23-يونيو-2021

كريّم: "تعليق العمل بالدساتير لا يتمّ إلا إثر ثورة أو انقلاب وهذا ما تؤكده الوقائع التاريخية" (مصدر الصورة: الجزيرة)

 

تفاعلت الساحة السياسية نهاية الأسبوع الماضي مع تصريحين، كان الأول لرئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي اعتبر أن "الحوار يجب أن يكون هدفه إرساء نظام سياسي جديد ودستور حقيقي"، وذلك عند استقباله لرؤساء حكومات سابقين في قصر قرطاج، والثاني ما كشف عنه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي كون الرئيس سعيّد "اقترح عليه خلال اجتماع بينهما تنقيح دستور 1959 وعرضه على الاستفتاء الشعبي لإعادة العمل به"، مما يعني تعليق العمل بالدستور الحالي (دستور 2014).

اصطدم هذا الطرح بجدل قانوني وسياسي وأثار استياء الكثيرين، في الوقت الذي تعيش فيه تونس أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية وصحية خانقة انعكست آثارها على تماسك مؤسسات الدولة وتسببت في شلل في مجالات مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: الطبوبي: سعيّد اقترح العودة لدستور 59 وتنقيحه وعرضه على الاستفتاء


حول مقترح سعيّد، تقول أستاذة القانون الدستوري منى كريّم لـ"الترا تونس" ليس هناك أي دستور في العالم يحدد آليات تعليق العمل به، يعني أن الدستور وُجد ليطبق وليحترم وهو الهدف الرئيسي من ضبط الدساتير وعلّة وجودها".

منى كريّم: لا يستقيم القول إنه يمكن تعليق العمل بدستور 2014 الذي بموجبه تم تكليف رئيس الجمهورية باحترامه والسهر على تطبيق أحكامه عند آدائه اليمين 

وأضافت "تعليق العمل بالدساتير لا يتمّ إلا إثر ثورة أو انقلاب وهذا ما تؤكده الوقائع التاريخية، حتى بعد أن تم تعليق العمل بدستور 1959 كان ذلك إثر ثورة شعبية في تونس، فلا يستقيم القول إنه يمكن تعليق العمل بدستور 2014 الذي بموجبه تم تكليف رئيس الجمهورية باحترامه والسهر على  تطبيق أحكامه عند آدائه اليمين وتولّيه مقاليد الحكم".

وتساءلت أستاذة القانون الدستوري "كيف لرئيس الجمهورية اليوم أن يطالب بتعليق العمل بالدستور والرجوع إلى دستور 1959 الذي ولّى أمره وتم إلغاؤه بإصدار دستور جديد؟". كما أوضحت "أنه لا يمكن تعليق العمل بالدستور ولكن يمكن تنقيحه، وبطبيعة الحال لا يمكن تنقيح الدستور في غياب المحكمة الدستورية إذ لابد من وضع الإطار الدستوري اللازم حتى نتحدث عن تعديل دستوري لا عن تعليق للدستور".

وتابعت حديثها لـ"الترا تونس" "عندما نتحدث عن تنقيح دستور 1959 فإنه قد تم تنقيح بعض فصوله سابقًا منها المتعلق بإرساء مؤسسة الوزير الأول، ومنها تعديل بإرساء الرئاسة مدى الحياة، والتعديل المتعلق بعدد الدورات الرئاسيّة كما تم التعديل سنة 2002 المتعلق بعدة فصول تشمل الحقوق والحريات ومسؤولية رئيس الجمهورية، و هذا يعني أنه ثمة آلية تعديل الدساتير حتى تصبح مواكبة للعصر الموجود فيه، لكن تعليق العمل بالدستور لا تتضمنه أي آلية قانونية بل لا يأتي إلا بعد ثورة أو انقلاب وهذا غير متاح في الوضع الحالي".

واعتبرت كريّم أنه "لا بد من احترام الإجراءات التي يقرّ بها الدستور لتعديله إذ لا يمكن نقاش تعديلات في حوار وطني ثم عرض التعديل على الاستفتاء فهذا غير دستوري". وأضافت "يمكن أن يشكل الحوار الوطني إطارًا للحديث عما يمكن تعديله في الدستور فيما يتعلق بالنظام السياسي أو غير ذلك لكن أن يتم تغيير الدستور في حوار وطني بقطع النظر عن الإجراءات التي يفرضها الدستور فهذا غير ممكن ولا يستقيم من الناحية القانونية".

منى كريّم: لا يمكن تنقيح الدستور في غياب المحكمة الدستورية إذ لابد من وضع الإطار الدستوري اللازم حتى نتحدث عن تعديل دستوري لا عن تعليق للدستور

اقرأ/ي أيضًا: الحوار في تونس.. عود على بدء

من جهة أخرى، قالت أستاذة القانون الدستور سلسبيل القليبي لـ"الترا تونس" إن "ما جاء من تصريحات كان على لسان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وهو إنسان موثوق به ولكن نحن نريد توضيحات من الرئيس قيس سعيّد ذاته ".

وأضافت القليبي أنه "من الناحية القانونية البحتة ليس هناك ما يفيد بعودة إلى دستور 1959 لأن القانون التأسيسي عدد 6 المؤرخ في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للمؤسسات العمومية ألغى دستور 59 قانونًا بصريح العبارة، والطرح الذي يبقى هو الآتي: يبدو أن رئيس الجمهورية متجه نحو التخلي عن دستور 2014 حسب تصريحاته المتواترة ويرغب في الدخول في مسار انتقالي جديد لكن يقول كذلك إن الانطلاق لا يكون من الصفر وفي الواقع سيكون من دستور 59 في مضمونه وليس في النص القانوني (لأنه ملغى)" .

وتابعت القليبي لـ"الترا تونس": "إذا أخذنا ماهو موجود في دستور 59 وأدخلنا عليه تحويرات وبعد أن يتم عرضه على الاستفتاء الشعبي نطرح نقطة الاستفهام الكبرى وهي ماهي النقاط التي سيقع الإبقاء عليها في دستور 59 وما الذي سيتم تغييره وإذا تم التغيير ففي أي اتجاه يكون؟". 

سلسبيل القليبي: يبدو أن رئيس الجمهورية متجه نحو التخلي عن دستور 2014 ويرغب في الدخول في مسار انتقالي جديد ولا يكون الانطلاق من الصفر بل من دستور 59 في مضمونه وليس في النص القانوني (لأنه ملغى)

وتوضح "هذا التصريح يشغلنا لأنه مهما تضمن دستور 2014 من تناقضات وهنات وأحيانًا غموض يبقى خطوة إلى الأمام مقارنة بدستور 59، وما يميز دستور 2014 باب الحقوق والحريات الذي لا علاقة له بالحقوق والحريات في دستور 59 ولكي نكون دقيقين ففي دستور 59 لم يكن هناك باب للحقوق والحريات وإنما الباب الأول، المبادئ العامة فيه أحكام عامة وأحكام تتعلق بالحقوق والحريات.. أما الأمر الثاني فيتعلق بالمحكمة الدستورية ففي دستور 59 لا تنصيص على محكمة دستورية وإنما مجلس دستوري صلاحياته ضيقة جدًا وهي مؤسسة هجينة في دستور 59، كل هذا يبعث على الانشغال وهناك طلب ملحّ لتدخل رئيس الجمهورية بشكل مباشر للتوضيح".

وأضافت القليبي "الأخطر هو الدخول في مسار انتقالي جديد والتخلي عن دستور 2014 والدخول في مسار تأسيسي وهي مسألة على غاية من الخطورة وتمثل سابقة وهذا الاتجاه يفتح الباب أمام كل سلطة لا يروق لها الدستور القائم ولا يطلق أيديها فتنادي بتغييره لأي سبب كان والنداء بدستور جديد".

ووفق أستاذة القانون الدستوري فإن "التخلي عن دستور قائم وعن الشرعية الدستورية القائمة يمكن أن يكون في صورتين: صورة ثورة وتتمثل في استعادة الشعب لسلطته ونحن الآن لسنا في حالة ثورة لكي نقول بإلغاء دستور 2014 وليس مصير الشعوب أن تبقى إلى الأبد تحت طائلة دستور واحد بل لها الحق في النظر في النص والذي يدير الشأن العام، وما عدا حالة الثورة يجب أن يكون باتفاق كافة القوى السياسية القائمة وحتى فكرة عرضه على الاستفتاء الشعبي نتساءل ماهي السلطة القائمة للشعب الذي تقول له إما أن يوافق على مجمل النص أو يرفضه وليس له سلطة المفاوضة على المضامين وعلى النص؟".

سلسبيل القليبي: هذا الاتجاه يفتح الباب أمام كل سلطة لا يروق لها الدستور القائم ولا يطلق أيديها فتنادي بتغييره لأي سبب كان والنداء بدستور جديد

واعتبرت أستاذة القانون الدستوري، خلال حديثها لـ"الترا تونس" أن "الاستفتاء غير قادر على إضفاء شرعية ومشروعية في حجم هذه الخطوة وهو عبارة عن انقضاض على الشرعية الدستورية القائمة".

في ذات السياق، أبدى عديد السياسيين من أحزاب مختلفة تحفظاتهم على طرح العودة إلى دستور 1959، هذا الدستور ورد في سياق وطني مخصوص وكان يكرس نظامًا استبداديًا ويخل بمبدأ التوازن بين السلط الثلاث ويسمح لرئيس الدولة بالتدخل المباشر وغير المباشر في سن القوانين فالنسخة النهائية لدستور 1959 بعيدة كل البعد عن نسخته الأولى.

وكان صدور دستور 59 بعد حصول البلاد على استقلالها التام وإعلان الجمهورية ثم تتالت تنقيحات الدستور وآخرها بمقتضى القانون الدستوري عدد 51 لسنة 2002 المؤرخ في أول جوان/ يونيو 2002 الذي أدخل مراجعة شاملة للدستور.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سعيّد يقترح العودة لدستور 59 وتنقيحه.. ردود فعل الأحزاب السياسية

بعد مصادقة البرلمان بأغلبية معززة.. أي مآل لتنقيح قانون المحكمة الدستورية؟