حافظت الذاكرة الشعبية الجماعية التونسية على عدة معتقدات ارتبط بعضها بالحيوانات كمصدر للفأل الحسن والتبرك أو كنذير شؤم وتطيّر. ولئن كان العلم والدين يرفضان هذه المعتقدات وينتقدانها فإن الذاكرة الشعبية مازالت تحافظ عليها وتحولها إلى حقائق عبر ممارسات يومية يتم توارثها جيلًا بعد جيل.
إنه التراث التونسي المتواتر الذي تحفظ الذاكرة الشعبية تفاصيله الموغلة في القدم والمتوارثة عادة شفويًا وتُحوّل هذه المعتقدات إلى طقوس وممارسات تجعل منها حقائق في المجتمعات.
حافظت الذاكرة الشعبية الجماعية التونسية على عدة معتقدات ارتبط بعضها بالحيوانات كمصدر للفأل الحسن والتبرك أو كنذير شؤم وتطيّر
ورغم محاولاتنا البحث عن مراجع تجمع ما علق في الذاكرة الشعبية التونسية في علاقة بالحيوانات فإننا نعتقد أنّ هناك فراغًا بحثيًا ملحوظًا في هذا الموضوع، فلم يتناول المختصون في التراث هذا المبحث ولم يتم جمعه وتوثيقه لكنه باقٍ في البيوت التونسية من الشمال إلى الجنوب، وقد تختلف المعتقدات من جهة إلى أخرى لكن جميعها تتفق على أن عددًا من الحيوانات لها مكانة ما في الذهنية التونسية وهي مبعث أمل أو خوف وفزع.
فالجدة بية البالغة من العمر 75 سنة ما تزال تصر على أن السلحفاة هي من أفضل الحيوانات التي تربّى في البيت، فهي جالبة للأمان وطول عمر صاحب البيت وهي طاردة للعين والحسد. وتؤكد لـ"الترا تونس" أن "حدائق المنازل في السابق لم تكن تخلو من الفكرون".
وتضيف: "أما الخطيفة (طائر الخطاف) فإنه إذا بنى عشًّا في المنزل فإنه يعود إليه كل سنة وتضع فيه الأنثى بيضها وهو بشارة فرح ونجاح وسعادة، ولهذا نسعى لعدم إزعاج الطائر أو العبث بعشه، لكننا نمسك به ونقوم بدهن رأسه بزيت الزيتون سعادة بقدومه وطلبًا للخير".
الجدة بيّة (75 سنة) لـ"الترا تونس": "السلحفاة هي من أفضل الحيوانات التي تربّى في البيت، فهي جالبة للأمان وطول عمر صاحب البيت وهي طاردة للعين والحسد، لذلك لم تكن حدائق المنازل في السابق تخلو من "الفكرون"
أما الأسماك فتحتل مكانة مميزة عند التونسي، ففي الأفراح ما زال أهالي صفاقس يقيمون طقوس العرس عبر فحج العروس 7 مرات فوق سمكة "البوري" وهي تنشد أغنية "نقز على الحوت يا عروسة".
وإن كانت بعض العائلات في عدد من الجهات تقوم بتعليق ذيل السمكة بعد تجفيفه بالملح في باب المنزل طردًا للحسد، فإن من بين العادات أيضًا أن يتم ردم السمك في أساس أي منزل جديد حتى يكون بيتًا مباركًا ويرزق صاحبه المال.
"أمّا في الجنوب، فإن البيت الذي تربى فيه الخيل هو بيت عز وكرم وخير لا ينقطع بل إن البعض يقص بعضًا من شعر الفرس أو الحصان ويضعه في منزله طلبًا للبركة"، تقول الحاجة فاطمة لـ"الترا تونس"، مشددة على أن "الخيل من أكثر الحيوانات جمالًا وهي جالبة للطالع الحسن".
الحاجة فاطمة لـ"الترا تونس": البيت الذي تربى فيه الخيل هو بيت عز وكرم وخير لا ينقطع، أما الأرنب فإن المرأة التي كانت تربيها لا ينقطع نسلها لذلك كان الناس يجلبون أرنبًا لأي امرأة تأخر حملها
"وكذلك الأرنب، ففي تربيتها خير وبركة فهي معطاءة، والمرأة التي تربي الأرانب لا ينقطع نسلها، لذلك كان الناس يجلبون أرنبًا لأي امرأة تأخر حملها ويطلبون منها أن تربيها وتعتني بها، معتقدين أن في ذلك فكّ لكربها"، تقول محدثتنا مبينة أن "ذبحها على عتبة محل تجاري جديد من بين طقوس الافتتاح ويعتقد أن رزق صاحبه سيأتي سريعًا كسرعة الأرنب".
وتضيف محدثة "الترا تونس": أما الفراشة إذا دخلت المنزل فلا يجب قتلها بل تدخل البهجة على أهل البيت، فهي بشارة خير وهي ترمز إما لإقبال ضيوف أعزاء أو لورود أخبار سعيدة، وتحافظ العائلة على سلامتها وتركها تتجول بحرية داخل المنزل لتغادر متى شاءت ذلك".
العم عبد القادر لـ"الترا تونس": هناك حيوانات ارتبطت في الذاكرة الشعبية بالشؤم منها تربية الحمام في المنازل أو تواجد القط الأسود في محيط منزل ما
وفي المقابل، فإن هناك عددًا آخر من الحيوانات التي ارتبطت في الذاكرة الشعبية بالشؤم، فيتم تجنبها، ومنها "تربية الحمام في المنازل، إذ يجزع أهالي البيوت من هديل الحمام الحزين ويعتبرونه مصدر حزن" يقول العم عبد القادر لـ"الترا تونس". ويشير إلى أن ابنه كان مغرمًا بتربية الحمام، لكنه رفض رفضًا قاطعًا أن يربّيه في المنزل خوفًا على أهل بيته.
و"كذلك الوزغة، هي من بين أكثر الزواحف التي تقتل وتقول الأساطير والخرافات إن هذه الزاحفة امرأة تم مسخها لأنها تتلصص على الناس وتسمع أسرارهم" يضيف محدثنا.
ويتابع: "أما القط الأسود فلا تدخله للمنزل ولا تنظر إليه في الليل وغيّر طريقك إذا اعترضك في الشارع فهو مصدر شؤم وشر وتُسرد حوله عديد القصص والخرافات".
وبين الفأل الحسن ونذير الشؤم، يقسم التونسيون الحيوانات حسب خرافات وأساطير تناقلتها الأجيال ولم ينجح العلم والتطور في دحرها واندثارها، فهي تسكن الذاكرة الشعبية المتشعبة في طقوسها ومعتقداتها القديمة، لكنها الحاضرة في تفاصيل الحياة اليومية لتكشف عمقها وقدرتها الخارقة على البقاء سلوكًا إنسانيًا يغالب العلم حينًا والدين في أحيان أخرى.