20-أبريل-2020

حينما تستفيد الطبيعة والحيوانات من أزمة كورونا (ماهر جعيدان/ألترا تونس)

 

إطلالة من النافذة في زمن الحجر الصحي، قد تسبح بك نحو أماكن طبيعية نتوق إلى زيارتها حال بيننا وبينها إكراهات جائحة الكورونا. ولكن، ما يثير الانتباه في إطلالاتنا هو معاينة اقتراب الطيور من المساكن وتمدّد نطاق سيطرتها جغرافيًا، وإن كنت على مشارف الحقول، فسترى توسّع مجال حركة الحيوانات مع تقلص حركة البشر.

 حلّت اليوم في سبخة الساحلين أنواع من الطيور لم تتوفر سابقًا أهمها أعداد هائلة من النحام الوردي والقطارس والبط أسود الرأس

ففي سبخة الساحلين في ولاية المنستير مثلًا، حلّت اليوم أنواع من الطيور لم تتوفر سابقًا أهمّها أعداد هائلة من النحام الوردي والقطارس والبط أسود الرأس. ومع هدوء حركة الطيران في مدرج الطائرات بمطار المنستير الدولي، اكتسحت الطيور مدرج الهبوط وانتشرت الآلاف منها في المياه الدافئة التي شكلت الحضن الطبيعي لهذه الطيور المهاجرة.

وانقطعت، أيضًا، مداخن المصانع عن بث سمومها واختفت في الأفق السحابة السوداء التي كانت تتشكل كل مساء لتحجب الخيوط الذهبية لشمس الغروب. نكتشف اليوم مشاهد طبيعية في الفيافي والغابات، وقد صمدت الأزهار أمام قاطفيها، وكأنه لما اختفى البشر في بيوتهم، استعادت الطبيعة بعضًا من نظارتها الضائعة.

استعادت الطبيعة بعضًا من نظارتها الضائعة (ماهر جعيدان/ألترا تونس)

 

ففي إيطاليا، حيث انتشر الوباء بكثافة، باتت الخنازير تجوب المدن بحريّة دون خوف، وأصبحت القنوات في البندقية أكثر صفاء دون تلوث القوارب والنفايات، وكذلك عادت الدلافين ترقص في ميناء كالباري ويسبح البط في نوافير روما. وفي كولورادو، يسير الغزال بين البيوت في جحافل عائلية ويغزو الساحات العامة، فيما أصبح عشب المنتزهات في فرنسا غذاء للخرفان والتيوس.

دائمًا ما كانت المعادلة صعبة بين التوازن الطبيعي والنشاط الإنساني، ولعلّ اليوم أحباء الطبيعة والمدافعين عن البيئة هم الأسعد بتعافي الطبيعة وإن كان الموت المحيط بالبشرية يفسد متعة هذا التعافي.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا وانحباس الأمطار... 2020 سنة بلا ربيع

وفي هذا السياق، خلص تقرير خبير الموارد البيئية بجامعة ستانفورد مارشال بورك، بتاريخ 8 مارس/آذار الماضي، المنشور على المدونة العالمية للأغذية والبيئة وديناميكيات الاقتصاد (G-FEED)، أن الانخفاض في معدل تلوث الهواء سينقذ حياة أشخاص بمقدار يعادل 20 ضعفا من عدد الوفيات نتيجة كورونا في أجزاء من الصين.

وأوضحت صور وكالة "ناسا" أن القيود المفروضة على السفر وإغلاق الشركات الصينية ساهم في انخفاض ثاني أكسيد النيتروجين بشكل كبير خاصة بالقرب من مدينة ووهان حيث بدأ تفشي الفيروس القاتل. كما أظهرت خرائط نشرتها وكالة البيئة الأوروبية "تراجعًا حادًا" في مستويات ثاني أوكسيد النيتروجين في شمال إيطاليا ومدريد وباريس والمناطق شديدة الاكتظاظ في غرب ألمانيا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ مقارنة بنفس شهر فيفري/شباط من العام الماضي.

في تونس ورغم أننا لا نزال تحت وطأة الحجر الصحي الشامل وتعطل الأنشطة الميدانية الجمعياتية في المجال البيئي واقتصارها على بناء ملحوظات وتدوينات حول الوضع الراهن، تواصل "ألترا تونس" مع ناشطين في مجال البيئة لمعرفة آثار أزمة كورونا على الطبيعة في تونس.

رئيس جمعية "أزرقنا الكبير": مستوطنات جديدة للنحام الوردي

أحمد غديرة رئيس جمعية "أزرقنا الكبير" ومستشار بلدي مكلف بلجنة البيئة ببلدية المنستير، أكّد لنا، وجود تقطّع في متابعة المسألة البيئية في جزر قورية الكبرى والصغرى قبالة سواحل المنستير مبينًا أن هاتين الجزيرتين تعتبران حاضنة لطيور مهاجرة، وموطنًا للسلاحف البحرية "كاريتا العملاقة".

مستوطنات جديدة للنحام الوردي (ماهر جعيدان/ألترا تونس)

 

وأوضح أنه في ظل الحجر الصحي وانحسار نشاط الصيد البحري، يمكن أن تبحث السلاحف البحرية عن أماكن تعشيش إضافية في شواطئ تتميز بنفس مواصفات الجزر المذكورة، معربًا عن أمله أن يكون التعشيش هذه السنة في سواحل الشابة مثلًا، وهي مناطق تعشيش عابرة في السنوات الفارطة. وأضاف أنه نظرا لخلو السواحل من الاستغلال البشري، قد تجد هذه السلاحف متنفسًا لوضع بيضها.

أما عن الطيور المهاجرة، أفاد محدثنا أن جمعية "أزرقنا الكبير" رصدت مؤخرًا انتشارًا كبيرًا للنحام الوردي في محيط سبخة المنستير بحيث توسع تواجدها في أماكن لم نعهدها سابقًا، وفق تعبيره. وأكد أن النحام الوردي وجد مستوطنات جديدة في زمن الكورونا خاصة مع الحظر الجوي الذي عطّل حركة الملاحة الجوية لتجد هذه الطيور بذلك المناخ الملائم الهادئ للبقاء.

رئيس الجمعية التونسية لأحباء الطيور: يوجد ما يسرّ ويوجد ما لا يسرّ

من جانبه، أبدى رئيس الجمعية التونسية لأحباء الطيور الهادي عيسى، في تصريح لـ"ألترا تونس" بخصوص رصد الطيور في الجهات طيلة الماضية، قلقًا من عدة ظواهر في مقدمتها نفوق عدد كبير من طائر القطرس على شواطئ شط مريم من ولاية سوسة وفي مناطق أخرى. وأوضح أنه رغم تأكيد المصالح البيطرية بالمندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية خلوها من مرض أنفلونزا الطيور، يظلّ الأمر مقلقا نظرًا لتواتره.

اقرأ/ي أيضًا: حماية للطيور في سبخة السيجومي... هل تستجيب الحكومة لنداءات الجمعيات البيئية؟

من جهة أخرى، اعتبر أن الدراسات المنشورة حول الالتئام الجزئي لطبقة الأوزون والتراجع النسبي في التلوث الهوائي واسترجاع الحيوانات والطيور لمجالها الطبيعي هو "أمر يسرّ". ولكن، أشار محدثنا، في المقابل، إلى انتهاك مجهولين للغابات بقطع 400 شجرة زان (السنديان) بطبرقة في ولاية جندوبة مستغلين فترة الحجر الصحي الشامل وهو ما اعتبره جريمة في حق البيئة والوطن.

 أفاد رئيس الجمعية التونسية لأحباء الطيور أن وزارة الفلاحة أصدرت هذه السنة منشورًا يحجّر صيد الساف في الوطن القبلي 

وأضاف عيسى قائلًا: " نعتبر أن كل شجرة هي مأوى للطيور، وهذا الاعتداء يمسنا كجمعية بيئية مباشرة ولابد أن نتحمل مسؤوليتنا في مقاضاة كل من تسوّل له نفسه الاعتداء على مخزوننا البيئي". وشدد على حق الجمعية في ممارسة الحق الشخصي والتقاضي، مؤكدًا على استمرار التوعية والتربية على الحياة البرية، ووجّه الدعوة إلى الجمعيات البيئية بممارسة دورهم الرقابي وممارسة صلاحيتهم كقوة تعديل واقتراح، وفق تعبيره.

وبخصوص الصيد البري للطيور، أفاد رئيس الجمعية التونسية لأحباء الطيور أن وزارة الفلاحة أصدرت هذه السنة منشورًا يحجّر صيد الساف في الوطن القبلي التزامًا بالحجر الصحي الشامل، مشيرًا إلى أن شهري مارس/آذار وأفريل/نيسان يمثلان الموسم السنوي لاصطياد الساف ضمن تقليد يتوارثه الأجيال خاصة في الهوارية وقليبية.

واعتبر محدثنا أن هذه السنة تعدّ "عام السعد" لطائر الساف، مشيرًا، في المقابل، إلى تعمد صيادين مخالفة المنشور وحجز حراس الغابات لبعض الشباك.

خلاصة، إن ما اكتشفه العالم اليوم من آثار إيجابية لأزمة كورونا على البيئة والطبيعة، لا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار مستقبلًا في "الزمن الطبيعي" وليس تحت وقع الأزمات الخانقة التي أخضعت أحكامها على البشر. وربما ليست إكراهات هذه الأزمة إلا، بداية، خضوعًا لقوانين الطبيعة في نهاية المطاف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التباعد الاجتماعي يعزّز الهجرة إلى الريف زمن الكورونا

سكان الأرياف.. "كورونا" ضاعفت معاناتهم وعمّقت عزلتهم