27-سبتمبر-2023
التغيرات المناخية

حوار مع المختص في المناخ عامر بحبة حول التغيرات المناخية ومدى تأثيرها على تونس

 

يواجه كوكب الأرض أعنف موجة من التغيرات المناخية التي لم يشهدها من قبل، وهذا ما حذّر منه مؤخّرًا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حين قال: "لم نعد في مرحلة التغيرات المناخية بل تجاوزناها إلى مرحلة الانهيار".

وتعيش العديد من دول العالم على وقع حرائق أو أعاصير أو زلازل وهو ما طرح تساؤلات عن إمكانية دخول العالم في عصر الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية.

ومنذ زلزال المغرب الذي تسبب في وفاة أكثر من 2900 شخص، والإعصار دانيال الذي اجتاح الشرق الليبي وأزهق أرواح الآلاف، أصبح موضوع الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية هاجس التونسي الذي أحسّ بالتهديد جراء ما يحصل في الرقعة الجغرافية المحاذية لبلده. بالإضافة إلى متابعته الشديدة لأخبار الطقس وتوقّعات الخبراء، وهذا ما أثار عديد التساؤلات سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو في الحديث اليومي.

"الترا تونس" رصدت عددًا من المواضيع المتعلقة بالتغيرات المناخية وحاولت الإجابة عن بعض هواجس التونسيين مع المختص في المناخ عامر بحبة، في الحوار التالي:

 

  • في البداية، كيف يمكن أن نعرّف التغيرات المناخية خاصّة بعد أن أصبح هذا المصطلح الأكثر تداولًا بين الناس؟

يعرف المناخ بأنه متغير بطبعه، وتحوّلاته تمتد عبر مئات وحتى ملايين السنوات، مثل درجات الحرارة التي كلما تغيرت يتغير معها كل شيء. وهذه التحولات ليست بجديدة على كوكب الأرض، إذ مررنا سابقًا بفترات حارة وفترات باردة. وترتبط أسبابها سواء بعوامل طبيعية كالنشاط الشمسي والحركة الفلكية وأيضًا البراكين التي لها دور هام في التغيرات التي مرت بها الأرض إذ أنّ الغازات التي تفرزها تكون أكثر كثافة في الجو وهذا ما يؤثر على درجات الحرارة. 

المختص في المناخ عامر بحبة لـ"الترا تونس": التغيرات المناخية ترتبط بعدة عوامل طبيعية كالحرارة والنشاط الشمسي والحركة الفلكية وأيضًا البراكين التي لها دور هام في التغيرات التي مرت بها الأرض

ومنذ قرن وعقدين، أصبح الإنسان محركًا هامًا في تغيير المناخ، وذلك لاستعماله الوقود بجميع أنواعه (من الفحم الحجري وصولًا إلى النفط والغاز) وهي مواد وطاقات كيميائية ملوثة وعملية احتراقها تولد غازات مثل ثاني أوكسيد الكربون الذي يزيد في حرارة سطح الأرض.

 

  • يرى بعض الباحثين في المناخ أننا مقبلون على عصر جليدي، فيما يؤكد البعض الآخر أن هناك ارتفاعًا في درجة حرارة الكون.  ما هي قراءتكم لهذه التحاليل؟

يجزم أغلب العلماء والباحثين أن القرن الـ21 حتى أواخره سيشهد موجات حر. ووفق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والأمم المتّحدة فإننا سنمر من فترة الاحترار إلى فترة الغليان والاحتباس الحراري، وذلك بسبب الغازات المتواجدة لأكثر من قرن في الهواء. 

عامر بحبة لـ"الترا تونس": يجزم أغلب العلماء والباحثين أن القرن الـ21 حتى أواخره سيشهد موجات حر وسنمر من فترة الاحترار إلى فترة الغليان والاحتباس الحراري وذلك بسبب الغازات المتواجدة لأكثر من قرن في الهواء

ونلاحظ أن درجات الحرارة ترتفع من سنة إلى أخرى، كما أصبحت تدوم فترات أطول مثلما شهدناه هذه السنة في مناطق عدّة حيث تجاوزت الأرقام القياسية وامتدت لأكثر من ثلاثة أسابيع متواصلة. ومن المؤكد أنّ كوكب الأرض لن يمرّ بالفترة الجليدية إلا بعد 100 عام  أو أكثر.

 

 

  • كثر الحديث في المدة الأخيرة عن النماذج العددية للطقس ما بين سويسري وأوروبي وغيرها.. ما الفرق بينها وأيّ النماذج أقرب للواقع؟ 

تقدم النماذج العددية التوقعات المستقبلية لحالة الطقس وكلما كانت المدة أطول كلّما كانت التوقعات غير دقيقة. والعادي هو ألّا تتجاوز العشرة أيام. وتشرف على هذه النماذج مراكز كبيرة في العالم وأبرزها النموذج الأوروبي الذي يعتبر الأهم والأدقّ بالنسبة لتونس وشمال إفريقيا من ثمّ يتبعه النموذج الأمريكي.

هناك نماذج أخرى هامة مثل الألماني والبريطاني والفرنسي والأسترالي. أما النماذج الضعيفة فهي الصيني والروسي والياباني والسويسري الذي أثبت عدم دقّته في التوقعات الأخيرة للبلاد التونسيّة.

هذه النماذج موجودة في حواسيب مثل البرمجيات، حيث يُدخل المهندسون معطيات كالحرارة والرطوبة وسرعة الرياح وكميات الأمطار فيقوم الحاسوب بعمليّة محاكاة لرصد التوقعات القادمة.

 

  • فيضانات ليبيا والتغيرات المناخية.. هل من علاقة بينهما؟

الفيضانات التي وقعت في ليبيا مرتبطة بالتغيرات المناخية لأنّ المناخ في حالة تغير، إذ نلاحظ ارتفاعًا في درجات الحرارة، بالإضافة إلى أنّ كميات الأمطار في ارتفاع في مناطق معينة وتشهد نقصانًا في مناطق أخرى، مناطق فيها أمطار وأعاصير وعواصف ومناطق فيها جفاف.

عامر بحبة لـ"الترا تونس": الأعاصير في تزايد في العالم وأصبحت أكثر تواترًا في العشرين عامًا الأخيرة وأصبحت أكثر قوة وتسبب خسائر أكبر

كما لاحظنا أنّ الأعاصير في تزايد في العالم وأصبحت أكثر تواترًا في العشرين عامًا الأخيرة وأصبحت أكثر قوة وتسبب خسائر أكبر. 

 

  • بعد الإعصار دانيال في ليبيا والزلزال الأخير في المغرب، هل هي بداية كوارث بشمال إفريقيا؟

أكثر الأماكن التي يمكن أن تمرّ بها الأعاصير في شمال إفريقيا، هي منطقة خليج سرت وسط ليبيا وشرقها التي حصل فيها الإعصار دانيال مؤخّرًا.

وأغلب المناطق التي تجتاحها أعاصير في المنطقة المتوسطية هي جنوب اليونان، مثل إعصار يانوس سنة 2020، الذي كان في تونس في شكل عاصفة قوية وتسبب في فيضانات في الساحل وانتقل إلى اليونان وأصبح إعصارًا قويًّا، بالإضافة إلى خليج الأسد "ليون" بفرنسا وخليج جنوة شمال غرب إيطاليا وصقلية. أما بقية المناطق مثل تونس والجزائر والمغرب ومصر بدرجة أقل، فالاحتمال موجود ولكن أقلّ بكثير من المناطق الأخرى التي ذكرناها، وذلك مدروس بالإحصائيات.

عامر بحبة لـ"الترا تونس": دول شمال إفريقيا موجودة على حدود تقاطع صفيحة إفريقيا وصفيحة أوروبا وآسيا وعادة ما تكون حدود الصفائح نشيطة وبها عديد الانكسارات والتصدّعات وهو ما يسهّل خروج الطاقات الكامنة في باطن الأرض

وفي علاقة بالزلازل، فإنّ دول شمال إفريقيا موجودة على حدود الصفائح بين صفيحة إفريقيا وصفيحة أوروبا وآسيا. وعادة ما تكون حدود الصفائح نشيطة وبها عديد الانكسارات والتصدّعات وهو ما يسهّل خروج الطاقات الكامنة في باطن الأرض. ومن أكثر الدول المهددة بالزلازل في شمال إفريقيا الجزائر وفي بعض الأحيان المغرب، أما تونس فهي الأقل تهديدًا، وإذا حدثت بها زلازل فلا تكون خطيرة.

 

  • ما هي الخصوصيات المناخية للدولة التونسية؟

تونس تنتمي للمنطقة المتوسطية، ما يعني أنّ مناخها متوسّطي، باستثناء مناطق الجنوب التونسي حيث يكون مناخها صحراويًا جافًا. ويُعرف بصيف حار وجاف دون أمطار وبشتاء معتدل ما بين ممطر وجاف من سنة لأخرى. وتنطلق الفترة الممطرة في تونس عادة من شهر سبتمبر/أيلول حتى بداية ماي/أيار، وهذا يختلف حسب المناطق.

 

  • كيف تتوقعون شتاء هذه السنة؟ هل ستمطر بكميات هامّة أم أننا سنشهد بعدُ تواصل أزمة شح المياه؟ 

لا يمكن رسم توقعات قبل ثلاثة أشهر لأنها لن تكون دقيقة. وهذا ما حصل في السنة الفارطة حيث أكّدت النماذج بأنّ الخريف سيكون ممطرًا لكنها أخفقت في توقعاتها ومرّ على تونس الخريف الأكثر جفافًا منذ سنوات.

 

  • حسب رأيكم ما هي الحلول للحد من شدّة التغيرات المناخية سواء على مستوى سلوكيات الفرد وعلى مستوى سياسات الدول؟

عامر بحبة لـ"الترا تونس": من الصعب جدًا الحد من تأثير التغيرات المناخية فعناصر المناخ أقوى من الإنسان.. ومن المتوقع أن تزداد حدّية التغيرات وتكثر الأحداث المناخية الاستثنائية

من الصعب جدًا الحد من تأثير التغيرات المناخية، فعناصر المناخ أقوى من الإنسان. ومع هذا انعقدت العديد من القمم بهدف التخفيض من انبعاثات الغازات. لكن للأسف فإنّ مخرجاتها لا تُطبّق على أرض الواقع لأنّ الدول التي لديها مصالح اقتصادية لا يناسبها التقليص من الصناعات والتخفيض في الإنتاج وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكيّة والصين، لهذا لا يلتزمون بالتوقيع على المعاهدات التي تلزمهم بتخفيض انبعاث الغازات. ولهذا السبب ستزداد حدّية التغيرات وستكثر الأحداث المناخية الاستثنائية.

وللأسف فإنّ الإنسان العادي، خاصة في الدول النامية يتحمل كثيرًا هذه الخسائر ولا يستطيع القيام بشيء. لهذا يجب التأقلم مع الأوضاع ببناء السدود وتجميع الماء للدول المهددة بالجفاف، واستعمال الطاقات البديلة للتقليص من استهلاك الغاز والنفط.