09-نوفمبر-2020

مختصون في الشأن الاقتصادي والمالي يشخصون سبل الخروح من الأزمة بأخفّ الأضرار (ياسين القايدي / الأناضول)

 

لم يتوقّف الحديث عن الوضع الحرج، ماليًا واقتصاديًا، الذي تشهده تونس، منذ طفا إلى السطح جدل ما تضمنه مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020، الذي رضخت الحكومة إلى سحبه من البرلمان لإدخال تعديلات عليه، بعد رفض البنك المركزي التونسي ما احتواه.

وقد أماط مشروع القانون اللثام عن المأزق الذي تواجهه تونس، في ظلّ اتساع هوّة العجز في ميزانية 2020 المقدر بـ14% ما يعادل 10 مليارات دينار. عجزٌ تسعى حكومة هشام المشيشي إلى ترقيعه بالاقتراض الداخلي، الأمر الذي رفضه محافظ البنك المركزي، ووصفه خبراء في الاقتصاد بـ"الحل الترقيعي الذي سيزيد من تعميق الأزمة".

وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي قد علّل، في جلسة حوار برلمانية بتاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، رفض البنك ما جاء في مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 في صورته الأولى، بأن مهمته هي المحافظة على التضخم وضمان الاستقرار المالي، مشيرًا إلى أنه حال تمويل الحكومة يجب التفكير في آثار ذلك في المستقبل خاصة على مستوى التضخم وانخفاض قيمة الدينار.

وأكد ضرورة "البحث عن حلول معقولة وواقعية وتحمل جميع الأطراف مسؤولياتها"، مشددًا على أهمية الاستقرار الحكومي لتنفيذ السياسات الاقتصادية والمالية.

أماط مشروع قانون المالية التكميلي اللثام عن المأزق الذي تواجهه تونس، في ظلّ اتساع هوّة العجز في ميزانية 2020 المقدر بـ14% ما يعادل 10 مليارات دينار. عجزٌ تسعى حكومة هشام المشيشي إلى ترقيعه بالاقتراض الداخلي، ما وصفه مختصّون بـ"الحل الترقيعي الذي سيزيد من تعميق الأزمة"

وفي انتظار إعادة إيداع مشروع قانون المالية التكميلي، الذي أكد المشيشي، في ندوة صحفية بتاريخ 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أن هامش التعديلات التي سيتم إدخالها عليه لن يكون كبيرًا، كان لـ"ألترا تونس" لقاء مع عدد من المختصين في الشأن الاقتصادي والمالي، لتدارس الأزمة الراهنة والسبل التي يرونها للخروج منها بأخفّ الأضرار.

إعادة هيكلة المالية العمومية

الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون اعتبر، في هذا الإطار، أن الوضعية الحالية المتأزمة، اقتصاديًا وماليًا، ليست متعلقة بتونس فحسب، بل تشمل العالم أجمع جراء أزمة كوفيد19.

وأشار، في تصريح لـ"ألترا تونس"، إلى أنه "بالنسبة للبنك المركزي، لن يضطر إلى تخفيض قيمة الدينار، لأن الاحتياطي من العملة الصعبة متوفر لدى البنك المركزي، مؤكدًا أن المشكلة لا تتمثل في احتياطي البنك من العملة، بل في دورة النمو الاقتصادي المستعصية لأسباب هيكلية داخلية، ثم لما أضافته أزمة كوفيد على الاقتصاد التونسي، أساسًا في علاقة تونس بشريكها الاقتصادي الأول وهو الاتحاد الأوروبي، وخاصة دول جنوب أوروبا، كإيطاليا وفرنسا، وإسبانيا، وبلجيكا، وهي الدول التي تتعامل معها تونس كثيرا، إضافة إلى ألمانيا".

وتابع القول إن "هناك، بالتالي، إشكالًا على صعيد التجارة الخارجية في ميزان الدفوعات، إذ هناك عجز في هذا الميزان وعجز في الميزانية"، معتبرًا أن "السبب الرئيسي في ذلك هو ضعف النمو، لأن حتى صندوق النقد الدولي عندما تحدث عن عودة النمو بالنسبة لتونس، فهو توقع أن تكون في نهاية 2021 إلى حدود 2%، وبالتالي لن يختلف الأمر كثيرًا عما كان عليه قبل ازمة كوفيد".

الصادق جبنون(خبير اقتصادي): المطلوب الآن هو إعادة هيكلة المالية العمومية وإصلاح المؤسسات العمومية وتحسين مناخ الاستثمار

وأضاف الخبير الاقتصادي أن المطلوب الآن هو إعادة هيكلة المالية العمومية، وإصلاح المؤسسات العمومية وتحسين مناخ الاستثمار، وعودة النمو لأنه في نهاية الأمر الحل الوحيد في مثل هذه الحالات هي الترفيع في نسبة النمو وليس القيام بالإجراءات المؤقتة. 

سياسة الهروب إلى الأمام

ومن جهته، أكد الخبير في الحوكمة، شرف الدين اليعقوبي، أن الوضع الاقتصادي خطير جدًا وضاعفت أزمة كورونا خطورته.

ولفت، في تصريح لـ"ألترا تونس"، إلى أن الحكومات المتعاقبة منذ عشر سنوات ليست بصدد معالجة الإشكاليات الحقيقية بالعودة إلى الأساسيات الاقتصادية، التي ترتكز بالأساس على المحركات الإنتاجية للاقتصاد، على غرار الصناعة، الفلاحة، الموارد التي كانت تونس تحتل مراكز متقدمة في تصديرها على غرار الفسفاط الذي يمثل مصدرًا أساسيًا لمداخيل الدولة، المحروقات التي تعطل إنتاجها منذ أشهر بسبب أزمة الكامور، الصناعات المعملية والسياحة التي تأثرت كثيرًا بجائحة كورونا...إلخ.

وأضاف اليعقوبي: "لا نرى إجراءات تُعنى بهذه القطاعات التي بإمكانها فعلًا أن تكون مصدرًا للمداخيل، ونستسهل الالتجاء إلى الاقتراض والتداين، رغم بلوغنا نسبة خطيرة من المديونية، وقدرتنا على خلاص ديوننا أصبحت محلّ شك مما جعل تصنيفنا لدى مختلف وكالات التصنيف السيادي المالي منخفضًا، وجعل دخولنا إلى السوق المالية للاقتراض صعبًا جدًا"، مؤكدًا أن كلفة ذلك ستكون ثقيلة على تونس، على حد تقديره.

اقرأ/ي أيضًا: عن الدعم الحكومي للشركات والاقتصاد.. إعادة إنتاج الأزمة؟

وتابع الخبير في الحوكمة القول إن الاقتصاد هو بالأساس إنتاج، وإذا ليس هناك إنتاج وعمل وقدرة على المنافسة، سنظلّ بالتالي في دوامة بحث عن حلول شكلية وظرفية ستتواصل بها الأزمة، على غرار التداين الخارجي والداخلي على حدٍّ سواء.

شرف الدين اليعقوبي (خبير في الحوكمة): الحكومة تخير دائمًا الهروب وتأجيل المواجهة الحقيقية، وهو ما سيجعلها في يوم من الأيام تعيش نفس السيناريو اليوناني، وتجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما إما تنفيذ القرارات الموجعة أو تعلن الدولة إفلاسها دون أن تجد من سيساعدها

واعتبر شرف الدين اليعقوبي أن البحث عن التداين من البنك المركزي ستكون له انعكاسات خطيرة جدًا، على غرار ارتفاع نسبة التضخم التي يصفونها بالمستقرة في حدود 5 %، لكنها تعدّ مرتفعة جدًا، مشيرًا إلى أن مساعي حكومة المشيشي للاقتراض من البنك المركزي يصدها مشكل قانوني قبل كلّ شيء.

وأوضح، في هذا الإطار، أن البنك المركزي تحكمه ضوابط قانونية في علاقة باستقلاليته، وبالتالي هو غير قادر على أن يقرض الدولة مباشرة، وحتى إن تمكن من ذلك، فأنه سيظل حلًا ترقيعيًا.

وقدّر اليعقوبي أن هذا الحل الذي اختارته حكومة المشيشي، على خطى الحكومات التي سبقتها، يعدّ هروبًا من القرارات الموجعة والإصلاحات الحقيقية التي ترتكز على العدالة الجبائية وتخفيض كتلة الأجور، وإصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية، وإصلاحات اقتصادية ووضع منوال تنموي حقيقي.

ويرى محدث "ألترا تونس" أن الحكومة تخير دائمًا الهروب وتأجيل المواجهة الحقيقية، وهو ما سيجعلها في يوم من الأيام تعيش نفس السيناريو اليوناني؛ وتجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما إما تنفيذ القرارات الموجعة أو تعلن الدولة إفلاسها دون أن تجد من سيساعدها، مشيرًا إلى أن كلّ تأجيل للإصلاح سيزيد من مفاقمة الأزمة أكثر فأكثر.

واعتبر الخبير في الحوكمة أن "النظام السياسي الحالي حال دون أن تكون لنا حكومات شجاعة قادرة على القيام بإصلاحات موجعة، أو على الأقل تقود حوارًا حقيقيًا يفضي إلى اتفاق حول الإجراءات الإصلاحية الضرورية، ووجدنا أنفسنا دائمًا في كنف حكومات تخير اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام وتأجيل الأزمة"، وفق تقديره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاقتصاد التونسي وجائحة الكورونا: الأزمة الفرصة (2/1)

الاقتصاد التونسي وجائحة الكورونا: الأزمة الفرصة (2/2)