22-ديسمبر-2018

ارتفعت أسعار المواد الأساسية خلال السنوات الأخيرة ارتفاعُا مشطًا (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

"سيدي الوزير لم نعد قادرين على اقتناء حاجياتنا الأساسية من الغلال والخضار ولم تعد قادرة هذه الورقة النقدية من فئة عشرين دينارًا أن تملأ قفة أستطيع بها إطعام عائلتي المتكونة من أربع أفراد"، هكذا صاح أحد المواطنين وسط جمع من المسؤولين المحليين في إحدى الأسواق التونسية.

ارتفاع الأسعار وشح بعض المواد الغذائية في السوق التونسية يكشف عن اختلال في التوازن في التزويد وقد ساهم في ذلك نزول سعر صرف الدينار والتهرب الضريبي

اقرأ/ي أيضًا: ثقافة المقاطعة لدى التونسي.. هل غلبتها ثقافة الاستهلاك؟

وهناك ترى كهلًا فارغ اليد يتمتم وحيدًا وقد ترك وراءه ذلك الجمع من الزائرين غير التقليديين لهذه السوق قائلًا "اللهم اجعل أيامنا كهذا اليوم.. أسعار معدلة ووجوه مبتسمة وإيماء أن الحكومة تحسن صنعًا بنا".

كانت هذه ملامح من الزيارات الرسمية لوزراء لبعض الأسواق مؤخرًا، وهي تخفي حقيقة يعيشها التونسي خلال السنوات الأخيرة تتمثل في الارتفاع المشط لأسعار المواد الأساسية من الخضار والغلال واللحوم والأسماك. كما لم يكن المشهد عاديًا في تونس خلال الأشهر الأخيرة في التهافت على مادة الحليب التي قل التزود بها في محلات البيع بالتفصيل، وارتفاع أسعار البيض واللحوم الحمراء، وفقدان المواد المدعمة من السكر والسميد والزيت.

وارتفاع الأسعار وشح بعض المواد الغذائية في السوق التونسية يكشف عن اختلال في التوازن في التزويد قد يعود إلى نزول سعر صرف الدينار والتهرب الضريبي وانتشار الانتصاب الفوضوي وتفشي التجارة الموازية وضعف المراقبة الاقتصادية.

ارتفاع الأسعار وشح في بعض المواد الغذائية في السوق التونسية (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

ويبدو أن الإحساس بالضيم وعدم العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع التونسي المختلفة قد دفع الدوائر الحكومية إلى رسم استراتيجية استعجالية للحد من "الفوضى" التجارية غير أن الحملات تصطدم دائمًا بعقبات نظرًا لتعدد المتداخلين لضمان الأمن الغذائي للمواطن التونسي.

وأهم هذه العقبات تتمثل في تعدد مسالك التوزيع غير القانونية وتهريب المواد الأساسية والمدعمة وظاهرة الاحتكار الذي يختل بموجبه العرض والطلب.

وهذا ما يستوجب، حسب المتابعين، برنامجًا رقابيًا استعجاليًا يستهدف الاحتكار بشكل مباشر وسد منافذ المضاربة للمنتوجات الحساسة وتوسيع مجالاته ليشمل المواد التي تشهد اضطرابًا في التزويد خاصة في مادة الحليب والسميد والخضر و الغلال والزيت المدعم وكذلك استهداف الغش التجاري في قطاعات المطاعم وصنع المرطبات في مثل هذا الوقت من السنة.

من العقبات تعدد مسالك التوزيع غير القانونية وتهريب المواد الأساسية والمدعمة وظاهرة الاحتكار الذي يختل بموجبه العرض والطلب

اقرأ/ي أيضًا: قطاع الدواجن في تونس يواجه التهميش وخطر التوريد "المشبوه"

وفي لقاء إعلامي للمندوب الجهوي للتجارة بسوسة أحمد المثلوثي، ضمن اللجنة الجهوية لمتابعة تطور الأسعار وضمان نظام التزويد والتصدي للتهريب والتجارة الموازية وتنظيم المراقبة المشتركة، وهي لجنة حكومية متكونة من مصالح المالية والتجارة والصحة، جاء أنه تم حجز 285 طنًا من الخضار والغلال خلال سنة 2018 في مسالك توزيع غير قانونية وتمت إعادة توجيهها إلى سوق الجملة حتى تتخذ مسلكها الطبيعي، كما تم حجز 1700 لترًا من الحليب وثلاثين طنًا من السميد المدعم معدة لتوجيهها إلى أحد تجار الأعلاف ضمن مسالك توزيع غير قانونية كذلك، وتم إتلاف كمية 1380 كغ من الدجاج المحجوز في مذابح عشوائية.

كما قدّم المندوب بيانات حول وضعية التزويد بمادة البيض وذلك بضخ كميات تقدر بـ 5 مليون بيضة من المخزون التعديلي (المقدر حاليًا بـ30 مليون بيضة) خاصة أن هذه المادة تشهد إقبالًا متزايدًا في الاستهلاك خلال هذه الفترة. وأكد أحمد المثلوثي "حصول تجاوزات في أسعار البيض رغم عدم الترفيع في سعره والذي تم تحديده بـ210 مليم للبيضة الواحدة منذ يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2018".

أما عن وضعية التزود بمادة حليب الشراب فقال "هناك مخزون تعديلي يقدر بحوالي 13.5 مليون لترًا حاليًا مقابل 12 مليون لترًا خلال الأسبوع الفارط، وعملية الضغط في تزويد السوق ستتقلص مع اقتراب فترة وفرة إنتاج الألبان خاصة مع منتصف شهر جانفي/ كانون الأول وبداية شهر فيفري/ شباط 2019".

كما أقر المثلوثي أن الكميات التي سيقع توريدها إلى آخر السنة تقدر بـ7 مليون لترًا مقابل استهلاك جملي في حدود 620 مليون لترًا أي أن التوريد يعادل 1 في المائة من احتياجات البلاد التونسية، كما تم اتخاذ إجراء إيقاف تصدير مادة الزبدة مؤقتًا إلى حين توازن السوق الداخلية".

تحدث المندوب الجهوي للتجارة بسوسة عن تحسن في كميات جل المواد الغذائية خلال شهر نوفمبر (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

أما عن الخضر والغلال فقد أشار المندوب الجهوي للتجارة بسوسة إلى " تحسن في كميات جل المواد خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. فقد شهد معدل أسعار البصل تراجعًا بـ29 في المائة والطماطم بـ 48 في المائة والبرتقال بـ 26 في المائة مقابل ارتفاع سعر الفلفل بـ 61 في المائة، واستقرار في سعر البطاطا خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بالمقارنة مع نفس الشهر من السنة الفارطة".

وفي سياق متصل، قال رئيس نقابة وكلاء بيع الخضر والغلال بسوق الجملة بسوسة بدر الطرابلسي، في تصريح لـ"الترا تونس"، إنه بالنسبة لمنظومة الأسعار وتحديدها والتخفيض فيها فهناك عدة جوانب وعوامل منها ما هو مرتبط بالعوامل الطبيعية وظروف تزويد الفلاح بالمشاتل والمزارع والأدوية وتكلفتها الحقيقية وكذلك اليد العاملة، مضيفًا أن هناك شططًا كبيرًا في المواد الأولية التي يعمل بها الفلاح وهناك كذلك غش مثلًا هذه السنة وقع شراء بذور بمقدار 300 طن وتبيّن أنها مغشوشة. وأشار إلى أن الفلاح لا يتحصل على الضمانات الكافية لتعويضه.

وأضاف " نلاحظ أن الفلاح يعاني الأمرّين ويجب أن يكون صاحب رأس مال ويملك أرضًا شاسعة نسبيًا حتى يكون قادرًا على الإنتاج والتنافسية فالتكلفة عالية جدًا وفي نفس الوقت لم توفر الحكومة الضمانات في توفير الأدوية المستعملة إذ نلاحظ أمراضًا جديدة وتفاعلات جديدة وأحيانًا الأدوية الموجودة لا تفي بالغرض".

رئيس نقابة وكلاء بيع الخضر والغلال بسوق الجملة بسوسة لـ"الترا تونس": هناك عزوف في الإنتاج والسياسات المتبعة مع المنتجين غير مجدية

وقال إن "هناك عزوفًا في الإنتاج وعدم جدوى السياسات المتبعة مع المنتجين حتى أن وزارة التجارة لا تصغي لهم كفاية فمثلًا على مستوى مادة البيض والحليب كل منظومات الإنتاج تجد القرار يخرج من الإدارة وكذلك الدراسات بغض النظر عن الواقع الميداني الذي يعاني منه الفلاح وهذا أمر خطير جدًا ويشكل تحطيمًا لكامل القطاع".

أما على مستوى مسالك التوزيع، بيّن الطرابلسي أنه يمكن للدولة التونسية أن تشتغل عليه كثيرًا معتبرًا أن الخطوات التي شرعت فيها دون المأمول والمطلوب الكثير من الحذر  ومضيفًا أنه ليس هناك عزيمة فولاذية وصارمة في تطبيق القوانين بحذافيرها.

وتابع محدثنا قائلًا "ما نلاحظه أنه يوجد عزوف من المنتجين من تزويد أسواق الجملة وأسواق الإنتاج المنظمة  نظرًا لأن هناك مجالًا سهلًا ومنفتحًا لكل أصناف المشترين إذ يتجهون مباشرة للفلاح والمنتج في ضيعته وبالتالي التاجر الصغير يذهب مباشرة إلى مناطق الإنتاج دون رقابة. وهذا أمر خطير جدًا فالعملية لم تعد خاضعة لعرض وطلب حقيقي لتوجد أسواق بل لا توجد رقابة ولا أداء ولا مصداقية".

وبخصوص الحلول التي يمكن أن تسلكها الدولة، قال الطرابلسي "إذا أرادت الدولة القيام بحملة جدية فلتكن على مناطق الإنتاج للمنتوجات الموزعة في كلّ الأسواق المعروفة ويمكن محاصرة مناطق الإنتاج وضبط البضائع بالوصولات لتذهب إلى أسواق الجملة أو مقتناة من سوق الجملة. ويمكن مجابهة ما يباع في الأسواق الموازية وبالتالي الحدّ من المشترين الفوضويين وتشجيع الجميع للتزود من أسواق الجملة وفي الوقت نفسه تقع مراقبة أسواق الجملة والمحافظة على منتوج الفلاح وسلامة قراءة العرض والطلب".

وأضاف بدر "آليات الرقابة غير كافية وغير مجدية أضف الى ذلك ضرورة مراقبة  المؤسسات العملاقة والمتوغلة مثل المساحات الكبرى والتي يجب أن تشتري من سوق الجملة بوصولات شراء لتكون المنافسة متقاربة فوجب أيضًا مراقبة هذه المساحات باعتبار أنها من أكبر المساهمين في السوق الموازية وتجعل من الفلاح يزود هؤلاء مباشرة دون رقابة الدولة"، وفق تقديره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نقابة الفلاحين: تخوف من إغراق السوق التونسية بالإنتاج الأجنبي

في انتظار تعديل منظومة الدعم: الحكومة تؤكد عدم التخلي عن دعم المواد الأساسية