15-يونيو-2018

للتفاؤل والتشاؤم أثر متوارث في اختيار أسماء الكثير من المواليد (جويل ساجيه/ أ ف ب)

منذ القدم كان للعائلات العربية فلسفتها في اختيار اسم المولود، ذكرًا كان أم أنثى. بعضها يختار أسماء لها دلالة واضحة. فيما يختار البعض الآخر أسماء غريبة لها ارتباط بمعتقدات وطقوس مختلفة، ولا يزال عدد منها يترك أثرًا حتى اليوم.

وعادة ما يحدث اختيار اسم للمولود الجديد بعض الاشتباكات بين الزوجين بسبب الاختلاف في الاختيارات. لا سيما وأنّ إطلاق اسم أحد الأجداد أو شخص ميت في العائلة على المولود الجديد هو من التقاليد المتبعة في تونس. فيما بات يفضل عدد كبير من العائلات أسماء جديدة دخيلة على المجتمع التونسي، خاصة بعد رواج بعض أسماء استلهمت من مسلسلات تركية أو أجنبية. وقد لقيت بعض تلك الأسماء رفضًا قانونيًا خلال عملية التسجيل، فيما قبل بعضها بعد رفع شكاية من قبل الآباء والتشبث بتسمية مواليدهم أسماء اختاروها هم، على أن يبرروا معناها.   

أسماء عيفة أو معيوفة أو معيوف وفق اعتقاد البعض تعني أن يعاف الموت المولود ويبقى حيًا وقد انتشرت هذه الأسماء عند تتالي أوبئة معينة على التونسيين

اقرأ/ي أيضًا: "الطفلة بلا مكياج كالكرهبة بلا لفاج".. هل يثق الرجل في جمال التونسية؟

وعلى الرغم من التطور الذي عرفته الخارطة التسموية في تونس من دلالة وتركيب وانفتاح على بعض الأسماء الجديدة في المجتمع التونسي، إلا أن البعض اليوم لا يزال يلجأ إلى الأسماء الموروثة. بعضها معهود وعادي، فيما كان للتفاؤل والتشاؤم أثر متوارث في اختيار أسماء الكثير من المواليد في عدّة جهات خاصة بالشمال والجنوب التونسي. فبعض الأسماء التي تطلق على الإناث أو الذكور كانت تطلق لاعتقاد ما، مثل اختيار اسم يُعتقد أنه يطيل عمر المولود أو يدفع عنه الموت والمرض أو أي أذى قد يصيبه.

عن ذلك تحدثنا الجدة صالحة (73 سنة) أصيلة منطقة سليانة، والتي أطلقت اسم معيوفة على ابنتها. تقول لـ"الترا تونس" إنّها أنجبت خمس بنات ولكنّهن توفين بعد بعض أسابيع من الولادة. التجأت إلى بعض كبار السن آنذاك لإيجاد حل، ليشيروا عليها بأن تطلق اسم "معيوفة" أو "عيفة" على ابنتها السادسة حين كانت حاملًا بها وهي في الشهر الخامس، لأنها أسماء تحمي المولودة من الموت وفق قولهم. وعيفة أو معيوفة أو معيوف وفق اعتقاد هؤلاء تعني أن يعافها الموت ويتركها تحيا. 

وتشير محدثتنا إلى أن ابنتها اليوم تبلغ من العمر أربعين سنة وهي أم لطفلين. ولا تدري إن هي عاشت لأنها حملت هذا الاسم فعلًا أم أن الأمر مجرّد صدفة. لكنها تقول "أعتقد أنّ هذا صحيح، فلكبار السن حكمتهم".

ونتفاجأ أحيانًا أننا لا نزال نسمع حتى يومنا هذا بعض الأسماء التي كان يطلقها أجدادنا على المواليد منذ عقود كثيرة. أسماء تحمل في طياتها تاريخًا عريقًا ولا تزال منتشرة بشكل واسع في مجتمعنا. مثل تسمية "حدّي" و"أم السعد" و"الزهرة" و"حدهم" و"حد الزين" و"عبشة"، خاصة في المناطق الداخلية بالشمال والجنوب.

 البعض يستعمل اسم "حدي" إذا أنجبت المرأة عددًا كبيرًا من البنات دون أن يحالفها الحظ في إنجاب ولد فتعمد إلى تسمية البنت الأخيرة حدّي لتحد ولادة الفتيات ويكون المولود الذي يليها ولدًا

اقرأ/ي أيضًا: منية.. أمّ لـ8 أطفال لم تلدهم

حدي فتاة تبلغ من العمر  32 سنة. لا تعرف عن معنى اسمها أي شيءًا، ولم تسأل حتى عن معناه رغم أنها لم تقبله يومًا لأنه "موضة قديمة" واسم غير جذاب اليوم، وفق قولها. وفي هذا الخصوص، تحدثت والدتها عائشة لـ"الترا تونس" عن سبب تسمية ابنتها بهذا الاسم قائلة إنّها أنجبت قبل ابنتها حدّي ثلاث بنات. وتوفين قبل بلوغ سن الثالثة دون معرفة الأسباب. فأشار عليها جدّها أن تسميها حدي يعني أن تحد الموت والمرض. تضيف "رغم أنني كنت أمًا لابنين إلا أنّ حبي للبنات جعلني أقبل بالأمر وسميت طفلتي حدي. خلال السنوات الأولى من عمرها كنت جدّ خائفة من موتها مثل إخوتها، لأنني لم أكن أعتقد بذلك الأمر أو بقصة تلك الأسماء التي تنجي من الموت. لكن لا أعرف هل فعلًا الأمر صحيح حاليًا بعجد أن بلغت ابنتي هذا العمر ولكن المهم أن ابنتي على قيد الحياة".

وإذا استعمل اسم حدّي هنا للنجاة من الموت، فإنّ البعض يستعمله إذا أنجبت المرأة عددًا كبيرًا من البنات دون أن يحالفها الحظ في إنجاب ولد فتعمد إلى تسمية البنت الأخيرة حدّي لتحد ولادة الفتيات ويكون المولود الذي يليها ولدًا وفق ما تشير إليه الجدّة عربية (81 سنة)، مضيفة أن ذلك متوارث كثيرًا في منطقتها منذ القدم خاصة لدى النساء اللاتي أنجبن عددًا كبيرًا من البنات. بل ولا يزال الاعتقاد إلى حد اليوم أن هذا الاسم يمنع فعلًا الموت أو يحد إنجاب البنات، كما لا تزال تُعتمد عدة أسماء أخرى مثل عبشة ومعيوفة وأم السعد للاعتقاد أنها أسماء تنجي أصحابها من الموت، وفق قولها.

يذكر أنه في فترة الستينيات والسبعينيات كانت تعاني العديد من المناطق ظروفًا اجتماعية صعبة، وعدم توفر المرافق الصحية اللازمة، مما أدى إلى ارتفاع معدل الوفيات بين المواليد والأمهات في ذلك الوقت. فكان البعض يلجأ إلى اعتماد عدّة أسماء يعتقد أنها تحمي أطفالهم من الموت. وانتشرت في عدّة مناطق ولا تزال تطلق حتى على مواليد اليوم. وتقول فاطمة لـ"الترا تونس" إنّها أطلقت تسمية حدهم على ابنتها لأنّها تحب الاسم ويروق لها ولا علاقة لاختيارها بأي اعتقاد ما. فهي لم تجد مشكلاً مع وفاة أحد أبنائها أو إنجابها عددًا كبيرًا من البنات. فقط الاسم جميل وبحثت عن معناه الذي يدل على المرأة العفيفة الجميلة، وفق قولها. 

وبعض تلك الأسماء تحمل فعلًا معان عربية جميلة لا علاقة لها فعلًا بما كان يعتقد. فيما يسمى العديد من المواليد الجدد بتلك التسميات بعيدًا عن المعتقدات أو الخلفيات الموروثة. ويذكر أنه يوجد منشور قانوني عدد 85 المؤرخ في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1965 يمنع إطلاق الأسماء المنافية للأخلاق والمستهجنة والتي فيها محلّ التباس. كما يحجر إسناد الأسماء غير العربية للمواليد أو إسناد اللقب كاسم وكذلك إسناد ألقاب الزعماء أو أسمائهم وألقابهم في آن واحد. وينطبق هذا المنشور فقط على المواطنين التونسيين ويستثنى منه الأجانب القاطنون في البلاد. كما أتاح القانون المجال لإدارة الحالة المدنية إلى التفتّح والسماح للتونسيين بإطلاق تسميات جديدة مواكبة للعصر، لكن دون أن تكون مخالفة لنص المنشور. كما لا توجد قائمة بأسماء بعينها ممنوعة من التسمية. والتمشي يكون بالبحث في معنى الاسم المقترح من طرف المواطن فإذا وجد له معنى ولا يتعارض مع مقتضيات المنشور تقع التسمية مباشرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"كيد الرجال كيدين وكيد النساء 16".. عن الأمثلة الشعبية الساخرة من المرأة

عن خلق "الملسوقة".. هل جرّبت أن تصافح النار يوميًا؟