ربما تعودنا أن نرى الشاشية الحمراء والسفساري الحريري والبرنوس والجبة التونسية وغيرها من الأزياء التقليدية في المحافل والمهرجانات، أو في بعض المعارض الخاصة بالصناعات التقليدية، أو في بعض دكاكين المدن العتيقة التي تبيع الملابس التقليدية. أو ربما تعودنا مشاهدة عدد من تلك الأزياء في بعض اللوحات الفنية فقط. وحدها اختارت الشابة صباح الصباغ أن تجمع تلك الملابس التقليدية في مكان واحد، ولكن ليس في معرض خاص بتلك الملابس، بل في رسوماتها التي ترسمها على الخشب أو القماش أو الفخار والسيراميك، وغيرها من المحامل. رسمات تنقل فيها تراث تلك الأزياء بجميع أشكالها وألوانها وتفاصيلها الدقيقة.
تقول صباح إنّها خريجة معهد الفنون الجميلة، اختصاصها التصميم. كانت تتوقع في البداية أن تخوض عالم التصميم، وبالأساس تصميم الأزياء التقليدية لمختلف الجهات التونسية. لكن تغيّرت وجهتها إلى فنّ غير بعيد عن اختصاصها الذي يعتمد على الألوان والابتكار بطابع تونسي. واختارت أنّ توثق تراثنا على محامل مختلفة وبطريقة جديدة.
بألوان زاهية زيتية أو مائية أو حتى ببعض المواد الطبيعية ترسم صباح رسوماتها، فتستعمل أحيانًا الكركم والملوخية والكمون أو قشور البرتقال، لرسم الأزياء التقليدية التونسية بكلّ تفاصيلها
وبألوان زاهية زيتية أو مائية أو حتى ببعض المواد الطبيعية ترسم صباح رسوماتها، فتستعمل أحيانًا الكركم والملوخية والكمون أو قشور البرتقال، لرسم الأزياء التقليدية التونسية بكلّ تفاصيلها. أزياء البايات وعرائس مختلف الجهات التونسية باختلافها، إضافة إلى أزياء العديد من الجهات التونسية كالبسكري الجربي والفوتة والبلوزة والبرنوص. كما عمدت إلى رسم بعض العادات الاجتماعية التونسية لتوثق تراث وتقاليد تونس، وتروج لصورة البلاد عبر ما ترسمه في مختلف المحامل.
اقرأ/ي أيضًا: جداريات الرسام حاتم المكي... كنز تشكيلي لفّه النسيان والإهمال
كانت منذ صغرها تتنقل بين المدن والولايات مع والدها كما تقول. وقد مكنها ذلك من الاطلاع على تراث وعادات كلّ جهة. ففكرت في توثيق تراث تعشقه بتفاصيله وباختلاف تاريخه وحضاراته. ولم تكن بداياتها بالسهلة، فبعد تخرجها عانت البطالة كغيرها من خريحي التعليم العالي. لكنها فكرت بعد سنة من التخرج في بعث مشروعها وفي وكيفية ترويج منتوجها والأسواق التي ستتوجه إليها.
انطلقت في البداية بالرسم فقط على اللوحات. وقد لقيت دعمًا وتشجيعًا من عائلتها وخاصة من والدتها التي كانت سببًا في حبها للرسم والفن. كما ساعدها إخوتها في الرسم والترويج في بعض معارض الشارع. كانت بدايتها صعبة كما تقول، وذلك بعرض بعض منتوجاتها على طاولة صغيرة في أسواق المدن العتيقة. لتظل قرابة السنتين دون أن تحقق مبيعات كبيرة. لم تيأس صباح من عدم ترويج منتوجها، ولكن فكرت في خوض السوق التونسية بمشروع وابتكار جديد لم يسبقها أحد فيه، لتشارك في معرض من تنظيم وزارة السياحة، مكنها من الفوز بالجائزة الأولى في الابتكار. ومنذ ذلك الوقت شاركت في عدّة معارض على غرار معرض الكرم، لتتبنى إحدى الشركات أعمالها وتُروّج في نيويورك والفلبين وفرنسا.
لم تيأس صباح من عدم ترويج منتوجها في البداية، وفكرت في خوض السوق التونسية بمشروع وابتكار جديد لم يسبقها أحد فيه، وشاركت في عديد المعارض، لتتبنى إحدى الشركات أعمالها وتُروّج في نيويورك والفلبين وفرنسا
تقول صباح إنّها "تقرأ حتى تاريخ بعض المدن التونسية وعاداتها وتقاليدها لمعرفة تأثير الحضارات المتعاقبة فيها، والأحداث التي أضفت خصوصية على كلّ جهة. فكلّ منطقة تتميز بشكل مختلف لتلك الأزياء التي تصّر على رسمها بتفاصيلها وبألوانها وبرمزية كلّ لون فيها. فقد اكتشف أنّ أهالي بعض المناطق في تونس يعتمدون في لباسهم على ألوان دون غيرها لرمزيتها ودلالتها على الخصوبة أو الخير أو على بعض القيم الاجتماعية".
وتضيف أنه "لو لا المطالعة والبحث لما عرفت تلك التفاصيل التي تجسدها بدقة في رسماتها على الخزف والفخار والسيراميك وحتى على القماش".
اقرأ/ي أيضًا: خزفيات بلحسن الكشو "أنوميا".. عندما تتحوّل الكلمات الحرّة إلى أقباس من طين
استطاعت صباح أن تُؤسس ورشتها الخاصة أين تمارس عملها وتستقبل طلبات عدّة من بعض الدول. وقد باتت تُروج أعمالها الفنية إلى عدّة دول لا سيما الفلبين التي يُقبل سكانها على كلّ شيء ملون كما تقول".
أما فيما يتعلّق بالسوق التونسية، فقد اضطرت إلى الاستقرار في العاصمة، بعد أن كانت انطلاقتها في سوسة جوهرة الساحل، لكنها لاحظت أنّ منتوجها يروّج أكثر في العاصمة، حيث بعثت ورشتها التي تعرض فيها أعمالها. كما عملت على توفير منتوجات فنية مختلفة الأسعار لتكون في حدود إمكانيات مختلف الشرائح الاجتماعية".
لم تقتصر صباح على الرسم على الخشب أو الخزف، بل طورت أعمالها عبر تطريز تلك الرسومات على القماش وعلى الكراسي والطاولات وبعض الأثاث البسيط، بألوان مختلفة ورسومات لم يغب فيها الطابع التونسي من رموز أمازيغية وأخرى على شكل الحلي التونسي.
تقول إنّ "لكلّ عمل فني وقته وقد تستغرق في بعض أعمالها أيامًا طويلة خصوصًا الأعمال التي تطرز فيها الرسومات على القماش أو بعض الأعمال التي تتطلب تفاصيلًا دقيقة".
وتضيف أنها "تعمل في كلّ مرة على ابتكار شيء جديد لتواكب ما يوجد في الأسواق العالمية، ولكن لن تتخلى عن الطابع التونسي الخاص بألوانه وأشكاله وتفاصيله التي لم نتخلى عنها منذ سنوات"، على حد قولها.
اقرأ/ي أيضًا:
"الرسم على الماء" أو "الإيبرو".. الإقصاء القسري لفنّ عظيم
عن أشهر لوحة فسيفساء تونسية.. "فرجليوس" الذي لا ترى وجهه إلاّ في تونس