29-أبريل-2023
 إجلاء التونسيين من السودان

صورة لوصول طائرة الإجلاء العسكرية إلى مطار تونس قرطاج (حسن مراد/Defodi images)

 

 

لا يزال الشعب السوداني يعيش على وقع حرب ليست الأولى في تاريخه ولكنّها قد تكون الأخطر حسب خبراء ومختصين، إذ تشهد السودان منذ 15 أفريل/نيسان 2023 اشتباكات دامية بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

وقد أدّت هذه الاشتباكات إلى مقتل المئات، وجرح الآلاف، ولجوء أعداد كبيرة من السكان إلى بلدان مجاورة. وتضم السودان جاليات من جنسيات مختلفة من بينها الجالية التونسية التي تضم 150 شخصًا والتي انطلقت عملية إجلائهم منذ أيام.

"الترا تونس" التقى بعض التونسيين الذين وقع إجلاؤهم من الخرطوم وتحدّثوا عن الحرب وعن ظروف عملية الإجلاء في هذا التقرير

ووصل مساء الأربعاء، 26 أفريل/نيسان 2023، إلى مطار تونس قرطاج ما يقارب الخمسين فردًا بين مواطنين تونسيين ودبلوماسيين على متن طائرة عسكرية أقلّتهم من مدينة أسوان المصرية. وكان لـ"الترا تونس" لقاء مع البعض ممن وصلوا  والذين تحدّثوا عن الحرب وعن ظروف إجلائهم في هذا التقرير.


  • إسماعيل بوعلاقي: "عشت أصعب فترات حياتي والحمد الله على وطن آمن"

يقطن إسماعيل بوعلاقي (41 سنة وخبير مالي لدى منظمة عربية) في منطقة "الخرطوم 2" والتي تعتبر من أكثر المناطق الآمنة في السودان، إذ تضمّ مقرات سفارات ومساكن للمبعوثين الدبلوماسيين. والمتابع للأوضاع في السودان يعلم أن هذه الحرب هي الأولى التي انطلقت من المركز  في العاصمة الخرطوم، لذلك لم يكن أهالي المنطقة مهيئين لأي صراع.

رحلة إسماعيل المهنية في السودان انطلقت منذ 2014 ولكن فاجأته هذه الحرب لتقطع مسيرة كانت مكلّلة بالنجاح، وفق ما حدث به "الترا تونس".

إسماعيل بوعلاقي (خبير مالي لدى منظمة عربية) يقطن في "الخرطوم 2": "عشت فترة خوف كبير إذ كنت أتابع الأخبار، وأتوقّع إمكانيةّ حدوث شيء ما ولكني استبعدت أن تندلع الاشتباكات في شهر رمضان"

في الأيام التي سبقت الحرب، عاش محدثنا ضغطًا كبيرًا يصفه خلال لقائه بـ"الترا تونس": "عشت فترة خوف كبير إذ كنت أتابع الأخبار، وفي كل مرة أتوقّع إمكانيةّ حدوث شيء ما ولكني استبعدت أن تندلع الاشتباكات في شهر رمضان. كانت حياتنا عادية، ولم نكن على استعداد من ناحية المؤونة أو الصرف. إلى أن استيقظت ذات سبت على صوت طلق رصاص فقلت لزوجتي، لقد بدأت الحرب".

كانت الأيام الأولى صعبة جدًا لعائلة البوعلاقي إذ انقطع إمدادهم بالماء والكهرباء، فكانوا يستغلون الفترة التي يعمل فيها المولّد لمدة ساعة وقت الإفطار لشحن هواتفهم. وتجمّعوا معًا في غرفة واحدة بعيدًا عن الشبابيك لتجنّب الإصابة بالرصاص، خاصة مع الأخبار التي تصلهم من الأصدقاء الذين اقتحمت الخراطيش بيوتهم.

يضيف إسماعيل: "عشت مع زوجتي وأطفالي حالة هلع كبيرة خاصّة أنّنا لا نعرف ما لذي ينتظرنا في قادم الأيام. إلى أن اتصل بي أحد أصدقائي الذي يقطن في عمارة مجاورة وأخبرني أنه علينا المغادرة لأنّ المكان لم يعد آمنًا واتفقنا على الخروج ليلًا".

إسماعيل بوعلاقي (خبير مالي لدى منظمة عربية) يقطن في "الخرطوم 2": انقطع إمدادنا بالماء والكهرباء، كنا نستغل الفترة التي يعمل فيها المولّد لمدة ساعة وقت الإفطار لشحن هواتفنا وتجمّعنا في غرفة واحدة بعيدًا عن الشبابيك لتجنّب الإصابة بالرصاص"

انطلقت العائلات على متن سياراتهم في اتجاه منطقة "المعمورة" حيث استضافهم بعض أصدقائهم السودانيين.

أن تكون على مقربة من الموت هي من أكثر اللحظات الفارقة في حياة كل إنسان، وقد عاش إسماعيل موقفًا مماثلًا عندما حدث انفجار قوي ومرت طلقة نارية قربه، أسفرت عن وفاة امرأة اكتشفوا جثتها في اليوم الموالي.

ويؤكد محدث "الترا تونس" أنه كان في تواصل مع القنصل والسفير التونسي في السودان وكانت هناك محادثات عن طريق مجموعة وتساب لترتيب مسألة الإجلاء، مضيفًا أنهم اتفقوا على الانطلاق يوم الثلاثاء الفارط من أمام نزل في الجهة على الساعة السادسة صباحًا.

إسماعيل بوعلاقي (خبير مالي لدى منظمة عربية) يقطن في "الخرطوم 2": حدث انفجار قوي ومرت طلقة نارية قربي، أسفرت عن وفاة امرأة اكتشفوا جثتها في اليوم الموالي.. أن تكون على مقربة من الموت هي من أكثر اللحظات الفارقة في حياة كل إنسان

كانت المجموعة في الموعد، وكان الرصاص أيضًا في الموعد، وانطلقوا في رحلتهم للحدود البرية مع مصر وعند وصلهم وجدوا حافلات في انتظارهم أقلتهم لمكان يدعى "قندهار". وبعد فترة من الانتظار بسب معلومات أمنية بأن الطريق للحدود المصرية لم يكن آمنًا، انطلقت حافلة تقل 50 شخصًا في مسيرة محفوفة بالمخاطر.

يتحدث إسماعيل عن هذا الجزء من الرحلة لـ"الترا تونس" قائلاً: "استغرقت عملية الإجلاء منذ خروجنا من ديارنا 30 ساعة تقريبًا. عشت فيها أصعب لحظات حياتي. وعند وصلنا للحدود السودانية المصرية كان عدد اللاجئين كبيرًا جدًا منهم من تجاوزت فترة انتظاره الأربعة أيام. والمكان عبارة عن صحراء شاسعة لا يوجد فيها شيء".

إسماعيل بوعلاقي كان يقطن في "الخرطوم 2": "استغرقت عملية الإجلاء منذ خروجنا من ديارنا 30 ساعة تقريبًا عشت فيها أصعب لحظات حياتي"

ويشير محدثنا أنهم أمضوا 12 ساعة في الانتظار وكان هناك تنسيق مع سفير تونس في مصر لتسهيل عملية العبور. ويعتبر "مشهد الطائرة العسكرية التونسية التي كانت في انتظارهم في مطار أسوان من أكثر المشاهد تأثيرًا عند كامل المجموعة"، حيث عبر إسماعيل عن هذه اللحظة قائلاً: "كان إحساس أن يكون لديك وطن آمن من المشاعر التي لا توصف ونحمد الله على هذه النعمة وأنا لا أفكر في الرجوع إلى السودان حاليًا في ظل تدهور الوضع الأمني".

 

صورة لوصول طائرة الإجلاء العسكرية إلى مطار تونس قرطاج (Getty images)

صورة لوصول طائرة الإجلاء العسكرية إلى مطار تونس قرطاج (Getty images)

 

 

  • صالح مشي:"أخفيت عن عائلتي حقيقة الوضع وسأعود للسودان إن هدأت الأوضاع"

لم يكن صالح المشي (40 سنة) أفضل حالًا من إسماعيل بوعلاقي حيث كان يعتقد أن مكان سكناه بشارع الستين آمن، لكن نيران الحرب اندلعت على مقربة منه.

صالح المشي: "انتشرت الاشتباكات بسرعة في المناطق الرئيسية التي يرتكز فيها الدعم السريع وقد عشنا فترة رعب شديد، واضطررنا للسكن بالقبو لحماية أنفسنا"

"بدأت الاشتباكات من المطار ومن ثم انتشرت في المناطق الرئيسية التي يرتكز فيها الدعم السريع وقد عشنا فترة رعب شديد، واضطررنا للسكن بالقبو لحماية أنفسنا من تبعات الاشتباكات"، هكذا تحدث صالح لـ"الترا تونس" عن الفترة الأولى لاندلاع الحرب وقد اضطر لإخفاء حقيقة الوضع عن عائلته ولكن مع اشتداد الاشتباكات في الأيام الأخيرة من رمضان وتتدهور الظروف، أخبرهم بأنه يجهل المستقبل وأنه سيعود للوطن في أقرب فرصة.

"ليس من السهل أن تترك وراءك أحلامك وما أنجزت من مشاريع وتنطلق نحو المجهول"، هكذا تحدث صالح المشي عن أحاسيسه عندما قام بتجميع أدباشه، مضيفاً أن دوامة البحث عن عمل من جديد كانت تؤرقه على امتداد طريق العودة.

صالح المشي: "ليس من السهل أن تترك وراءك أحلامك وما أنجزت من مشاريع وتنطلق نحو المجهول"

وعن ظروف إجلائهم، يقول صالح إنهم تنقلوا لثلاثة أيام متواصلة من محطة نقل إلى أخرى، تحت درجات حرارة مرتفعة وفي ظروف سيئة، حتى بلغوا المعبر : "كنت مضطرًا لقضاء الليل مشيًا على الأقدام وأنا أحمل حقيبتي على ظهري ومشاهد الطائرات والصواريخ ترعبني، لقد كان وضعًا صعبًا جدًا".

ويؤكد المشي أن المجموعة التي كانت ترافقه تضم أطفالًا وامرأة حاملًا باغتها الطلق فور وصولها للتراب التونسي وقد وضعت مولودها بالمستشفى، مشيرًا إلى أن البعض اختار البقاء في مصر عند أبنائه المقيمين هناك وأن عددًا من أفراد الجالية فضّلوا البقاء في السودان على العودة إلى تونس لأسباب خاصّة.

صالح المشي: "كنت مضطرًا لقضاء الليل مشيًا على الأقدام وأنا أحمل حقيبتي على ظهري ومشاهد الطائرات والصواريخ ترعبني، لقد كان وضعًا صعبًا جدًا"

وختم حديثه قائلًا: "نحمد الله على السلامة وأننا وصلنا أرض الوطن سالمين غير مفقودين، وأتمنى أن تنتهي هذه الحرب في القريب العاجل. وإذا استقرّت الأوضاع في السودان سأعود إلى هناك، لأني وجدت ترحابًا من الشعب السوداني بالإضافة إلى الوضع المادي المريح".

 

صورة لوصول طائرة الإجلاء العسكرية إلى مطار تونس قرطاج (Getty images)

صورة لوصول طائرة الإجلاء العسكرية إلى مطار تونس قرطاج (Getty images)