لا حديث هذه الأيام إلا عن فيروس كورونا، عن الأعراض والإصابات وأوجه الشبه بينه وبين نزلات البرد الموسمية، عن عدد الإصابات والوفيات والحالات المتماثلة للشفاء، وتظلّ الحرب سجالًا بين الأمل واليأس في الأنباء التي تتواتر يوميًا عن الجائحة.
وبين تعدّد مشاهد الموت القادمة من كل بلدان العالم، وسريان العدوى بشكل جنوني في بعضها، تشعّ بوارق الأمل في الحالات المتماثلة للشفاء، خاصة منها تلك التي تبعث السكون في النفوس عبر رسائل خالية من الجزع يبثّها المنتصرون على كورونا في شهاداتهم.
م. ط (تونسية أصيبت بالكورونا) لـ"ألترا تونس": كنت أشعر أن الفيروس قريب جدًّا مني
ومن بين الحالات التي هزمت فيروس كورونا التونسية المقيمة بإيطاليا (م.ط)، المصابة بالفيروس والتي عانقت الشفاء ثلاثة أسابيع بعد التقاطها له، وهي اليوم تروي لـ"ألترا تونس" قصّتها بدءًا من نبأ تلقيّها للفيروس مرورًا بإصابتها وصولًا إلى شفائها وفق تقسيم زمني قوامه الكورونا.
اقرأ/ي أيضًا: التنمر.. جريمة تظل ندوبها مدى الحياة
قبل الإصابة بكورونا
وعن الفترة التي سبقت إصابتها بكورونا، تقول محدّثتنا إنّ أخبار انتشار الفيروس في إيطاليا بلغتها ذات الواحد والعشرين من شهر فيفري/ شباط المنقضي حينما كانت في العمل، الأمر الذي بعث الخوف في قلبها خاصة وأنّها بحثت في وقت سابق عن الكمامات ووسائل التعقيم وعبثًا حاولت في أربع صيدليات.
وبإجرائها بعض الاتصالات للسؤال عن أسباب عدم توفر وسائل الوقاية في الصيدليات، تبيّن لها أن الدولة الإيطالية سحبتهم، الأمر الذي عزّز مخاوفها وجعلها توصي زوجها بجلب الكمامات ووسائل التعقيم من تونس وتسلّحت بها حينما تيقنت من وصول كورونا إلى إيطاليا.
وهي تستحضر تفاصيل الفترة التي سبقت إصابتها بالفيروس، تقول إنها لا تعاني من خوف مرضي من الإصابة بالفيروس ولا تلقي بالًا للأمراض أصلًا، ولكنّها كانت تشعر أن الفيروس قريب جدًّا منها حتّى أنّها أثارت ضحك أصدقائها واستغراب إيطاليين حينما ارتدت قفازات وكمامات في طريقها إلى الجامعة حيث تدرس مساء.
حرارة مرتفعة وارتعاشة وآلام في كامل الجسد وفقدان لحاسة الشم والتذوّق حتّى أنّ "م.ط" باتت لا تفرّق بين طعمي الملح والسكّر
وفي الجامعة، لم يتخذ إجراءات الوقاية سوى أربعة طلبة، لكن في المقابل ارتدى كل أعوان الأمن في "ميلانو" كمامات واقية دون استثناء، بالتوازي مع حركية غير معهودة لسيارات الإسعاف ولكن المواطنين لم يأخذوا الأمر على محمل الجد، وفق حديثها.
وعند العودة إلى منزلها، مرّت بالمستشفى الواقع بقربه فهالها منظر الإطارات الطبية بألبستهم الواقية والعدد الكبير لسيارات الإسعاف وفي نفس اليوم (الجمعة)، تقرر إغلاق عشر دوائر بلدية، علمًا وأن أولى الحالات المصابة بفيروس كورونا تبعد عن منزلها حوالي عشرين دقيقة، وهو ما يعزز احتمال التقاطع مع أحد المصابين في وسائل النقل العمومي في اتجاه ميلانو الشمالية حيث مقر العمل.
وفيما مر اليوم الموالي (السبت) بسلام، وهي تلازم منزلها رفقة زوجها، عانى زوجها من سعال يوم الأحد، علمًا وأنه لم يصب بنزلة برد طيلة زواجهما، فيما كانت هي تعاني منها، ومع تكرر سعاله حينما التحق بعمله يوم الاثنين، طلب منه مديره أن يعود إلى المنزل حيث تواصل مع طبيبته التي وصفت له أدوية وأمدّته بعطلة مرضية، حسب حديثها.
وفي اليوم ذاته، قررت محدّثتنا أن تلازم البيت بعد أن أوشكت على الانهيار نفسيًا من فرط الحديث عن كورونا وأعراضها في العمل. وكان أيضًا أن تحصلت على إجازة مرضية، لترتفع حرارة زوجها في اليوم الموالي (الثلاثاء) وسرعان ما استعاد عافيته.
الإصابة بكورونا
ولكن يوم الأربعاء كان فاصلًا في حياة (م.ط)، إذ أخذت كل الاحتياطات الوقائية وزوجها أثناء خروجهما من المنزل لقضاء بعض الشؤون، لتشعر عند الغداء أن لا حاجة لها بالأكل ومن ثم تنهار حالتها الصحية فجأة ساعة المغرب وأثقلت أعراض "كورونا" جسدها.
حرارة مرتفعة وارتعاشة في الجسد وآلام في كامل الجسم وفقدان لحاسة الشم والتذوّق، حتّى أنّها باتت لا تفرّق بين طعمي الملح والسكّر، ولا تميّز حموضة الليمون، وسعال حاد يتداعى له كل جسد وعطسات قويّة ومتتالية، أعراض احتدّت في اليوم الموالي إلى درجة أنها لم تعد تقو على الحركة مع صعوبة في التنفس وآلام في الرئتين.
وباتصالها بطبيبها، طلب منها تخفيض الحرارة وأوصاها بعدم الذهاب إلى المستشفى مخافة أن تكون مصابة بنزلة برد عادية وتلتقط الفيروس، وفي الأثناء قررت أن تعزل نفسها عن زوجها وانقطعت عن الأكل إلى حدود يوم السبت حيث قررت الاتصال بالرقم المخصص لحالات الكورونا.
ولما وصفت حالتها للأطباء، طلبوا منها مواصلة العزل الذاتي وأمدوها برقم مفتوح للحالات الاستعجالية تتصل به إذا ساءت حالتها أكثر، الأمر الذي حصل يوم الأحد حيث انقطعت انفاسها إلى درجة انّها لم تعد تفرّق إذا كانت تغط في نوم عميق أو في حالة إغماء وكل ما تتذكّره أنها كانت تنازع ولا تقوى على الصراخ لمناداة زوجها.
اقرأ/ي أيضًا: كيف يعيش الموظف يومه في البيت زمن "الكورونا"؟
طلب من "م.ط" أن تعزل نفسها وأن تتخلى عن تناول المضادات الحيوية وألا تعود إلى العمل إلا بعد ملاقاة الطبيب
ومع استمرار انقطاع أنفاسها، قرّرت أن تعود القسم الاستعجالي في المستشفى القريب من منزلها حيث تم قياس حرارتها وأجروا صورًا لجهازها التنفسي وأخذوا عينات من الدم وحوّلوها إلى قسم المشكوك في إصابتهم بكورونا وحقنوها بالمحاليل ووصلوها بجهاز الأوكسجين لمساعدتها على التنفس.
ومن ثم، تم إيواؤها بغرفة لوحدها خوفًا على المرضى من كبار السن في انتظار صدور نتيجة تحليل المخاط من مخبر بميلانو الشمالية، حيث تجمع كل التحاليل الخاصة بمتساكني شمال إيطاليا. وفي الأثناء كان الإطار الطبي وشبه الطبي يتعامل معها على أنّها مصابة بكورونا، يعقمون ما تلمسه من أشياء.
وبعد مرور حوالي سبع ساعات في المستشفى تلقّت فيهم حقنًا كثيرة، عادت إلى منزلها بعد أن وصف لها الأطباء بعض الأدوية تتناول بعضها والبعض الآخر تتنفسه عبر آلة ضخّ الأوكسجين التي اقتناها لها زوجها حيث رفصت أن تتسلم واحدة من المستشفى.
وفي علاقة بالحقن، تقول إنّ إحداها جعلتها تشعر بالغثيان ولكنّها في نفس الوقت أعادت إليها نشاطها فجأة وأصبحت قادرة على التحرّك وغسل يديها ووجهها في الوقت الذي لم تكن تقوى فيه على الوقوف بشكل مستقيم، ولكنّها انتكست مرّة أخرى قبل إعلامها بعد يومين من إجراء تحاليل المخاط أنّها حاملة للفيروس.
وحينما تواصل معها الفريق الطبي، طلب منها أن تقيس الحرارة وكانت حينها منخفضة ولكنها مازالت تعاني من آلام في الصدر مع صوت غريب في الشهيق والزفير، وفي نفس المكالمة طلب منها أن تعزل نفسها وأن تتخلى عن تناول المضادات الحيوية وألا تعود إلى العمل إلا بعد ملاقاة الطبيب.
وفي نفس الفترة، انتهجت إيطاليا سياسة الحجر الصحي العام وانعزل الجميع، وفي المقابل حينما سألت عن إمكانية إصابة زوجها بالفيروس كانت الإجابة أنه يمكن أن يكون من الحاملين السليمين له ويمكن ان يكون السعال من بين أعراضه، على اعتبار أن المناعة هي التي تحددها.
الشفاء من كورونا
وبعد أيام من تعاطي الأدوية في المنزل، تحسّنت حالتها الصحية وكأن الأمر كان حلمًا وغادرها السعال وعادت إليها حاستا الشم والتذوّق، ولم تتطوّر أعراض المرض ولكنّ الفيروس لم ينسحب دفعة واحدة أيضًا إذ بقيت تشكو من الإغماء والتعب عند الحديث.
ولكن بعد مرور ثلاثة أسابيع منذ الأعراض الأولى، تعافت كليًا وهو ما تثبته تحاليلها الخالية من الفيروس، الأمر الذي أسعدها لأنها كانت تعتقد أنها اكتسبت مناعة ضدّة لكن طبيبة أخبرتها أنه من الممكن أن يعود إلى جسدها لتنتابها مخاوف من معايشة نفس الحالة مجدّدًا.
وفي حديثها عن كورونا، تؤكّد محدّثتنا أنه يتوجب على الأفراد أن يفهموا طبيعة المرض الذي يسبّبه حتى يقدروا على التعامل معه، إذ تشير إلى أن أعراضه لا تختلف عن نزلة البرد العادية كثيرًا لذلك ارتفاع الحرارة فقط ليس مؤشرًا كافيًا على حملك للفيروس، ذلك أن مصابين كثر لم ترتفع حرارتهم.
وعن رسالتها لمن يعانون خوفًا مرضيًا من هذا الفيروس، تقول "لا تخافوا من الموت لأن نصف الموت هو الخوف.. وإذا أحسستم بالأعراض لكن كان بإمكانكم مقاومتها لا تتصلوا بالأرقام المفتوحة للحالات الحرجة واتركوا مجالًا للمصابين الذين تتطلب حالاتهم تدخّلًا فوريًا.. والحل في العزل والصبر".
"م. ط" لـ"ألترا تونس": يجب أن يخاف المرء من العدوى لكن في حال ظهرت عليه الأعراض يجب أن يخاف من أن ينقلها إلى شخص آخر لا من الموت
وفي السياق، ذاته تضيف "يجب أن يخاف المرء من العدوى لكن في حال ظهرت عليه الأعراض يجب أن يخاف من أن ينقلها إلى شخص آخر لا من الموت.. للموت أسباب أخرى ولا ملاذ منها.. ويجب أن يعي الجميع أن لا دولة باستطاعتها أن توفر لكل مواطن خطًا مفتوحًا ومعه سيارة إسعاف وفريق طبي.. ويجب أن يعوا أن ليس كل حامل للفيروس يستوجب إيواؤه في المستشفى بل الأمر يتعلّق بالحالات الحرجة التي تستلزم تدخّلًا طبيًّا".
وفي معرض نصائحها النابعة من تجربة شخصية، تقول أيضًا " ليس من الضروري أن نلقي بالًا إلى الأرقام الواردة من إيطاليا فأكثر حالات الوفيات فيها أصحابها مصابون بأمراض أخرى لكن "كورونا" القطرة التي أفاضت الكأس، فمن كان سليمًا لا يعاني من أمراض مزمنة لا داعي إلى أن يصاب بالذعر والوساوس وليتركوا التدخل لذوي الأمراض المزمنة وكبار السن ويعزلوا أنفسهم على أن يكونوا على بينة من معنى العزل.. فالعزل لا يشمل فقط غسل اليدين والابتعاد مسافة متر على الأقل عن الآخر، بل هو أيضًا عدم لمس أي شيء يمكن أن يلمسه الآخر.. والخطر كل الخطر في الحاملين السليمين للفيروس الذين ينقلون العدوى دون أن تظهر عليهم الأعراض والحل كل الحل في العزل لقمع الفيروس".
اقرأ/ي أيضًا:
"وينو الدواء".. صرخة مرضى الذئبة الحمراء من أجل الحق في الحياة