14-مايو-2020

أليس الوقت مبكّرًا لدعم الشّركات؟ (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

أصدرت الحكومة بتاريخ 16 أفريل/نيسان 2020 مرسومًا تضمّن جملة من الإجراءات الجبائيّة والماليّة لمساعدة الشركات والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وبتاريخ 8 ماي/آيار تمّ نشر الأوامر الترتيبيّة المتعلّقة بآليّات تنفيذ المرسوم، أي عمليًا معايير وشروط الحصول على الدّعم الحكومي والتّمويل الاستعجالي لإنقاذ الشركات الصّغرى والمتوسّطة.

يطرح التّداخل بين السياسي والمالي في هذه الفترات الحرجة والأزمات الاستثنائيّة أكثر من سؤال حول شرعيّة إنقاذ الشّركات نفسها

وفي الحيّز الزمني الذي تبدو فيه تونس متحكّمة في جائحتها الصحّية ومتأهّبة للاستعادة التدريجيّة لنسق حياتها الاعتيادي، تطفو التحدّيات الاقتصاديّة على السّطح وإن بطريقة غامضة. ويتعلّق الغموض في تقديرات الكلفة الاقتصاديّة وأولويّات الإنقاذ، إذ لا يبدو أنّنا أمام صورة واضحة أو مكتملة المعالم للخسائر المنجرّة عن الفترة المنقضية من الحجر الصحّي أو الأشهر القادمة. أمّا ما وراء غموض الأولويّات والمعايير، فيكمن غموض مآل القرارات والإجراءات المُتّخذة: هل ستؤدّي فعلًا إلى إنقاذ ما يستأهل الدّعم؟

اقرأ/ي أيضًا: تونس وضرورات سياسة اجتماعية من "خارج الصندوق"

ومن زاوية النّقاش حول الإنقاذ والدّعم وفاعليّته وحدوده الممكنة بل ومخاطره أيضًا، لا تمثّل تونس استثناءً ذلك أن التّداخل بين السياسي والمالي في هذه الفترات الحرجة والأزمات الاستثنائيّة يطرح أكثر من سؤال حول شرعيّة إنقاذ الشّركات نفسها.

عن غموض الكلفة أو "الحجر الصحّي" للمعطيات؟

ليس تجميع المعطيات الكمّية والاقتصاديّة في زمن الحجر الصحّي مسألة هيّنة، بل هو الشّرط الرئيس للتّعاطي مع الوضع. ولا يمكن في السّياق التونسي الوثوق أو على الأقلّ تقييم التواصل الاعتيادي لتجميع المعطيات في القطاعين العامّ والخاصّ: مستويات البطالة والتقييم الكمّي الدقيق لتوقّف التوريد والتصدير وانعكاس كلّ ذلك القطاعات.

ورغم عدم وضوح الرؤية بخصوص تأثير الجائحة على عمليّات الإحصاء وتجميع المعطيات لا سيّما في الدّول التي لا تزال الرقمنة فيها متعثّرة على غرار تونس، فإنّ بعض مراكز الأبحاث قد بدأت بالتّحذير من التّراخي في ضبط الإحصاءات ومعايير تجميعها1 وانعكاس ذلك على اتّخاذ القرار السياسي والاقتصادي.

ليس تجميع المعطيات الكمّية والاقتصاديّة في زمن الحجر الصحّي مسألة هيّنة

أمّا في الحالة التونسيّة، فليس انعكاس الجائحة على تجميع المعطيات الاقتصاديّة ودقّتها موضوع اهتمام بعد، رغم أنّ غياب نشريتين رئيسيّتين من نشريّات البنك المركزي للمتابعة الاقتصادية بالنّسبة للثلاثية الماضية يطرح أكثر من تساؤل2.

أمّا من زاوية القطاع الخاص وأرقام البطالة، ورغم بعض الاحتجاجات الاجتماعيّة وما يتبادر من أخبار حول تسريح الموظّفين في بعص القطاعات، فالأرجح أنّه يجب انتظار الأشهر القادمة لتبيّن الارتفاع الحقيقي في نسب البطالة بسبب صعوبة وتعقيدات وكلفة الإجراءات القانونية في التّوظيف والتّسريح.

وعلى وجه المقارنة، فإنّ إحدى أسباب ارتفاع نسبة البطالة في الولايات المتّحدة في ظرف قياسي والتي تُقدّر بـ14.7 في المائة (20 مليون عاطل عن العمل) في الشهر الماضي إنّما تُعزى إلى مُرونة سوق العمل على عكس السياق في تونس وبعض الدّول الأوروبية.

أسئلة متعدّدة

ماذا يعني الدّعم دون معطيات أو إحصاءات؟ على أيّ أساس يتمّ تحديد المنتفعين المحتملين؟ أليس الوقت مبكّرًا لدعم الشّركات؟

تغدو هذه الأسئلة أكثر إشكاليّة إذا ما اطّلعنا على تفاصيل الأمر الصادر في الرّائد الرسمي بتاريخ 8 ماي/آيار 2020. ودون الحاجة للخوض في كلّ التّفاصيل الإجرائية، فإنّه تكفي الإشارة إلى أنّ الإجراء يستثني المشاريع المتمتّعة بنظام الضريبة الموحّد المبسّط وهي في جلّها مشاريع صغيرة وهي الأكثر هشاشة بصفة عامّة. كما أنّ الشروط، على غرار اشتراط تبيان انهيار رقم المعاملات بالربع مقارنة بمارس الماضي أو بـ40 في المائة مقارنة بأفريل/نيسان الماضي يفترض أنّ الشركات ذات الوضعية الجبائيّة والمحاسبيّة المضبوطة والواضحة وحدها تستطيع الاستفادة.

اقرأ/ي أيضًا: هل تدفع أزمة كورونا تونس إلى مزيد التفكير في أمنها الغذائي؟

من زاوية نظريّة يمكن افتراض أنّ ذلك شرط نزيه وعادل ولكنّ قيود الإدارة التونسية وتعقيداتها والواقع المُعاش تجعلنا ندرك أنّ الشركات الصّغيرة والمشاريع الصغرى الأكثر هشاشة والتائهة في علاقة صعبة مع الإدارة هي المتضرّر الأوّل وهي الخاسر الأكبر.

ماذا يعني الدّعم دون معطيات أو إحصاءات؟ على أيّ أساس يتمّ تحديد المنتفعين المحتملين؟ أليس الوقت مبكّرًا لدعم الشّركات؟

وإذا كان الأمر الترتيبي قد استثنى شركات لا بدّ لها من الاستثناء على غرار البنوك وشركات التأمين وتنقيب البترول فإنّه لم يستثن شركات السياحة رغم أنّ قطاع السياحة موعود بدعم سخي بـ500 مليون دينار وفق تلميحات وزير السياحة نفسه.

نحن إذا إزاء دعم شروطه الموضوعية تبدو قانونيًا عادلة ومعقولة، ولكنّها تطرح من زاوية الواقع المُعاش اقتصاديًا تحدّيات جدية وأكثر من سؤال عن عدالتها. هل يُعقل أن يتمّ استثناء التعاونيّات الفلاحيّة والجمعيّات في حين تحتاج تونس في هذا الظّرف بالذّات إلى كلّ قواها التعاونيّة والتضامنيّة؟

طبعًا لا يعني ما تقدّم ضرورة مراجعة شروط الدّعم فحسب وإنّما فلسفته والأساس الذي انطلق منه. إذ ما نحتاج إليه هو إنقاذ الوضع الاجتماعي والموظّفين في حال هُدّدوا بالإقالة والأسلم هو دعمهم مباشرة دون المرور بالشّركات أو القطاعات. إذ نحتاج إلى نقاش وطني مفتوح وأكثر شفافيّة بخصوص القطاعات التي نريد إنقاذها وبأيّة شروط في حال رغب دافع الضّرائب في ذلك.

أمّا الإنقاذ المشروط بالإجراءات البيروقراطيّة المتهافتة، فقد يكون مدخلا لإعادة إنتاج الرداءة وافساد، ومدخلًا لأزمة أكبر.

 

المصادر:

[1]  مقال حول حفظ البيانات الاقتصادية في علاقة بكوفيد-19.

[2]  نشرية الإحصاءات المالية الشهرية للبنك المركزي، آخر عدد شهر جانفي 2020، نشريّة الظّرف الاقتصادي الثلاثية آخر عدد شهر جانفي 2020.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاقتصاد التونسي وجائحة الكورونا: الأزمة الفرصة (2/1)

الاقتصاد التونسي وجائحة الكورونا: الأزمة الفرصة (2/2)