08-ديسمبر-2018

الفلاحون يهددون بالانقطاع عن إنتاج الحليب في صورة عدم الترفيع في أسعار الشراء (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

تتجدد أزمة الحليب في تونس بين فترة وأخرى في ظلّ فشل الأطراف المتدخلة، من أصحاب مصانع الحليب ومراكز تجميع الحليب ومربي الأبقار لإيجاد حلول فعلية للقطاع. أمر خلق اضطرابًا كبيرًا في تزويد الأسواق بمادة الحليب طيلة الأشهر الأخيرة، حتى بات من العسير الحصول على علبة حليب في أحد الفضاءات أو محلات بيع المواد الغذائية، نتيجة الغياب شبه الكلي لهذه المادة الحيوية.

ولأنّه مادة أساسية على مائدة العائلات التونسية، يضطر المواطن إلى البحث عن بديل عبر مشتقات الحليب، فيما يجد آخرون أنفسهم ضحايا للبيع المشروط الذي يفرض شراء بعض المواد الغذائية للحصول على علبة حليب. وقد لا تجد سوى الحليب كامل الدسم مرتفع الثمن في أغلب المحلات، أو علب حليب صغيرة الحجم سعتها نصف لتر والتي يصل سعرها إلى 750 مليم.

أدت أزمة الحليب في الأشهر الأخيرة لاضطراب في تزويد الأسواق وانتشار للبيع المشروط في المحلات التجارية

وقد أقرّت وزارة التجارة منذ شهرين إيقاف تصدير الحليب وتوريد 3 مليون لتر من الحليب، عن طريق ديوان التجارة لتعديل السوق ولتفادي النقص الحاصل في الحليب، لتبلغ كميات الحليب المورد 10 مليون لتر مع نهاية العام الحالي. وهو الأمر الذي رفضه الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري معتبرًا القرار مجرد سياسة ترقيعية لا تعالج الأزمة ولا تمثل الحل الأنجع لدعم الفلاح والحفاظ على هذه المنظومة التي باتت مهددة بشكل كبير، لاسيما وأنّه رغم توريد كميات كبيرة من الحليب لفترة محدودة، لازالت أزمة تراجع الانتاج مستمرة.

اقرأ/ي أيضًا: فيروس يتلف محاصيل الطماطم والفلفل في سيدي بوزيد.. ما القصة؟ ومن المسؤول؟

كما جدد منتجو الحليب تهديدهم بإيقاف الإنتاج مع بداية العام المقبل، إذا لم يتم الاتفاق على تخفيض أسعار العلف، أو الترفيع في سعر الشراء عند الانتاج وإيجاد حلّ نهائي لأزمة المنتجين. وهو ما قد يدفع الحكومة إلى اللجوء مرة أخرى إلى توريد كميات كبيرة من الحليب لسد النقص في الأسواق.

يذكر أنّ الانتاج المحلي هذه السنة وفر مليون و200 ألف لتر من الحليب يوميًا مقابل أكثر من 2 مليون لتر من الحليب يوميًا السنة الماضية، وفق ما أفادنا به مدير دائرة الانتاج الحيواني باتحاد الفلاحين منور الصغير، مضيفًا أنّ انتاج الحليب تضرر بشكل كبير هذه السنة، ليشهد أزمة لم يسبق لها مثيل، وذلك نتيجة تراجع قطيع الأبقار وتهريبها، إلى جانب عدم تعويض القطيع المفقود.

منور الصغير (اتحاد الفلاحين): انخفاض عدد مربي الأبقار سيهدد السوق التونسية أكثر لتشهد اضطرابًا أكبر في التزود بالحليب

كما أشار المسؤول باتحاد الفلاحة لـ"الترا تونس" إلى أنّ كلفة انتاج اللتر الواحد من الحليب تصل إلى 1 دينار فيما يبيع اللتر الواحد ب660 مليم، وهو ما دفع بالعديد من مربي الأبقار إلى التخفيض في عدد أبقارهم من 100 إلى 40 أو حتى أقل، نتيجة عدم القدرة على مجابهة مصاريف الإنتاج ومصاريف شراء العلف باهظ الثمن. وتبلغ كلفة العلف 950 مليم للكلغ الواحد، مقابل بيع الحليب بأقل من 800 مليم للتر الواحد، مؤكدًا أن قرابة 200 ألف مربي أبقار باتوا مهددين اليوم في مصدر رزقهم. وأضاف أنّ انخفاض عدد مربي الأبقار سيهدد السوق التونسية أكثر لتشهد اضطرابًا أكبر في التزود بالحليب.

أحمد غالي أحد مربي الأبقار بالجديدة بولاية منوبة كان يملك أكثر من 150 بقرة منتجة للحليب منذ ثلاث سنوات، لكن اضطر إلى تخفيض العدد إلى 80 ثمّ إلى 40 رأسا فقط، نظرًا لعجزه عن توفير العلف اللازم لها، ونتيجة غياب المراعي خلال السنوات الماضية بسبب قلة الأمطار.

تراجع قطيع الأبقاء في تونس بسبب غلاء أسعار الأعلاف والتهريب (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

وأضاف في حديثه معنا إلى أنّ أغلب مربي الأبقار يلجؤون إلى زراعة بعض أراضيهم علفًا لتفادي شراء العلف المستورد باهظ الثمن، لكنّ قلة الأمطار وشح المياه حال دون ذلك خلال السنوات الماضية، وهو ما دفع أغلبهم إلى التقليص من عدد القطيع، وفق حديثه لـ"الترا تونس". كما أشار إلى أنّ أغلب مربي الأبقار يبيعون منتوجهم بسعر أقل بكثير من كلفة الانتاج الأمر الذي كبدهم خسائر كبيرة.

من جهته، تخلى الفلاح عمر الضيفي بنفس الجهة عن تربية الأبقار وإنتاج الحليب بعد أن كان يملك 80 رأس أبقار منذ سنة، نظرًا لعدم تحقيق أي مرابيح نتيجة بيع لتر الحليب بأقل من كلفة انتاجه بكثير.  وأشار لـ"التر تونس" أنّ أغلب مربي الأبقار في الجهة هم من صغار الفلاحين وقد بات أغلبهم يملك عددًا قليلًا من الأبقار لبيع إنتاجها من الحليب مباشرة إلى المستهلكين من أبناء الجهة، أو أصحاب المحلات الصغيرة لصناعة الجبن وبيع مشتقات الحليب، دون توجيهها إلى مراكز تجميع الحليب.

أحمد غالي (فلاح): أغلب مربي الأبقار يبيعون منتوجهم بسعر أقل بكثير من كلفة الانتاج الأمر الذي كبدهم خسائر كبيرة

من جهته، أكد يحيى مسعود عضو بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنّ مهنيي قطاع الألبان سيوقفون الانتاج بداية من مطلع يناير/كانون الثاني 2019 إذا لم تنطلق فعلًا المفاوضات بين الحكومة ومنتجي الحليب لإيجاد حلول فعلية لأزمة فارق كلفة الانتاج وسعر البيع عند الإنتاج.

يذكر أنّ الغرفة النقابية الوطنية لمراكز تجميع الحليب، أشارت إلى أنّ المهنيين يطالبون بأن لا يقل الترفيع عن 200 مليم في سعر الحليب، ويشمل الأمر كل المهنيين الذين لهم علاقة بالقطاع سواء بـ 110 مليم للفلاح، و بـ20 أو 30 مليم لمجمّع الحليب و40 أو 50 مليم للمصنّع، ليتراوح السعر النهائي لعلبة الحليب للمستهلك بين 1300 و1350 ملّيم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قطاع الدواجن في تونس يواجه التهميش وخطر التوريد "المشبوه"

الخطر الزاحف.. تهريب شتلات زيتون وفسائل نخيل إلى تونس