31-مارس-2023
احتجاجات تونس فيفري 2023

صورة من وقفة احتجاجية لجبهة مناهضة الفاشية في تونس في 25 فيفري 2023 (حسن مراد/ Defodi Images)

 

"كان فيفري 2023 شهرًا آخر للغضب والاحتجاج تعبيرًا عن مطالب مستجدة لا يتم التفاعل معها في تونس" هكذا ورد في تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لشهر فيفري/شباط 2023، حول الاحتجاجات في تونس التي وإن قال إنها سجلت تراجعًا بالمقارنة بالشهر السابق فإنه ربط ذلك بسياسة "التخويف والتهديد"، حسب تصوّره.

  • ولاية تونس.. "عاصمة" الاحتجاجات السياسية

وقد سجل الحراك الاجتماعي والاحتجاجات خلال شهر فيفري/شباط 2023، وفق منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تراجعًا بـ18.6% مقارنة بشهر جانفي/يناير، مفسّرًا ذلك بالتطورات السياسية والأمنية التي عاشتها البلاد طيلة شهر فيفري/شباط والتي تميزت بإطلاق سلسلة واسعة من الإيقافات في حق رجال أعمال وسياسيين ووزراء سابقين ونواب سابقين ونقابيين وأيضًا إعلاميين فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" دون أن توضح المؤسسات الرسمية طبيعة هذه التهم.

منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: تصدرت ولاية تونس ترتيب الولايات الأكثر غضبًا واحتجاجًا في فيفري ومثلت العاصمة السياسية للبلاد إذ اندلعت بها احتجاجات ذات خلفية سياسية وحقوقية بالتوازي مع التطورات الأخيرة

وتصدّرت ولاية تونس الترتيب الأول من حيث الولايات الأكثر غضبًا واحتجاجًا طيلة شهر فيفري/شباط،  إذ سجلت 27% من مجموع الاحتجاجات المرصودة، بـ116 تحركًا احتجاجيًا من بين 423 تحركًا مسجلًا في فيفري/شباط المنقضي.

ومثلت ولاية تونس العاصمة السياسية للبلاد، وفق تقدير المنتدى، إذ اندلعت بها احتجاجات ذات خلفية سياسية وحقوقية بالتوازي مع التطورات التي عاشتها الساحة السياسية والحقوقية طيلة شهر فيفري/شباط.

 

صورة
توزع التحركات الاحتجاجية في فيفري حسب الولايات (منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية)

 

وكانت السلطات في تونس قد انطلقت في 11 فيفري/ شباط الماضي في موجة اعتقالات استهدفت بدرجة أولى معارضين للرئيس قيس سعيّد. ومن الموقوفين، سياسيون وصحفيون ونشطاء وقضاة ورجال أعمال، ويتهمهم الرئيس التونسي بـ"التآمر ضد أمن الدولة والوقوف وراء ارتفاع الأسعار واحتكار السلع"، وفقه. وقد صدرت في حقّ الموقوفين بطاقات إيداع بالسجن.

دفع ذلك بالعديد من المكونات السياسية في تونس إلى تنظيم جملة من التحركات الاحتجاجية بين مسيرات ووقفات احتجاجية واعتصامات، تنديدًا بحملة الإيقافات وللمطالبة بالإفراج عن الموقوفين السياسيين.

الإيقافات التي عرفتها البلاد وما رافقها من تنامي خطاب العنف والتخوين دفعت بالعديد من المكونات السياسية في تونس إلى تنظيم جملة من التحركات الاحتجاجية بين مسيرات ووقفات احتجاجية واعتصامات

وللإشارة، فقد رافق تلك الإيقافات خطاب عنف وكراهية وتخوين ضد المنظمات والحقوقيين سواء في الخطاب الرسمي أو في منصات التواصل الاجتماعي عبر نشطاء محسوبين على السلطة القائمة أو أنصار لها، وفق ما قدّرته المنظمة الحقوقية التي اعتبرت أنه قد "انضافت خلال شهر فيفري/شباط للأزمة الاقتصادية والاجتماعية أزمة حقوقية وتعميق للأزمة السياسية القائمة".

 

 

ويرى منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في هذا الصدد، أن "المناخ أصبح غير ملائم بالنسبة للمواطن للتعبير عن مطالبه لسببين: أولًا لتنامي خطاب الترهيب والتهديد والتخوين واعتبار الاحتجاج ضربًا من ضروب التآمر خاصة وأن حملة الإيقافات رافقها اتهام السلطة للموقوفين بمحاولة تأجيج الأوضاع الاجتماعية، وثانيًا لغياب الطرف  المسؤول الذي يمكنه التقاط مطالب المحتج والتفاعل معه إيجابيًا". 

ومثلت السلطات المركزية (الحكومة التونسية ورئاسة الجمهورية) قبلة رئيسية للمحتجين بنسبة ناهزت 60 بالمئة تليها السلطات الجهوية بنسبة 29 بالمئة ثم البلديات بنسبة 7 بالمئة، قبل أن يتمّ حلّها بمرسوم رئاسي في 8 مارس/آذار 2023. وتظهر السلطات القضائية قبلة للاحتجاج أيضًا بنسبة 4 بالمئة، وفق نشرية المنتدى.

 

صورة
قِبلة الاحتجاجات في فيفري 2023(منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية)

 

  • توجّه نحو "تجريم" الحراك الاجتماعي

ولا يختلف الوضع اجتماعيًا، عن الوضع على المستوى السياسي، فيما يتعلق بالاحتجاجات، إذ أن عديد التحركات ذات المطلبية الاجتماعية تم تكييفها سياسيًا وتم على إثرها إيقاف نقابيين على خلفية إضرابات أو احتجاجات، الأمر الذي دفع بالاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية المركزية بالبلاد، إلى تنظيم سلسلة من التحركات الاحتجاجية الجهوية والقطاعية فضلًا عن تنظيم مسيرة مركزية انطلاقًا من ساحة محمد علي في اتجاه شارع الحبيب بورقيبة تنديدًا بالمساس بالحق النقابي.

لا يختلف الوضع اجتماعيًا عن الوضع على المستوى السياسي فيما يتعلق بالاحتجاجات، إذ أن عديد التحركات ذات المطلبية الاجتماعية تم تكييفها سياسيًا وتم على إثرها إيقاف نقابيين على خلفية إضرابات أو احتجاجات

ويرى منتدى الحقوق الاقتصادية، في هذا الصدد، أنه "يبدو من خلال المؤشرات الحالية أن السلطة تتجه بقوة نحو تجريم الحراك الاجتماعي خاصة بعد أن زجت بالوضع الاجتماعي في عاصفة الإيقافات الجارية واعتبار ذلك مطية لتحركات سياسية"، وفق تعبيره.

وذكر، في ذات السياق، أنه "لا يرى أن في ترهيب الحراك الاجتماعي من خلال اعتماد الحل الأمني وتشويه الحراك الاجتماعي في الخطاب الرسمي وملاحقة الفاعلين في الاحتجاجات حلًّا لفرض هدنة اجتماعية"، بل إنه يعتقد أن "العصا الغليظة تزيد من دفع أصحاب المطالب إلى البحث عن بدائل خارج الدولة الرسمية فتتعمق أزمة المشاكل الاجتماعية السلبية كتنامي الإجرام والإدمان والانتحار و"الحرقة" والانقطاع المبكر عن الدراسة والانخراط في العمل الموازي والهامشي وغيرها"، لافتًا إلى أن "الحراك الاجتماعي لم يلاقِ سوى التجاهل ورفض التفاوض والتجريم والمحاكمات".

وقد كان معدل الاحتجاج متقاربًا في الجهات فكان في حدود حوالي 30 احتجاجًا في كل من سيدي بوزيد وقبلي وسوسة والقيروان وفي حدود 24 تحركًا احتجاجيًا في كل من الكاف ومدنين ومنوبة ونزل إلى 12 تحركًا احتجاجيًا في قفصة، وفق إحصائيات المنتدى. وسجل إقليم الشمال الشرقي والذي يضم ولايات إقليم تونس الكبرى ونابل وزغوان وبنزرت 41 بالمئة من مجموع احتجاجات فيفري/شباط المرصودة.

منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: يبدو من خلال المؤشرات الحالية أن السلطة تتجه بقوة نحو تجريم الحراك الاجتماعي خاصة بعد أن زجت بالوضع الاجتماعي في عاصفة الإيقافات الجارية واعتبار ذلك مطية لتحركات سياسية

وبخصوص المطلبية التي ينادي بها الحراك الاحتجاجي الاجتماعي، فهي قديمة متجددة وتخص الحقوق المهنية من ذلك تسوية الوضعيات والحصول على المستحقات المالية والحق في التشغيل والانتداب وغيرها من المطالب المتجددة.

ومثلت المطالب ذات الخلفية الاقتصادية والاجتماعية نسبة 40% من مجموع المطالب التي رفعها المحتجون طيلة شهر فيفري/شباط، حسب بيانات المنتدى، تليها المطالب ذات الخلفية المتعلقة بالإدارة بما في ذلك المرفق العمومي في مرتبة أولى بنسبة 44%، وتأتي المطالب ذات الخلفية السياسية في مرتبة ثالثة بنسبة 11% ثم مطالب متعلقة بالبنية التحتية بنسبة 8%.

 

صورة
(المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)

 

ولعلّ من أبرز التحركات الاحتجاجية ذات المطلبية الاجتماعية التي عرفها شهر فيفري/شباط المنقضي، احتجاجات للمعلمين والأساتذة النواب، وأخرى لعمال الحضائر، وتحركات منددة بالانقطاعات المتكررة للماء الصالح للشرب، فضلًا عن تحركات قطاعية شنّها أعوان وإطارات وزارات النقل والشؤون الدينية والصحة وغيرها.

منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: لا نرى في ترهيب الحراك الاجتماعي من خلال اعتماد الحل الأمني وتشويه الحراك الاجتماعي في الخطاب الرسمي وملاحقة الفاعلين في الاحتجاجات حلًّا لفرض هدنة اجتماعية

وتتعلق أغلب التحركات بمطالب قديمة متجددة تخص تحسين جودة الحياة وتوفير العيش الكريم وتحقيق كرامة أصحاب المطالب وهي تقريبًا ذات الشعارات والاستحقاقات التي اندلعت من أجلها الثورة قبل 12 سنة، وفق المنتدى الذي يعتبر أن "من الملاحظ أن السلطة بدل التفاعل مع هذه المطالب وقراءة خارطة الاحتجاجات وتشخيص المطالب والبحث عن حلول عاجلة وأخرى استراتيجية تمضي، مرة أخرى، نحو تطبيق ذات السياسات التي تم التعاطي بها مع الحراك الاجتماعي والاحتجاجات من قبل جل الحكومات المتعاقبة وهي التخوين والتجريم والمحاكمة"، مشيرًا إلى أنه كما تثبت السلطة عند ذات السياسة ينزع المحتج نحو البحث عن بدائل له.

 

صورة
(المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)

 

 

ويحيل ذلك إلى صعوبة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد، خاصة مع ارتفاع نسبة الفقر واتساع فجوة التفاوت بين الولايات التي ما انفكّت تتعمّق. وفي آخر تحيين للإحصائيات نشرها المعهد الوطني للإحصاء في فيفري/شباط 2023، كشفت نتائج المسح الوطني حول الإنفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر أن نسبة الفقر ارتفعت إلى 16.6% سنة 2021، مقابل 15.2% سنة 2015 في آخر مسح وطني، علمًا وأنه "يُعتبر فقيراً كل شخص لم يتجاوز إنفاقه الاستهلاكي السنوي 2536 ديناراً سنة 2021".

وتعكس قراءة النتائج حسب الجهات زيادة في نسبة الفقر في أغلب الأقاليم بين سنتي 2015 و2021، وذلك باستثناء إقليمي تونس الكبرى والشمال الغربي، حيث سجل هذا الأخير انخفاضًا ملحوظًا في نسبة الفقر (من 28.4% سنة 2015 إلى 22.5% سنة 2021). ولايزال الوسط الغربي الإقليم الأكثر فقرًا في تونس حيث سجلت نسبة الفقر فيه 37% سنة 2021 مقابل 30.8% سنة 2015، وبالتالي تبقى الفجوة بينه وبين أقاليم الشريط الساحلي في مستويات مرتفعة.

ولعلّ ذلك ما يفسّر إلى حدٍّ ما ارتفاع عدد التحركات الاحتجاجية ذات المطلبية الاجتماعية في ولايات الوسط الغربي.

وقد بينت آخر المعطيات التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، حول مؤشرات التشغيل والبطالة للثلاثي الثالث من سنة 2022 أن نسبة البطالة في تونس تقدر بـ 15.3%، إذ بلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 613.6 ألف.    وأظهرت البيانات ذاتها أن "نسبة البطالة بين حاملي الشهائد العليا ارتفعت لتصل إلى 24.3% خلال الثلاثي الثالث من سنة 2022، مقابل 22.8% خلال الثلاثي الثاني من السنة ذاتها.

كذلك كان للأوضاع الاقتصادية تأثير مباشر على المقدرة الشرائية للتونسيين، مع الارتفاع المطرد في الأسعار الذي يقابله تدني الأجور.  وما انفكّ  النسق التصاعدي لنسبة التضخم في تونس يتواصل، إذ سجلت نسبة التضخم ارتفاعًا في شهر فيفري/شباط لتصل إلى مستوى 10,4% بعد أن كانت 10,2% خلال شهر جانفي/يناير 2023، وفق ما أعلنه المعهد الوطني للإحصاء في 5 مارس/آذار 2023.