشرة غير قابلة للطعن وغير قابلة للتنفيذ أي أنها قرارات خارج الرقابة القضائية. ألا يعتبر هذا الإجراء مسًا من حق دستوري وهو حق التقاضي؟
الإحالة على عدم المباشرة تخضع للطعن وهناك قضايا طعن تحصل أصحابها على إيقاف تنفيذ ونقض وهي تخضع إلى مبدأ التقاضي على درجتين كغيرها من الملفات.
- توجه اتهامات من هيئة عدول الإشهاد وغرفة المستشارين الجبائيين بأن عمادة المحاماة مارست ضغوطًا على الحكومة والبرلمان حالت دون المصادقة على مشروع قانونين للمهنتين المذكورتين (رفض القوة التنفيذية للحجة العادلة بالنسبة للإشهاد). ويُقال إن رفض العمادة لهما مأتاه الفئوية الضيقة ما يحول دون تطوير مرفق العدالة. ما رأيكم؟
هذا غير صحيح، ونحن سعينا إلى تطبيق القانون وعدم إثقال كاهل المواطن والمتقاضي بصفة عامة وعدم إدخال نواميس وقواعد جديدة إلى المنظومة القضائية والقانونية التونسية تكون مسقطة وليس لها أي أساس.
عامر المحرزي: غير مقبول انضمام القضاة المتقاعدين للمحاماة على اعتبار أن المحاماة هي المهنة الوحيدة التي تقبل من هو متحصل على التقاعد
وهذا من شأنه أن يؤثر على كافة المنظومة القضائية ويمس بدرجة أولى حقوق المتقاضي أثناء الالتجاء إلى العدالة والطعن في كل الأحكام والقرارات والوثائق.
- هل نجحت المحاماة طيلة عهدتك في أن تكون "شريكة في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات" كما ينص الدستور أم أن عوائق حالت دون القيام بالمهمة على أحسن وجه؟
دافعنا على كل ذلك وبشدة ولكن هناك عوائق شخصية وأخرى رسمية تسعى الى عدم إعطاء المحامي مكانته الدستورية باعتباره شريكًا في إقامة العدل.
وهناك نظرة قديمة يسعى البعض إلى التمسك بها وهي أن المحامي يساعد على إقامة العدل ولكن لا يمكن أن يكون شريكًا فيه.
- لم نسمع موقفًا واضحًا لعمادة المحاماة من تقرير لجنة المساواة والحريات الفردية ومن المبادرة الرئاسية للمساواة في الميراث. هل يأتي في إطار عدم رغبة العمادة في التورط في جدال حول مسألة خلافية، أم في إطار موقف حيادي بالنظر لاختلاف وجهات النظر داخل مجلس الهيئة أم ماذا؟
الجزء الثاني هو الأصح، ولكن الموضوع خلافي بين المحامين وليس داخل مجلس الهيئة، وقد حاولنا أن نترك لكل حريته في الاصطفاف في أي جهة يراها، وراينا أن هذا الموقف هو الأسلم.
عامر المحرزي: عوائق شخصية وأخرى رسمية تسعى الى عدم إعطاء المحامي مكانته الدستورية باعتباره شريكًا في إقامة العدل
- كيف تقيمون مشروع وزارة العدل لمراجعة مجلة الإجراءات الجزائية خاصة فيما يتعلق بحق الدفاع ودور المحامي؟
يحتاج الى مزيد التأمل والدراسة والاستعراض وفتح النقاش بصفة واضحة بين كل المتداخلين فيه.
- آخر 3 عمداء قبلك وهم عبد الرزاق الكيلاني وشوقي الطبيب ومحمد فاضل المحفوظ رأيناهم بعدما غادروا رئاسة مجلس الهيئة الوطنية للمحامين، إما في منصب وزير أو رئيس هيئة وطنية، ومنهم من تحزّب. هل سنراك قريبًا قياديًا في أحد الأحزاب أم في هيئة وطنية؟ ماهي وجهتك؟
مازلت في عهدتي أيام، أنهيها ثم لكل حادث حديث، لا علم لي بالوجهة القادمة (ضاحكًا).
- أخيرا ماهي الصفات التي يجب أن يتحلى بها العميد القادم؟ وبماذا يمكن أن تنصحه؟
المهنية والبعد عن التشويه وأن تكون له تجربة كبيرة وأن يكون بعيدًا عن الاصطفاف إلى أي حزب من الأحزاب لأن ذلك سيمس من استقلاليته ومن وظيفته.
اقرأ/ي أيضًا:
جمال مسلم: منع شبان من السفر على خلفية تدوينات.. وللحقوق نقول "توة" (حوار-1/2)
جمال مسلم: رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان لن تكون احتياطي أي حزب! (حوار 2/2)