الترا تونس - فريق التحرير
لم يتوقف الجدل على الساحة السياسية في تونس منذ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيّد عن ردّه القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية الذي وقع تنقيحه مؤخرًا إلى مجلس نواب الشعب، معللًا لجوءه إلى حق الرد الذي يكفله له الدستور بجملة من الحجج القانونية أهمها تلك المتصلة بالآجال الدستورية التي نصت عليها الفقرة الخامسة من الفصل 148 من دستور سنة 2014، فضلاً عن عناصر قانونية أخرى متصلة بما شهدته تونس منذ وضع الدستور إلى اليوم.
وفي تعليقه على ذلك، اعتبر المقرر العام للدستور الحبيب خضر، الاثنين 5 أفريل/ نيسان 2021، أنه "من حيث المبدأ، يعتبر رئيس الجمهورية، شكليًا، قد تصرّف في إطار الصلاحيات الموكولة إليه في الدستور"، مستدركًا القول إن ما ورد في الرسالة من تعليل، ضمنيًا، غير مقنع، وفق تقديره.
خضر: هناك خلط بين الحق والواجب، فالحق يسقط عندما يتجاوز الأجل، لكن انقضاء أجل القيام بالواجب لا يُسقطه وإنما يجعل صاحبه في مخالفة دائمة وفي خرق مستمرّ للدستور
وأضاف خضر، في مداخلة له على إذاعة "شمس أف أم"، أن "ما جاء في رسالة رئيس الدولة هو نقاش نظري في العديد من المسائل، لكن لا نجد التعليل المتعلق بالرد إلا في السطرين الأخيرين حول "علمه بالكثير من المعلومات" دون أن يحددها أو يوضحها"، معتبرًا أن الرئيس يتحدث في المُضمر، حسب رأيه.
وتابع القول: "المطروح على رئيس الجمهورية هو مشروع قانون يتعلق بتنقيح قانون موجود، والأجل الدستوري محلّ الجدل يتعلق بإرساء المحكمة الدستورية وليس بتنقيح القانون الموجود أساسًا"، معتبرًا أن "هناك خلطًا بين الحق والواجب، فالحق يسقط عندما يتجاوز الأجل، لكن انقضاء أجل القيام بالواجب لا يُسقطه وإنما يجعل صاحبه في مخالفة دائمة وفي خرق مستمرّ للدستور"، على حد تقديره.
ومن جهته، يرى رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس صغير الزكراوي، الذي كان قد التقى مع مجموعة من أساتذة القانون رئيس الجمهورية مؤخرًا في علاقة بمشروع قانون تنقيح قانون المحكمة الدستورية، أن ما ورد في رسالة رئيس الجمهورية يأتي في إطار ممارسة حقه الدستوري، مصرحًا بأن "الإيجابي في الجدل القائم هو أنه يقع تحت سقف الدستور"، وفق تعبيره.
وأردف الزكراوي، في مداخلة له على إذاعة "شمس أف أم" الاثنين 5 أفريل/ نيسان 2021، أنه "طالما هناك آجال في الدستور، وجب احترامها" وأنه "حتى لو تم تجاوز الآجال بيوم واحد فإن ذلك خرق للدستور"، مستطردًا القول: "دخلنا في الخروقات الدائمة للدستور منذ أكتوبر 2015"، وفق ما جاء في تصريحه.
الزكراوي: الديمقراطية في تونس شكلية والهيئات التي شُكّلت هي هيئات مشوهة ومخترقة حزبيًا والمحكمة الدستورية أصبحت تمثل مشكلة في حد ذاتها وتدفع بالبلاد إلى صراع حامي الوطي
وحمّل مسؤولية عدم إرساء محكمة دستورية لـ"من حكموا منذ 2015"، معتبرًا أنهم "قد اقترفوا أخطاء عديدة وجسيمة في حق البلاد"، موضحًا أنه "كان من الأرجح، لما كانت لديهم أغلبية مريحة في البرلمان، أن يبدؤوا بتركيز المحكمة الدستورية لأن من يريد بناء دولة القانون والمؤسسات عليه أن يحرص على تركيز آلية رقابة تضمن ذلك"، حسب قوله.
وأضاف أستاذ القانون الدستوري أنه في ظل غياب المحكمة الدستورية، فإن تونس تفتقر إلى مقوم أساسي لبناء دولة ديمقراطية"، مشيرًا إلى أن "الانتخابات والتنظم غير كافيين لنقول إن لدينا ديمقراطية".
واعتبر صغير الزكراوي، في ذات السياق، أن الديمقراطية في تونس شكلية، لكن من حيث الجوهر والمقومات لا تُعتبر ديمقراطية بالمفهومة المتداول"، على حد رأيه، واصفًا ما يحدث في تونس بـ"البناء الفوضوي" مؤسساتيًا، ومعتبرًا أن "الهيئات التي شُكّلت هي هيئات مشوهة ومخترقة حزبيًا".
ولفت أستاذ القانون إلى أنه "في القوانين، سواء أكانت جديدة أو واردة في إطار تنقيح لأخرى قديمة، هناك ضوابط لابدّ من احترامها، ولابدّ من اختيار التوقيت المناسب لذلك".
وتابع القول إن "المكونات الأساسية في البرلمان الحالي تدرك أن هناك صراعًا حول الصلاحيات، وأن هناك مناخًا غير ملائم"، مردفًا أن "المحكمة الدستورية أصبحت تمثل مشكلة في حد ذاتها ودفعت بالبلاد إلى صراع حامي الوطيس"، حسب تعبيره.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد وجّه، مساء السبت 3 أفريل/نيسان 2021، كتابًا إلى رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي يبلغه من خلاله رده للقانون المتعلق بالمحكمة الدستورية والمؤرخ في 3 ديسمبر/كانون الأول 2015 والذي وقع تنقيحه مؤخرًا.
وعلل رئيس الدولة، وفق بيان لرئاسة الجمهورية نُشر في ساعة متأخرة من ليل السبت، لجوءه إلى حق الرد الذي يكفله له الدستور بجملة من الحجج القانونية أهمها تلك المتصلة بالآجال الدستورية التي نصت عليها الفقرة الخامسة من الفصل 148 من دستور سنة 2014، فضلاً عن عناصر قانونية أخرى متصلة بما شهدته تونس منذ وضع الدستور إلى اليوم، وفق البيان.
وشدد رئيس الجمهورية، وفق ذات البيان، على "ضرورة احترام كل أحكام الدستور بعيدًا عن أي تأويل غير علمي بل وغير بريء"، وفق تعبيره.
يذكر أن البرلمان التونسي كان قد صادق في 25 مارس/ آذار 2021، على مشروع قانون أساسي لتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية، بموافقة 111 نائباً، مقابل 8 محتفظين ودون تسجيل اعتراض.
وتتمثل هذه التنقيحات في 5 فصول وقد شملت أساسًا الفصول 10 و11 و12 من القانون الأساسي للمحكمة الدستورية، الذي سبق أن تمت المصادقة عليه سنة 2015. كما قامت جهة المبادرة لهذه التعديلات وهي الحكومة بإدماج مقترح تعديل مقدم من بعض النواب ويشمل حذف عبارة "تباعًا" من الفصل 10 من القانون الأساسي للمحكمة.
اقرأ/ي أيضًا:
كما كان متوقعًا.. سعيّد يعيد تعديل قانون المحكمة الدستورية إلى البرلمان