17-مارس-2023
تونس شارع الحبيب بورقيبة

مع اقتراب موعد اجتماعات الربيع لعام 2023 أبدى مختصون في الاقتصاد قلقهم بخصوص مآل ملفّ قرض تونس ( Philippe Lissac/GODONG)

 

لا يزال مأزق التوصل إلى اتفاق بين الدولة التونسية وصندوق النقد الدولي حول قرضٍ متواصلًا، مع تعمّق الأزمة المالية في تونس وعدم تحديد الصندوق موعدًا محددًا للنظر في برنامج تونس، الذي على أساسه قد تُمنّى البلاد بالحصول على قرضٍ بـ1.9 مليار دولار الذي كانت قد حظيت بضوء أخضر بشأنه على مستوى الخبراء في أكتوبر/تشرين الأول 2022، لكن مع ذلك لم تتحصل إلى حد اللحظة على فرصة النظر فيه على مستوى مجلس إدارة الصندوق.

وتأمل الحكومة التونسية أن تحقق تراجعًا في عجز ميزانية الدولة لسنة 2023 إلى 5.5% من الناتج المحلي لتنحصر في حدود 8890 مليون دينار مقابل 7.7% في عام 2022، وفق تقرير الميزان الاقتصادي، الذي نشرته وزارة الاقتصاد والتخطيط التونسية في موفى ديسمبر/كانون الأول 2023.

مع تواصل تأزم الوضع الاقتصادي والمالي دون وجود أي بشائر واضحة بخصوص ملف تونس المعلّق في رفوف صندوق النقد أبدى مختصون في الاقتصاد قلقهم خاصة وقد اقترب موعد اجتماعات الربيع لعام 2023 التي اعتبروها "آخر فرصة"

ولتغطية هذا العجز، فإن السلطات التونسية مطالبة بتعبئة موارد اقتراض بقيمة 24.1 مليار دينار متأتية بنسبة 66.2% من الاقتراض الخارجي، وفق التقرير ذاته، دون تقديم أي توضيحات عن مصدر هذه القروض خاصة في ظل تأخر نظر صندوق النقد الدولي في ملف القرض الموجه لتونس.

وكان من المفترض أن ينظر صندوق النقد في ملف تونس في ديسمبر/كانون الأول من العام المنقضي، إلا أنه قرر في آخر لحظة تأجيل ذلك دون أن يحدد موعدًا لاحقًا بشكل محدّد، الأمر الذي اعتبره عديد المختصين في الشأن الاقتصادي في تونس "لا ينذر بخير" وأن عدم تحديد موعد يفسر "إلغاء النظر في ملف تونس لا تأجيله"، وفق ما سبق أن ورد على لسان المختص في الاقتصاد عز الدين سعيدان.

 

 

ومع تواصل تأزم الوضع الراهن، دون وجود أي بشائر واضحة في الأفق بخصوص ملف تونس المعلّق، أبدى مختصون تونسيون في الاقتصاد قلقهم من ذلك خاصة وقد اقترب موعد اجتماعات الربيع لعام 2023. 

آرام بلحاج: بانقضاء شهر مارس وعدم برمجة ملف تونس في جدول أعمال صندوق النقد الدولي، تدخل تونس مرحلة حرجة محفوفة بالمخاطر المالية بصفة خاصة والاقتصادية بصفة عامة

وفي هذا الإطار، قال الأستاذ الجامعي والباحث المختص في الاقتصاد آرام بلحاج، الجمعة 17 مارس/آذار 2023، إنه "بانقضاء شهر مارس/آذار وعدم برمجة ملف تونس في جدول أعمال صندوق النقد الدولي، تدخل تونس مرحلة حرجة محفوفة بالمخاطر المالية بصفة خاصة، والاقتصادية بصفة عامة"، حسب رأيه.

وأضاف، في تدوينة له على صفحته بفيسبوك، أن "كل التصريحات الرسمية المطمئنة، سواءً من كبار مسؤولي الصندوق من ناحية أو من القائمين على شؤون الدولة من ناحية أخرى تبقى نظرية ومبالغ فيها في بعض الأحيان"، على حد تصوره.

وتابع الأستاذ الجامعي القول: "عمليًا وواقعيًا الآن، اجتماعات الربيع لعام 2023 لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي المبرمجة للشهر المقبل تبقى آخر فرصة لتونس"، وفق ما ورد في نص التدوينة.

آرام بلحاج: عمليًا وواقعيًا الآن، اجتماعات الربيع لعام 2023 لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي المبرمجة للشهر المقبل تبقى آخر فرصة لتونس

يشار إلى أن اجتماعات الربيع لعام 2023 لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي ستنعقد بالحضور الشخصي في الفترة من يوم الاثنين 10 أفريل/نيسان حتى يوم الأحد 16 أفريل/نيسان في مقر الصندوق ومجموعة البنك الدولي، في واشنطن العاصمة.

 

 

وفي ظلّ تعطّل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد للحصول على قرض، اعتبر المختص في الاقتصاد والأسواق المالية معز حديدان، أن على الحكومة التونسية اتخاذ "إجراءات مالية عاجلة لتعبئة موارد الميزانية".

معز حديدان: على الحكومة التونسية اتخاذ إجراءات مالية عاجلة لتعبئة موارد الميزانية إضافة إلى الانطلاق فعليًا في "الإصلاحات" كي تعطي إشارات إيجابية للممولين الخارجيين وخاصة صندوق النقد الدولي

وأكد، في هذا الصدد، "ضرورة تعبئة موارد إضافية لميزانية الدولة بالعملة الصعبة، عبر تحسين مناخ الاستثمار الخارجي المباشر ووضع استراتيجية للموسم السياحي المقبل من أجل تعبئة موارد تفوق 6 مليار دينار، إضافة إلى إطلاق الاكتتاب في قرض رقاعي خاص للتونسيين المقيمين بالخارج"، وفق ما نقلته عنه إذاعة "موزاييك".

ولعلّ هذه الإجراءات من شأنها، إضافة إلى الانطلاق فعلًا في تطبيق "الإصلاحات" المطلوبة، أن تعطي إشارات إيجابية للممولين الخارجيين وخاصة صندوق النقد الدولي، حسب تصوّر حديدان.

 

 

ولعلّ من بين أبرز النقاط الخلافية في تونس بخصوص "الإصلاحات" التي ينتظر صندوق النقد من السلطات التونسية إقرارها هي مسألة رفع الدعم التي تُقابل برفض من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يمثل المنظمة النقابية المركزية في تونس. 

ولئن لم تُقرّ الحكومة التونسية صراحة بما تنويه بخصوص منظومة الدعم واقتصارها على تصريحات فضفاضة تقول من خلالها إنها ستتجه إلى "توجيه الدعم إلى مستحقيه" دون أن تقدم أي توضيحات بخصوص تفعيل ذلك على أرض الواقع، فإنها انطلقت فعلًا منذ السنة الفارطة في رفع الدعم عن المحروقات عبر الترفيع في أسعاره لـ5 مرات متواترة. 

وتخطط الحكومة التونسية لإلغاء الدعم عن 3 أصناف من المحروقات مع موفى 2023 مع تطبيق التعديل الآلي للأسعار خلال الأشهر المقبلة، وفق تقرير حول إطار الميزانية متوسط المدى لوزارة المالية التونسية.

ويعتبر تعديل أسعار المحروقات، وهي البنزين العادي والغازوال والبنزين الخالي من الرصاص، من شروط صندوق النقد الدولي الذي تتفاوض تونس معه قصد الحصول على قرض. وورد في ذات التقرير أن الحكومة التونسية تتوقع بلوغ حقيقة الأسعار في أفق سنة 2023.

 

 

وفي هذا السياق، تساءل المختص في الاقتصاد والجامعي رضا الشكندالي، الخميس 16 مارس/آذار 2023، "لماذا لا تفكر حكومة نجلاء بودن في التخفيض في الأسعار الداخلية للمحروقات بعد تراجع الأسعار العالمية للبرنت؟".

وتوسّع الشكندالي، في تدوينة له على فيسبوك، قائلًا: "بنيت ميزانية الدولة لسنة 2023 على فرضية السعر العالمي للبرنت بـ 89 دولارًا للبرميل، لكن الأسعار العالمية للبرنت لم تبلغ هذا المستوى منذ بداية هذه السنة وهي الآن في حدود 74 دولارًا وهو ما يستدعي جملة من الملاحظات".

رضا الشكندالي: إن تعذر إقناع صندوق النقد بعدم جدوى رفع الدعم على المحروقات في الوقت الحاضر فلا بد من الذهاب على الأقل في تأجيل رفع الدعم على المواد الأساسية

واستطرد قائلًا: "بمقتضى الآلية التعديلية، فإن كل ارتفاع في الأسعار العالمية للنفط يستوجب تعديل الأسعار الداخلية للمحروقات حتى لا تكون هناك تداعيات هامة على ميزانية الدولة وهو ما حدث في فترات متعددة خاصة في السنوات الأخيرة. لكن وطبقًا للآلية التعديلية نفسها، يستوجب على الحكومة التخفيض في الأسعار الداخلية للمحروقات كلما انخفضت هذه الأسعار العالمية تحت فرضية ميزانية الدولة".

ويرى المختص الاقتصادي، في ذات الصدد، أن "من مصلحة الحكومة تفعيل الآلية التعديلية في هذا الوقت بالذات وخفض الأسعار الداخلية للمحروقات حتى تمتص ولو حزئيًا الارتفاع الصاروخي للأسعار خاصة في المواد الغذائية والتي تعدت حاجز الـ 25 في المائة وبذلك فهي وإن فعلت ستضرب عصفورين بحجر واحد: استعادة ثقة المواطن التونسي وإثبات مصداقيتها في تفعيل الآلية التعديلية كما هي من ناحية والحد من ارتفاع الأسعار من ناحية أخرى خاصة ونحن مقبلون على شهر رمضان"، على حد تصوره.

 

 

وهنا يحيل رضا الشكندالي إلى أن "كل انخفاض بدولار واحد في الأسعار العالمية للنفط مقارنة بفرضية ميزانية الدولة ينعش ميزانية الدولة بـ141 دولارًا وهو ما يعني أن الدولة قد ربحت حوالي 2.1 مليار دينار كاملة إن بقي هذا السعر العالمي للبرنت في حدود 74 دولارًا".

وتابع في هذا السياق أن "هذا المبلغ (2.1 مليار دينار) هو مبلغ رفع الدعم على المحروقات الذي تنوي الحكومة رفعه في سنة 2023 وبالتالي لا مبرر الآن في رفع الدعم والبلاد تعيش أزمة ركود تضخمي حاد"، حسب رأيه. 

هذه الفكرة اعتبرها الشكندالي قد "تقنع حتى صندوق النقد الدولي، إن عملت الحكومة على ذلك، على تأجيل فكرة رفع الدعم على المحروقات لما لهذا الإجراء من تداعيات جد سيئة على الاقتصاد الوطني"، مستطردًا القول: "إن تعذر إقناع الصندوق بعدم جدوى رفع الدعم على المحروقات في الوقت الحاضر فلا بد من الذهاب على الأقل في تأجيل رفع الدعم على المواد الأساسية لأن مبلغ رفع الدعم هو في حدود 1.2 مليار دينار فقط"، وفق ما ورد في نص تدوينته.

 

 

يشار، في هذا الصدد، إلى أن النسق التصاعدي لنسبة التضخم في تونس لا يزال متواصلًا، إذ سجلت نسبة التضخم ارتفاعًا في شهر فيفري/شباط لتصل إلى مستوى 10,4% بعد أن كانت 10,2% خلال شهر جانفي/يناير 2023، وفق ما أعلنه المعهد الوطني للإحصاء في 5 مارس/آذار 2023.

 

 

ولا يفوتنا أن ضبابية مآل ملف تونس الذي يلازم رفوف صندوق النقد دون بوادر واضحة للنظر فيه من مجلس إدارته، قد ألقت بظلالها على التصنيف السيادي لتونس، ما قد يزيد من حساسية الوضع أكثر فأكثر.

وكانت الوكالة العالمية للتصنيف الائتماني "فيتش رايتنغ" قد أكدت، في تقرير نشرته بتاريخ 3 مارس/آذار 2023، أن "تونس لا تزال تواجه مخاطر تمويلية كبيرة"، مشيرة إلى أن "مخاطر التمويل الخارجي في البلاد لا تزال مرتفعة"، مرجعة هذه المخاطر بالأساس إلى التأخيرات المتعلقة بالموافقة على برنامج تونس للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي.

وأشارت إلى أن "السيولة الخارجية لتونس لا تزال شحيحة" مضيفة أن "التأخير المطول في صرف التمويل الخارجي أو الزيادة الكبيرة في فاتورة الواردات التونسية من شأنه أن يزيد الضغوط الخارجية بشكل كبير، نظرًا للعجز الكبير في الحساب الجاري"، متوقعة أن "تؤدي احتياطيات النقد الأجنبي المتاحة لسداد الديون إلى مزيد تراجع تصنيف تونس الائتماني".

 بدورها، كانت  وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني قد أعلنت، في 27 جانفي/يناير 2023، عن تخفيض التصنيف السيادي لتونس من "caa1" إلى "caa2" مع آفاق سلبية.  ناهيك عن ذلك، خفضت موديز تصنيفها للبنك المركزي التونسي المسؤول قانونيًا عن المدفوعات المتعلقة بكل سندات الخزينة، إلى "caa2" مع آفاق سلبية. ويعني التصنيف في خانة "Caa2" أن الحكومة التونسية والبنك المركزي معرضين إلى مخاطر عالية على مستوى إمكانية عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية.

وفي انتظار ما ستبوح به اجتماعات الربيع لسنة 2023، تتركز المخاوف في تونس من فرضية الذهاب إلى نادي باريس لا سيّما وأنه، في حال عدم التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لن يبقَى أمام الدولة التونسية من حلول أخرى واردة. وفي التقرير التالي تفسير لماهية نادي باريس وتمحيص في مدى أرجحية فرضية ذهاب تونس إليه: تزايد الحديث عنه في تونس.. ماذا نعرف عن نادي باريس للديون؟