09-فبراير-2019

أميمة الخزّار تتخذ من الألوان فلسفة وتخلق منها حيوات (يسرى الشيخاوي/ الترا تونس)

 

وأنت تمرّ في أزقة المدينة العتيقة في اتّجاه نهج التريبونال، يشدّ انتباهك مزيج من الألوان والرسوم التي تزيّن طاولات وكراسي صفّفت بعناية أمام محلّ صغير المساحة ولكن لا حدود للحياة المنبعثة من الألوان التي تغمر كل الزوايا والتفاصيل. أشكال منسابة كالماء، تخال لوهلة أنّها لا تنقطع عند انتهاء مساحة الطاولة أو الكرسي الذي ارتسمت عليه، بل تتجاوزه لتملأ الأثير حياة، رسوم مقتبسة من الصور المتحرّكة ومن أفريقيا قارتنا الأم.

أميمة الخزار لـ"ألترا تونس": في الألوان إحالة إلى الطفولة العذبة وهي تشحننا بذبذبات إيجابية

الألوان هنا سيّدة المكان، وعنوان الحياة والأمل فيه، تحيلك إلى زمن الطفولة الجميل وتلخّصك امتدادك في هويتك الأفريقية، هويّة مدادها البساطة بمختلف تلويناتها.

اقرأ/ي أيضًا: "الرسم على الماء" أو "الإيبرو".. الإقصاء القسري لفنّ عظيم

خلق من الألوان..

في إحدى الزوايا، تخطّ فتاة عشرينية أشكالًا وخطوطًا على سطح كرسي صغير، ثم تمسك فرشاتها وتملأ الفراغات بما يناسبها من ألوان، هي أميمة الخزّار خريجة المعهد العالي للفنون الجميلة، تتخذ من الألوان فلسفة وتخلق منها حيوات.

وهي تحرّك الفرشاة بحنوّ وكأنها تداعب وجه طفل صغير، تحدّث الخزّار "ألترا تونس" عن علاقتها بالألوان، قائلة "في الألوان إحالة إلى الطفولة العذبة وهي تشحننا بذبذبات إيجابية، نحن نخلق من الألوان حيوات مختلفة، حيوات قوامها الأمل والحلم".

تلقى القطع الفنية التي تخلقها أمنة وأميمة رواجًا لدى الحرفاء (يسرى الشيخاوي/ الترا تونس)

ودون أن ترفع عينيها عن رسمتها التي تنمّقها بكل عناية، تضيف "القطع التي نقدّمها موجّهة بالأساس إلى الأطفال لذلك نستوحي الرسوم من الصور المتحرّكة ومن الطبيعة وألوانها، ونحن أيضًا نستهدف الكبار الذين ينشرحون بدورهم لرؤية الألوان".

وعن فكرة افتتاح محلّ يخلقن فيه من الألوان حيوات، تشير محدّثتنا إلى أن الفكرة تعود إلى إعلان صديقتها وزميلتها في الدراسة آمنة الجلاصي عن علامتها "يوشي" وهي إحدى شخصيات الصور المتحرّكة، وهي علامة خاصة بالتزويق والديكور والسيراميك، وفق قولها.

وبخصوص البدايات، تلفت إلى أنّها تخصّصت في الفن البلاستيكي فيما تخصّصت صديقتها في السيراميك، وهو ما جعلهما تفكران في افتتاح محلّ في المدينة العتيقة لرمزيتها وتفرّدها، مؤكّدة أنّها المكان الأنسب لاحتضان مشروعهما الذي يمزج بين البعد التقليدي واللمسة العصرية.

وفي حديثها عن المحل، تقول إنه وعلى صغره يعدّ مكانًا مريحًا ويتلاءم مع طبيعة عملهما، مشدّدة على أنّ اللوحات أو القطع الفنية التي يصنعونها تلقى الرواج  لدى الحرفاء سواء الذين يزورون المدينة العتيقة أو الذين يقبلون على المعارض التي يشاركون فيها.

آمنة الجلاصي لـ"ألترا تونس": الألوان فضاء لراحة نفسية لا حدود لها

وعن بعض القطع المصنوعة من السيراميك، تشير إلى أن الانطلاقة كانت بالمنحوتات والسيراميكا ولكن نظرًا لوجود صعوبات على مستوى الفرن والمواد انكب كل الاهتمام على تزيين الطاولات والكراسي واللوحات لكن ذلك لا يمنع من الاشتغال على عدد من المنحوتات التي تستعمل للديكور، حسب تعبيرها.

آمنة الجلاصي متخصصة في السيراميك (يسرى الشيخاوي/ الترا تونس)

كل لون حياة قائمة بذاتها..

ومن غير المنصف ألا نتحدّث إلى آمنة الجلاصي مبتكرة العلامة "يوشي"، تلك العلامة التي تأخذك إلى عوالم الطفولة والبراءة وتأسرك في ثنايا الألوان والرسوم المستلهمة من الإنسانية والطبيعية، تلك النظرات الدفينة والابتسامات المبهمة التي تكاد اللوحات التي تحملها أن تتكلّم.

هي متخصصة في السيراميك ومتحصّلة على شهادة ماجستير البحث في الفن البلاستكي، تقول إنّها مولعة بالألوان حتى قبل التحاقها بالدراسة في معهد العالي للفنون الجميلة بتونس، مؤكّدة أن في كل لون حياة قائمة بذاتها.

اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو: نجاة بامري.. فنانة عصامية تحدّت الإعاقة لترسم بفمها

وفي حديثها عن علاقتها بالألوان، تبيّن الجلاصي لـ"ألترا تونس" أنها فضاء لراحة نفسية لا حدود لها، مشيرة إلى أنها تبحث عن الرسوم والصور التي ستملأها بالألوان الموجودة في مخيلتها، بمعنى أنّها تفكّر في الألوان قبل الرسوم، وهو ما يجعل كل الرسوم غالبًا مستلهمة من الطبيعة ومن عالم الأطفال.

والألوان، بالنسبة لها، رافد لاستقطاب الأنظار خاصة إذا كانت مرتبطة بشخصيات باسمة أو أشكال تجعلك تسافر بخيالك بعيدًا، ومن الضروري التحلي بالكثير من الصبر لخلق الحياة في قطعة فنية ما تكون تعبيرة عن روحك وعن الأمل الذي يسكنها، وفق تعبيرها.

وفي علاقة بإقبال الحرفاء على منتوجات "يوشي"، تقول آمنة الجلاصي إنّ العلامة بدأت في الانتشار شيئًا فشيئًا وأن هناك إقبالًا عليها.

الألوان تجسيد للحياة

وبعيدًا عن المدينة العتيقة، في حي الجمهورية، أحد الأحياء الشعبية الواقعة في محافظة أريانة، تناجي لطيفة الألوان في محلّ قبالة السوق، هي متحصّلة على شهادة جامعية وذاقت مرارة البطالة لسنوات. لطيفة ليست خريجة فنون جميلة ولكنها مولعة بالرسم منذ صغرها وتهوى الألوان، ترسم إذا فرحت وإذا انتابها الحزن وتترجم كل أحاسيسها إلى صور ملوّنة، حسب ما أكدته لـ"ألترا تونس".

تجول بنظرك في المكان الذي تمارس فيه هوايتها التي تحوّلت إلى مصدر رزقها، فتطالعك تحف معدّة للديكور المنزلي، أشكال وألوان مختلفة ورسوم لم تستثن منها الخمسة التقليدية.

تحف معدّة للديكور المنزلي (يسرى الشيخاوي/ الترا تونس)

على عكس آمنة وأميمة، لم تدرس لطيفة الفنون الجميلة ولم تتلقّ أي تكوين في التزويق، هي فقط تحاول أن تمارس هواية تخلّت عنها لتعود إليها من جديد بعد أن أوصدت كل أبواب العمل.

لطيفة لـ"ألترا تونس": التزويق لا يحتاج إلى تمويل كبير وهو مجال إبداعي بالأساس

وفي حديثها عن تحوّل الفكرة إلى مشروع، تقول إنها انطلقت في العمل في منزلها وذلك من خلال اقتناء الأواني الفخارية وتزيينها برسوم وألوان مختلفة، قبل أن تفتتح محلًا تبيع فيه منتجاتها. وعن علاقتها بالألوان، تشير إلى أنّها جزء لا يتجزّأ من حياتها بل هي منبع للحياة وتجسيد لها، وفيها متعة خاصة لا يفقهها إلا من ألف الألوان وألفته، مؤكّدة أنّها تهب الكثير من وقتها للألوان لأنها هي بدورها تهبها الحياة لأنّها تحوّلت من مجرّد أنيس إلى مصدر للرزق.

وفي حديثها عن مشروعها، تقول لطيفة إنّ التزويق لا يحتاج إلى تمويل كبير وهو مجال إبداعي بالأساس، مشيرة إلى أنّ هناك إقبالًا على محلّها مما يوفر لها دخلًا ماديًا يمكّنها من تأمين العيش الكريم لعائلتها.

ولئن تحيط بنا الألوان من كل الجهات وتصادفنا أنّى مشينا، فإنّ قراءتها تختلف من فرد إلى آخر. كما أن الرابط بين الألوان والشخوص يختلف هو الآخر باختلاف الحالة النفسية أو الظرف الزماني أو المكاني، ولكن من الواضح أنّ علاقة آمنة وأميمة ولطيفة بالألوان ليست كعلاقة غيرهن بها، فهن يتّخذن منها فلسفة ويخلقن منها حيوات.

تناجي لطيفة الألوان في محلّ بأحد الأحياء الشعبية بأريانة (يسرى الشيخاوي/ الترا تونس)

اقرأ/ي أيضًا:

النسيج اليدوي.. يوفى مال اليد وتبقى صنعة الجد

حناء قابس.. "الذهب الأحمر" الذي هجرته النساء وأهملته الدولة