05-أكتوبر-2022
 قيس سعيّد

سعيّد خلال إشرافه على الجلسة التمهيدية حول تأسيس الشركة الأهلية المحلية للتصرف في أراضي مجموعة بني خيار

 

يتصاعد النقاش حول الشركات الأهلية في تونس مؤخرًا، خاصة إبان إشراف الرئيس التونسي قيس سعيّد على ما أسماها الجلسة التمهيدية حول تأسيس الشركة الأهلية المحلية للتصرف في أراضي مجموعة بني خيار. وقد قال خلال الاجتماع الذي حضره إن هذه الشركات ستُعمّم في تونس. نعود في هذا التقرير لمحاولة تبيّن هذا المفهوم الحديث في الاقتصاد التونسي (الشركات الأهلية) وعلاقته بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني.

لنعد إلى البدايات، أخذ مصطلح الشركات الأهلية طابعًا رسميًا، وهو الذي كان غريبًا حينها عن القانون التونسي، حين صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، في عدد الاثنين 21 مارس/آذار 2022، مرسوم رئاسي يتعلّق بالشركات الأهلية وهو المرسوم عدد 15 لسنة 2022 المؤرخ في 20 مارس/آذار 2022، ويهدف وفق فصله الأول إلى "إحداث نظام قانوني خاص بالشركات الأهلية يقوم على المبادرة الجماعية والنفع الاجتماعي".

 

 

  • خصائص الشركات الأهلية وفق المرسوم عدد 15/2022

وفق ذات المرسوم وفي فصله الثاني، "تعتبر شركة أهلية كل شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة يكون الباعث على تأسيسها تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقًا من المنطقة الترابية المستقرين بها".

مرسوم الشركات الأهلية: "تعتبر شركة أهلية كل شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة يكون الباعث على تأسيسها تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات"

وورد في الفصول 3 و4 و5 من ذات المرسوم الرئاسي أنه "تهدف الشركات الأهلية إلى تحقيق التنمية الجهوية وأساسًا بالمعتمديات وفقًا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيًا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها. تمارس الشركات الأهلية نشاطًا اقتصاديًا انطلاقًا من الجهة الترابية المنتصبة بها. وتتمتع الشركات الأهلية بالشخصية القانونية".

مع الإشارة، وفق ذات المرسوم، إلى كون الشركات الأهلية تتولى خاصة: "بعث المشاريع الاقتصادية استجابة لاحتياجات المتساكنين وتماشيًا مع خصوصية الجهة المعنية، التصرف وإدارة المشروع أو المشاريع الراجعة لها بالنظر في مستوى الجهة المعنية، التصرف في الأراضي الاشتراكية مع مراعاة التشريع الجاري به العمل بخصوص الملكية العقارية بناء على قرار مجلس التصرف والمساهمة في مسار التنمية المستدامة والحوكمة الرشيدة بالجهة وفقًا للتشاريع الجاري بها العمل (المسؤولية المجتمعية للمؤسسة)".

من اللافت في مرسوم الشركات الأهلية تضمينه تمكين هذه الشركات من التصرف في الأراضي الاشتراكية

تتعدد فصول المرسوم عدد 15 لسنة 2022 والعديد منها، وفق عديد المختصين الاقتصاديين، لا يخلو من غموض وصعوبة في ترجمته بوضوح على أرض الواقع، لكن يمكن ذكر أن "الشركات الأهلية تتكون، وفق الفصل 13، من أشخاص طبيعيين لا يقل عددهم عن 50 شخصًا وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية". كما يمكن الجمع بين صفة المشارك في الشركة الأهلية وصفة الأجير، لكن "لا يجوز للمشارك أن يكون له أكثر من سهم واحد في الشركة الأهلية".

وورد في ذات المرسوم أيضًا أن الشركات الأهلية تكون محلية (يشمل نشاطها خدمة واحدة أو أكثر في حدود الدائرة الترابية المنتصبة بها، أو تضم مشاركين قاطنين داخل حدود معتمدية واحدة) أو جهوية (يشمل نشاطها أساسًا خدمة واحدة تمتد على كامل تراب الولاية، أو تضم مشاركين موزعين على معتمديتين أو أكثر غير متجاورتين).

كما يمنع عليها ممارسة أي نشاط سياسي أو الانخراط في مسارات سياسية أو تمويلها، كما يمنع عليها مباشرة الأعمال الخيرية وجمع التبرعات بأي عنوان كان. كما تجدر الإشارة، وفق الفصل 11، أنه تنحصر مسؤولية المشاركين في الشركة الأهلية في حدود رأس مال الشركة وعلى نسبة حصص كل مشارك.

أما عن تسيير الشركة، يدير الشركة الأهلية مجلس إدارة يتركب من 6 أعضاء على الأقل ومن 12 عضوًا على الأكثر. ويكون عددهم قابلاً للقسمة على ثلاثة. وينتخب أعضاء مجلس الإدارة من قبل الجلسة العامة التأسيسية والجلسة العامة العادية بأغلبية الأصوات المصرح بها لمدة ثلاث سنوات.

اللافت أنه، ووفق الفصل 63 و64، تتولى السلط المحلية الإحاطة بالشركات الأهلية المحلية والإشراف عليها. وتعرض الشركات الأهلية المحلية وجوبًا على الوالي المختص ترابيًا الميزانيات التقديرية المصادق عليها، القائمات المالية النهائية المصادق عليها، وتقارير مراقبة الحسابات.

يحظى الوالي بصلاحيات واسعة خلال إشرافه على الشركات الأهلية المحلية إذ تعرض عليه وجوبًا الميزانيات التقديرية، القائمات المالية النهائية، وتقارير مراقبة الحسابات وله صلاحيات أخرى

ووفق الفصل 65، يوجه الوالي المعني ملاحظاته وتحفّظاته على عمل الشركة إلى رئيس مجلس إدارة الشركة الأهلية المحلية الذي يتعين عليه عرضها على مجلس الإدارة لأخذ التدابير اللازمة بشأنها.

وفي حال وجود إخلالات، يمكن للوالي وبعد تنبيه يوجهه إلى الشركة الأهلية المحلية، سحب المرفق والأملاك العمومية الموضوعة تحت تصرف الشركة الأهلية المحلية منها.

أما فيما يخص الشركات الأهلية الجهوية، فينص الفصل 66 أنه تتولى السلط الجهوية والمركزية الإحاطة بالشركات الأهلية الجهوية والإشراف عليها، كما ينص الفصل 67 أنه تعرض الشركة وجوبًا الوثائق الضرورية على الوزير المكلف بالاقتصاد.

  • في نقد الشركات الأهلية..

اعتاد الرئيس قيس سعيّد على الثناء على مرسوم الشركات الأهلية وروّج له باعتباره حلًا لمشكل البطالة وللتنمية في الجهات بشكل عام وهو القانون الاقتصادي الوحيد الذي حرص على صياغته ونشره، منذ 25 جويلية/ يوليو 2021، ودعمه بمرسوم الصلح الجزائي الذي انتشر أيضًا تحت تسمية "مرسوم الصلح مع المتورطين في قضايا فساد في تونس"، والذي سيوفر التمويل لصالح الشركات الأهلية.

 

 

مرسوم الشركات الأهلية هو القانون الاقتصادي الوحيد الذي حرص سعيّد على نشره، منذ 25 جويلية 2021، ودعمه بمرسوم الصلح الجزائي والذي سيوفر تمويلًا لصالح هذه الشركات

لكن هذا المرسوم ومنذ صدوره في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية في مارس/آذار الماضي لم يقع تفعيله ولم يشهد إقبالًا على بعث الشركات الأهلية، بل شاب أمر تأسيسها وإمكانيات الاستفادة منها غموض رغم تطمينات الداعمين للتوجه الرئاسي وخاصة أنصار ما يعرف بـ"البناء القاعدي".

ولم يتم الإعلان عن بعث أول شركة أهلية إلا بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022 حين انتقل سعيّد إلى مسقط رأسه بني خيار للإشراف على "الجلسة التمهيدية حول تأسيس الشركة الأهلية المحلية للتصرف في أراضي مجموعة بني خيار".

منذ صدور المرسوم الرئاسي في  مارس الماضي، لم يقع تفعيله ولم يشهد إقبالًا على بعث الشركات الأهلية بل شاب أمر تأسيسها وإمكانيات الاستفادة منها غموض

يشبه عديد الداعمين للرئيس فكرة الشركات الأهلية بالاقتصاد الاجتماعي التضامني، رغم أن قانونًا خاصًا به تمت المصادقة عليه منذ جوان/يونيو 2020 وأمضاه قيس سعيّد نفسه لكن نصوصه الترتيبية لم تصدر أبدًا، ويبدو أنه قُبر حاليًا مع ظهور مرسوم الشركات الأهلية، لكن عديد المختصين والفاعلين في الشأن الاقتصادي يؤكدون أن اختلافات واسعة قائمة بين الشركات الأهلية والاقتصاد الاجتماعي التضامني.

إذ كانت تجارب الاقتصاد الاجتماعي التضامني المعروفة تونسيًا (تجربة واحات جمنة مثالًا) أو في دول أخرى، مستقلة عن النظام والسلطة بينما الشركات الأهلية، وفق مرسومها، تٌسيّر تحت إشراف والي الجهة (يمكن العودة للفصول 63 و64 و65 من المرسوم) والوالي هو ممثل السلطة التنفيذية في الولاية مما يعني أنها في واقع الحال مرتبطة بشكل مباشر بأعلى هرم السلطة رئيس الجمهورية الذي يعيّن كل الولاة ويعزلهم.

تجارب الاقتصاد الاجتماعي التضامني المعروفة تكون مستقلة عن النظام والسلطة بينما الشركات الأهلية، ووفق مرسومها، تٌسيّر تحت إشراف والي الجهة وهي في واقع الحال مرتبطة بشكل مباشر بأعلى هرم السلطة

ولذلك يدعم البعض فكرة أن سعيّد أراد من خلال إنشاء هذه الشركات الأهلية "خلق حاضنة اقتصادية له من داخل المنظومة الحالية المتميزة بالريع وليست بديلًا عنها، ليرتكز عليها لكسب السلم الاجتماعي وتمييز أنصاره"، كما تقول مثلًا الناشطة بالمجتمع المدني ليلى الرياحي، عن جمعية المنصة التونسية للبدائل، معتمدًا في ذلك على موارد للدولة ومعتمدًا على الأموال المتأتية من مرسوم "الصلح مع الفاسدين" إن توفرت (في قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني القائمون على المشروع يوفرون تمويلهم بأنفسهم)، وهو ما لا يعتبرون أنه سينتج أي تغيير أو تطور على حال ضعفاء الحال أو الاقتصاد التونسي إجمالًا.

يدعم البعض فكرة أن سعيّد أراد من خلال إنشاء هذه الشركات الأهلية "خلق حاضنة اقتصادية له من داخل المنظومة الحالية المتميزة بالريع وليست بديلًا عنها، ليرتكز عليها لكسب السلم الاجتماعي وتمييز أنصاره"

تقف عوائق عديدة أمام نجاح تجربة الشركات الأهلية في تونس، ومن بينها غموض المفهوم لدى عموم التونسيين، حجم سيطرة الدولة على هذه الشركات (تمولها الدولة وتضع تحت تصرفها الأراضي الاشتراكية، يشرف عليها الوالي الخ)، إضافة إلى سبب تاريخي وهو أن للتونسيين تجربة غير موفقة في ستينيات القرن الماضي مع التعاضد (تجربة مشابهة تتمثل في تكوين تعاضديات مفروضة من السلطة حينها)، هذا إضافة إلى غموض مصادر تمويل هذه الشركات الأهلية وعدم تفعيل مرسوم الصلح إلى حد الآن.