02-أكتوبر-2021

كانت المحكمة الإدارية قد رفضت الطعون المقدمة إليها في علاقة بوضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية والتي عددها 11 طعنًا (Getty)

الترا تونس - فريق التحرير

 

أثار قرار المحكمة الإدارية برفض جميع الطعون المقدّمة في القرارات الأمنية الاحترازية المتعلّقة بوضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية والتي عددها 11 طعنًا، جدلًا سياسيًا وقانونيًا واسعًا في تونس، وأبدى عدد من القضاة استغرابهم من هذا القرار متسائلين هل أن السلطة القضائية بدأت بدورها "تتأثر بالأوضاع الاستثنائية". 

وتساءل القاضي أحمد الرحموني، في تدوينة مطولة نشرها مساء الجمعة 1 أكتوبر/تشرين الأول 2021 على صفحته بموقع التواصل فيسبوك"، "هل نشهد بصدور القرارات الأخيرة انتكاسة في ضمان القضاء الإداري لحقوق الناس وحرياتهم وتراجعًا غير مبرر عن ضمان حق التنقل دون قيود المكفول بالدستور والمعاهدات الدولية؟ أم أن سلطة القضاء قد بدأت تتأثر بالاوضاع الاستثنائية وامتيازات الإدارة ؟".

القاضي أحمد الرحموني: هل نشهد بصدور القرارات الأخيرة انتكاسة في ضمان القضاء الإداري لحقوق الناس وحرياتهم وتراجعًا غير مبرر عن ضمان حق التنقل دون قيود المكفول بالدستور والمعاهدات الدولية؟

وأكد الرحموني أن قرارات الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عبد السلام قريصيعة المتعلقة برفض الطعون في قرارات المكلف بتسيير وزارة الداخلية المتعلقة بالإقامة الجبرية كانت "مفاجئة حتى للقضاة أنفسهم"، مشيرًا إلى الرئيس الأول للمحكمة خلص -في تعليله لقرارات الرفض- إلى أنه لم يتبين أن التمادي في تنفيذ القرارات المنتقدة (قرارات الإقامة الجبرية) من شأنه أن يتسبب للعارضين في نتائج يصعب تداركها على معنى الفصل 39 من قانون المحكمة الإدارية أي تلك النتائج التي متى تحققت يكون من العسير الرجوع بها إلى الوراء أو إصلاح ما يمكن أن يترتب عنها من تداعيات".

وذكّر القاضي بأن "المحكمة (الإدارية) دأبت بخصوص المطالب الرامية إلى توقيف تنفيذ القرارات المتعلقة بالوضع تحت الإقامة الجبرية على الإذن بتوقيف تنفيذ هذه القرارات جزئيًا كلما تضمنت منع الأشخاص المعنيين بها من مغادرة محل إقامتهم باعتبار أن ذلك يعد انتهاكًا جسيمًا للحقوق والحريات التي يكفلها لهم الدستور وخاصة حريتهم في التنقل وممارسة حقوقهم الأساسية".

الرحموني: القرارات تغاضت عن أن وزارة الداخلية لم تبسط للمحكمة الأسباب الجدية التي دعتها إلى وضع العارضين قيد الإقامة الجبرية، ولم تبين الأنشطة الخطيرة التي يمارسها العارضون تهديدًا للأمن والنظام العامين

واعتبر أحمد الرحموني أن "قرارات المحكمة لم تلتفت إلى الأسباب الجدية التي تمسك بها العارضون وإلى النتائج التي يصعب تداركها من جراء تقييد حريتهم في التنقل كالمساس بسمعتهم أو التأثير على عملهم أو شؤونهم العائلية بقطع النظر عن دائرة (أو امتداد) تحركهم باعتبار أن الإقامة الجبرية مهما كان مداها تمثل اعتداء على حرية الشخص وممارسته لحقوقة الأساسية"، وفق ما جاء في تدوينته.

اقرأ/ي أيضًا: عماد الغابري: لاحظنا بعد 25 جويلية تحولًا نوعيًا في الضغوطات التي تمارس علينا

كما أكد أنها "تغاضت عن أن المنع بجميع أشكاله لا يستند إلى مبررات مقنعة وأن وزارة الداخلية بقطع النظر عن شرعية المستندات القانونية لم تبسط للمحكمة الأسباب الجدية (والحقيقية) التي دعتها إلى وضع العارضين قيد الإقامة الجبرية، ولم تبين الأنشطة الخطيرة التي يمارسها العارضون تهديدًا للأمن والنظام العامين"، "كما أنه لم يثبت أن الإدارة كانت حريصة على ضمان معيشة المعنيين بالأمر أو السماح لهم بقضاء حاجياتهم الأساسية"، حسب الرحموني.

وأشار القاضي أيضًا إلى أن القرارات تخالف فقه قضاء المحكمة سواء في دوائرها الأصلية أو في قراراتها الفردية المتعلقة بتوقيف التنفيذ، فضلًا عن أن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية نفسه قد سبق له (بشهادة بعض زملائه) إصدار قرارات مخالفة في وقائع مماثلة"، مشددًا على أن "فقه القضاء المستقر للمحكمة الإدارية قد دأب على إلغاء تلك القرارات وتوقيف تنفيذها منذ سنة 2018 على الأقل دون تراجع"، على حد قوله.

بدوره، اعتبر القاضي حمادي الرحماني، السبت 2 أكتوبر/أيلول 2021 في تدوينة نشرها على صفحته بفيسبوك تحت عنوان "السلطة القضائية تحت الإقامة الجبرية!"، أن تعليل الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بخصوص قراراته برفض جميع مطالب إيقاف التنفيذ "يسيء للمحكمة الإدارية خصوصًا وللقضاء حامي الحقوق والحريات عمومًا"، وفق تعبيره.

القاضي حمادي الرحماني: تعليل الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بخصوص قراراته برفض جميع مطالب إيقاف التنفيذ "يسيء للمحكمة الإدارية خصوصًا وللقضاء حامي الحقوق والحريات عمومًا"

وقال، في هذا الصدد: "إذا كان الرئيس اضطر لإصدار أمر بنزع الحصانة على النواب كي يتمكن من إيقافهم وتتبعهم وتنفيذ الأحكام عليهم، ولو أن ذلك غير شرعي بطبيعته، فأيّ شيء وأي سند قانوني يبرر وضعه قاضيًا (بشير العكرمي) تحت الإقامة الجبرية؟"، متسائلًا: "كيف يُمكن وضع قاض تحت الإقامة الجبرية وهو لا يزال متمتعًا بصفته كقاض؟".

وأكد القاضي أن هذا القرار "هو قرار سياسي"، مستطردًا القول: "لا يبدو أن لهذا الانقلاب حدود في التعسف والقهر والتعدي على الدستور والقانون، وها نحن نشهد بأعيننا وبالتفصيل المُملّ فصول انقلاب على الثورة والديمقراطية وحتى الدولة...درس تطبيقي لا يقوى عليه أكبر أساتذة القانون ولا أفظع التجارب الديكتاتورية"، حسب ما ورد في تدوينته.

ومن جهته، وصف الأستاذ الجامعي والباحث في القانون العام أيمن الزغدودي، في تدوينة له على صفحته بفيسبوك، القرارات الصادرة عن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بخصوص الاقامة الجبرية بـ"الجريئة".

وأوضح أنها "تجرأت على جوهر الرسالة القضائية وعلى حقوق الأفراد وعلى المبادئ الدستورية"، حسب تقديره.

ومن جانبه، كتب المحامي مختار الجماعي، في صفحته بفيسبوك، "الناطق باسم المحكمة الإدارية ينقل تعليل المحكمة لقرار رفض إيقاف تنفيذ قرارات الإقامة الجبرية، بجدية تهديد هؤلاء للأمن العام، وبغياب شرط "وجود نتائج يصعب تداركها".

وتابع: "تعطيل حرية سفر، عدم القدرة على مزاولة عمل، اضطراب سير نشاط مكتب، اختلال سير الحياة العائلية، جميعها لا تشكل اضرارًا يصعب تداركها، لكن جرّب أن يتم منعك من خروج منزلك وسترى الأثر الأثر النفسي لذلك عليك".

يذكر أن الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية عماد الغابري كان قد أفاد، الجمعة 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بأنّ المحكمة رفضت جميع الطعون المقدّمة في القرارات الأمنية الاحترازية المتعلّقة بوضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية والتي عددها 11 طعنًا.

وأوضح الغابري في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية) بأنّ الرئيس الأول للمحكمة الإدارية قد أصدر الجمعة بوصفه قاضي توقيف التنفيذ، قرارات برفض جميع مطالب الطعن المقدمة له منذ شهر أوت/ أغسطس في القرارات الأمنية الاحترازية بوضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية الصادرة عن الوزير المكلف بتسيير وزارة الداخلية.

وأشار إلى أنّ "الحكم بالرفض استند في جميع المطالب المذكورة، إلى أنّها مطالب لم تحرز اجتماع الشروط القانونيّة المستوجبة بأحكام الفصل 39 من قانون المحكمة الإدارية والمتمثّلة في المستندات الجدية من جهة والنتائج التي يصعب تداركها من جهة أخرى"، مضيفًا أنه "تمّ التأكّد أيضًا وتوافقًا مع فقه قضاء سابق في مادة توقيف التنفيذ إلى أنّ هذه الاجراءات الاحترازية لم تنل من الضمانات الأساسية للخاضعين لهذه الإجراءات". 

وكانت المحكمة الإدارية قد تلقت مجموعة من الطعون من قبل وزراء سابقين وقضاة وإطارات عليا في الإدارة التونسية بسبب وضعهم تحت الإقامة الجبرية بعد 25  جويلية/ يوليو الماضي.

وكان القضاء الإداري قد أكد انطلاقه في النظر في هذه الطعون منذ بداية شهر أوت/ أغسطس المنقضي وباشر إجراءات التحقيق فيها عبر إحالتها على وزارة الداخلية باعتبارها الجهة التي اتخذت قرارات الإقامة الجبرية بعد 25 جويلية/ يوليو الماضي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المحكمة الإدارية ترفض جميع الطعون المتعلقة بقرارات الإقامة الجبرية

الطبيب يفنّد رواية وزارة الداخلية بخصوص إمكانية تنقله في حدود 60 كلم