18-يوليو-2022
 الغنوشي

الغنوشي: "الديمقراطية التونسية قد تلقت ضربة ولم تنكسر بالتأكيد" (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

الترا تونس - فريق التحرير

 

 

يقول رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل في تونس، راشد الغنوشي، الاثنين 18 جويلية/ يوليو 2022، في توصيف الوضع الراهن في تونس إن "الانتقال الديمقراطي لم يستقر، ومررنا من النظام الديكتاتوري ومركز القرار الواحد إلى تعدد المراكز متعددة السلطات، وكانت السنوات العشر الماضية غريبة عن السياق التونسي والإقليمي. ولم يكن لتلك الصورة أن تستمر لأسباب داخلية وأخرى خارجية، وبدأ نوع من الحنين للرجوع إلى الماضي، وبعض الناس بدؤوا يضيقون بالحرية لأنها لم تحقق كل ما نريد".

الغنوشي: "من يظن أن 10 سنوات من الثورة تم شطبها وانتهت واهم لأن الشعب ذاق الحرية وليس من السهل أن تعيد جيلاً إلى نظام فردي مطلق"

وتابع، في مقابلة مع صحيفة "العربي الجديد"، "لم يكن غريباً حصول انقلاب في تونس، فقد حصل في بلاد أخرى وبشكل أشنع مما حدث في تونس، حيث أمسكت المؤسسة العسكرية بالحكم وداست بالدبابات على الناس. فالمصيبة التي حصلت في تونس هي الحد الأدنى من منتجات الانقلاب. ومن يظن أن عشر سنوات من الثورة تم شطبها وانتهت واهم، لأن الشعب ذاق خلال هذه السنوات الحرية، وليس من السهل أن تعيد جيلاً إلى نظام فردي مطلق. ولذلك آثار من الثورة ما زالت منغرسة في عقول التونسيين وقلوبهم"، وفق تقديره.

 

 

ووصف رئيس حركة النهضة حملة الاستفتاء، التي انطلقت في 3 جويلية/يوليو الجاري وتتواصل إلى نهاية هذا الأسبوع، بل"الحملة الباردة"، مضيفًا "ذلك دليل على أن التونسيين لم يأخذوا الدستور والاستفتاء محمل الجدية، واللعبة لم تنطل عليهم، وأدركوا أنها لعبة مكشوفة ولن تؤتي شيئاً جديداً. وقد رأينا استشارة إلكترونية لم يشارك فيها سوى أقل من 5 بالمائة، وحالة الاستفتاء لن تكون أحسن من ذلك. التونسيون لم يأخذوا هذه المشاريع على أنها مشاريع تحول ديمقراطي، بل هي مشاريع نكوص إلى الوراء وتشريع للانقلاب وإعطاؤه نوعاً من الشرعية".

الغنوشي: بشّر سعيّد بنظام قاعدي وسلطة في مركز واحد وهو نموذج ما قبل الحداثة الغربية السياسية التي تقوم على فصل السلطات وتوازنها ومراقبة بعضها البعض

يقول الغنوشي، في ذات المقابلة، إن "قيس سعيّد ليس متناقضاً مع نفسه، وهو بشّر بهذا النموذج من قبل ووجد الفرصة لتحقيقه. بشّر بنظام قاعدي وسلطة في مركز واحد، وهو نموذج ما قبل الحداثة الغربية السياسية التي تقوم على فصل السلطات وتوازنها ومراقبة بعضها البعض، وهو واع بذلك. وهو أيضاً نموذج يعود حتى لما قبل الإصلاح الإسلامي، لأن الإسلام ضد الحكم الفرعوني، وضد حكم الفرد، بل هو نظام يتحدث عن الشورى. وقيس سعيّد في سياق التاريخ هو سلطان من السلاطين وباي يجلس في مقعد القضاء ويحكم بين الناس بنفسه، موقعه تاريخياً ما بعد الخلفاء الراشدين، وما قبل الإصلاح الإسلامي وما قبل الحداثة".

واعتبر أن الظروف قد واتت سعيّد ليقوم بما قام به منذ 25 جويلية/يوليو 2021، "ووجد الظرف الإقليمي مناسباً لذلك"، وفق تقديره، مؤكدًا أن تواصل هذه الفترة من عدمه مرتبط بـ"صبر الناس وقدرة المعارضين على تجميع صفوفهم بتجاوز خلافاتهم الثانوية، وإدراك أن الأولوية ليست مقاومة هذا الطرف لذاك، وإنما الأولوية المطلقة لمقاومة الديكتاتورية العائدة التي ستواجه الجميع".

وأكد الغنوشي، في سياق متصل، أن "الديمقراطية التونسية قد تلقت ضربة ولم تنكسر بالتأكيد"، وفقه، موضحًا "نحن شديدو الإيمان أن تونس عاشت خلال عشر سنوات حرية وديمقراطية معاصرة، لا تقل عن حرية العواصم الديمقراطية، كلندن وباريس وبرلين وواشنطن، والتونسيون لن يتنازلوا عن ذلك"، ومشيرًا إلى أن "التوجه الآن في المحصلة هو عزل الانقلاب شعبياً".

الغنوشي: سعيّد في سياق التاريخ هو سلطان من السلاطين يجلس في مقعد القضاء ويحكم بين الناس بنفسه موقعه تاريخياً ما بعد الخلفاء الراشدين وما قبل الإصلاح الإسلامي وما قبل الحداثة

وعن توجه سعيّد إلى فرض أمر واقع والمضي في مشروعه، يقول "بالتأكيد هو مصمم على هذا، وهو لا يحاور ولا يسمع أحداً. السياسة عنده عقائد وليس مصالح، وفيها تناقض بين الخير والشر، والحلال والحرام، وبين السيئ والحسن. فالسياسة عنده ليست نسبية، وليست هناك حالة الوسطية أو المنزلة بين المنزلتين، ومخالفوه هم خونة ومتآمرون وجراثيم وضفادع وكواسر وعملاء، وهذا تنظير للعنف والحرب الأهلية وتقسيم للتونسيين".

 

 

وعن تلويح عدد من داعمي الرئيس التونسي بأن عدم التصويت بنعم على الدستور هو عودة للـ"النهضة" والغنوشي للحكم، يقول الأخير "هذا ليس صحيحاً. هذا خطاب فضائحي عرفته الساحة، وبالنسبة لنا رئاسة الدولة ليست الهدف الأسمى، بل عودة الديمقراطية إلى تونس هي الهدف. ونحن قلنا أكثر من مرة إننا على استعداد كامل لأي سيناريو وأي صورة من أجل ذلك، وتنازلنا سنة 2013 عن الحكومة وتركناها خلال الحوار الوطني من أجل بقاء الديمقراطية ومن أجل أن نضع دستوراً لتونس. وتنازلنا عن أشياء أكبر من رئاسة الدولة، وقلنا للمعارضة وقتها، قدموا لنا مقترحاً لإنقاذ البلاد وسنتنازل، لا عن الرئاسة فقط، بل حتى عن المشاركة في الحكومة".

الغنوشي: رئاسة الدولة ليست الهدف الأسمى بل عودة الديمقراطية إلى تونس هي الهدف.. والتوجه الآن هو عزل الانقلاب شعبياً

وتابع "نحن اليوم مستعدون لذلك أيضاً. وكما تنازلنا سابقاً فنحن اليوم مستعدون للتنازل عن أي موقع، حتى عن المشاركة أصلاً، المهم إنقاذ الديمقراطية، لأنني كمواطن، في الديمقراطية أتمتع بكل الحقوق، بينما في غيابها لا يبقى لي أي حق. وإذا خيّرت بين أن أكون رئيساً في نظام ديكتاتوري، أو أن أعيش مواطناً في نظام ديمقراطي لكان خياري هو الثاني".

وعن الموقف الدولي من الأزمة السياسية في تونس، يقول الغنوشي "هناك تطور واضح، بدأ بصمت فُهم منه نوع من الرضا، ثم تطور إلى رفض صريح وقوي من مختلف وزارات الخارجية والمنظمات الدولية لضرب الديمقراطية والتطورات السلبية التي حدثت في تونس، وأصبحت المواقف أكثر صراحة ووضوحاً. ولكن بفعل الحرب الأوكرانية خفت اللهجة، لأن الأولوية الدولية اليوم ليس نشر الديمقراطية وإنما مواجهة روسيا وحلفائها".

وأضاف في ذات السياق "تقديرنا أن الذي يصنع التغيير في الحقيقة هم التونسيون متى أدركوا أنهم خدعوا بخطابات فضفاضة لتحسين الحياة ومقاومة الفساد وشيطنة الثورة. ولكنهم يرون اليوم أن هناك أزمة في كثير من السلع الأساسية المفقودة، أو التي ارتفعت أسعارها، وهم يلاحظون ملاحقة الإعلاميين والأحزاب والنشطاء أمام المحاكم العسكرية، والشعب التونسي يزداد وعياً بأنه خسر كثيراً ولم يربح شيئاً".

الغنوشي: "الذي يصنع التغيير في الحقيقة هم التونسيون متى أدركوا أنهم خدعوا بخطابات فضفاضة والشعب التونسي يزداد وعياً بأنه خسر كثيراً ولم يربح شيئاً"

وعن الحل، يقول "نحن اليوم في أزمة، والأزمات لا تحل بإقصاء الآخر وبتجريمه قضائياً لإخراجه من الساحة، وهذا هو مشروع سعيّد. والمشروع المقابل له هو مشروع حوار، لكنه لم يستجب إلى أي دعوة، كدعوة اتحاد الشغل أو دعوتنا نحن للحوار، وما زلنا ندعو إلى حوار لا يقصي أحداً، لأن العقبة الكبرى لأي إصلاح هو الإقصاء، وأن تراهن على تونس دون يسار أو دون إسلاميين أو بلا نقابات. هذا رهان على العنف والإقصاء"، موضحًا "و حوار لا يقصي أحداً على قاعدة دستور 2014، ويمكن أن يكون هذا الدستور فيه نواقص ويمكن أن نتجاوزها. ونحن ندعو إلى حوار فيه قيس سعيّد، لا يستبعد ولا يقصي أحداً إلا من أقصى نفسه، وإذا رفض، وهذا منتظر، فينبغي أن يكون حواراً بدونه".

وتابع في توضيح مقترحه، الذي يقول إنه توجه جبهة الخلاص الوطني أيضًا، "يمكن أن تشرف عليه منظمات المجتمع المدني التي أشرفت على الحوار في السابق، أو شخصيات محايدة يرتضيها الجميع، وهناك مساع في هذا الصدد لإقناع عدد من الشخصيات لقيادة هذا الحوار. ويفضي هذا الحوار إلى حكومة إنقاذ يديرها اقتصاديون وتستمد شرعيتها من مجلس نواب الشعب، الذي نعتبره شرعياً، ثم تنظم انتخابات تشريعية ورئاسية تحت إشراف الحكومة ثم نعود إلى الشرعية".

الغنوشي: المشروع المقابل لسعيّد هو مشروع حوار، لكنه لم يستجب إلى أي دعوة.. وما زلنا ندعو إلى حوار لا يقصي أحداً

وعن دعوته للتحقيق الثلاثاء 19 جويلية/ يوليو الجاري وإمكانية إيقافه، يقول الغنوشي "كل شيء متوقع مع الديكتاتورية ولا أستبعد شيء.. هم يستهدفون الحزب الأكبر في البلاد، ومشروع سعيّد هو استبعاد كل الأحزاب وهو ينطلق من الكبير..".

يُذكر أنه تم استدعاء الغنوشي للتحقيق يوم الثلاثاء 19 جويلية/يوليو 2022 فيما يعرف بقضية جمعية "نماء تونس" التنموية، وذلك وسط حملة دعائية متواصلة للاستفتاء في البلاد إلى حدود 23 حويلية/يوليو الجاري.

 

تونس