24-مايو-2023
 قيس سعيّد وأردوغان

صورة أرشيفية من لقاء سابق بين الرئيسين التونسي والتركي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

مقال رأي 

 

وأنت تتجول في شوارع تونس وتجلس في مقاهيها لا بد أن تسمع هذه الأيام  بعض الأحاديث والتحاليل عن الانتخابات التركية. حتى أن البعض منها يجعلك تخال نفسك في قلب العاصمة التركية أنقرة . لقد صار الشأن التركي أحد محاور النقاش حتى بين أطراف الطبقة السياسة في تونس والمهتمين بالشأن السياسي وكذلك بين العامة.

وقد شهدت العلاقة السياسية بين تونس وتركيا ازدهارًا كبيراً بعد الثورة في تونس سنة 2011 خصوصًا مع صعود حركة النهضة المحسوبة على تيار الإسلام السياسي وهو ذات التيار الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

شهدت العلاقة السياسية بين تونس وتركيا ازدهارًا كبيراً بعد الثورة في تونس سنة 2011 خصوصًا مع صعود حركة النهضة المحسوبة على تيار الإسلام السياسي 

ومع تواتر الأحداث إبان ذلك في تونس وتتالي الهجمات الإرهابية في البلاد، تعالت الأصوات خلف الكاميروات ومن وراء المصادح تونسيًا وهي تشير بأصابع الاتهام إلى تركيا "الإخوانية" وأصبحت تركيا/ أردوغان في مرمى القصف الإعلامي اليومي في تونس خاصة بعد وقوفها ضد النظام السوري في تلك الفترة من جهة، وصراعها العدائي مع النظام الفرنسي. 

في حين ذهب الشق الثوري/الداعم للانتقال الديمقراطي إلى ضرورة تعزيز العلاقة والاستثمار في تحوّل تركيا إلى قوة إقليمية/دولية من أجل الخروج من المعسكر الإمبريالي/ الفرنسي- الإيطالي، خصوصًا مع التوافق الفكري/السياسي ما بين قيادات البلدين خلال عشرية الانتقال الديمقراطي السابقة.

وفي الأثناء، يتسرب لذهن التونسي مقارنات بين النظامين السائدتين في كلا البلدين. وتتنوع المقارنات بين حكم أردوغان وقيس سعيّد على عدة أصعدة. أولها، الصعيد الشخصي فرجب طيب أردوغان كان من بين القيادات السياسية البارزة منذ ثمانينيات القرن الماضي وقد تدرج في المسؤوليات الحزبية بجانب معلمه نجم الدين أربكان كما كانت له خبرة في التعامل السياسي ولدت مع توليه منصب رئيس بلدية إسطنبول ولهذا المنصب تعود ثقة الشعب التركي في رئيسه.

أما نظيره التونسي فإلى حدود الساعة لا يزال مجهول الهوية الإيديولجية أو السياسية. وهو الداخل حديثًا إلى عالم السياسة فهو لم يمارس السياسة قبل انتخابات 2019 ولم يكن له دور واضح فيها باستثناء استئناس البعض برأيه الدستوري ودعوته للحضور في نشرات الأخبار لتفسير المسائل الدستورية الشائكة.

يبدو أردوغان أكثر ميلًا للديمقراطية من قيس سعيّد وهو الذي حرص منذ توليه رئاسة الحكومة التركية لأول مرة على الرجوع دائمًا للشعب عبر صناديق الاقتراع في مناسبات عدة

أما على الصعيد السياسي، يبدو أردوغان أكثر ميلًا للديمقراطية وهو الذي حرص منذ توليه رئاسة الحكومة التركية لأول مرة على الرجوع دائمًا للشعب عبر صناديق الاقتراع وحتى تغيير النظام السياسي لتركيا لم يكن قراره أو قرار حزبه بل كان نابعًا من الشعب الذي عبر عن إيمانه بالنظام الرئاسي عبر استفتاء شعبي.

ويزيد أردوغان من التمسك بالديمقراطية وهو يعلن عن قبوله نتائج الانتخابات أيًا كانت وأنه سيسلم السلطة لمن سيختاره الشعب التركي. أما خطاباته الداخلية فهي خطابات التجميع والبحث عن القيم المشتركة للأتراك.

في الضفة المقابلة، تسير تونس وإن كانت بخطى بطيئة على منهاج ديكتاتوري. فقد افتك الرئيس جميع السلطات ووضع خارطة طريق دون تشاور ونفذها دون الرجوع للشعب وحتى المحطات الانتخابية الصورية كانت مخيبة للآمال لم تتجاوز  نسب المشاركة فيها في أحسن حالها سقف ال12 %. وعلى عكس الصورة المجمعة المفترض أن يرسمها الرئيس لا يبدي سعيّد حرجًا في وصف معارضيه بالمخمورين والممثلين والخونة والمتآمرين.

خطابات أردوغان الداخلية هي خطابات التجميع والبحث عن القيم المشتركة للأتراك في مقابل خطابات الرئيس التونسي خلال السنتين الأخيرتين

على المستوى الدبلوماسي، استطاع النظام التركي الخروج من الوصاية الأمريكية الكلية والتحول إلى قوة وازنة في حوض المتوسط وعلى مشارف الشرق الأوسط المتشعبة تقاطعاته وصراعاته. وتمكن أردوغان من تنويع علاقات بلده مع دول مختلفة ومتخالفة فتركيا عضو الناتو العدو اللدود للروس لا تجد صعوبة في الجلوس مع الدب الروسي في مناسبات مختلفة لتدارس ملفات متنوعة.

كما جلس الرئيس الإيراني مع الرئيس التركي مرات عدة وكانت بيانات الرئاستين تبينان دومًا أن هناك توافقًا مبدئيًا بين العثمانيين والفرس في قضايا مصيرية في المنطقة وفي تعارض مع المصالح الأمريكية. ويبدو أن عود  العلاقات مع الشرق بدأ يشتد في ذات الحين الذي تحافظ فيه العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة وتركيا من جهة أخرى على صلابتها.

هذا التنوع الدبلوماسي الذي فرضه أردوغان منذ سنوات مكنه من لعب دور محوري في سوريا ومن ثم في أوكرانيا. أما تونس المنهكة من تذبذب السياسات الخارجية وتغيرها بتغير حكامها فتذهب شيئًا فشيئًا نحو الانغلاق وأصبحت بيانات خارجيات دول  الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية كابوسًا يؤرق الاقتصاد. وعجزت الدبلوماسية التونسية على صنع ما قامت به نظيرتها التركية.

التنوع الدبلوماسي الذي فرضه أردوغان منذ سنوات مكنه من لعب دور محوري في سوريا ومن ثم أوكرانيا أما تونس المنهكة من تذبذب السياسات الخارجية وتغيرها بتغير حكامها فتذهب شيئًا فشيئًا نحو الانغلاق

ورغم الوعود التي يقدمها داعمو الرئيس التونسي قيس سعيّد بالتوجه نحو التنين الصيني أو الدب الروسي فإن الأمر يبدو أضغاث أحلام  لا يمكن تنزيلها في الوقت الحالي على أرض الواقع. ولا يتوقف الرئيس عند ذلك بل يوجه الاتهام لعدة دول بأنها تقف حجر عثرة أمام تقدم تونس وازدهارها آخرها خطابه من روضة آل بورقيبة والذي كان ضربة قاصمة لمسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي ويعتبر قرضه شرطًا لفتح بقية المنافذ الاقتصادية في وجه تونس.

وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي تبدو الهوة بين النظامين التونسي والتركي شاسعة للغاية فأردوغان الذي منذ توليه مقاليد الحكم انكب على معالجة المسائل الاجتماعية المعقدة واستطاع إخراج بلاده من أزمة الديون التي عاشتها خلال عقود متتالية. وتطور نصيب الفرد خلال أربع سنوات فقط ( 2002-2006) من 8160 دولار  إلى 12880 دولار  وانخفض التضخم من 73.5%  سنة 2002 إلى  10% سنة 2006 .

أما في تونس فحكومة سعيّد، الأكثر استقرارًا سياسيًا واجتماعيًا، عجزت خلال ما يقارب السنتين عن الحد من نسب التضخم الآخذة في الارتفاع وتدهورت المقدرة الشرائية بسبب الارتفاع المشط للأسعار وبدل البحث عن حلول واقعية لا يجد الرئيس مناسبة إلا ويلقي اللوم فيها على من يصفهم بالمحتكرين الذين يستهدفون قوت الشعب.

على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي تبدو الهوة بين النظامين التونسي والتركي شاسعة للغاية فأردوغان ومنذ توليه مقاليد الحكم انكب على معالجة المسائل الاجتماعية المعقدة واستطاع إخراج بلاده من أزمة الديون التي عاشتها خلال عقود متتالية

ولم تتوقف هذه التعلات رغم أن الجهات المقربة من الرئيس صرحت في مناسبات عديدة أن السياسين الموقوفين في سجون السلطة هم من يقفون خلف الاحتكار ويمسكون "مسالك التجويع" (كما يطلق الرئيس على مسالك التوزيع)، فهل لهؤلاء  الأطراف أذر ع تمكنهم من التحكم وهم في السجن؟ ولو سلمنا فرضًا بهذه الجدلية فكيف لم يتفطنوا لمسار 25 جويلية/يوليو سابقًا؟

إن المقارنة بين أردوغان الحامل لمشروع أمة هووي متكامل الأركان وبين سعيّد القادم من المجهول والمتجه نحوه يرجح الكفة نحو نجاح تركي باهر عجز سعيّد عن محاكاته والاتعاض منه.

وإلى حين الحسم في الانتخابات التركية، سيبقى التونسيون مشدودين إلى قنوات الأخبار التركية والعربية، فنجاح أر دوغان في السباق يعني على الأغلب تعزيز مكانة الإسلام السياسي في المنطقة بعد أن نجحت أنظمة عربية في وأده.

إن هذه المقارنة تجعلنا نستنتج أن المشترك الوحيد بين تركيا وتونس هو ماض دونه المؤرخون وقماش أحمر  يحمل هلالًا ونجمة يرفرف في سماء البلدين أما الواقع فبين النقيضين حتمًا

ختامًا، إن هذه المقارنة تجعلنا نستنتج أن المشترك الوحيد بين تركيا وتونس هو ماض دونه المؤرخون وقماش أحمر  يحمل هلالًا ونجمة يرفرف في سماء البلدين. أما الواقع فبين النقيضين حتمًا. والأمر سيبقى كذلك ما لم توجد إرادة سياسية تلحقها هبة شعبية نحو النسج على منوال دول ناجحة دون النظر في الخلفيات الإيديولجية وهي مرحلة حققها الأتراك وعجز عنها التونسيون المتجمدون ضمن مدارس إيديولوجية بالية. فهل حان الوقت لتدرس كل مدرسة إيديولوجية في تونس طرحها؟ وإلى متى ستبقى الطبقة السياسية مشدودة للماضي في عالم سريع التحرك؟

 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"