27-سبتمبر-2022
 الفلاحة في تونس

تمرّ الأراضي الفلاحية السقوية العمومية بأسوأ فتراتها خلال السنوات الأخيرة وخاصّة منها تلك التي تمتد على الوسط والساحل (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

 

تمرّ الأراضي الفلاحية السقوية العمومية بأسوأ فتراتها خلال السنوات الأخيرة وخاصّة منها تلك التي تمتد على الوسط والساحل وذلك بسبب قلّة الأمطار ونقص المياه ونضوب السدود وخاصة سد نبهانة، الذي يعتبر المزوّد الرئيسي لولايات سوسة والمنستير والمهدية والقيروان.

الفلاحون في تونس يطلقون نداء استغاثة بسبب تقييد منسوب التزوّد بالمياه مما أضر بالمنتجات الفلاحية وخاصة منها الباكورات والفلاحة البقلية والأشجار المثمرة

الفلاحون في تونس يطلقون نداء استغاثة عند كلّ موسم فلاحيّ بسبب تقييد منسوب التزوّد بالمياه مما أضر بالمنتجات الفلاحية وخاصة منها الباكورات والفلاحة البقلية والأشجار المثمرة. وحسب معطيات وزارة الفلاحة التونسية فإن منطقة الوسط أين توجد أودية نبهانة ومرق الليل وزرود والساحل، توفر موارد مائية سطحية سنوية تقدر بحوالي 320 مليـون متـر مكعـب فـي السـنة، أي مـا يقـدر بحوالـي ٪12 مـن جملـة الموارد المائية السطحية على المستوى الوطني.

وبعد أن كان يزود وادي نبهانة في المواسم العادية كل ولاية من ولايات الساحل بنحو 7 ملايين متر مكعب من مياه السد تقلص إلى أقل من 2.5 مليون متر مكعب سنويًا.

ولعل الموسم الفلاحي لهذه السنة يعتبر من أصعب المواسم باعتبار أن كميات المياه الواردة من سد نبهانة غير كافية مما دفع بالفلاحين إلى اعتماد طرق أخرى في الري من ذلك استعمال الآبار السطحية مرتفعة الملوحة وخلطها بمياه عذبة علاوة على استعمال الصهاريج بكلفة مرتفعة وهذا ما سبب ارتفاعًا في كلفة الزراعات تحت البيوت الحامية نظرًا لغلاء مستلزمات الإنتاج  وسعر الماء الذي يقومون بجلبه.

كميات المياه الواردة من سد نبهانة غير كافية مما دفع بالفلاحين إلى اعتماد طرق أخرى في الري وهذا ما سبب ارتفاعًا في كلفة الزراعات

 

 

لاستجلاء هذه الأزمة التي تمس الأمن الغذائي في تونس وتبيّن تأثيرها على القطاع الفلاحي وعلى الفلاحين مباشرة، اتصل "الترا تونس" برئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين بسوسة باعتبار هذه الجهة نموذجية في الإنتاج الفلاحي وتتمتع بأراض فلاحية شاسعة وتمثل همزة الوصل بين الشمال وباقي الساحل والمنطقة الوسطى.

يقول حسان اللطيّف لـ"الترا تونس" "ولاية سوسة منطقة فلاحية بامتياز وتحتضن الزراعات الكبرى والمناطق السقوية وتربية الماشية إذ تضم الولاية 11 ألف هكتار من المناطق السقوية منها 2500 مناطق سقوية عمومية لا يستغل منها اليوم سوى 250 هكتارًا".

 

رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين بسوسة

حسان اللطيّف رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين بسوسة

 

وحول قلة ونقص المياه، يقول اللطيّف "لابد من إيجاد حلّ جذري لندرة المياه التي تمثل معضلة كبيرة للقطاع الفلاحي ووجب الإشارة إلى أن سد نبهانة وسد الرمل يزودان ما يقارب 5000 هكتار والمزود الأساسي للمناطق السقوية العمومية هو سد نبهانة وهذا النقص في التزود بمياه الري دفع بالفلاحين إلى ضعف المنتوج والإفلاس".

رئيس اتحاد الفلاحين بسوسة لـ"الترا تونس": "لابد من إيجاد حلّ جذري لندرة المياه التي تمثل معضلة كبيرة للقطاع الفلاحي.. هذا النقص دفع بالفلاحين إلى ضعف المنتج والإفلاس"

ويضيف حسان اللطيّف لـ"الترا تونس": "من الضروري اليوم أمام هذا الخطر بسبب ندرة المياه أن تعجّل الدولة بإيجاد الحلول التي من بينها حفر الآبار العميقة عن طريق المجالس الجهوية للولاية أو وزارة الفلاحة، وهناك مقترحات أخرى تتعلق بتوظيف الطاقات المتجددة ومحطات تحلية المياه".

ويشير رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بسوسة إلى أن "كميات المياه بسد نبهانة قد خصصت منذ إنشائه إلى أن تكون المزود للقطاع الفلاحي غير أنه في السنوات الأخيرة قد سيطرت عليه الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد) وصارت تستعمل منه كميات هامة للشرب في إطار إيجاد حلول سريعة لمعضلة النقص في مياه الشرب، في حين وجب أن تجد الشركة آليات أخرى أكثر جدوى وفاعلية وترك ذاك المنسوب للقطاع الفلاحي فحسب"، وفقه.

رئيس اتحاد الفلاحين بسوسة لـ"الترا تونس": في السنوات الأخيرة سيطرت الصوناد على سد نبهانة والذي كان مزودًا أساسيًا للقطاع الفلاحي وصارت تستعمله لمياه الشرب

ويقول حسان اللطيّف إنه "بالرغم من أن البلاد التونسية ذات رقعة جغرافية محدودة وعدد سكان محدود بالمقارنة مع دول أخرى فإنها تعدّ رابع دولة في إنتاج المياه المعدنية المعلّبة وكان من الأحرى أن تتملك الدولة تلك المصادر المائية الضخمة لا أن تمنحها للشركات الخاصة الذي تبيعها للمواطن بأسعار مرتفعة".

ويضيف لـ"الترا تونس" أن المناطق الفلاحية السقوية التي قدرناها بـ2500 هكتار ينتفع منها حوالي 600 عائلة غير أن قلة المياه ومشاكل أخرى متعلقة بالقطاع ككل أضعفت المردوديّة الفلاحية فلا يجد ما يغطي مصاريفه عند بيع المنتوج ولعل ما زاد في الطين بلّة تدخل وزارة التجارة لتحديد سقف بيع المنتوج الفلاحي دون مراعاة التكلفة الحقيقية للإنتاج".

 

 

من جهته، يقول محمد العبيدي، المندوب الجهوي للفلاحة بسوسة، في تصريح لـ"الترا تونس" إن "المساحات الفلاحية في ولاية سوسة تناهز 155 ألف هكتار وتمثل 77 في المائة من المساحة الجملية وتشغل 12 في المائة من اليد العاملة".

وأشار العبيدي إلى أن "الإدارة الجهوية للفلاحة بسوسة قد أعدت مشروعًا مندمجًا لتطوير للقطاع الفلاحي في المناطق الداخلية للولاية التي لم تستنفذ حقها بالعناية اللازمة وهذه المناطق تحديدًا من معتمدية بوفيشة إلى معتمدية سيدي الهاني وهو مشروع كلفته تناهز 170 مليون دينار، يضم العديد من المرافق وسيبرمج ضمن المخطط التنموي 2023/2025 وقد تم استكمال الدراسة الفنية خلال الفترة الماضية".

المندوب الجهوي للفلاحة بسوسة لـ"الترا تونس": "من الحلول البديلة المهمة لندرة المياه بالجهة الالتجاء إلى الري بالمياه المعالجة الثلاثية الموجود بمحطة التطهير بوادي حمدون"

ويرى أنه "من الحلول البديلة المهمة لندرة المياه بالجهة الالتجاء إلى الري بالمياه المعالجة الثلاثية الموجود بمحطة التطهير بوادي حمدون (معتمدية سيدي عبد الحميد)". ويضيف "وقد بدأنا بري 400 هكتار في منطقتي زاوية سوسة ومساكن في حين نستعد لري 200 هكتار بالمنطقة السقوية قصيبة سوسة والثريات، والأهم في هذا البرنامج التوجه نحو جنوب الولاية (مساكن – سيدي الهاني) بتحويل المياه المعالجة الثلاثية نحوها وهذا ما سيخلق الفرق ونرفع من منتوج الزياتين إلى حدود 80 ألف طن سنويًا وتزويد 5000 هكتار من الأراضي الفلاحية من بينها الأراضي المخصصة للأعلاف، علمًا وأن صابة الزيتون هذه السنة ستنخفض إلى حدود 30 ألف طن بسبب ارتفاع درجات الحرارة هذه الصائفة".

المندوب الجهوي للفلاحة بسوسة لـ"الترا تونس": "صابة الزيتون هذه السنة ستنخفض إلى حدود 30 ألف طن بسبب ارتفاع درجات الحرارة هذه الصائفة"

ويقول المندوب الجهوي للفلاحة بسوسة "إن آفاق الري بالمياه المعالجة من محطة وادي حمدون ستبلغ 50 مليون مترًا مكعبًا وسيساهم في تغذية المائدة المائية وسيشمل البرنامج كلًا من سيدي بوعلي والنفيضة وبوفيشة وكندار".

ويذكر العبيدي: "أن مياه سد نبهانة قد تناقصت بشكل ملحوظ في المواسم الخمسة الأخيرة إذ نتزود فقط بين 1 مليون متر مكعب و 2.5 مليون متر مكعب في أقصى الحالات في حين كنا نتزود بكمية تراوح 7 ملايين متر مكعب علمًا وأن هذا السد يزود 4 ولايات وهي القيروان وسوسة والمنستير والمهدية. ولابد من توجيه وترشيد الفلاح إلى نوع الزراعات وحثه على غراسة الأشجار المثمرة ذات الجدوى المربحة بما أننا نتجه تدريجيًا نحو المياه المعالجة الثلاثية ونترك مياه السد للزراعات الحقلية مثل البطاطا في سيدي بوعلي، أما جهة النفيضة فتتوفر فيها آبار عميقة والاتجاه نحو الأراضي التي تتوفر فيها مائدة مائية جيدة".

 

محمد العبيدي المندوب الجهوي للفلاحة بسوسة

محمد العبيدي المندوب الجهوي للفلاحة بسوسة

 

وخلال زيارته لمشروع إنجاز محطة تحلية المياه بسوسة، أقر إلياس حمزة، وزير الفلاحة التونسي، في تصريح صحفي، أن هذا المشروع "قد تعطل وكان من المنتظر أن يكون جاهزًا سنة 2020 ولكن التعطيلات التي حفّت به على المستوى المالي والمستوى الفني قد أبطأت عملية التنفيذ ولا يزال  الاختلاف اليوم في مستوى مواصفات المضخات والمحركات".

وزير الفلاحة إلياس حمزة: "مشروع محطة تحلية المياه بسوسة سيكون جاهزًا خلال الصائفة القادمة وسيمكن ولاية سوسة في مرحلة أولى من 50 ألف متر مكعب من الماء الصالح للشراب"

وأضاف وزير الفلاحة أن "الملف تعالجه اللجنة العليا للصفقات وفي ظرف شهرين سنتجاوز هذا الإشكال وسيكون المشروع جاهزًا خلال الصائفة القادمة وهو مشروع سيمكن ولاية سوسة في مرحلة أولى من 50 ألف متر مكعب من الماء الصالح للشراب وفي مرحلته الثانية سيبلغ 100 ألف متر مكعب، وكلفته الجملية تبلغ 130 مليون دينار".

أما منصف عمارة، مدير مشروع محطة تحلية المياه بسوسة، فيقول في تصريح لـ"الترا تونس": إن "محطة تحلية مياه البحر ستنطلق في الإنتاج لتوفر الماء الصالح للشرب لنحو 2.3 مليون ساكن بين ولايات الساحل وصفاقس ونعتقد أن جاهزية المشروع ستكون خلال سنة 2023 بعد تجاوز الإشكاليات الفنية مع المجمع التونسي الإسباني الذي يقوم بتنفيذه، ونقدر نسبة تقدم الأشغال بـ 60 في المائة".

أزمة المياه في مناطق الساحل والوسط تلامس درجة الخطورة خاصة بالنسبة لمياه الريّ وقد تلحق مياه الشرب مما يطلق صافرة الإنذار ويدعو للتعجيل بإنجاز الحلول البديلة

إن أزمة المياه في مناطق الساحل والوسط، حسب ما تطرقنا له على مستوى ولاية سوسة، تلامس درجة الخطورة خاصة بالنسبة لمياه الريّ وقد تلحق مياه الشرب مما يطلق صافرة الإنذار ويدعو للتعجيل بإنجاز الحلول البديلة من محطات معالجة المياه المستعملة ومحطات تحلية المياه والبحث عن موارد إضافية للمياه وتجميع مياه الأمطار التي تصرف في البحر.

ولعل استفحال الأزمة المالية في البلاد وشح مصادر التمويل لهذه المشاريع المكلفة قد يعمق الأزمة ودليل ذلك التباطؤ في إنجاز المشاريع المزمع إنجازها والمخططات التنموية التي أنجزتها الإدارة ولا تزال تفتقد للإرادة السياسية للتعجيل بالتنفيذ.