02-سبتمبر-2021

تشهد السوق التونسية مؤخرًا اضطرابًا في مسالك التوزيع وارتفاع أسعار المنتوجات الفلاحية مما أربك الدورة الاقتصادية (وسيم الجديدي/ Sopa Images)

 

يعتبر القطاع الفلاحي أحد مقومات الاقتصاد التونسي والمزود الأساسي للسوق الداخلية والخارجية في كافة أنواع المنتوجات الزراعية والبحرية واللحوم البيضاء والحمراء، غير أن ما تشهده السوق التونسية في المدة الأخيرة من اضطراب في مسالك التوزيع وارتفاع أسعار المنتوجات الفلاحية ولحوم الدواجن أربك الدورة الاقتصادية ودفع الدولة لتسعير بعض المواد مثل البطاطا ولحوم الدواجن.

كما هرعت المراقبة الاقتصادية إلى مداهمة مخازن لا تصرّح بالكميات التي لديها بغية الاحتكار والمضاربة في السوق وبالتوازي مع ذلك تم حجز كميات كبيرة من مادة الأعلاف "السدّاري" التي تروّج خارج مسالك التوزيع الرسمية.

وفي غياب رؤية واضحة وتدخل جذري لوقف نزيف ارتفاع الأسعار للمنتوجات الفلاحية في السوق التونسية يبقى الفلاح المتوسط والصغير الحلقة الأضعف في هذه الدورة الاقتصادية بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وعدم القدرة على تسويق المنتوج بشكل يحفظ له هامش الربح المريح.

ولبيان مدى استيعاب الفلاح في ولايتي سوسة والمنستير لهذه الصدمات في دورة الإنتاج وتأثيرها المباشر على مصدر رزقه، حاولنا تحديد أهم العقبات التي تعترضه خاصة ونحن مشرفون على موسم فلاحي جديد بحلول تتهدده مخاطر عديدة في صورة غياب تدخل الدولة لحماية المنتجين الفلاحيين.

في غياب رؤية واضحة وتدخل جذري لوقف نزيف ارتفاع الأسعار للمنتوجات الفلاحية يبقى الفلاح المتوسط والصغير الحلقة الأضعف في الدورة الاقتصادية بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وعدم القدرة على تسويق المنتوج

اتصلنا بمصالح المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية والموارد المائية والصيد البحري بالمنستير لمدنا ببعض المعطيات الرسمية ومدى استعدادها للموسم الفلاحي القادم فكشفت لـ"الترا تونس" أن المسحة الجملية للمناطق السقوية بالولاية تقدر بحوالي 6250 هكتارًا، وأن الأراضي الفلاحية بالجهة مقسّمة بنسبة 5 % زراعات كبرى و6 % غابات مراعي و6%  خضروات و10 % أشجار مثمرة و73  %زياتين.

ويقدر الإنتاج السنوي في ولاية المنستير بحوالي 46 ألف طن من الباكورات أي بنسبة 40 % من الإنتاج الوطني وتوفر 37,1 ألف طن من البطاطا بنسبة 9 % من الإنتاج الوطني، حسب نفس المصدر.

اقرأ/ي أيضًا: رغم الاكتفاء الذاتي: أطنان من الخضر الموردة تثير انتقادات الفلاحين

ومن بين الإحصائيات التي أمدتنا بها المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالمنستير أنه "يوجد بالجهة 41 مجمع تنمية يشرف على التسيير والتصرف في تزويد 47 منطقة سقوية منها 19 منطقة تنتفع بمياه سد نبهانة و26 منطقة سقوية تروى بمياه آبار عميقة ومنطقتين سقويتين تروى بالمياه المعالجة من محطات التطهير".

إن أهمية الإنتاج الفلاحي في ولاية المنستير يتأتى أساسًا من المناطق السقوية ومن خلال إنتاج الباكورات كما كشفتها لنا الإحصائيات الرسمية غير أن المنطقة قد تتضرر في كل موسم بإحدى الجوائح الطبيعية مثل الرياح والفيضانات التي تذهب بالبيوت المكيفة وتتلف المحاصيل أو نقص المياه والجفاف أو استعمال بذور تالفة مثل ما حصل في الموسم الماضي مع بذور الفلفل في جهة بنبلة خاصة.

وكشف رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بالمنستير محمد دغيم لـ"الترا تونس" أن "العقبات التي تعترض الفلاح في جهة المنستير متعددة أهمها أزمة المياه وخاصة النقص في مياه سد نبهانة التي تزود المناطق السقوية وتساهم بالقسط الأكبر في إنتاج الباكورات وهذا ما يدفعنا إلى ترشيد الاستهلاك باعتبار أن سد نبهانة يساهم بنسبة تناهز 7,5 مليون متر مكعب سنويًا في السنوات العادية غير أنها تراجعت خلال السنوات الأخيرة إلى ما بين مليون وثلاثة ملايين متر مكعب".

محمد دغيم (رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بالمنستير) لـ"الترا تونس": العقبات التي تعترض الفلاح في جهة المنستير متعددة أهمها أزمة المياه وخاصة النقص في مياه سد نبهانة التي تزود المناطق السقوية

كما أشار دغيم إلى أن "مسألة مشاتل الفلفل، التي كشفت عن أعراض مرضية في الموسم الفارط لدى فلاحي بنبلة خاصة والتي تضرر منها 150 فلاحًا في الموسم الماضي بعد أن زرعوا 681 بيت حامية، تدعونا في هذا الموسم إلى أخذ كل الاحتياطات اللازمة وذلك باستعمال شتلات (بذور) سليمة متأتية من منابت مصادق عليها من مصالح وزارة الفلاحة، وتطبيق الممارسات الزراعية، واحترام التداول الزراعي، وتطبيق المكافحة المتكاملة للحشرات الناقلة للفيروسات حسب توصيات الجهات الصحية الفلاحية.

وفي خضمّ الزيادة الأخيرة في الأسعار لبعض المنتوجات الفلاحية ودور مخازن التبريد في تعويم السوق الموازية بالمنتوجات، طالب رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بالمنستير مصطفى بن تقية بتنظيم هذا القطاع والاندماج الكلي في إطاره القانوني مع "تمكين كل المخالفين مهلة إلى موفى شهر أوت/أغسطس لتسوية وضعياتهم القانونية مع ضرورة الانخراط في التطبيقة التي وضعتها وزارة التجارة" وذلك حسب بلاغ نشرته الصفحة الرسمية لاتحاد الصناعة والتجارة بالمنستير.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة الأسمدة تهدد الزراعات الكبرى في تونس

في ولاية سوسة المجاورة للمنستير، بدت نفس المخاوف تهدد الموسم الفلاحي القادم غير أن مشكلة المياه في المناطق شبه الجافة والتزوّد بالأعلاف للمربين الفلاحيين وغلاء أسعار الأدوية والمركبات الكيميائية تعتبر في صدارة مشاغل فلاحي الجهة.

اتصل "الترا تونس" برئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بسوسة حسان اللطيف الذي أكد أن "مسألة التزود بالأعلاف لمربي الأغنام والأبقار والدواجن تعتبر أولوية مطلقة للجهة بعد مسألة شحّ الموارد المائية".

ويقول اللطيف: "تشهد جهة سوسة نقصًا فادحًا في التزود بالعلف المدعّم فحسب المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالجهة نحن نحتاج 2200 طنًا من الأعلاف لكن في واقع الأمر تم تخصيص 1500 طنًا فقط، بل إن هذه الكمية لا تصل منها للفلاح سوى 85 بالمائة فقط وهذا يعني أننا نعاني من نقص في الأعلاف بنسبة 150 % سالب".

حسان اللطيف (رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بسوسة) لـ"الترا تونس": التزود بالأعلاف لمربي الأغنام والأبقار والدواجن تعتبر أولوية مطلقة للجهة بعد مسألة شحّ الموارد المائية وهي مسؤولية وزارة الفلاحة

وحمل حسان اللطيف وزارة الفلاحة مسؤولية ذلك معتبرًا أن "تلاعب المطاحن بكميات "السداري" سبب مباشر في هذه الأزمة باعتبار أن المطاحن تزوّد السوق السوداء بكميات غير محددة وهذا ما خلق احتقانًا لدى الفلاح الذي يقتني الكيس بـ12.5 دينارًا من الشركات التعاونية ولمّا يلتجئ للسوق السوداء يقتنيها بـ25 دينارًا، في حين كان من الممكن تدخل وزارة الفلاحة بحصر كميات السداري وإلزام المطاحن بالتصريح بالكميات الحقيقية التي لديها حتى لا يتم ضخ الهامش الضائع من الكميات في السوق الموازية".

وقد كشف حسان اللطيف أن "الفلاح في جهة سوسة لا يتزود من الشركات التعاونية الفلاحية سوى بكميات لا تتجاوز 30 بالمائة من حاجياته والباقي من السوق الموازية وبأسعار مرتفعة مما جعله يفوت في ماشيته بالبيع وتسبب في تراجع عدد رؤوس الأغنام والأبقار التي يرعاها".

كما أشار رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بسوسة إلى أن "النقص شمل الأعلاف المدعمة وكذلك الأعلاف المركبة التي ارتفع سعرها في السنوات الأخيرة بنسبة 300 % مما تسبب في صعوبات مالية وأدى إلى الإفلاس خاصة بالنسبة لمربي الدواجن".

وأكد اللطيف أن "عدم التناسب بين ارتفاع أسعار الأعلاف وتسعير ثمن الحليب قد أديا إلى تفويت عدد كبير من الفلاحين ببيع رؤوس الأبقار التي لديهم"، وفق تقديره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تلف الحبوب وأزمة المخازن.. تهديد للأمن الغذائي

أزمة ريّ تلوح في الأفق في جندوبة.. أي مستقبل للزراعات الصيفية؟