19-نوفمبر-2021

الغنوشي: "ما حصل يوم 25/07 هو انتصار للثورة المضادة توفرت أسبابه، هي مجرد معركة مهمة كسبوها إنما الحرب سجال" (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

الترا تونس - فريق التحرير

 

قال رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي المعلقة أعماله من قبل الرئيس قيس سعيّد منذ 25 جويلية/ يوليو الماضي، راشد الغنوشي، في مقال له نٌشر الخميس 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بصحيفة الرأي العام التونسية، إن "قرارات 25/07 الصاعقة وما تلاها من قرارات 22/09 هي إعلان عن انتصار الشعبوية في مواجهة الثورة، وقد يمثل ذلك أيضًا بداية النهاية لها ولمؤسساتها، ولكنه يُخشى أن تكون بدايات تمهّد لحكم العسكر على نحو أو آخر..".

وتعرض في ذات المقال لما أسماها أسباب ومسببات قرارات سعيّد في 25 جويلية/ يوليو 2021، قائلًا "لم تأت 25 جويلية صدفة بل إن لها مقدماتها الضرورية: رئيس حكومة ضعيف محاط بشرنقة من أصحاب المصالح لا تهمهم غير مصالحهم، فغابت إرادة القرار واليقظة وغابت المسؤولية وغاب الإنجاز، والمثال الأبرز والكارثي تعاملهم مع الجائحة بالمماطلة واللامبالاة، فلا هم أعدوا اللقاحات ولا التجهيزات الكفيلة بخوض الحرب على الجائحة بكفاءة بما مثّل فضيحة وتقصيرًا شنيعًا في حق الشعب، حتى احتلت تونس ذيل الدول الفاشلة في الحرب على الجائحة وعدد الضحايا".

الغنوشي: في الحقيقة كان كل شيء يدعو إلى التغيير والخروج من الوضع الذي تردت فيه البلاد ولكن الشركاء وهم كثر، وبعضهم وخاصة كتلة الإصلاح شديدة الارتياح للوضع القائم، فلم نملك نحن الشركاء الجرأة على اتخاذ قرار المغادرة ولو من طريق سحب الثقة من تلك الحكومة الميتة

وأضاف في ذكر الأسباب "مركز رئاسي قوي مصمم على التعطيل والإطاحة بالحكومة والانفراد بكل السلطات. إلا أنه ومهما بلغ الحاكم المتفرّد من العبقرية لن يُفلح، وما ينبغي الاستسلام له"، إضافة إلى "حزام سياسي رخو لم يستطع لا حمل الحليف على الإنجاز ولا حتى تهديده جديًا بسحب الثقة، مما أغراه بمواصلة سياسة الإهمال وعدم الجدية إلى حدّ العبث، حتى آل أمر البلاد إلى حال من الشلل شبه الكامل، وليس ذلك غريباً على الأحلاف الحكومية فهي عادة ضعيفة ورخوة".

وتابع الغنوشي، في مقاله، "في الحقيقة كان كل شيء يدعو إلى التغيير والخروج من الوضع الذي تردت فيه البلاد ولكن الشركاء وهم كثر، وبعضهم وخاصة كتلة الإصلاح شديدة الارتياح للوضع القائم، فلم نملك نحن الشركاء الجرأة على اتخاذ قرار المغادرة ولو من طريق سحب الثقة من تلك الحكومة الميتة أصلاً بعد أن فرض عليها قيس الشلل بتعطيله للتحوير كتعطيل للمحكمة الدستورية، بل إن آخر دورة لمجلس شورى النهضة قبل الانقلاب، قرّر مواصلة دعم المشيشي بنسبة 90‎%‎، دلالة ذلك على ضعف في وعي النخبة وإرادة القرار".

أما عن الخلاصة والدروس، كما أطلق عليها الغنوشي، من قرارات 25 جويلية/يوليو، فيقول رئيس حركة النهضة "جاءت قرارات سعيّد مستجيبة معبرة عن إرادة شعبية صادقة متعطشة إلى التغيير، ضائقة ذرعًا بالحكومة وحزامها السياسي، فكانت من قبيل ما يجب فعله ممن له المسؤولية وأساساً رئيس الحكومة، فإذ لم يفعل فواجب حزامه السياسي أو الحزام الداعم لها، ولم يفعلا، فجاءت إجراءات الرئيس وكأنه يفتح قناة أكسيجين في أجواء مختنقة بالكوفيد، الأكسيجين الذي عجزت عن توفيره حكومة المشيشي للمختنقين، وهكذا عندما يتأخر عن الفعل الإنقاذي الواجب ممن يجب عليه القيام به، يغدو مشروعًا بل واجبًا على غيره".

الغنوشي: جاءت إجراءات الرئيس وكأنه يفتح قناة أكسيجين في أجواء مختنقة بالكوفيد، الأكسيجين الذي عجزت عن توفيره حكومة المشيشي للمختنقين، وهكذا عندما يتأخر عن الفعل الإنقاذي الواجب ممن يجب عليه القيام به، يغدو مشروعًا بل واجبًا على غيره

ويضيف الغنوشي "ليس هناك ما يشهد على أن رئيس الدولة له انتماء من قريب أو بعيد للاستئصال، ولكن لا يخلو محيطه من أصحاب مصالح بل حتى استئصاليين خصوم للمنزع المحافظ، بما يفرض الحذر من دفعه إلى التورّط في توظيف شعبيته في التخلّص من خصومهم".

ويؤكد الغنوشي ما عبر عنه سابقًا في توصيف ما حدث "سياسيًا وليس بالضرورة إعلاميًا ما حصل انقلاب كامل الأوصاف على الدستور وعلى الثورة تمّ الإعداد له، ويترجم رؤية بشّر فيها الرئيس بنظام سياسي غير ما جاء به دستور الثورة، نظام مجلسي جماهيري لا مكان فيه لمؤسسات وسيطة من برلمان وأحزاب ومحكمة دستورية.. هي علاقات مباشرة بين قائد وشعب، هناك سلطة واحدة سلطة الرئيس، حيث تتمركز فيها كل السلطات".

ويتابع "الجدير بالملاحظة أن قيس سعيّد، كما أشرنا سابقًا، لا يقف على نفس الأرضية الثقافية لكثير من مشايعيه، وموقفه من الإرث مثلًا شاهد على تمسكه بالنص الثابت الورود القطعي الدلالة. رجل طموح إلى السلطة، قد تمت تعبئته بمشاعر ضدية للنهضة من قبل إيديولوجيين يدفعونه دفعًا ليكون هراوة ثقيلة يسددونها إلى خصومهم الإسلاميين، بما يفرض التنبّه وعدم الاستدراج والتورّط في معارك لا يستفيد منها غير أعداء الثورة، فيجب التمييز بين الأمرين".

الغنوشي: "سياسيًا وليس بالضرورة إعلاميًا ما حصل انقلاب كامل الأوصاف على الدستور وعلى الثورة تمّ الإعداد له، ويترجم رؤية بشّر فيها الرئيس بنظام سياسي غير ما جاء به دستور الثورة"

ويوضح الغنوشي رؤيته "لقد هللت لما حصل يوم 25/07 جماعات ودول وأبواق… مصرّة على اعتباره سقوطًا نهائيًا لمنظومة الثورة منظومة ثورة 14، واعتبره البعض الآخر انتهاء للإسلام السياسي، ونحن نُقرّ أنه انتصار للثورة المضادة توفرت أسبابه، وكل شيء توفرت أسبابه وقع.. هي مجرد معركة مهمة كسبوها، إنما الحرب سجال، يوم لك ويوم عليك، تونس بلد صغير حمل أوزارًا لا طاقة له بها، أوزار انتقال ديمقراطي في وضع إقليمي مالت موازين قواه إلى حين لصالح القوى المضادة للثورة، متوجسة من أنموذج لحكم ديمقراطي ترى فيه تهديدًا وجوديًا مرعبًا لجملة النظام الإقليمي الأوتوقراطي. أما ما أدمنت عليه أحزاب تحتضر وطال احتضارها، من التبشير بمناسبة كل عملية إرهابية أو قرارات حكومية أو  تراجع انتخابي لحركة إسلامية، أو حتى من غير مناسبة فتسارع إلى إطلاق العنان إلى أبواقها مبشرة في يقين بنهاية النهضة..كم من مرة ماتت النهضة ؟!". 

ويتابع "لقد انتقلت تونس بثورتها المباركة من حكم فردي استبدادي إلى حكم ديمقراطي يقوده أبناء الثورة إلى حكم توافقي، مزيج من الثورة ومن المعتدلين من النظام القديم، إلى حكم شعبوي في السلطة وفي المعارضة، مضاد للثورة هو وهدة في مسار الانتقال الديمقراطي الذي تمر به بلادنا، والخشية أن تكون قرارات 25/7 بداية لحكم عسكري مقنّع على طريقة أمريكا اللاتينية أو سافر على الطريقة العربية الإفريقية.. ومع ذلك نحن على يقين أنه لن يمضي وقت طويل حتى تسترد الثورة وتلتقط أنفاسها وتستأنف مسارها في أوضاع محلية وإقليمية أفضل.. إذ الشعبويات مجرد إيهامات بالقدرة على ملء الأرض عدلاً بعد أن ملئت جورًا!! ولكن السكرة لا محالة لن يتأخر طويلاً زوال مفعولها".

الغنوشي: الشعبويات مجرد إيهامات بالقدرة على ملء الأرض عدلاً بعد أن ملئت جورًا!! ولكن السكرة لا محالة لن يتأخر طويلاً زوال مفعولها"

ويشدد الغنوشي، في ذات المقال، "الرهان هو استعادة الديمقراطية وتجميع كل قوى الداخل والخارج من أجل هدف واحد هو وضع قطار تونس الحبيبة على سكة الديمقراطية بالمحافظة على النظام البرلماني ولو بتعديلات وبناء المحكمة الدستورية وتعديل القانون الانتخابي وعودة البرلمان مع تعديلات في نظامه الداخلي بما يضع حدًا للفاشية والفوضى، مع الحرص الشديد على تجنب الصدام مع الدولة ومؤسساتها، وتجميع قوى الشعب لوضع حد للانقلاب وقوى الردة والفاشية. الاستقطاب الوحيد المطلوب إنما هو مع الانقلاب أو ضده، مع الديمقراطية والثورة والدستور وتوزيع السلطات والحكم المحلي والحريات العامة والخاصة أو مع أضدادها في الضفة المقابلة.

والجدير بالملاحظة هنا أن الرياح الدولية تهب لصالح استئناف الثورة مسارها الديمقراطي بفشل الانقلاب، وأنه حتى لو اختفت النهضة جملة كما يتمنى أعداؤها، فإن المجتمع التونسي لن يبطئ طويلًا عن معارضة مشروع الانقلاب".

الغنوشي: لا بد أن نترك لفواعل الواقع وضغوطه اليومية على كل حاكم، أن تعمل عملها ضغطًا عليه لإنزاله من علياء شعاراته إلى أرض الواقع بما يفرض عليه اكتشاف التناقض السافر، ليس بينه وبين النهضة وإنما بينه وبين مطالب المجتمع والنخب

ويؤكد رئيس حركة النهضة "إن نظرية سعيّد “الشعب يريد وهو يعرف ما يريد” كنظريته حول نظام الحكم الجماهيري دون أحزاب وبرلمان، غير قابلة لأن تترجم إلى خلاص مديونية وتمويل ميزانية وأسعار مناسبة ومواطن شغل وحاجات شعب تزداد تعقيدًا. فلا بد أن نترك لفواعل الواقع وضغوطه اليومية على كل حاكم، أن تعمل عملها ضغطًا عليه لإنزاله من علياء شعاراته إلى أرض الواقع بما يفرض عليه اكتشاف التناقض السافر، ليس بينه وبين النهضة وإنما بينه وبين مطالب المجتمع والنخب، فلندعه يحكم، ولو نجح، فلن يحزّ ذلك في نفوسنا بل سنفرح له وسنعينه ولن نعيقه. فتونس أغلى علينا من النهضة بل من أنفسنا.."، مضيفًا "الاستقطاب ليس بين النهضة وبين قيس سعيّد، بل بين الرئيس وبين الشعب الذي يهتف له اليوم، ويضع كل السلطات على عاتقه وحده. وإنها فرصة لتتفقّد النهضة أوضاعها ويعود منخرطوها إلى بيتهم، لإصلاحه بحسن الإعداد لمؤتمرهم 11 وليكونوا مجددًا على الطريق الذي يعيدهم إلى شعبهم".

 

اقرأ/ي أيضًا:



حجز كتب عن راشد الغنوشي بمعرض تونس الدولي للكتاب يثير الجدل والانتقادات

رفضت "تطويع القضاء".. النهضة تتضامن مع المرزوقي إثر إصدار بطاقة جلب في حقه