16-أبريل-2024
قضاء قضاة

جمعية القضاة التونسيين: على السلطة السياسية مراجعة خياراتها في التعامل مع السلطة القضائية (صورة أرشيفية/ ياسين القايدي/ الأناضول)

الترا تونس - فريق التحرير

 

نبهت جمعية القضاة التونسيين، الثلاثاء 16 أفريل/نيسان 2024، إلى ما وصفتها بـ"الأوضاع بالغة الخطورة" التي آل إليها القضاء التونسي، مشددة على ضرورة "مراجعة السلطة السياسية لخياراتها في التعامل مع السلطة القضائية التي ثبت فشلها وزادت في استفحال الأزمة في مرفق العدالة بشكل لم يعرفه القضاء التونسي في أحلك المراحل التي مر بها، وفق تقديرها.

جمعية القضاة التونسيين: على السلطة السياسية مراجعة خياراتها في التعامل مع السلطة القضائية التي ثبت فشلها وزادت في استفحال الأزمة في مرفق العدالة بشكل لم يعرفه القضاء التونسي في أحلك المراحل التي مر بها

 

  • توسع نفوذ وزارة العدل داخل القضاء

وقالت الجمعية، في بيان صادر عن مكتبها التنفيذي، إنها تتابع منذ بداية السنة القضائية 2023- 2024 الوضع القضائي العام والذي اتسم بمزيد توسع نفوذ وزارة العدل داخل القضاء وبسط سيطرتها الكاملة عليه باستغلال وضعية الفراغ المؤسسي في القضاء العدلي والتي افتعلتها الوزارة نفسها من خلال إحداث شغورات في تركيبة المجلس المؤقت للقضاء العدلي، وهو المؤسسة التي أنشأها رئيس الجمهورية بواسطة المرسوم عدد 11 لسنة 2022 بديلًا عن المجلس المنتخب الضامن لمقومات استقلالية القضاء.

وأوضحت، في هذا الصدد، أنه تمت نقلة اثنين من أعضاء مجلس القضاء العدلي في الحركة القضائية الأخيرة 2023/2024 وتقاعد اثنان آخران دون تسمية أعضاء آخرين مما حال دون انعقاده منذ أكثر من 6 أشهر لعدم اكتمال نصابه القانوني ما أدى إلى شلله بشكل كامل وفتح المجال أمام وزارة العدل لاستخدام آلية مذكرات العمل بشكل تعسفي ومكثف خارج كل إطار قانوني يخول لها ذلك بقصد إحداث تغييرات جوهرية ومستمرة في تركيبة المحاكم ومسؤوليها وقضاة النيابة العمومية وقضاة التحقيق والدوائر القضائية الحكمية أثناء السنة القضائية في عدد كبير من المحاكم دون مراعاة لأي ضوابط قانونية أو معايير موضوعية أو لمقتضيات حسن سير القضاء ومرفق العدالة ومصالح المتقاضين، وفقها.

جمعية القضاة التونسيين: الوضع القضائي العام منذ بداية السنة القضائية 2023 - 2024 اتسم بمزيد توسع نفوذ وزارة العدل داخل القضاء وبسط سيطرتها الكاملة عليه باستغلال وضعية الفراغ المؤسسي في القضاء العدلي

وسجلت جمعية القضاة التونسيين أنّ "مذكرات العمل الصادرة عن وزارة العدل شملت بالتعيين في المسؤوليات القضائية الكبرى أو التجريد منها كلًّا من الرؤساء الأول بمحاكم الاستئناف بجندوبة وقفصة وصفاقس وقابس، والوكلاء العامين بكل من محاكم الاستئناف بباجة والمنستير وقابس وسيدي بوزيد، ورؤساء المحاكم بكل من القصرين وسيدي بوزيد وأريانة والمهدية ونابل وجندوبة، ووكلاء الجمهورية بكل من سيدي بوزيد وبن عروس وبنزرت والمهدية والمنستير والقصرين وتونس، فضلًا على عديد قضاة النيابة العمومية وقضاة التحقيق وقضاة المجلس وقضاة الأقطاب القضائية المتخصصة في حصيلة أولية بلغت 105 قضاة وفي شبه حركات جزئية أسبوعية تعلقت بعديد القضاة والمسؤولين القضائيين ممن شملتهم الحركة القضائية الأصلية التي أعدتها وزارة العدل نفسها وتم الإعلان عنها يوم 30 أوت/أغسطس 2023 والتي شملت 1088 قاضيًا بالإضافة إلى الإيقافات عن العمل بمرتب أو دونه خارج أي مسار تأديبي أثناء النظر في الملفات أو بعد الحكم فيها فيما يشبه الطرد التعسفي اليومي من العمل، وفق ما جاء في نص البيان.

واعتبرت جمعية القضاة أنّ "قرارات النقل والتجريد من المسؤوليات المكثفة واليومية قد بلغ حدًّا أقصى من أشكال الإهانة والحط من الاعتبار مع غياب الإعلامات السابقة والتبريرات الواجبة لكل قرار فردي"، مستطردة أنّ "بعضًا من مذكرات النقل تم إصدارها إثر استجوابات للقضاة في التفقدية العامة لوزارة العدل حول اجتهاداتهم القضائية في نطاق الأحكام أو القرارات التي صدرت عنهم في ضرب تام لاستقلال وحياد الأعمال القضائية التي لا رقابة عليها من السلطة التنفيذية بل لا تجوز الرقابة إلا في نطاق الطعون القانونية".

جمعية القضاة التونسيين: قرارات النقل والتجريد من المسؤوليات المكثفة واليومية قد بلغ حدًّا أقصى من أشكال الإهانة والحط من الاعتبار مع غياب الإعلامات السابقة والتبريرات الواجبة لكل قرار فردي

وترى الجمعية، في هذا الإطار، أنّ "تلك التغييرات بمذكرات العمل في وسط السنة القضائية، فضلًا عمّا تسببت فيه من اضطراب كبير في سير العمل بالمحاكم، تأسست في غالبيتها على قاعدة الجزاء والعقاب واقترنت بنقلة المسؤولين السابقين إلى دوائر قضائية بعيدة عن مقرات سكناهم وبالحط من رتبة العديد منهم في خرق واضح لمبدأ الأمان القانوني ولمبدأ عدم نقلة القاضي إلا برضاه وغياب كامل لضمانات المساءلة القانونية العادلة ولأبسط قواعد النزاهة والشفافية وانتهاك صارخ للمعايير الدولية لاستقلال القضاء ولمقتضيات المصلحة العامة"، حسب تصورها.

وعلى هذا الأساس، أدانت الجمعية بشدة ما وصفته بـ"النهج التسلطي المتواصل الذي تتبعه وزارة العدل واستئثارها بتسيير القضاء العدلي والتحكم في المسارات المهنية للقضاة العدليين وإدارتها بشكل تعسفي وانتقامي خارج كل ضمانات التقييم الموضوعي والمستقل للأداء القضائي والتنافس النزيه والشفاف على المسؤوليات القضائية بعد تعمد افتعال تغييب المجلس المؤقت للقضاء العدلي وتجميد نشاطه".

جمعية القضاة التونسيين: ندين النهج التسلطي المتواصل الذي تتبعه وزارة العدل واستئثارها بتسيير القضاء العدلي والتحكم في المسارات المهنية للقضاة العدليين وإدارتها بشكل تعسفي وانتقامي

وأكدت أنّ "السياسة المتبعة من وزارة العدل لا علاقة لها بأيّ نهج إصلاحي للنهوض بأوضاع المحاكم وتحسين أداء مرفق العدالة، وإنما غايتها إشاعة أجواء الخوف والرعب والترهيب وانعدام الأمان في الوسط القضائي بغاية مزيد إحكام القبضة على القضاء والتحكم فيه على حساب حقوق المتقاضين والمواطنين والمصلحة العليا للوطن".

وإزاء هذا الوضع، طالبت جمعية القضاة التونسيين بـ"فتح تحقيقات حول الظروف التي حفت بكثير من قرارات التجريد من الخطط القضائية والإيقافات عن العمل والتي أثارت كثيرًا من التساؤلات خاصة ما يتعلق بنقلة وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس الذي عينته وزيرة العدل نفسها منذ بضعة أشهر. كما طالبت وزارة العدل بـ"تقديم الإيضاحات اللازمة حول كل ما يحصل في القضاء في المدة الأخيرة".

كما دعت جمعية القضاة وزارة العدل إلى "الكف عن الاستحواذ على دور المؤسسات في إدارة القضاء والاشراف على المسارات المهنية للقضاة"، وفق ما جاء في البيان ذاته.

 

  • تنبيه إلى خطورة ما آل إليه الوضع القضائي في تونس

واعتبرت جمعية القضاة التونسيين، في بيانها ذاته، أنّ من انعكاسات هذه الأزمة في الوسط القضائي هو تصاعد استهداف الحقوق والحريات وفي مقدمتها حرية التعبير والإعلام وتراجع الحماية القضائية لها باستعمال المرسوم عدد54 لسنة 2022 المؤرخ في 13 سبتمبر/أيلول 2022 بصفة تعسفية ودون ضوابط.

جمعية القضاة تدعو المجتمع التونسي بجميع مكوناته إلى "التنبه إلى خطورة ما آل إليه الوضع القضائي في تونس والعمل بكل ما يتوفر له من إمكانيات على حماية القضاة التونسيين مما يطالهم يوميًا من إجراءات تعسفية غير مسبوقة"

ودعت المجتمع التونسي بجميع مكوناته إلى "التنبه إلى خطورة ما آل إليه الوضع القضائي في تونس والعمل بكل ما يتوفر له من إمكانيات على حماية القضاة التونسيين مما يطالهم يوميًا من إجراءات تعسفية غير مسبوقة تهدد دورهم في حماية الحريات وضمان حق الدفاع وإيصال الحقوق إلى أصحابها في كنف الاستقلالية والحياد والنزاهة والموضوعية وإيجاد الآليات اللازمة للحد من تغول السلطة التنفيذية وتمددها داخل القضاء".

وجددت الجمعية دعوة كافة القضاة بمختلف أصنافهم ورتبهم إلى مزيد التمسك في هذه الأوقات العصيبة باستقلالهم وحيادهم في أداء رسالتهم النبيلة وعدم خضوعهم لأي ضغوطات تسلط عليهم مهما كان نوعها ومصدرها ولعب دورهم كاملًا في حماية الحقوق والحريات وتفعيل مبادئ المحاكمة العادلة إعلاء قيمة العدل وصونها من كل تعسف أو جور، وفق البيان ذاته.