تطلّ علينا صائفة 2022 بموعد سياسي جديد هو الأول من نوعه منذ ثورة 14 جانفي/يناير 2011 وسقوط نظام بن علي، الذي تلاه زلزال سياسي أطاح بنظام حكم وأطاح بدستور 1959 وأرسى مؤسسات دستور 2014 الذي قد ينتهي العمل به بدوره إثر استفتاء 25 جويلية/يوليو القادم، الذي أقره الرئيس التونسي قيس سعيّد، بعد جدل سياسي شديد ونشره في الرائد الرسمي في صيغته الأولى ثم الثانية.
بعد أسبوعين من بداية حملة الاستفتاء في سوسة لم يتم تعليق أي بيان انتخابي سواء للمؤيدين أو للمعارضين لمشروع الدستور المقترح في الأماكن المخصصة لذلك
الشارع التونسي لم يكن منقسمًا بين فئة مؤيدة للدستور الجديد وأخرى رافضة له أو مقاطعة فقط، بل بين من يجلس على شواطئ البحر غير عابئ بحملة الاستفتاء ومن يرتاد المقاهي في الليالي الساخنة ومن يكتفي بالسفر خلال العطلة السنوية، بينما آخرون ينقطعون إلى العمل في مجال الخدمات والسياحة من أجل ضمان لقمة العيش في ظل تدهور المؤشرات المالية والاقتصادية التي يلمسها المواطن.
وقد كشف انقسام الشارع السياسي بدوره عن أزمة سياسية بين مؤيدي القرارات التي كان أعلنها قيس سعيّد في 25 جويلية/يوليو 2021 وبين معارضيه الذين اصطفوا في تكتلات مناهضة لإجراءاته وأصدروا مواقفهم المعلنة ضد الدستور الذي سيقع الاستفتاء عليه بعد أيام قليلة وكان آخر هذه المواقف إعلان جمعيات ومنظمات تونسية، في بيان مشترك، الاثنين 18 جويلية/يوليو 2022، تأسيس ائتلاف يهدف إلى مجابهة ما اعتبروه "مسار الاستفتاء المعطوب على دستور ممنوح تمّ وضعه خلال فترة الاستثناء التي لم يتم تحديد سقف زمني لها".
بعد أسبوعين من بداية حملة الاستفتاء في ولاية سوسة لم يتم تعليق أي بيان انتخابي سواء للمؤيدين أو للمعارضين لمشروع الدستور المقترح في الأماكن المخصصة لذلك على الجدران على خلاف المناسبات الانتخابية الفارطة بعد الثورة.
غابت عن الشارع أي مظاهر الاحتفاء بالصندوق على غرار ما حصل في الانتخابات السابقة واقتصرت الحملة على خيمات ركزت في أماكن معينة وتوزيع بعض المطبوعات
كما غابت عن الشارع أي مظاهر الاحتفاء بالصندوق الانتخابي على غرار ما حصل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة واقتصرت الحملة على خيمات ركزت في أماكن معينة وتوزيع مطبوعات قامت بها في ولاية سوسة على غرار جمعية المواطنة والتنمية البشرية المستدامة وجمعية التنمية و لديمقراطية وجمعية أحرار الوطن للبناء والتجديد وهي جمعيات مناصرة لمشروع الدستور.
كما شهدت الحملة اجتماعين حزبيين أعلنت عنها هيئة الانتخابات ضمن برامجها وهما لحزب آفاق تونس المعارض لمشروع الدستور وحزب الشعب المؤيد له، في حين رصدنا اجتماعًا لحزب الجمهورية الجديدة المعلن عن تأسيسه منذ أشهر في إحدى قاعات حمام سوسة والذي دعا فيه إلى التصويت على مشروع الدستور غير أنه لم يتم الإعلان عن هذا النشاط ضمن الجداول المنشورة لدى الهيئة الفرعية للانتخابات بسوسة وذلك لعدم احترام الإعلام بالنشاط حسب الهيئة. أما الأشخاص الطبيعيون فقد قام مواطن واحد بنشاطين مصرح بهما.
الأماكن المخصصة للتعليق من هيئة الانتخابات في سوسة خالية من البيانات (صور ماهر جعيدان/الترا تونس)
جانب من الأنشطة في الحملة الدعائية للاستفتاء في سوسة (صور ماهر جعيدان/الترا تونس)
ومن خلال هذه المتابعة الميدانية، نكشف عن 7 مشاركين في الحملة على مستوى ولاية سوسة من ضمن 153 مشاركًا مرسمًا لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ويشار إلى أن عدد مراكز الاقتراع المخصصة لإجراء الاستفتاء المزمع تنظيمه يوم 25 جويلية/يوليو في ولاية سوسة 177 مركزًا وهي تشمل 627 مكتب اقتراع.
بين مؤيد ومعارض لمشروع الدستور اختلفت الرؤى والحجج والبراهين، فمن جهته، دعا محمد علي عباس، عضو مؤسس لحركة الجمهورية الجديدة من اجتماع حمام سوسة إلى التصويت بـ"نعم" واعتبر أن "رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد استجاب لحركة الجمهورية الجديدة (التي تأسست منذ أشهر) في صياغة الدستور الجديد وكانوا قد طالبوا بالفصل الحقيقي بين السلط كما طالبوا بسلطة تنفيذية موحدة وتكون قويّة لا مجزّأة وليس كالعشرية السوداء.. رئاسة جمهورية ضعيفة وحكومة رهينة لأحزاب سياسية ولوبيات من خارج البرلمان تتحكم فيه"، وفق قوله في الاجتماع العام الذي وقع عقده في 16 جويلية/ يوليو الجاري.
محمد علي عباس، عضو مؤسس لحركة الجمهورية الجديدة في اجتماع في حمام سوسة: السلطة التنفيذية ستكون موحدة وقوية وستكون لرئيس الجمهورية الصلاحيات الكاملة لتعيين الحكومة وستكون مسؤولة أمامه
كما أضاف عباس "لا يمكن الحديث عن ديمقراطية وعن دولة القانون إلا في احترام علوية الدستور وتكريس مؤسسات قوية وقضاء قويّ يكون عادلاً ونزيهًا شفافًا". وأردف قائلًا: "ستكون جمهورية جديدة جمهورية القانون وليست جمهورية الاستبداد كما يروجون وستكون للسلطة التشريعية صلاحايتها وحدود صلاحياتها والسلطة التنفيذية ستكون موحدة وقوية وستكون لرئيس الجمهورية الصلاحيات الكاملة لتعيين الحكومة وستكون مسؤولة أمامه وأمام البرلمان الذي سيكون بغرفتين".
وخلافًا لهذا الطرح المناصر لمشروع الدستور، أكد فاضل عبد الكافي لـ"الترا تونس" خلال اجتماع عام بإحدى قاعات سوسة أن "مشروع الدستور الجديد يؤسس لنظام رئاسوي سلطويّ". وقال عبد الكافي "إن مشروع الدستور في نسختيه الصادرتين يومي 30 جوان و8 جويلية يكرسان لنظام رئاسوي ويمنحان سلطات واسعة لرئيس الجمهورية دون رقيب ولا حسيب".
فاضل عبد الكافي، رئيس حزب آفاق تونس لـ"الترا تونس": "مشروع الدستور الجديد يؤسس لنظام رئاسوي سلطوي ويمنح سلطات واسعة لرئيس الجمهورية دون رقيب ولا حسيب"
كما وصف عبد الكافي تدخل رئيس الجمهورية قيس سعيّد "بغير القانوني في الحملة الدعائية لمشروع الدستور عندما دعا في مناسبتين التونسيين إلى التصويت بنعم باعتبار أن "سعيّد غير مسجل في قائمة الأشخاص والجمعيات والأحزاب المخوّل لها التعبير عن مواقف خلال حملة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد"، وفق ما صرح به لـ"الترا تونس".
ولم تخل حملة الاستفتاء في سوسة من المخالفات الانتخابية إذ رصدت الهيئة الفرعية للانتخابات بسوسة 12 مخالفة وذلك في تصريح لعضو الهيئة الفرعية منية اللطيف لمراسل "الترا تونس"، وكشفت عن مخالفات بسيطة وأخرى تتعلق بالإشهار السياسي إذ رصد فريق التفقد لدى الهيئة "معلقات إشهارية ثابتة في مفترقات سهلول وأكودة وزاوية سوسة وقد تمت معاينتها وتحرير محاضر وإعلام السلط المحلية بذلك وكذلك الشركة التجارية المستلزمة للأعمدة الإشهارية كما تم تحديد الطرف المسؤول عن هذه الجريمة الانتخابية وتقدمت الهيئة بشكاية جزائية كما يتطلبه القانون"، وفق تصريح منية اللطيف لـ"الترا تونس".
عضو هيئة الانتخابات بسوسة منية اللطيف لـ"الترا تونس": تسجيل مخالفات بسيطة وأخرى تتعلق بالإشهار السياسي وقد تم تحديد الطرف المسؤول وتقدمت الهيئة بشكاية جزائية
لا تعكس حملة الاستفتاء على أرض الواقع من خلال الأنشطة الميدانية ما نشهده من تفاعل على مستوى العالم الافتراضي فقد تحول التنافس والصراع الانتخابي من الواقعية إلى الافتراضية، فلاحت المواجهة على أشدها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، المناصرة أو المعارضة لمشروع الدستور على عكس الشارع.
وقد أفقد ذلك نجاعة الرقابة على الحملة وحوّلها إلى مجرّد إجراء، وفي غياب مناظرات مباشرة بين الرأي والرأي الآخر، انتقلت المواجهة بين مجموعات افتراضية تؤدي غالبًا إلى خرق جميع مواثيق النشر والتغطية الانتخابية وقد تؤدي إلى طريق العنف وانتهاك الحقوق في ظلّ وضع سياسي متأزم يتسم بالاحتقان. وتبقى نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع مؤشرًا هامًا يتم الاحتكام إليه لنجاح الحملة من عدمها بعد أن شهدنا للاستفتاء وجهين، وجه باهت في الواقع ووجه ملتهب على مواقع التواصل الاجتماعية.