لازال اتحاد المغرب العربي، المؤسس قبل 3 عقود، هيكلًا يُراوح مكانه لم يحقق بعد الغايات التي اُنشأ من أجلها، إذ ظلّ أسير الخلافات البينية وبالخصوص الخلاف الجزائري - المغربي، فلم ينجح، على مرّ عقود، في تحقيق اختراق لكسر جدار هذا الخلاف أو حتى لتحقيق الحد الأدنى على مستوى التكامل الاقتصادي بين البلدان المغاربية الخمس التي طالما تؤكد التزامها بالوحدة المغاربية دون تنفيذ مستلزماتها على أرض الواقع. كما يغيب دور الاتحاد المغاربي لحل الأزمات في البلدان المكوّنة له وبالخصوص الأزمة الليبية.
حول تطورات الملف الليبي وتفاعل اتحاد المغرب العربي معها، إلى جانب سبل إحياء هذا الهيكل والمجهودات المبذولة لتجاوز الخلاف بين الجزائر والمغرب، بالإضافة إلى ملفات أخرى، تمحور حوار "ألترا تونس" مع الأمين العام لاتحاد المغرب العربي ووزير الخارجية التونسي السابق الطيب البكوش، وفيما يلي نصّ اللقاء:
- لننطلق من آخر التطورات في ليبيا، الدولة العضو في اتحاد المغرب العربي، ما هو موقفكم من التدخل التركي لصالح حكومة الوفاق الليبية وهل يحسم التدخل الخارجي الصراع؟
التدخل الخارجي في ليبيا هو الذي زاد الأوضاع تعقيدًا. وهي قضية معقدة منذ البداية فأنا أتذكر أني عندما كنت وزيرًا للخارجية التونسية وجدت نفسي أمام حكومتين وبرلمانين: حكومة معترف بها في طبرق ولها برلمان وحكومة غير معترف بها في طرابلس ولها برلمان أيضًا واضطررت للتعامل معهما. تعامل رسمي مع الحكومة المعترف بها وآخر غير رسمي مع غير المعترف بها باعتبار أن 80 في المائة من المواطنين التونسيين يعيشون في طرابلس والمصلحة تقتضي مني ذلك.
اليوم على العكس من ذلك، الحكومة المعترف بها في طرابلس وهي حكومة فايز السراج والناتجة عن اتفاق الصخيرات وبرلمان موجود في طبرق معترف به باعتباره سلطة تشريعية لم تعوض لأن اتفاق الصخيرات لم يكتمل في نهاية المطاف.
الطيب البكوش لـ"ألترا تونس": نحن أمام حربين في ليبيا، حرب داخلية ليبية ليبية وهي بالتالي حرب أهلية وحرب بالوكالة من أطراف خارجية
اقرأ/ي أيضًا: حوار| يوسف بوزاخر: المجلس الأعلى للقضاء متمسك بصلاحياته أمام السلطة التنفيذي
إذن، الوضع الآن أكثر تعقيدًا داخليًا باعتبار وجود شرعية حكومة داخليًا وشرعية برلمان منتخب رغم أن جزءًا من البرلمان انتقل لطرابلس وأصبح هناك حكومة في طبرق. وأنا كأمين عام لاتحاد المغرب العربي استقبلت الجميع دون استثناء لأستمع إليهم وأعطي رأيي في الحل الذي أراه دائمًا سياسيًا تفاوضيًا لا عسكريًا لأن الحل العسكري يزيد الأمور تعقيدًا ولأن هذا الحل يجعل التدخلات الأجنبية أسهل.
ولقد كان من المفروض أن يتم التوصل إلى اتفاق بإشراف الأمم المتحدة لكن يمكننا أن نقول الآن إن الأمم المتحدة قد فشلت ودخلت في مأزق وابتعدنا كثيرًا عن موعد الانتخابات الذي كان مقررًا في 10 ديسمبر/ كانون الأول من السنة الماضية. وما زاد الأمور تعقيدًا وصل إلى حد التعفن هو أننا أصبحنا أمام حربين، حرب داخلية ليبية ليبية، وهي بالتالي حرب أهلية، وحرب بالوكالة من أطراف خارجية. وحتى أوروبا ليست موحدة في موقفها مما يحدث في ليبيا. وزاد التعقيد بالتدخل التركي وأصبحت روسيا، التي كانت صامتة، تتكلم وإن لم تتدخل بعد لكنها غير راضية على تطور الأوضاع ولا ندري كيف سيكون تدخلها وهذا مشكل آخر.
وأمام هذا التدخل التركي والروسي والأوروبي والخليجي، فإن أمريكا أيضًا سيكون لها قول ومازالت أشكال الموقف الأمريكي غير واضحة المعالم وقد تتبلور الأمور أكثر بتطور الأوضاع ميدانيًا، لذلك أكرر أننا في وضع معقد جدًا جدًا جدًا.
- هذا الوضع المعقد المتشابك داخليًا وخارجيًا، أي دور لاتحاد المغرب العربي فيه؟
كان من المفروض أن تكون الوساطة الحقيقية في مستويين غير الوساطة الموجودة حاليًا، وهما على مستوى اتحاد المغرب العربي بحكم أن ليبيا إحدى الدول الخمس المكونة للاتحاد، ومستوى أوسع وهو المستوى القاري والإفريقي باعتبار أن ما يجري في ليبيا ينعكس أيضًا على أفريقيا أمنيًا وعسكريًا وسياسيًا. وليبيا هي عضو في الاتحاد الإفريقي وعضو في "الكوميسا".
الطيب البكوش: أشهد أن كل الأطراف الليبية شرقًا وغربًا التي زارتني طلبت تدخل اتحاد المغرب العربي كوسيط لحل الأزمة
فالأطراف المؤهلة للتدخل بالحسنى والقيام بدور الوساطة لإنهاء الأزمة مرتبطة في الحقيقة بهذين الطرفين وكان يمكن الاستغناء عن الأمم المتحدة لأن تدخلها يتطلب الكثير من الوقت ولا تحسم الامور وأوضح دليل ما وصل إليه الوضع في ليبيا. وأنا كأمين عام لاتحاد المغرب العربي أشهد أن كل الأطراف الليبية شرقًا وغربًا التي زارتني طلبت تدخل اتحاد المغرب العربي كوسيط لحل الأزمة.
- بما في ذلك اللواء المتقاعد خليفة حفتر؟
أنا أتحدث عن السياسيين الليبيين وأعتبر خليفة حفتر الجناح العسكري للبرلمان وحكومة طبرق وأنا لا أتعامل معه. لكن هذا الجناح العسكري يفرض أمرًا واقعًا على الأرض ويهدد بالاستيلاء على طرابلس ولا يمكن إنكاره؟
هو يمثل الطرف السياسي في طبرق ولا أنظر إليه قوة مستقلة وأنا كأمانة عامة لاتحاد المغرب العربي أتعامل فقط مع الجناح السياسي. وقد قابلتهم جميعًا وكنت زرت أيضًا طرابلس علمًا وأن رئاسة الاتحاد في مستوى الرئاسة الدورية في ليبيا وتوقفت هناك وكان من المفروض أن تلتئم القمة السابعة في 2007 لكن ألغيت في آخر لحظة من طرف القذافي. وكما أشرت جميعهم طالبوا بوساطة اتحاد المغرب العربي.
الطيب البكوش لـ"ألترا تونس": اسقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تونس لا يمكن أن يعبر عن اصطفاف
- ولماذا لم يتدخل اتحاد المغرب العربي كوسيط؟
لأن هذا يقتضي أن يقع إما اجتماع قمة أو اجتماع مجلس وزراء الخارجية. وهذا لم نستطع تحقيقه وأن نجمعهم وأنا كأمين عام لا أستطيع أن أقدم وساطة فردية.
وأشدد على أن الحل سياسي تفاوضي ولست مع حل عسكري وضد التدخلات الأجنبية. وأشير هنا إلى أنني عندما كنت وزيرًا للخارجية التونسية طلبت مني أطراف أوروبية أن تقدم مساعدات مادية لتونس لإنشاء مخيمات في الجنوب لاستقبال الليبيين والأفارقة وكنا دائمًا نرفض أن نكون طرفًا في ذلك.
- هل تعتبر استقبال تونس للرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو اصطفاف وراء معسكر ضد آخر في الصراع الليبي؟
اسقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تونس لا يمكن أن يعبر عن اصطفاف وزيارته لتونس لا تعبر عن أننا معه. بإمكاننا ان نستقبل كل الأطراف، فقط ما يعاب على الدولة التونسية هو عدم صدور بيان واضح في الإبان، إما مشترك أو كل مسؤول عن بيانه، يحدد الموقف التونسي ومن حق أردوغان أن يطلب ما يريد وتجيب تونس بما تريد.
وأنا شخصيًا كان لي موقف من التحالفات فقد قدمت استقالتي من وزارة الخارجية لأننا دخلنا في التحالف العربي في اليمن وقد عرفت ذلك من الإعلام ولم تقع استشارتي وهذا ضد قناعاتي فأنا ضد التحالفات لشن الحروب.
اقرأ/ي أيضًا: حوار| المكي: التوافق ممكن مع التيار و"الشعب" والغنوشي قدم تنازلات غير مبررة
- عجزتم عن عقد اجتماع قمة لرؤساء دول الاتحاد المغاربي لبحث الوضع الليبي، وهو عجز قائم منذ ثلاثين عامًا، ألا ترى ان الاتحاد ولد ميتًا؟
لم يولد اتحاد المغرب العربي ميتًا. فقد أعلن عنه منذ ثلاثين عامًا، وفي السنوات الست الأولى، كان الرؤساء يجتمعون كل سنة، بل في إحدى المرات اجتمعوا مرتين وصاغوا نصوصًا هامة بني عليها الاتحاد وفيها آمال كبيرة جدًا ومشاريع كبرى لكن حدث سنة 1994 أن توقف هذا في مستوى القمة.
الطيب البكوش: قدمت استقالتي من وزارة الخارجية لأننا دخلنا في التحالف العربي في اليمن وقد عرفت ذلك من الإعلام ولم تقع استشارتي
ففي الحقيقة حدث خلاف بين الجارتين الجزائر والمغرب والبعض يرجع هذا الى قضية البوليساريو وهذا غير صحيح، لأن قضية البوليساريو ترجع إلى أواسط السبعينات (1975) واتحاد المغرب العربي نشأ سنة 1989 أي بعد 14 سنة، ولم تمنع قضية الصحراء التي هي من مشمولات الأمم المتحدة، من أن يقع الالتقاء في قضايا التوحيد والتقارب والمشاريع المشتركة.
ما حدث من خلاف بين الجزائر والمغرب سببه عملية إرهابية وقعت في مراكش واتهمت فيها أطراف جزائرية ووقع غلق الحدود بين البلدين وإلى الآن هي مغلقة. ولهذا أنا أقول إن إعادة انطلاق القمم والنشاط المغاربي في أعلى مستوى رهين إعلان فتح الحدود بين الجارتين وأنا اسعى لهذا دون ضجة إعلامية.
- كل الدول تبحث عن مصالحها الاقتصادية لحل أزماتها الداخلية، لماذا تفوت دول اتحاد المغرب العربي هذه الفرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية في ظل تحديات داخلية في بلدانها؟
ما يجمع هو أكبر من ذلك، لكن على المستوى الاقتصادي بالفعل وبالأرقام، المكاسب التي ستحقق اقتصاديًا من وحدة بلدان المغرب العربي كبيرة جدًا وهو خسارة عندما لا تتحقق والجميع على وعي بذلك. ونحن كهيكل اتحاد المغرب العربي نعمل على الانطلاقة جديدة تجعل الحياة تدب أكثر في الاتحاد.
الطيب البكوش لـ"ألترا تونس": الاتحاد المغاربي ليس في موت سريري
فعلى عكس ما يقال، فإن الاتحاد ليس في موت سريري وقد كان ظني أنا أيضًا عندما كنت بعيدًا ومنذ أن توليت الأمانة العامة رأيت الأمور من الداخل واكتشفت أن العمل يومي والمشاريع والقرارات والتوصيات بشكل يومي، فالأمانة العامة تقوم بكل هذا لجميع المجالس الوزارية القطاعية.
والأمانة العامة أيضًا هي التي تمثل الاتحاد في كل القمم: قمة روسيا أفريقيا، قمة الصين أفريقيا، قمة أوروبا أفريقيا.
وهناك مشاريع هامة قمنا بإنجازها، مثلًا أنهينا الدراسة المتعلقة بالقطار المغاربي بكل تفاصيلها وهي جاهزة للتنفيذ ونحن بصدد إنجاز مشروع الطريق السيارة المغاربية والطيران المغاربي والطرق البحرية المغاربية ودراسات حول شبكة الاتصالات بين هذه الدول. لكن كل هذا يتطلب قرارًا سياسيًا للتنفيذ.
- هل من سبيل لتفعيل هذا القرار السياسي لتنجز هذا المشاريع؟
فعلًا نحن نحاول ذلك من خلال عقد اجتماعات مجالس وزارية، وهناك طرق أخرى وهي التي أنا بصدد اعتمادها تتمثل في تشريك المجتمع المدني وجعله قوة ضغط على السياسيين وهذا مشروع ضخم جدًا يتطلب وقتًا ومجهودًا كبيرين وذلك بإنشاء شبكات مثلًا شبكة المدن المغاربية، شبكة النساء الرائدات المغاربيات، شبكة الشباب المغاربي، شبكة الباحثين المغاربيين والصحفيين المغاربيين، ليكون الجميع عامل تحسيس لا عامل فرقة وحتى يكون المجتمع المدني دافع للضغط على القرار السياسي.
الطيب البكوش لـ"ألترا تونس": قابلت كل الرؤساء ورؤساء الحكومات ورؤساء البرلمانات الدول في المنطقة المغاربية
- باستثناء الرئيس التونسي قيس سعيد لم يتم استقبالكم من أي رئيس في المنطقة المغاربية، أليس هذا دليلًا على فشلكم في مهمتكم؟
ليس صحيحًا. قابلت كل الرؤساء ورؤساء الحكومات ورؤساء البرلمانات لهذه الدول في أكثر من مناسبة وأتراسل معهم، لكن أن تتم دعوتي لمقابلة رسمية فهذا يشترط أن نتحدث عن جدول أعمال قمة، وهذا معطل لكن أعلمكم أن في جدول أعمالي خلال الأيام القادمة جولة بدأتها من تونس ثم موريتانيا بعد انتخاب رئيس جديد ثم الجزائر ولرئيسها الجديد، أما ليبيا فإن الظروف لا تسمح بأن أزورها في هذه الفترة وإن كانت حكومة طبرق قد طلبت مني ذلك لكني أعلمتهم أني لا يمكن أن أزورهم كحكومة لأن المعترف بها هي حكومة طرابلس.
- قابلتم الرئيس التونسي قيس سعيد، هل لمست موقفًا أكثر فعالية لتفعيل اتحاد المغرب العربي؟
لقد أكد لي أنه سيبذل ما في وسعه في هذا الاتجاه لكن لا أخفي عنك أن هذا يقتضي اقتناعًا من جميع الدول المغاربية لأن النصوص المؤسسة لاتحاد المغرب العربي فيها خلل تأسيسي، هو أن القرارات لا تتخذ رسميًا إلا من القمة وبالإجماع، وهو ما يجعل لكل دولة حق الفيتو وهذا لم يعد صالحًا اليوم في نظري.
الطيب البكوش: قيس سعيّد قال لي أنه سيبذل ما في وسعه لتفعيل اتحاد المغرب العربي والتصريحات من الجزائر والمغرب مشجعة جدًا
وقد أعددت وثيقة تعديلية لأقدمها في أول مناسبة تنعقد فيها قمة أو مجلس وزاري مفوض من القمة ويوجد مجلس آخر منصوص عليه في النصوص ولم يفعل ولو مرة واحدة، وهو مجلس رؤساء الحكومات أو الوزراء الأول، وحاولت جمعه وطلبت من رئيس الحكومة المغربية والرئيس الحكومة التونسي أن يبادرا بذلك لكنهما لم يبادرا بذلك.
لهذا فأنا في اعتقادي أن تعديل المنظومة وتحيينها تكون عبر تنظيم قمة سنوية على مستوى الرؤساء واجتماع سنوي على مستوى رؤساء الحكومات وبنفس الصلاحيات ويسبقه اجتماع وزراء خارجية يعد ويصادق على الوثائق التي تعدها الأمانة العامة.
- هل هناك أمل في عقد قمة قريبًا وحل الخلاف الجزائري المغربي خصوصًا بعد انتخاب رئيس جديد للجزائر؟
هناك أمل وأنا بصدد السعي لذلك خاصة بعد حدوث التغيير في الجزائر والتصريحات التي خرجت من الجانبين مشجعة جدًا وأنتظر دفعًا رمزيًا يتمثل في فتح الحدود بين البلدين وهذا سيسهّل إلى حد كبير انعقاد القمة.
اقرأ/ي أيضًا:
زهير المغزاوي: النهضة لم تقدم عرضًا جيدًا ولا اندماج مع التيار (حوار)
البحيري: التيار و"الشعب" يرفضان تحمّل المسؤولية والتمديد للغنوشي جائز (حوار)