12-أغسطس-2023
احتجاجات جبهة الخلاص بلعيد

حالة توازن الضعف بين الانقلاب من ناحية والحركة الديمقراطية والمعارضة من ناحية أخرى (صورة أرشيفية من احتجاجات للمعارضة/فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

مقال رأي 

 

في سياق الحديث عن المأزق الذي وضع فيه الانقلاب البلاد، سئل الأستاذ عز الدين الحزڤي حول الأسباب التي تُبقي على انقلاب 25 جويلية في تونس رغم اجتماع كلّ شروط سقوطه؟!! فكانت إجابته: سقط الانقلاب ولم يرحل.

ّسقط الانقلاب ولم يرحل".. تشير هذه العبارة إلى حالة توازن الضعف بين الانقلاب من ناحية والحركة الديمقراطية والمعارضة من ناحية أخرى

ولقد جاءت إجابته في صياغة شديدة التكثيف لم يعترضنا، في كل ما استمعنا إليه وقرأنا، ما يضاهيها في دقتها وشمولها وفي طابعها الإشكالي وفي تغطيتها المشهد الحالي بكل مفرداته. وهي بذلك تشير إلى حالة توازن الضعف بين الانقلاب من ناحية والحركة الديمقراطية (وهي القوة السياسية المدنية المتمسكة باستعادة الديمقراطية) والمعارضة (ونعني بها سائر من عارض الانقلاب لدوافع ليس من بينها دافع استعادة الديمقراطية). وتشير الجملة إلى حقيقة موضوعية، فـ"الشعب الذي لم يخرج مهللًا للانقلاب على الديمقراطية (مثلما ادّعى الإعلام النوفمبري وروّج) في كل وسائل إعلامه، لم يخرج، في المقابل، مدافعًا عن الديمقراطية. 

 

 

هو وضع سياسي يتجه إلى تعقيد أكثر وتركيب أشد قبل الانفراج فلا الانقلاب خرج إلى "ما بعد الانقلاب" ولا الحركة الديمقراطية استطاعت إزاحة الانقلاب واستعادة الديمقراطية

ولا الحركة الديمقراطية استطاعت إزاحة الانقلاب واستعادة الديمقراطية، بعد مرحلة كفاح ميداني كسرت الصمت المخيّم على المشهد على مدى 52 يومًا من الانقلاب، ودافعت عن الديمقراطية المرذّلة في مناخ سياسي كان فيه الإقناع بالتطبيع مع الكيان الغاصب أيسر من الإقناع بمصداقية الدفاع عن الديمقراطية المغدورة، بعبارة الأستاذ الأمين البوعزيزي.

  • تهاوي سردية التصحيح 

لا معنى للسقوط غير سقوط العنوان الكبير "تصحيح المسار". وقد تمّ هذا على مدى سنتين بتهاوي سرديات الانقلاب تباعًا، وقد كان سقوط "سردية التفويض الشعبي" مدويًا في مواجهة الشارع الديمقراطي الذي بقي شارع نخبة محاصرًا. ولم يتسنّ له كسر الطوق الذي ضُرب حوله، على حركته كلّما همّ بتحويل الوقفات إلى حركة باتجاه المؤسسة الأصلية (14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021) أو إلى انفتاح على الشارع الاجتماعي (مظاهرة 14 جانفي/يناير 2022 التاريخيّة). 

ثم كان سقوط "سردية التفويض الانتخابي" بالتجاهل شبه المطلق الذي ووجهت به المناسبات التي دعي في الناس إلى التصويت (الاستشارة، الاستفتاء، الانتخابات بدورتيها)، فكانت النتائج التي تراوحت بين 5% و11% حسب الجهات الرسمية المشكوك في نزاهتها مبرراً كافيًا للتراجع والتنحي، بعد أن "قال الشعب ما يريد قوله".

كان سقوط "سردية التفويض الانتخابي" بالتجاهل شبه المطلق الذي وُوجهت به المناسبات التي دعي فيها الناس إلى التصويت (الاستمارة، الاستفتاء، الانتخابات بدورتيها)

ولم تكن الحركة الديمقراطية، رغم جهدها وجهد سائر المعارضة في دفع الناس إلى المقاطعة، تعتبر المقاطعة الواسعة انتصارًا للديمقراطية بقدر ما رأت فيها مؤشراً على توجسها من العملية الانتخابية وعدم ثقتها في "جديد شعبوي" لا قدرة له إلاّ على الهدم. 

لذلك لم يبق أمام الانقلاب في مواجهة عجزه سوى الهروب إلى سردية "التآمر على أمن الدولة"، ونظرية المؤامرة كمكوّن بنيوي في الرؤية الشعبوية. وقد عرفت تطبيقها الأول باستهداف المؤسسة القضائية مقدمةً إلى تنفيذ اعتقالات واسعة لقيادات الحركة الديمقراطية على ضوء ملفات شهد الجميع بتفاهتها وخلوّها من كل دليل اتهام إلاّ عنوان الدفاع عن الديمقراطية الذي تشهره الحركة الديمقراطية وتصدح به. ولئن خصّت الاعتقالات رموز الحركة الديمقراطية فقد عمّت، بعد المرسوم 54 سيّء الذكر، سائر المدافعين عن الحقوق والحريات والرأي الحر. 

  • وضع مريح  

ويقابل سرديات الانقلاب الثلاث مراحل ثلاث عرفتها الحركة الديمقراطية، فكانت مرحلة الكفاح الميداني (ومنجزها ميلاد الشارع الديمقراطي وإسقاط سردية التفويض الشعبي)، ومرحلة بناء الشرط السياسي بتشكيل الجبهة (ومنجَزُها إسقاط سردية التفويض الانتخابي). 

والمرحلة الثالثة، وهي المرحلة الحالية، وتقوم على مواجهة بين "سردية التآمر على أمن الدولة" وعنوان "الإعداد والاستعداد" الذي ترفعه الحركة الديمقراطية المصرّة على استعادة الديمقراطية أفقًا وحيدًا لإنقاذ البلاد والخروج من الأزمة.

فنحن أمام حالة توازن ضعف بين الجهتين. ولكن بفارق مهمّ وهو أن سلطة الأمر الواقع بسلطاتها المطلقة وأجهزتها اللينة منها والصلبة تتحمّل كل المسؤولية عن البلاد والعباد، وهي تحمل بين كفيها جمر الأزمة المتفاقمة. ولذلك نراها تهرب من حقيقة عجزها لتلقي بفشلها الذريع على "العشرية" التي تحالف فيها الخونة مع اللصوص لـ"ينهبوا مليارات المليارات من أموال الشعب". 

تبدو الحركة الديمقراطية في وضع مريح في هذه المرحلة مرحلة الإعداد والاستعداد، وليس مطلوب منها بعد أن خاضت تجربة الشارع وبنت شرطها السياسي، التعبئة ولا التصعيد

في المقابل، تبدو الحركة الديمقراطية في وضع مريح في هذه المرحلة مرحلة الإعداد والاستعداد، وليس مطلوب منها بعد أن خاضت تجربة الشارع وبنت شرطها السياسي، التعبئة ولا التصعيد، بقدرما هي مدعوة إلى إدامة اشتباكها مع سلطة الأمر الواقع بعنوان استعادة الديمقراطية.

وإنّ ما تقيمه من وقفات عز وشرف بشارع الثورة وندوات ونقاط إعلامية ودفاع عن الحريات، وتمثل معركة القضاء أهمّ نقاط الاشتباك. ومع ذلك يؤخذ على الحركة أنها لم تكن في مستوى معركة القضاء. وهي ليست مدعوة لتحل محلّ القضاة ومنظماتهم، ولكن غياب الربط المحكم بين الدفاع عن مبدأ استقلالية القضاء وهدف استعادة الديمقراطية حال دون تحويل ملف القاضي الشريف البشير العكرمي إلى قضية وطنية. فالرجل يمثل "صندوق البلاد الأسود". فملف الاغتيال الذي اشتغل عليه يفسّر ما قبله وما بعده. ولذلك يقبر من قبل "هيئة الدفاع" المستثمرة في دم رفيقها، وتمنع الوصول إلى الحقيقة. فبالوصول إليها هلاكها وخلاص تونس.

بلورة خطاب معركة وعرض سياسي محيَّن هو الأمر المنتظر من الحركة الديمقراطية في هذه المرحلة. والخطاب والعرض مشدودان إلى الهدف الرئيسي: استعادة الديمقراطية

بلورة خطاب معركة وعرض سياسي محيَّن هو الأمر المنتظر من الحركة الديمقراطية في هذه المرحلة. والخطاب والعرض مشدودان إلى الهدف الرئيسي: استعادة الديمقراطية. فإذا ما دعا أحدهم إلى "حوار وطني على قاعدة استعادة الديمقراطية" أو" أولوية إنقاذ البلاد والخروج من الأزمة على قاعدة استعادة الديمقراطية" عرفنا أنه من جبهة الخلاص الوطني.

فالذي يعوز المشهد السياسي للخروج من الأزمة الخانقة التي تراوح مكانها هو نقطة بداية تكون منطلقًا للخروج. لأن الاكتفاء بفكرة الإنقاذ أو الحوار الوطني دون مقترح عملي (فكرة قاض مستقل، أو هيئة حكماء…) يبقى رأيًا نظريًا يحتاج إلى آلية تنزيل. 

  • انفراج الأزمة 

تشير تجارب الثورة والانتقال الديمقراطي إلى أنّ حالات صراع التوازن قد تمتدّ ولكنها تنتهي بانقسام داخل أحد طرفي الصراع، فيحدث انفراجٌ في الأزمة بتنازلٍ عنوانه مراعاة المصلحة الوطنية. ويكون التنازل من جهة واحدة، مثلما يكون من الجهتين مع أقدار متفاوتة تتحدّد بمحصّلة الصراع ونتائجه على الأرض. ويكون ذلك منعرجًا سياسيًا ومقدمة إلى مرحلة جديدة. 

ومن نموذج الثورة التونسية، يمثّل 14 جانفي 2011 شاهدًا حيًّا على هذه الحقيقة، فقد كان الانقسام داخل نظام الحكم بانحياز المؤسسة العسكرية في ملابسات مخصوصة نقطة تحوّل نحو كسر نظام الاستبداد وهروب بن علي. 

تشير تجارب الثورة والانتقال الديمقراطي إلى أنّ حالات صراع التوازن قد تمتدّ ولكنها تنتهي بانقسام داخل أحد طرفي الصراع، فيحدث انفراجٌ في الأزمة بتنازلٍ عنوانه مراعاة المصلحة الوطنية

ومن نموذج الانتقال الديمقراطي في تونس، يمثل الحوار الوطني شاهدًا آخر، فالحوار الوطني في حقيقته كان نتيجة انقسام القوى المحسوبة على الثورة (الشابي/الغنوشي). وكان انقسامها الثغرة التي عاد منها القديم بتحالف سياسي حول الباجي قايد السبسي ضم القديم ومجاميع اليسار. وكان التنازل باستقالة حكومة الترويكا المنتخبة لتحل محلها حكومة "تكنوقراط" نالت الثقة من المجلس الوطني التأسيسي، بعد أن تمّ التسليم بمرجعيته.  وهذا ما سيكون في مشهد الصراع بين الحركة الديمقراطية والانقلاب. ونعني الانقسام داخل أحد طرفي المواجهة. فلن يستمر هذا الوضع على ما هو عليه.

ولا يخفى ما يشق الجهتين من اختلافات بسبب التعقيد والتركيب في صفّيْهما نتيجة سنوات الانتقال الصعبة وعجز النخبة عن إحداث التسويات المطلوبة على قاعدة بناء الديمقراطية. سنوات كانت فيها البلاد مجالًا مفتوحًا للتدخل الإقليمي والدولي وصراع المحاور المحتدم. 

  • أثر  الاجتماعي الحاسم 

لم يكن لـ25 جويلية من منجز سوى فسخ ما صاغته العشرية من مواثيق وهدم ما بنته من مؤسسات دستورية وتعديلية. وكان أداؤه في مواجهة الأزمة المالية الاقتصادية صفريًا، ومعه دخلت البلاد في مأزق بلا أفق. وصارت بين خطري  الانهيار المالي والانفجار الاجتماعي. 

وينظر إلى الحديث الموجه من قبل قيس سعيّد إلى مديرة القناة الوطنية 1 على أنه مؤشر على انقسام داخل منظومة الانقلاب. ففي الحديث عن الخونة (لعله يقصد من خانوا الثورة) واللصوص (التجمع والنظام القديم) عودة إلى بناء تصور جديد لفكرة التصحيح دفعًا لشبهة العلاقة بين الانقلاب والنوفمبرية، ومحاولة لكسر حقيقة الصراع بين الانقلاب والديمقراطية التي ترسّخت.

ويدرك سعيّد أن من يقف إلى جانبه اليوم هم من نعتوه في الدور الأول من الانتخابات "بالدعوشة" وصوتوا لخصمه في الدور الثاني، وأن سجناء الحركة الديمقراطية هم من قاد مساندته في الدورين وهم من احتفل يوم فوزه في شارع الثورة.

استنفذ كل طرف ما يملك من وسائل بغاية تجاوز خصمه. ولكن الوضع مستقر عند توازن ضعف، ولم يبق من عامل مرتقب إلا مآلات الأزمة الاجتماعية وافتقاد سلطة الأمر الواقع سبيل الخروج منها

وفي كل الأحوال، استنفذ كل طرف ما يملك من وسائل بغاية تجاوز خصمه. ولكن الوضع مستقر عند توازن ضعف، ولم يبق من عامل مرتقب إلا مآلات الأزمة الاجتماعية وافتقاد سلطة الأمر الواقع سبيل الخروج منها، ولم تقصّر في جمع كلّ الأسباب المحلية والخارجية لتفاقمها. وهذا المعطى هو الذي يرجّح انقسام منظومة الانقلاب تحت ضغط الأزمة الاجتماعية المفتوحة على أكثر من احتمال. 

وأمّا بالنسبة إلى الحركة الديمقراطية فهي تدرك صعوبة جمع المعارضة على موقف موحّد رغم دعواتها المتكررة إلى أرضية دنيا مشتركة لإخراج البلاد من أزمتها. فالمعارضة تعاني من انقسامات موروثة عن سنوات الانتقال أهمها الاختلاف حول شروط الديمقراطية الذي تطوّر إلى اختلاف حول المبدأ  الديمقراطي نفسه. وانتهى جانب من القوى المنتسبة إلى الحداثة إلى إضمار أنّ الديمقراطية تمثل عندها تهديدًا وجوديًا، فلم يعد لها من برنامج سياسي خارج استهداف شروطها. ولو أدّى ذلك إلى دعم أحطّ أنظمة الحكم وأشدها استبدادًا.

  • حل دولي بأدوات محلية 

لم يبق للمعارضة والحركة الديمقراطية ما تنقسم عليه، ومثّل المأزق الذي وضع فيه الانقلاب البلاد عامل تقارب موضوعي بين مكوناتها المتباعدة، وعلى هذا مؤشرات عديدة داخل النخبة منها عرائض الجامعيين والأكاديميين وأساتذة القانون الدستوري تحديدًا، وقد عبروا فيها عن امتناعهم عن مشاركة الانقلاب في مخططه وعن تضامنهم مع مساجين الحركة الديمقراطية وطالبوا بإطلاق سراحهم. 

سيكون للأزمة المالية الاقتصادية المتفاقمة دور حاسم في الخروج من المأزق، وستكون السنة السياسية الجديدة مثيرة. وسيقف خلالها الجميع عند حقيقة الأزمة وخطورتها

ولعبت الاعتقالات التي شملت أطياف مختلفة من النخبة دورًا مهمًا في التقارب والالتقاء الميداني في بعض المناسبات القليلة. وكان للبروفيسور عياض بن عاشور موقف قوي دعا فيه إلى مقاومة الانقلاب على الدستور. واعتبر أنّ أجهزة الدولة غير ملزمة بأوامر من خرج عن الدستور وقوّض الأساس القانوني الذي على قاعدته انتُخب. 

ومن مفارقات المشهد السياسي في بلادنا أن النخبة التي خسر الانقلاب معركته معها (لا تقف اليوم إلى جانبه) هي نفسها التي كانت سببًا في فشل الانتقال الديمقراطي حين فضّلت الانخراط في الصراع الهووي بدل العمل على دعم المشتركات. وقد كان للأستاذ راشد الغنوشي قول مشهور في هذا المعنى توقف فيه عند استحالة أن يحكم من تعارضه النخبة ولو تم انتخابه بأغلبية ساحقة. والنخبة في بلادنا هي التي نشأت في ظل دولة الاستقلال ومجتمعها المدني بمزاج فرنسي.  

سيكون للأزمة المالية الاقتصادية المتفاقمة دور حاسم في الخروج من المأزق، وستكون السنة السياسية الجديدة مثيرة. وسيقف خلالها الجميع عند حقيقة الأزمة وخطورتها. ونرى  الانقسام المحتمل غير منفصل عما نسميه "عقل الدولة" أو ما بقي من عقل في هذه البلاد التي لن يستقيم حالها إلا على تسوية تاريخية على قاعدة المشروع الديمقراطي. 

نرى  الانقسام المحتمل غير منفصل عما نسميه "عقل الدولة" أو ما بقي من عقل في هذه البلاد التي لن يستقيم حالها إلا على تسوية تاريخية على قاعدة المشروع الديمقراطي

فيكون للانقسام معنى إيجابيًا من جهة كونه شرطًا للوصول إلى كلمة سواء، بعد تمسك كل جهة بموقفها. ولكن مآلات الصراع تقترب بنتائجها في مستوى ميزان القوة وفي جدواها في خدمة الصالح العام لا المشاريع الفردية الحالمة ولا الفئوية الظالمة. فكل المعارك تنتهي إلى تفاوض. وسيكون موقف الأجهزة وازنًا في هذا الاتجاه، دون أن يدفع بها إلى الواجهة التي لا تريدها ولم تكن جزءًا من تقاليدها وتاريخها في الدولة. 

وكل هذا لا ينسينا أنّ سنوات الانتقال الديمقراطي بما شقها من صراعات، ساهمت في تجريف جانب من معاني قليلة للسيادة، وأكمل الانقلاب المهمّة حتى بلغنا الدرجة الصفر للسيادة. هذا الوضع يجعل، بكل أسف من شروط الخروج من الأزمة شروطًا إقليمية دولية وإن كانت بأدوات محلية هي النخبة السياسية من الجهتين المتصارعتين.

مع فارق نود تسجيله بين لحظة 14 جانفي/يناير 2011 ولحظتنا هذه. في 2011 تفرّدت المنظومة القديمة بالحل ورتّبت شروط الانتقال (هيئة بن عاشور، القانون الانتخابي..). وقاد المرحلة رموز النظام القديم باسم "إنقاذ الدولة" بعد التسليم بمعطى الثورة. فكانت الانتخابات التأسيسية بتلك الشروط رغم مشاركة الجماهير الواسعة والتي منحت قيادة المحاولة التأسيسية لـ18 أكتوبر بعد أن عاقبت يمينها الذي مثله نجيب الشابي لقربه من نظام بن علي (مقترحه بتنقيح دستور 59 والذهاب إلى انتخابات رئاسية) ويسارها الذي عاد إلى تقديم الإيديولوجيا على الالتقاء على تأسيس الحرية، فجوهر 18 أكتوبر كان نقلة في مواجهة الاستبداد داخل الطبقة السياسية من فرز على قاعدة الأيديولوجيا إلى فرز على قاعدة الحرية. أما اليوم فإنه ينتظر من حضور الحركة الديمقراطية أن يخفف من وطأة العامل الدولي ويدعم الشرط المحلي. 

الانقلاب الذي رفع عنوان تصحيح المسار لم "يحقق" غير هدم ما بنته العشرية، وبقي يراوح مكانه وهو يرى تهاوي سردياته الواحدة بعد الأخرى، ولكنه احتجز الدولة بعد أن جرّها خارج الشرعية الدستورية وسدّ كل المنافذ المفضية إليها وعجز عن التقدم خطوة واحدة 

وخلاصة المشهد أنّ الانقلاب الذي رفع عنوان تصحيح المسار لم "يحقق" غير هدم ما بنته العشرية، وبقي يراوح مكانه وهو يرى تهاوي سردياته الواحدة بعد الأخرى، ولكنه احتجز الدولة بعد أن جرّها خارج الشرعية الدستورية وسدّ كل المنافذ المفضية إليها وعجز عن التقدم خطوة واحدة ولسان حاله "لا رجوع الوراء". وهذا  هو معنى السقوط الفعلي. وفي كل الأحوال هذا الوضع لن يستمر طويلًا…لأنّ في استمراره هلاك الجميع. 

 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"