15-يونيو-2020

لم تحصر سعاد حرفتها في الأواني والقطع المعدّة للزينة بل تعدّتها إلى اللوحات الحائطية والحلي (صورة تقريبية/ getty)

"دع روحك تجذبك بصمت إلى ما تحبّه، حقًّا إنّها لن تضلّلك أبدًا"، مقولة لجلال الدين الرومي تضعها الحرفية سعاد بن رحومة نصب عينيها وهي تلاحق أحلامها وتخطّ لنفسها سبيلًا مختلفة في عالم الفنون والحرف، وزادها شغف عميق وبلور وألوان.

من عشقها لألق البلور الشفاف وانعكاس الألوان عليه حينما تلامسه أناملها، نسجت ملامح حرفة شدّت إليها الأنظار في المعارض، وبين اللوحات الموشّحة ببلور نهل من كل ألوان الحياة وحلي تماهت فيه الرقة بالإتقان، تتجلّى تعبيرات فنّية مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: عملة القطاع السياحي المسرّحون.. فئات هشة تستغيث

نسجت سعاد بن رحومة ملامح حرفة شدّت إليها الأنظار في المعارض

أساور وخواتم وعقود ولوحات حائطية وأوان للزينة، اختلفت أشكالها وألوانها وتزينت كلها بلمسات سعاد بن رحومة التي اختارت هذا المجال الجديد في تونس رغم عراقة حرفة النفخ في البلور فيها. من مركز فنون اللهب بنابل، انطلقت رحلتها في عالم البلور، ومن هناك وضعت أولى اللبنات في مسيرتها المهنية التي تسعى لأن تكون مغايرة للموجود، مسيرة أصلها ثابت في الهوية التونسية وفروعها تعانق العالمية.

وأنت حينما تمر بجانب الرواق الذي توشّحه ببنات أناملها تأسرك الألوان، الزهري والبنفسجي والأخضر والأصفر والأزرق والأحمر وما بينهما من قيم ضوئية وتدرجات، ألوان تحملك إلى عوالم من المحبة والأمل والفرح وتنتشلك من واقعك.

سعاد بن رحومة لـ"ألترا تونس": اختصصت في البداية في بلور الفرن قبل أن أولع باختصاص البلور البارد المعروف في إيطاليا

وبين تفاصيل اللوحات والحلي والأواني، تتوه أنظارك وتتساءل عن سر تلك الأنامل التي سخّرت الألوان وطوّعت البلّور لتخلق تعبيرات فنية نابضة بالحياة، تعبيرات جلبت إليها حرفاء جالوا بأعينهم بين البلّور في تجلّياته المختلفة وسالت أسئلتهم ووزّعت عليهم سعاد بن رحومة الابتسامات والأجوبة.

في حديثها عن الحرفة التي وهبتها عمرًا وبعضًا من الروح، تقول بن رحومة لـ"ألترا تونس" إنها اختصت في البداية في بلور الفرن قبل أن تولع باختصاص البلور البارد المعروف في إيطاليا، لتواصل تكوينها في مجال الفنون والحرف في الدندان، ورغم أنه اختصاص جديد في تونس، إلا أنها لم تتردّد في خوض غمار التجربة، وفق تعبيرها.

بين تفاصيل اللوحات والحلي والأواني تتوه أنظارك

اقرأ/ي أيضًا: المساكن المشيّدة على أراضي الدولة.. هل من تسوية للملف؟

وصناعة البلور تعود، وفق بعض المؤرخين، إلى زمن الفينيقيين، وهي من الفنون التقليدية التونسية الضاربة في التاريخ، وتعتمد أساسًا على صهر قوالب الزجاج بدرجات حرارة مرتفعة لتتحوّل إلى سائل تضاف إليه ألوان أو يظل على طبيعته ومن ثم يشكّله الحرفي أو الحرفية.

في مشروعها، الذي يعدّ مغامرة في مجال البلور، لم تحصر سعاد حرفتها في الأواني والقطع المعدّة للزينة، بل تعدّتها إلى اللوحات الحائطية والحلي، ولم تعتمد فحسب على البلور، وإنّما مزجته بالسيراميك لتكون منتوجاتها متميّزة ومتفرّدة من المواد الأولية المستعملة وصولًا إلى التفاصيل النهائية.

سعاد بن رحومة لـ"ألترا تونس": أنهل من الهويّة التونسية وأحاول أن أخلق منها قطعًا فنّية بلمسات عصرية

وعن عودتها إلى بعض التصاميم التقليدية على غرار "الخمسة" و"الحوتة" و"الخلال"، تقول في حديثها مع "ألترا تونس"، إنّها تنهل من الهويّة التونسية وتحاول أن تخلق منها قطعًا فنّية بلمسات عصرية، قطعًا خاصة تلقى إعجاب الحرفاء، على حدّ تعبيرها.

بتعبيراتها الفنية التي تشبه طموحها وشغفها، تشارك سعاد بن رحومة في معارض كثيرة لتروّج لحرفتها وترصد آراء الحرفاء فيها بكامل تراب الجمهورية، وتجيب عن أسئلتهم التي يتعلّق أغلبها بصمود الحلي البلوري في وجه الكسور والخدوش، وفق قولها.

وإن كان الحريف، لا يتقبّل الحلي البلوري في الأوّل، إلا أنّه سرعان ما ينجذب إلى صنعه المتقن، وفق قول محدّثتنا، خاصة وأنّ ألوانها وأشكالها مغرية وضاربة في التراث الذي ما انفك يشد إليه المستهلك، وهو ما جعل الكثير من الحرفيين يقتبسون منه تعبيراتهم. عبر أفكارها التي تحوّلها إلى منتوجات ذات طابع خاص بها، تسعى محدّثتنا إلى استهداف السوق العالمية وتوريد منتوجها لتعرّف بالمنتوج التونسي في الخارج ولتدعم مواردها الاقتصادية وتتمكّن من ضمان الاستمرارية في سوق الشغل.

 تنتج سعاد بن رحومة لوحات للزينة في المنازل أو الفنادق وحليًا لحرفاء أدمنوا صناعتها

بإصرارها على خلق أرضية حرفية جديدة، تحاول سعاد بن رحومة كسر النظرة المرتبطة بالفنون والتي تتلخّص في أنّها لا توفّر عائدات مالية، ولذلك لا تتردّد في خوض التجارب تباعًا دون كلل أو ملل وتسعى في كل مرّة إلى الموازنة بين الجانب الفني والتجاري.

واليوم هي تنتج لوحات للزينة في المنازل أو الفنادق وحليًا لحرفاء أدمنوا صناعتها، كما أنّها تخصص جهدًا ووقتًا لتعليم بعض النساء هذه الصناعة التي تتطلب أشهرًا من التكوين والمتابعة لإتقانها وتتطلب صبرًا للتمكن من التفاصيل الفنية للمنتوج وتساهم في الدورة الاقتصادية من خلال تشغيل بعضهن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحدّي الدراجة الهوائية.. أو حينما تجوب مطالب "حاجب العيون" تونس

عن نساء خلقن من الألوان حيوات..