29-يونيو-2023
علم تونس شارع الحبيب بورقيبة

سنجعل من دولة الاستقلال في تونس والمراحل التي مرت بها نموذجًا يساعد على تبيّن علاقة الدولة بالشرعية وأسسها (حسن مراد/ Defodi Images)

مقال رأي 

 

لن يكون حديثنا نظريًا عن الشرعية التي تكون للدولة لكي تحكم المجتمع باسمه، ولكن سنجعل من دولة الاستقلال في تونس والمراحل التي مرت بها نموذجًا يساعد على تبيّن علاقة الدولة بالشرعية وأسسها، وأثر عامل الشرعية، حضورًا وغيابًا، على أداء الدولة وعلاقتها بالمجتمع وبمحيطها الإقليمي والدولي.

 

  • شرعية التحرير والتأسيس 

يبدو العنوان في ظاهره في غاية الانسجام، فالشعوب المستعمرة تتنظم في حركات تحرر هدفها إخراج المستعمر وبناء الكيان الوطني المستقل، لكن التجربة تظهر أنّ خروج جيوش المستعمر وما بُذل في سبيله من تضحيات لم يُفْضِ إلى تحقيق الهدف المنشود: كرامة الفرد في الحرية والرفاه. 

وسرعان ما انقلبت "وحدة الموقف" في مواجهة المحتل الأجنبي إلى نزاع على السلطة وصراع على الحكم. ولم تكن تونس بدعًا من دول الاستقلال الناشئة. وتمثل المرحلة التأسيسية (56 -59) لحظة تاريخية مهمة قد تفسر ما قبلها من ملابسات نشأة الحركة الوطنية والأطوار التي عرفتها، مثلما قد تفسَر ما بعدها من تجربة دولة الاستقلال وسياساتها والمنعرجات التي عرفتها، لكن بالتركيز على موضوع الشرعية في هذه التجربة. 

لم تكن عبارة الديمقراطية غريبة عن مداولات المجلس القومي التأسيسي وتدخلات النواب المؤسسين، غير أن هيمنة شخصية بورقيبة وسيطرة جماعته على المجلس من ناحية وحدّة الصراع اليوسفي البورقيبي جعلت من إعلان الجمهورية أشبه بالانقلاب

عملية التأسيس الأولى (56-59) كانت في مواجهة دولة البايات. وفي إطارها كان إعلان الجمهورية في 25 جويلية/يوليو 1956 انقلابًا على نظام حكم ملكي. علمًا وأن الدعوة إلى مجلس قومي تأسيسي افتتح أشغاله يوم 8 أفريل/نيسان 1956 بعد انتخابه انتخابًا عامًا مباشرًا في 25 مارس/آذار 1956 صدرت بأمر عَليٍّ ملكي أمضاه محمد الأمين باي صاحب المملكة (كما جاء في نص الأمر) بتاريخ 29 ديسمبر/كانون الأول 1955. وقام هذا الأمر على أساس "منح مملكتنا دستورًا يحدد نظام السلط ويسير مختلف دواليب وحقوق المواطنين وواجباتهم" و"تمكين شعبنا من المشاركة مشاركة فعلية وبواسطة ممثليه المنتخبين في إعداد القوانين الأساسية للبلاد". 

فالاتجاه إلى الاستقلال والتأسيس الدستوري وفسح المجال للمشاركة الشعبية الواسعة كان اتجاهًا وطنيًا جارفًا. ولم تكن عبارة الديمقراطية غريبة عن مداولات المجلس القومي التأسيسي وتدخلات النواب المؤسسين، غير أن هيمنة شخصية بورقيبة وسيطرة جماعته على المجلس من ناحية وحدّة الصراع اليوسفي البورقيبي لحظتها والتوتر تجاه سلطة الباي وما تمثله من عقبة من ناحية أخرى جعلت من إعلان الجمهورية أشبه بالانقلاب ومن مداولات المجلس التأسيسي سياقًا لتنصيب بورقيبة رئيس الحكومة زعيمًا أوحد ومجاهدًا أكبر. 

 

 

وفي الجلسة الافتتاحية اقترح النائب مصطفى الفيلالي فقرة تدرج بمحضر الجلسة ورد فيها "إنّ أعضاء المجلس التأسيسي القومي اقل لممثلين لشعب تونس يعبّرون باسم الأمّة عن اعترافها بالجميل لابنها الحبيب بورقيبة" وانفتح الباب على ثقافة استبدادية مترسبة عوض الانفتاح على مزاج العصر المتوسط وما تعرفه صفة المتوسط الشمالية من توجه سياسي فيه احترام للإنسان الأوروبي (على الأقل) وصون لكرامته.

وهو ما أخرج عملية التأسيس، رغم نقاط القوة فيها وما كان يدفعها من اتجاه وطني استقلالي جارف، عن شرعية التأسيس الذي يحظى بإجماع التونسيين. ومثلما كان يمكن ترويض سلطة البايات إلى التأسيس الجديد وتشريكها فيه كان اختيار إزاحتها. كذلك كان تفرّد بورقيبة وجماعته بالأمر وإصرارهم على مواجهة الشق الرافض للاستقلال الداخلي مانعًا من وجود إجماع من داخل العملية التأسيسية. 

لا يختلف "انقلاب" بورقيبة عن الانقلابات التي حدثت في خمسينيات القرن الماضي في استهداف الحريات والحياة السياسية، وإن اختلف عنها في الوسيلة فبورقيبة وصل إلى الحكم بواسطة حزب سياسي كان له الريادة في الحركة الوطنية

لم ينكر رفاق بورقيبة الذين اختلفوا معه ولا خصومه الذين واجهوه دوره في مرحلة التحرير وفي مرحلة التأسيس. ورغم اختلاف وجهات النظر حول فرنسا والاستقلال والدولة كانت هناك قناعة بضرورة توحيد الجهود. لكن رغبته في التفرد بكل الأمر أثار غبارًا حول حقيقة الاتفاقات مع فرنسا وسلامتها وحول عملية التأسيس والإجماع حولها في فترة كان فيها الحلم  بتأسيس تونس الجديدة ما يزال كبيرًا. 

لا يختلف "انقلاب" بورقيبة عن الانقلابات التي حدثت في خمسينيات القرن الماضي في استهداف الحريات والحياة السياسية، وإن اختلف عنها في الوسيلة فبورقيبة وصل إلى الحكم بواسطة حزب سياسي كان له الريادة في الحركة الوطنية ولم تكن أداته المؤسسة العسكرية وإن اعتمد في بسط سيطرته على جهاز الأمن ووزارة الداخلية. 

البلاد العربية قبل سلسلة الانقلابات "الوطنية" كانت تعيش، في مرحلة يغلب عليها الاحتلال وقواعده العسكرية،  مناخًا من الليبرالية السياسية والحريات العامة في غاية الأهمية، كان منتظرًا أن تكون رافدًا للبعد الوطني الذي طرحته الانقلابات العسكرية، لكن يبدو أنها كانت الإجراء الذي سيمنع تحويل "الوطني" إلى "مواطني". ولن يكون ممكنًا طرح هذا الأمر إلا مع الربيع وثورته. 

 

  • شرعية البناء والتشييد 

يسند إلى بورقيبة الرئيس لقب الزعيم والمجاهد الأكبر وهي تسميات وألقاب تحمل في عمقها مراحل صراع عنيف كان يشق الحركة الوطنية ويهز عملية التأسيس الأولى. 

كانت أفضل الألقاب المحببة إلى بورقيبة تقديمه بأنه "باني تونس ومحرر المرأة"، وهذا في حدّ ذاته اختزال للتاريخ في الشخص، على عادة التاريخ الذي يستسلم للمنتصرين لكي يكتبوه. 

رغم الإعلان عن قيام الجمهورية التاريخي فإنّ الأمر لم يتجاوز النصوص إلى تنزيل الأمر من خلال علوية القانون والمؤسسات الديمقراطية المنتخبة، وحتى الانتخابات التأسيسية الأولى فإنها لم تخْلُ من شوائب

لكن ما يعنينا من كل ذلك هو الأساس الذي قامت عليه الدولة. فرغم الإعلان عن قيام الجمهورية التاريخي فإنّ الأمر لم يتجاوز النصوص إلى تنزيل الأمر من خلال علوية القانون والمؤسسات الديمقراطية المنتخبة. وحتى الانتخابات التأسيسية الأولى فإنها لم تخْلُ من شوائب. ففي هذه تنافست فيها ثلاث قائمات؛ قائمة الجبهة القومية المكونة من الحزب الحر الدستوري التونسي والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد القومي للمزارعين التونسيين بـ98 مرشحًا. وقائمة الحزب الشيوعي التونسي بـ69 مرشحًا، وقائمة الأحرار عن مدينة سوسة بأربعة مرشحين. وسجلت مشاركة عالية بـ82,86% (المرسمون 723.151، والمقترعون 599.232).

ويبدو أن قانون الانتخابات المبني على مبدأ الأغلبية لم يُتِح فرصة لقائمتي الحزب الشيوعي والأحرار بالفوز ولو بمقعد واحد فكانت مقاعد المجلس التأسيسي الـ98 كلها من نصيب الجبهة القومية بقيادة الحبيب بورقيبة. ولمّا لم تكن توجد بين المترشحين امرأة واحدة استحال وجود المرأة بالمجلس المنتخب. 

 

 

وإنّ بمقارنة سريعة بين انتخابات التأسيس الأول في 59 والتأسيس الثاني في 2011، تُلاحَظ التحولات التي عرفتها البلاد ولاسيما في مستوى النخبة والبناء الاجتماعي. فالقانون الانتخابي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 وُضِع لمنع حركة النهضة من الفوز بالأغلبية المطلقة، وعمليًا كان هذا مفيدًا، عن غير قصد، لعملية التأسيس التي يجب أن يشارك فيها الجميع. كما مكّن قانون التناصف الذي أريد به إرباك النهضة لكنّها أصرّت على التمسك به، من أن تبلغ نسبة النساء في المجلس حوالي 23% أغلبهن من فتيات النهضة (42 على 49 امرأة). 

ولا تعتبر هذه النتائج صورة صادقة عن حال المرأة بعد الثورة، لأنّ في قانون التناصف قفزًا على حقائق اجتماعية صلبة كان المطلوب تلبيتها وتطويرها لصالح المرأة تدريجيًا في ظل الديمقراطية ومشاركة المرأة الواسعة في السياسة والشأن العام. وقد نصل بالتدرج إلى التناصف وقد ترجح الكفة لفائدة المرأة، في يوم ما. أمّا القرارات الفوقية فإنها لا تمس العمق ولا تدفع إلى ما هو أفضل. وعندما ألغي قانون التناصف في الترشح عادت النسب إلى حقيقتها. ففي مجلس قيس سعيّد المنتخب بـ11% كانت نسبة النساء فيه ضعيفة جدًّا. 

رغم المنعرجات الحادة التي عرفتها الدولة في عهد بورقيبة التي تشير إلى ضرورة الانفتاح ودمقرطة الحياة السياسية فإنّ الدولة بقيت تعاني من مشكل الشرعية ولم تمكنها منها شرعية "البناء والتشييد" ورفع مستوى الفرد الذهني والاجتماعي

مشاركة المرأة في الحياة ستتدعّم فيما بعد نتيجة سياسة بورقيبة في التعليم والمرأة والصحة، والأصل هو أن تكون مشاركة المرأة الواسعة ومكانتها المتقدمة في ظل العهد البورقيبي صورة من توجه ديمقراطي يحترم الإنسان ويدعم وضع المرأة في مجتمع ينعت بأنه ذكوري، لكن تصور بورقيبة للإنسان وللمرأة جاء ضمن رؤية سياسية استبدادية تقوم على تمجيد الفرد وتربط بشخصه كلّ إنجاز ولا مكان فيها للاختيار الحر والتمثيل الديمقراطي.

وإنّ الحديث عن غياب الديمقراطية في العهد البورقيبي ليس من باب الإسقاط وليس من وحي "وعي بعدي"، فالحديث عن الديمقراطية والحاجة إليها كان حاضرًا في سياق التأسيس الأول، وكانت فكرة الاستقلال ترتبط بكل معاني الحرية ومنها تقرير الشعب مصيره بنفسه من خلال الاختيار الحر والمؤسسات الديمقراطية الممثلة. 

وكان بورقيبة على اطلاع في ثلاثينيات القرن الماضي على الثقافة السياسية والفلسفية في أوروبا، وعلى التحولات الحاصلة باتجاه الديمقراطية، لكنه نقل من هذه الحياة والثقافة الجانب السلطوي منهما المرتبط بالتحديث الفوقي القسري وسلطة المستبد ليقول مع من يعتبرهم قدوته: "أنا الدولة، والدولة أنا". 

ورغم المنعرجات الحادة التي عرفتها الدولة في عهده وكلها تشير إلى ضرورة الانفتاح ودمقرطة الحياة السياسية فإنّ الدولة بقيت تعاني من مشكل الشرعية ولم تمكنها منها شرعية "البناء والتشييد" ورفع مستوى الفرد الذهني والاجتماعي. 

وورث نظام بن علي، وهو يمثل عندنا البورقيبية في مرحلتها المنحطّة، افتقاد الدولة لأمّ الشرعيات الشرعية الديمقراطية، وهو ما طبع الدولة في عهده بوجه أمني بوليسي مافيوزي انكسر أمام الانتفاض المواطني في 2011. 

 

  • الثورة والانقلاب والشرعية 

أنهت الثورة معضلة الشرعية التي كانت تعاني منها الدولة في تونس. وذلك بالاختيار الشعبي الحر والانتخابات الديمقراطية تحت سقف الحرية العالي المعمّد بدماء الشهداء. 

وحدثت نقلة مهمة من الصراع مع الدولة إلى الصراع عليها، والتنافس تحت سقفها. فالمعارض لا يواجه الدولة وكيانها وشرعيتها، وإنّما ينافس على أن يحلّ محلّ منظومة الحكم المنتخبة إذا رأى في سياساتها ما لا يخدم الدولة والمجتمع والصالح العام. وهذا هو مدلول التداول الديمقراطي على السلطة، ولقد عرفت العشرية الديمقراطية صورًا قوية من انتقال السلطة بعد كل انتخابات، ومنها تسليم الرئيس المنصف المرزوقي مقاليد رئاسة الجمهورية إلى الرئيس الباجي قايد السبسي في 2014. وقد اعتُقِد يومها أنّ الديمقراطية تعرف طريقها إلى الاستقرار المؤسسي رغم الأزمات الدورية ذات الطابع الاجتماعي.  

أنهت الثورة معضلة الشرعية التي كانت تعاني منها الدولة في تونس لكن الدولة العميقة وروافدها الوظيفية لم تتردد في استهداف الدولة في عشرية الانتقال باتهام من تم انتخابهم ديمقراطيًا بأنهم يتسربون إلى مفاصل الدولة

ولقد كان النظام الذي سكنها لستة عقود لا يجد حجة في مواجهة معارضيه أمام المنظمات الدولية الحقوقية، وكان يدرك أنّ تحرير المجال العام والانتخابات الديمقراطية سيغير من القاعدة السياسية والاقتصادية التي يرتكز عليها نظام الحكم، وتحديدًا إعادة النظر في اقتصاد الريع ونظام الرخص واحتكار عائلات بعينها مجال المال والأعمال ومناصب الدولة الأولى ومفاتيح الإدارة. وهذه المصالح ومن يمثلها تمثل ما سيطلق عليه بالسيستام والدولة العميقة. وهي القوة الأساسية التي ستتحكم بمسار الانتقال الديمقراطي من انطلاقه، أمام ضعف من تم تفويضهم ديمقراطيًا وترددهم في اتخاذ القرارات المطلوبة. 

وكانت الدولة العميقة وروافدها الوظيفية لا تتردد في استهداف الدولة في عشرية الانتقال إمّا باتهام من تم انتخابهم ديمقراطيًا لتسيير مرحلة من المراحل بأنهم يتسربون إلى مفاصل الدولة، وكأن تولي مسؤولية في الدولة صار تهمة، أو بإصرار إعلامها على إلصاق تهمة الإرهاب ثم الفساد بالقوة السياسية الأوسع والسماح باستباحتها.

 

 

ولم يكن من نخبة الدولة العميقة المنتسبة إلى الحوزة الحداثية دفاعٌ عن فكرة الدولة ولا عن مؤسساتها ولا كان منها دفاع عن الديمقراطية وإصلاح أعطابها وصعوبة إقامة أسسها. كانت ترعى خطابًا ترذيليًا تدميريًا يعتمد على الخلط بين ما تتيحه الديمقراطية من تمييز بين الدولة والنظام السياسي. فالنظام السياسي أو منظومة الحكم متبدلة والدولة شبه مستقرة.  

لم تخرج علاقة الدولة العميقة بالانتقال الديمقراطي عن تعطيله ومحاولة الانقلاب عليه إلى أن تم لها بعد عشر سنوات من الانتقال توفير شروط الديمقراطية وعدم كيانها، وذلك في 25 جويلية/يوليو 2021. وقد مثّل إبطال الدستور وحلّ البرلمان وحل المجلس الأعلى للقضاء وحلّ المؤسسات الدستورية والتعديلية جرًّا للدولة خارج الشرعية الدستورية والقانون، وصار بذلك النظام السياسي الحالي غير شرعي، فنظام قيس سعيّد لا شرعية له لا أخلاقية ولا قانونية ولا عملية (شرعية الأداء). وهذا ما يفسّر عزلته في الداخل والخارج. ففي الداخل تشهد عليها المقاطعة الواسعة للمواعيد الانتخابية لسلطة الأمر الواقع (تراوحت نسبة المشاركة فيها بين 5% و11%).

وضع الديمقراطية المتعثرة كان أفضل لتونس ومستقبل الدولة من وضع سلطة تجد صدًّا وابتزازًا من خارج لا يقبل بها في الظاهر لكنّه مستعد للتعامل معها إن هي رضيت بشروطه

ويمثّل عجز سلطة الانقلاب عن مواجهة الأزمة المالية الاقتصادية وسد الفجوة في الميزانية التي تقدّر بـ3,5 مليار دولار وتدهور سمعة تونس المالية واستحالة الاقتراض بنسب فوائد معقولة لتغطية العجز والإبقاء بالديون وفوائدها المتحللة بذمة البلاد، إلى جانب تطور موجة الهجرة غير النظامية واستغلال بعض الجهات الأوروبية وفي مقدمتها إيطاليا شواهد على وضع نظام الانقلاب وجرّه لمقايضة خروجه من الأزمة بجعل تونس مجالًا لتوطين المهاجرين غير النظاميين. ويبدو حشر سعيّد في هذه الزاوية الحرجة مقصودًا.

وإنّ وضع الديمقراطية المتعثرة ولكن بمؤسسات ممثلة ومجتمع مدني متيقّظ كان أفضل لتونس ومستقبل الدولة من وضع سلطة أمر واقع تجد صدًّا وابتزازًا من خارج لا يقبل بها في الظاهر، لكنّه مستعد لأنْ يتعامل معها إن هي رضيت بشروطه لتوفير الاستقرار المطلوب منه ولو على حساب الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان.

وهذا لا ينفي وجود عالم آخر يمثله أنصار الديمقراطية من أحرار العالم ومثقفيه وأكاديمييه في أوروبا وأمريكا وسائر أقطار العالم، وكذلك وجود مواقف مشهودة للاتحاد الإفريقي من الوضع في تونس وانتصار الديمقراطية تجلّى في مواقفه الوفية للمبادئ الديمقراطية قياسًا إلى أوروبا التي تقدم مصالحها على مبادئها. وكان الموقف الأقوى للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التي قضت في قرارها عدد 2021/017 بإلغاء الأمر الرئاسي 117 الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد بغاية الانفراد بالحكم واستعادة نظام الاستبداد بصلاحيات مطلقة. 

هذا الوضع يجعل من مهمة استعادة الديمقراطية وإنهاء مشكل الشرعية الذي تعاني منه الدولة والنظام السياسي الذي يسكنها أولوية، وبدل الصراع مع الدولة تستعاد المنافسة تحت سقفها خدمة للناس ودعمًا للمؤسسات وتطويرها لأجل تونس حرة وسيدة. 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"