31-مايو-2022
قيس سعيّد بلعيد

كان سعيّد قد هاجم لجنة البندقية على خلفية انتقادها توجهه السياسي ولوّح بتعليق عضوية تونس بها (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

 

"لسنا بحاجة لا لمصاحبتهم ولا لمساعدتهم.. وإذا كانوا سيتدخلون في شؤوننا وفي اختيارات شعبنا، فليلزموا بيوتهم وبلدانهم، ومن هو هنا اليوم من هذه اللجنة فليغادر حالًا".. هكذا تحدث الرئيس التونسي قيس سعيّد مساء الاثنين 30 ماي/أيار 2022 مهاجمًا "لجنة البندقية"، وذلك على خلفية البيان الأخير الصادر عنها في 27 ماي/أيار 2022 حول المسار السياسي في تونس، معتبرًا ذلك "تدخلًا سافرًا وغير مقبول في الشؤون الداخلية التونسية"، وفق تعبيره.

  • ما هي لجنة البندقية؟

"لجنة البندقية"، هي اللجنة الأوربية للديمقراطية عن طريق القانون، وأُطلق عليها اسم "لجنة البندقية" نسبة إلى المدينة التي تعقد اجتماعاتها بها، وهي جهاز استشاري لمجلس أوروبا حول القضايا الدستورية.

وقد لعبت منذ إنشائها سنة 1990 دورًا فعالًا في تبني الدساتير المطابقة لمعايير التراث الدستوري الأوروبي. في البداية وضعت كأداة للهندسة الدستورية المستعجلة في سياق الانتقال الديمقراطي، كما عرفت تطورًا تدريجيًا ارتقى بها إلى هيئة للتفكير المستقل وهي معترف بها دوليًا.

لجنة البندقية هي جهاز استشاري لمجلس أوروبا حول القضايا الدستورية وتلعب دورًا في تدبير والوقاية من النزاعات عن طريق وضع معايير وتقديم المشورة في المجال الدستوري

وتساهم اللجنة في ضمان الإصلاحات الدستورية للدول، وتلعب دورًا في تدبير والوقاية من النزاعات عن طريق وضع معايير وتقديم المشورة في المجال الدستوري.

وتتألف من خبراء في مجال القانون الدستوري والقانون الدولي العام وأعضاء برلمانات محلية، ويعيّن أعضاؤها لـ 4 سنوات من قبل الدول المشاركة، ومن بين أنشطتها: المساعدة الدستورية والانتخابات والاستفتاءات وإعداد دراسات وتقارير حول العمليات الانتخابية وسياسات بعض الدول.

  • استياء واسع من خطاب سعيّد

خطاب سعيّد الذي اعتبره متابعون للشأن السياسي "غير مسؤول" أثار جدلًا واسعًا على الساحة السياسية في تونس، وعبر عديد السياسيين عن استيائهم من صدور مثل هذا الخطاب من أعلى هرم في السلطة في تونس.

عبد الوهاب الهاني: "اعتبار لجنة البندقيّة كيانًا غير مرغوب فيه، ومطالبة أعضائها بمغاردة تونس، وردَّة الفعل المتوترة واللغة السوقية تصرُّف غير مسؤول من رئيس الجمهورية"

وفي تعليقه على ذلك، قال رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني، في تدوينة على صفحته بموقع التواصل فيسبوك: "اعتبار لجنة البندقيّة كيانًا غير مرغوب فيه، ومطالبة أعضائها (عضوان تونسيَّان) بالمغاردة، وردَّة الفعل المتوتِّرة لرئيس الجمهورية واللغة السوقية تصرُّف غير مسؤول من رئيس الجمهورية"، حسب رأيه.

واعتبر أن ذلك "سيزيد تأكيد المخاوف الوطنية والإقليمية والدولية من التعسف في استعمال السُّلطة والانحراف بمقدرات الدولة لفرض سياسة الأمر الواقع والتلاعب بالإرداة الشعبية، عبر استفتاء شكلاني مغشوش ولا دستوري، لا يحترم المعايير الدستورية والدولية الدنيا في تنظيم الانتخابات والاستفتاءات"، على حد تقديره.

وتابع قائلًا: "الرئيس نسي رئيس أنَّه استقبل رئيسة اللجنة هو و"مرتزقة القانون" الَّذين كلَّفهم بخياطة الدُّستور الَّذي سيُمليه عليهم "حسب الحذاء وحسب المقاس" الرِّئاسي، حتَّى يكيل الشَّتائم لمن التقى اللَّجنة من التُّونسيِّين واعتبرهم خونة وعملاء، في حين أنّه كان أوَّل من التقاها وعرض أفكاره الَّتي وصفها بالمُلهمة عليها، ونسي أن تونس عضوة في لجنة البندقية، في شخص الخبير المستقل الفقيه القانوني القاضي الإداري وزير العدل الأسبق غازي الجريبي، والعضوة المُناوبة الخبيرة المستقلَّة الفقيهة القانونيَّة والدُّستوريَّة وعميدة كلِّيَّة العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية نائلة شعبان زميلته وعميدته، والتي عيَّنها غصبًا عنها في مرسوم لجنته لخياطة الدُّستور على المقاس المُثير والمثيرة للجدل الدُّستوري والقانوني والأخلاقي"، وفق تدوينته.

الهاني: ما بدر عن سعيّد سيزيد تأكيد المخاوف الوطنية والإقليمية والدولية من التعسف في استعمال السلطة لفرض سياسة الأمر الواقع، عبر استفتاء شكلاني لا دستوري لا يحترم المعايير الدستورية والدولية الدنيا في تنظيم الانتخابات والاستفتاءات

وأضاف: "كما نسي الرئيس أنَّ الرَّأي الاستشاري للجنة البندقيَّة كان بطلب من مفوضية الاتحاد الأوروبي لبلورة الموقف القانوني والسياسي الناظم للعلاقات الثنائية بين تونس ودول الاتحاد في ضوء التدابير الاستثنائية وما تولد عنها، وأنَّ موقفه كان منتظرًا في ثنايا الرَّأي الاستشاري الَّذي حدَّد السُّقوف الدُّنيا للاعتراف بشرعيَّة ومشروعيَّة "الاستفاء الرِّئاسي" حول "دستور الرَّئيس" الَّذي لا يعلمه إلَّا الرَّئيس والرَّاسخون في مشروعه من "مرتزقة القانون" و"الهياكل الفوضويَّة التَّفسيريَّة المؤقَّتة" لمشروعه الهلامي"، حسب توصيفه

واعتبر الهاني أن سعيّد "بيّن للعالم أجمع اللَّيلة أنَّه لا يقيم وزنًا للرَّأي المخالف حتى وإن كان استشاريًّا ولا للحوار ولا للمعايير الوطنيَّة والدُّوليَّة وبأنَّه لا يعتدُّ إلَّا برأيه وبأفكاره "المُلهمة" وأنه "يسارع بالسَّير بنفسه وبتونس إلى المجهول"، وفق ما جاء في نص تدوينته.

 

اعتبار "لجنة البندقيَّة" كيانا غير مرغوب فيه، ومطالبة أعضاءها (عضوان تونسيَّان) بالمغاردة، وردَّة الفعل المتوتِّرة لرئيس...

Posted by Abdel Wahab Hani on Monday, May 30, 2022

 

ومن جهته، اعتبر الوزير السابق والناشط السياسي عبد اللطيف المكي، في تدوينة على صفحته الرسمية بفيسبوك، أن "سعيّد، من خلال موقفه من تقرير لجنة البندقية، يستمر في عزل تونس دوليًا"، حسب تصوره.

عبد اللطيف المكي: إذا كان سعيّد يعتبر تقرير لجنة البندقية تدخلًا خارجيًا لماذا سمح للجهات الرسمية بالحديث مع هذه اللجنة في إطار إعداد تقريرها؟ أم أنه عندما جاء التقرير ضد إجراءاته أصبح يعتبره تدخلًا خارجيًا؟

وتساءل: "ما قالته لجنة البندقية قاله أغلب فقهاء القانون الدستوري في تونس فهل أصغى إليهم سعيد؟"، معقّبًا: "هو يتخفى وراء مسألة التدخل الخارجي ليهرب من مواجهة المأزق الذي وضع فيه البلاد"، وفق تقديره.

وتابع المكي قائلًا: لجنة البندقية تمت استشارتها عديد المرات بعد الثورة دون مشكل. وإذا كان يعتبر تقرير لجنة البندقية تدخلًا خارجيًا لماذا سمح للجهات الرسمية بالحديث مع هذه اللجنة في إطار إعداد تقريرها بما في ذلك وزارة الخارجية؟ أم أنه عندما جاء التقرير ضد إجراءاته أصبح يعتبره تدخلًا خارجيًا؟".

وختم تدوينته بالقول: "هو يتصرف وفق مقولة مشروعه الشخصي في كفة ومصلحة تونس في كفة"، حسب ما ورد في نص التدوينة.

صورة

 

فيما اعتبرت الناشطة الحقوقية نزيهة رجيبة، في تدوينة على صفحتها بفيسبوك، أنه "لا خوف على تونس من لجنة البندقية"، مذكرة أنها "مجرد هيئة استشارية تبدي الرأي والنصح في المسائل السياسية والقانونية الدستورية لكل بلد يحتاجها ومنخرط فيها".

واستدركت قائلة: "وتونس منخرطة فيها ومستعدة ضمنيًا لقبول ملاحظاتها، كما لديها أستاذة في القانون ضمن هذه اللجنة، ومن محاسن الصدف من عيّنهم هو قيس سعيّد"، وفق تعبيرها.

وتابعت رجيبة: "اللجنة أعطت رأيها في مراسيم قيس سعيّد وهو نفس الرأي الذي سبق أن عبرت عنه نخب البلاد خبراء القانون فيها. قيس سعيد رفض واعتبر أنه هو الوطن وأن كلامه مقدس ولا يُرَاجع"، مستطردة: "النتيجة الوحيدة الممكن أن تحصل هي تسجيل هذا التناقض بين الانخراط في هيئة دولية وفي نفس الوقت اعتبار نصحها مشروع احتلال"، حسب ما ورد في تدوينتها.

صورة

 

وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد هاجم، مساء الاثنين 30 ماي/أيار 2022، لجنة البندقية "لجنة البندقية"، وذلك على خلفية التقرير الأخير الصادر عنها في 27 ماي/أيار 2022 حول المسار السياسي في تونس، معتبرًا ذلك "تدخلًا سافرًا وغير مقبول في الشؤون الداخلية التونسية"، وفق تعبيره.

كان سعيّد قد هاجم لجنة البندقية وأعضاءها قائلًا: "لسنا بحاجة لا لمصاحبتهم ولا لمساعدتهم وإن كان منهم من هو في تونس فليغادر حالًا.. وإن لزم الأمر  سننهي عضويتنا في هذه اللجنة"

وأضاف سعيّد، في كلمة له خلال لقاء جمعه بوزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي بقصر الرئاسة بقرطاج، "لسنا بحاجة لا لمصاحبتهم ولا لمساعدتهم، وهؤلاء الأشخاص إن كانوا في تونس فإنهم غير مرغوب فيهم، ولن يأتوا إلى تونس!"، معقبًا: "الدستور يضعه التونسيون ولا يوضع في البندقية، وإن لزم الأمر  سننهي عضويتنا في لجنة البندقية"، على حد ما جاء على لسانه.

كما أردف: "إذا كانوا سيتدخلون في شؤوننا وفي اختيارات شعبنا، فليلزموا بيوتهم وبلدانهم، ومن هو هنا اليوم من هذه اللجنة فليغادر حالًا"، مستطردًا: "نحن ندير شؤوننا بأنفسنا ولا نقبل بأن يتدخل فينا هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم على أنهم أساتذة ومعلمون"، حسب توصيفه.


الأزمة السياسية

 

وكانت لجنة البندقية قد اعتبرت الجمعة 27 ماي/أيار 2022، أنه ينبغي إلغاء المرسوم الرئاسي عدد 22 لسنة 2022 المتعلق بتنقيح القانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، معتبرة أنه "يتعارض مع الدستور التونسي ومع جاء في المرسوم عدد 117 لسنة 2021 ومع المعايير الدولية"، مؤكدة: أن "إلغاء المرسوم 22 ضروري لشرعية ومصداقية أي عملية انتخابية أو استفتاء"، وفق تقديرها.

وأضافت، في تقريرها حول الإطار الدستوري والتشريعي للاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعية في تونس بقرار من قبل الرئيس التونسي قيس سعيّد وتحديدًا حول المرسوم عدد 22 المتعلّق بتنقيح قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أنه بغضّ النظر عما إذا كان تعديل الدستور مشروعًا خارج الإجراء المنصوص عليه في الدستور الذي لا يزال ساريًا جزئيًا على الأقل، أنه من غير الواقعي التخطيط لتنظيم استفتاء دستوري شرعي وذي مصداقية 25 يوليو 2022 ، في غياب قواعد واضحة ومحددة مسبقًا في علاقة بكيفية وعواقب إجراء هذا الاستفتاء وخاصة في ظل عدم وجود نص الدستور الجديد الذي سيعرض على الاستفتاء، قبل شهرين من الموعد المحدد.

كانت لجنة البندقية قد انتقدت المسار الذي ينتهجه سعيّد لتنظيم الاستفتاء في تونس داعية إلى "تنظيم انتخابات تشريعية قبل إجراء أي استفتاء، تشرف عليها هيئة الانتخابات في تركيبتها السابقة"

وأكدت لجنة البندقية أنه "قبل إجراء أي استفتاء دستوري، يجب تنظيم انتخابات تشريعية في أسرع وقت ممكن، من أجل إعادة وجود السلطة البرلمانية التي اختفت منذ تعليق أعمال البرلمان التونسي ثم حله"، معقبة أنه "إذا كان من المقرر تعديل قانون الانتخابات قبل الانتخابات التشريعية، فيجب إجراء مشاورات واسعة للقوى السياسية والمجتمع المدني من أجل الوصول إلى توافق في الآراء بشأن القواعد الانتخابية الجديدة، كما يجب تنظيم الانتخابات من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تشكيلتها السابقة قبل إقرار المرسوم عدد 22"، حسب رأيها.

وسبق أن أدت رئيسة لجنة البندقية زيارة إلى تونس، في أفريل/نيسان 2022، التقت خلالها الرئيس التونسي قيس سعيّد. وأعلنت اللجنة، في بيان لها، أن مالوري "تحاورت مع الرئيس التونسي قيس سعيّد حول سبل العودة إلى النظام الدستوري في تونس".

وذكرت اللجنة، في بلاغ نشرته على موقعها الرسمي، أنه "بعد الأشهر الأخيرة من ممارسة الرئيس التونسي للسلطة في ظل غياب إطار دستوري واضح أدى في 30 مارس/ آذار 2022 إلى حل مجلس النواب، وفتح تحقيق قضائي ضد نواب شاركوا في جلسة افتراضية للبرلمان في نفس اليوم، أعربت رئيس لجنة البندقية عن رغبتها في أن تناقش مع الرئيس التونسي سبل العودة إلى النظام الدستوري والإعداد لإصلاح الدستور، عبر الاستفتاء الذي أُعلن أنه سيقع تنظيمه في 25 جويلية/يوليو 2022 الذي تليه الانتخابات المقرر إجراؤها في 17 ديسمبر/أيلول 2022".

سبق أن عبرت رئيسة لجنة البندقية في زيارة لها إلى تونس في أفريل 2022 عن استعداد اللجنة لوضع خبراتها في خدمة الشعب التونسي ودعم تنفيذ الإصلاحات الديمقراطية مع احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان

كما جددت رئيسة لجنة البندقية التأكيد أن "اللجنة على استعداد لوضع خبراتها في خدمة الشعب التونسي ودعم تنفيذ الإصلاحات الديمقراطية مع احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان"، وفق ما جاء في نص البلاغ.

في المقابل، اكتفت الرئاسة التونسية بنشر بلاغ مقتضب حول اللقاء ذكرت فيه أن الرئيس قيس سعيّد قد استقبل رئيسة "لجنة البندقية" بقصر الرئاسة بقرطاج، دون ذكر حيثيات أكثر.

وتعيش تونس على وقع أزمة سياسية حادة منذ استحواذ الرئيس التونسي، منذ 25 جويلية/يوليو الماضي، على السلطة التنفيذية بإقالته رئيس الحكومة حينها هشام المشيشي ثم حله البرلمان والانطلاق في الحكم بمراسيم في خطوة وصفها خصومه "بالانقلاب"، ويعتبرها "تصحيحًا للمسار"، وسط انتقادات داخلية وخارجية من التوجه لترسيخ حكم فردي.

ومن المنتظر أن تقوم ما أسماها سعيّد "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، تحت إشرافه بصياغة دستور جديد لتونس، سيتم طرحه فيما بعد للاستفتاء في 25 جويلية/يوليو القادم ثم إجراء انتخابات برلمانية في 17 ديسمبر/ كانون الأول.