يعقد البرلمان التونسي جلسة عامة، صباح الثلاثاء 26 جانفي/ يناير 2021، وهي مخصصة للتصويت على منح الثقة للوزراء المقترحين في التحوير الوزاري الذي أعلن عنه رئيس الحكومة هشام المشيشي، يوم السبت 16 جانفي/ يناير الجاري ، وشمل 11 حقيبة وزارية مع إلغاء وزارة وخطة كاتب دولة.
وقد اعتاد التونسيون أن تكون جلسات البرلمان صاخبة لكنها هذه المرة بطابع خاص جدًا إذ تتدخل عوامل عدة في ربط مصيرها بالمجهول كما أنها تبدو أشبه بالمأزق لرئيس الحكومة هشام المشيشي بالنظر إلى انفتاحها على سيناريوهات متعددة قد لا تنتهي بمجرد التصويت لصالح منح الثقة للوزراء الجدد من عدمه. كما ستقام هذه الجلسة وسط دعوات للاحتجاج في محيط البرلمان وفي عدة جهات أخرى.
اقرأ/ي أيضًا: شمل 11 وزارة: تفاصيل التعديل الوزاري في تونس
- هل من الضروري المرور بنيل الثقة أمام البرلمان؟
لم ينص الدستور إلا على منح الثقة للحكومة برمتها لكنه سكت في حالة التحوير الوزاري لعدد محدد من الوزراء، إلا أنه جرت العادة إبان الثورة أن يتم عرض كل تحوير وزاري مهما كان بسيطًا على البرلمان لنيل الثقة من جديد، وذلك استنادًا إلى ما ورد في النظام الداخلي للبرلمان.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيّد وهو طبعًا أستاذ في القانون الدستوري أيضًا كان قد صرح في سنة 2018 أن عملية منح الثقة في التحوير الوزاري التي دأب عليها البرلمان منذ 2011 هي عملية "غير دستورية"، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء ورد فقط في النظام الداخلي للبرلمان "الذي لا يمكن أن يكون إطارًا لإضافة صلاحيات جديدة لمجلس النواب"، وفق تعبيره. لكن ما الذي ورد في النظام الداخلي للبرلمان تحديدًا؟
لم ينص الدستور إلا على منح الثقة للحكومة برمتها لكنه سكت في حالة التحوير الوزاري، إلا أنه جرت العادة أن يتم عرض كل تحوير وزاري على البرلمان لنيل الثقة من جديد، استنادًا لما ورد في النظام الداخلي للبرلمان
ورد في الفصل 144 من النظام الداخلي للبرلمان أنه يوزع على أعضاء مجلس نواب الشعب قبل افتتاح الجلسة العامة المخصصة للتصويت على عضو في الحكومة ملف يتضمّن بيانًا مختصرًا حول سبب التحوير وتعريفًا موجزًا لعضو الحكومة المقترح. ثم إذا تقرّر إدخال تحوير على الحكومة التي نالت ثقة المجلس إما بضم عضو جديد أو أكثر أو بتكليف عضو بغير المهمة التي نال الثقة بخصوصها، فإن ذلك يتطلب عرض الموضوع على المجلس لطلب نيل الثقة.
وبعدها يتولى رئيس الجلسة التقديم الموجز لموضوع الجلسة. ثم تحال الكلمة إلى رئيس الحكومة ليتولى التقديم الموجز لسبب التحوير والتعريف المختصر بالعضو أو الأعضاء المقترح ضمهم للحكومة. وإثر ذلك، تُحال الكلمة لأعضاء البرلمان في حدود الوقت المخصص للنقاش العام في تلك الجلسة، لتُحال الكلمة لرئيس الحكومة مجددًا للتفاعل مع مداخلات النواب. وبعدها، تُرفع الجلسة ثم تُستأنف في نفس اليوم للتصويت.
تؤكد الفقرة الأخيرة من الفصل 144 من النظام الداخلي للبرلمان أنه يتم التصويت على الثقة بتصويت منفرد لكل عضو وفي المهمة المسندة إليه، وإجمالًا يُشترط لمنح الثقة لعضو الحكومة تحصيله على الأغلبية المطلقة أي 109 نائبًا.
تبدو الأغلبية المطلقة متوفرة مبدئيًا بالنظر للكتل البرلمانية الداعمة للمشيشي لكن الأمور ليست بهذه البساطة إذ تتداخل تطورات الساعات الأخيرة لتحوّل التعديل الوزاري إلى ما يشبه المأزق للمشيشي
وهي أغلبية متوفرة مبدئيًا بالنظر للكتل البرلمانية الداعمة لرئيس الحكومة هشام المشيشي والتي سبق أن صوتت لحكومته عند بدء عملها (حركة النهضة 53 نائبًا، قلب تونس 29 نائبًا، تحيا تونس 10 نواب، كتلة الإصلاح 18 نائبًا وإمكانية تصويت نواب آخرين من المستقلين أو من كتل أخرى) لكن الأمور ليست بهذه البساطة إذ تتداخل تطورات الساعات والأيام الأخيرة لتحوّل التعديل الوزاري إلى ما يشبه المأزق للمشيشي.
اقرأ/ي أيضًا: تعرّف على السير الذاتية للأعضاء المقترحين الجدد في حكومة المشيشي
- ماذا لو لم يتم منح الثقة للوزراء الجدد؟
لم يحصل سابقًا أن رفض البرلمان التونسي منح الثقة لأي عضو حكومة مقترح، وبالتالي فإن حالة عدم منح الثقة ستكون سابقة تونسيًا، كما أن النظام الداخلي للبرلمان لم يحدد الإجراء الموالي لمن لم يمنح الثقة، ولا توجد سوابق لمثل هذه الحالة في تونس كما سبق الذكر. لكن لما صارت هذه الفرضية مطروحة أصلًا والعادة أن كل رئيس حكومة يحرص على تحصين خياراته في أي تحوير بدعم موسع مسبقًا من الأحزاب الداعمة له؟
لم يحصل سابقًا أن رفض البرلمان منح الثقة لأي عضو حكومة، وبالتالي فإن حالة عدم منح الثقة ستكون سابقة تونسيًا، كما أن النظام الداخلي للبرلمان لم يحدد الإجراء الموالي لمن لم يمنح الثقة
جلبت الأيام الأخيرة تطورات غير منتظرة للمشيشي، أولها خلافات بين الأحزاب الداعمة له، حتى ضمن الحزب الواحد، حول الأسماء المرشحة ضمن التحوير الوزاري.
أبدى نواب كتل الإصلاح وتحيا تونس تخوفهم من أن تكون الأسماء المقترحة غير مستقلة وهي الكتل التي تؤكد ضرورة المواصلة وفق حكومة من المستقلين وتدعمت هواجسهم بعد تبيّن انتماء بعض الوزراء المقترحين لحزب قلب تونس وتأكيد قرب البعض الآخر من الحزب الأخير ومن حركة النهضة أيضًا.
أما داخل حزب حركة النهضة، فظهرت الخلافات مبكرًا من خلال تدوينات وتصريحات لبعض قيادات الحزب ومنهم القيادي البارز سمير ديلو تؤكد رفض منح الثقة لأي وزير تحوم حوله أي شبهات فساد أو تضارب مصالح، ثم كان تصعيد كتلة ائتلاف الكرامة وتلويحها بعدم التصويت لصالح التحوير الوزاري إبان "بيان شهير" لرئاسة البرلمان أدانها بارتكاب العنف داخل المجلس، وهو ما رفضته الكتلة الأخيرة كليًا.
كل هذه المعطيات حفزت المشيشي لحشد الدعم البرلماني قبل الساعة الصفر فتجددت لقاءاته بمكونات ما صار يعرف بـ"الحزام البرلماني للحكومة" وجمعته لقاءات مع ممثلين عن مختلف الكتل المذكورة سابقًا. وحرص المشيشي، خلال الندوة الصحفية التي قدم فيها الأسماء المطروحة للتحوير الوزاري، أن يؤكد أنه "سيحافظ على نفس فلسفة الحكومة المستقلة المدعومة من حزام سياسي وبرلماني أغلبي"، في إشارة لاستقلالية الوزراء الجدد المقترحين.
لكن لا يمكن إلى صباح يوم الجلسة العامة المخصصة للتصويت على منح الثقة استنتاج مسار التصويت وأي متغيرات قد تطرأ عليه خاصة على ضوء مستجدات لافتة سبقت الجلسة العامة بسويعات قليلة وتمثلت في بيان وكلمة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد إبان اجتماع مجلس الأمن القومي وبيان لإحدى أبرز منظمات المجتمع المدني التونسي التي تختص في مكافحة الفساد "أنا يقظ".
مستجدات لافتة سبقت الجلسة العامة بسويعات قليلة ومنها خاصة بيان وكلمة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد إبان اجتماع مجلس الأمن القومي
أما رئيس الجمهورية فأصر أن "التحوير الحكومي لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور، وتحديدًا ما نص عليه الفصل 92 أي ضرورة التداول في مجلس الوزراء إذا تعلق الأمر بإدخال تعديل على هيكلة الحكومة، هذا إلى جانب إخلالات إجرائية أخرى"، وفق تقديره. وأضاف الرئيس في بيانه أن "بعض المقترحين في التحوير الوزاري تتعلق بهم قضايا أو لهم ملفات تضارب مصالح. ومن تعلقت به قضية لا يمكن أن يؤدي اليمين الدستورية"، مشيرًا إلى أن "أداء اليمين ليس إجراء شكليًا بل هو إجراء جوهري"، ومعبرًا عن "استيائه من غياب المرأة عن قائمة الوزراء المقترحين".
وأما منظمة أنا يقظ فنشرت بيانًا ليلة الجلسة العامة وجهته إلى نواب البرلمان، وطالبتهم بعدم منح الثقة لعدد من الوزراء المقترحين، وهم كل من الهادي خيري (وزير الصحة المقترح)، سفيان بن تونس (وزير الطاقة والمناجم المقترح) ويوسف فنيرة (وزير التكوين المهني والتشغيل المقترح)، ويوسف الزواغي (وزير العدل المقترح)، كاشفة في تحقيقات قامت بها عن شبهات فساد وتضارب مصالح تخص الأسماء المذكورة، وفقها.
يهدد سعيّد بأن "من تعلقت به قضية لا يمكن أن يؤدي اليمين الدستورية" ولم يسبق في تاريخ تونس أن رفض رئيس آداء وزراء لليمين الدستورية وهو ما كان ينظر له كإجراء شكلي
هكذا إذًا يهدد سعيّد بأن "من تعلقت به قضية لا يمكن أن يؤدي اليمين الدستورية" ومن المعلوم أن الفصل 89 من الدستور التونسي ينص أن يؤدي رئيس الحكومة وأعضاؤها اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية. ولم يسبق في تاريخ تونس أن رفض رئيس آداء وزراء لليمين الدستورية وهو ما كان ينظر له كإجراء شكلي لا أكثر خاصة أنه تم منح الثقة من المؤسسة المخوّل لها ذلك أي البرلمان لكن سعيّد فاجأ المشيشي باعتباره "إجراء جوهريًا".
وبذلك وحتى بمنح الثقة للوزراء المقترحين من قبل البرلمان، سيبقى إجراء اليمين الدستورية إشكاليًا وهو ما يطرح أسئلة عديدة عن استتباعات بيان الرئاسة وكيفية تأويل الدستور في هذه الوضعية بالنظر لتواصل عدم تركيز المؤسسة المخوّل لها ذلك وهي المحكمة الدستورية.
إجمالاً لم يكشف التحوير الوزاري للمشيشي عن أسراره بعد ويبدو أن الجلسة العامة للثلاثاء 26 جانفي/ يناير الجاري قد لا تمثل نهاية لهذا الجدل مع غموض واسع في الأفق يعمّق أزمة حكومة المشيشي. ما يبدو جليًا للعموم داخل البلاد وخارجها هو حجم التفكك والخلاف والصراع بين مختلف السلطات في الدولة مما ينذر بأيام تونسية صعبة.
اقرأ/ي أيضًا: