17-يوليو-2020

أكدت وزارة أملاك الدولة نجاح تجربة واحات جمنة على مدى السنوات العشر الأخيرة (صورة تقريبية/ getty)

على إثر صدور قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، اختارت وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية مناقشة ملف "واحات جمنة" من جديد باعتباره نموذجًا عن الاقتصاد الاجتماعي التضامني، ولكنّه ملف يحتاج إلى تسوية الوضعية العقارية للعقار قانونيًا.

وقد كان الاتفاق على تسوية وضعية "ضيعة جمنة" في إطار قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، محور جلسة جمعت بين وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية غازي الشواشي والطاهري الطاهري رئيس جمعية حماية واحات جمنة، وأعضائها، بحضور بعض أعضاء مجلس نواب الشعب وبعض مسؤولي الجهة خلال الأيام القليلة الماضية، وفق ما أعلنت عنه وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية.

وزارة أملاك الدولة: نجاح تجربة واحات جمنة على مدى السنوات العشر الأخيرة في تحقيق التنمية الاجتماعية محليًا

اقرأ/ي أيضًا: فتح الحدود.. إجراءات صارمة وأمل في انتعاش السياحة

كما أكدت الوزارة نجاح تجربة واحات جمنة على مدى السنوات العشر الأخيرة في تحقيق التنمية الاجتماعية محليًا، على غرار دعم المرافق العمومية المحلية، لا سيما من خلال توفير سيارة إسعاف للمستشفى الجهوي وإحداث سوق مغطّى للتمور وملعب معشب بالجهة، إلى جانب تشغيل 162 عاملًا وتوفير منح لبعض طلبة الجهة. لكن التجربة تحتاج إلى تسوية الوضعية العقارية لواحات جمنة وفق إطار قانوني واضح، يعزز نجاح هذه التجربة الفريدة من نوعها ويسمح بتوظيف الضيعة والانتفاع بالامتيازات التي يوفرها قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في اتجاه ضمان حقوق المجموعة الوطنية وخدمة الصالح العام، وفق الوزارة.

من جهتها، عبرت جمعية حماية واحات جمنة، إثر اللقاء، عن استعدادها للعمل المشترك مع مصالح الوزارة لإيجاد الحلول القانونية المناسبة لحل هذا الإشكال العقاري، وذلك بتوضيح حقوق الطرفين والتزاماتهم بكل دقة.

إشكال واحات جمنة

جدل كبير أثارته واحات جمنة خصوصًا فيما تعلّق بقضية البتة التي أشرفت عليها جمعية حماية واحات جمنة بولاية قبلي سنة 2016، بين رافض للبتة لأنّها تمت خارج الأطر القانونية، واعتبرها اعتداء على ملك الدولة، وبين من استحسن الفكرة كونها نموذجًا عن الاقتصاد التضامني الذي يساهم في التنمية الجهوية.

وقد حاولت الدولة منع الأهالي من جني المحصول، لكن ذلك لم يتم، إذ استطاع أهالي واحات جمنة بيع جميع المحصول إلى تاجر بالجهة، لكنّ الدولة اتخذت قرارًا تصعيديًا بتجميد الأرصدة البنكية لكلّ من جمعية الواحات التي تولت عملية البيع والمشتري. وأعلنت آنذاك كتابة الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية أنّ "الدولة ستواصل واجبها في حماية الملك العمومي واسترجاع ما تم افتكاكه لفائدة المجموعة الوطنية".

وأضافت أنها "ستباشر كل التتبعات المدنية والجزائية والإدارية التي يخولها القانون لملاحقة من قام بالتصرف دون وجه حق في الملك العمومي سواء كان ذلك بالبيع أو بالشراء". لكن جمعية واحات جمنة أكدت أنّ "المبلغ الذي بيعت به الصابة موجود في الحفظ والأمان وسترجعه إلى الدولة إذا تم التوصل إلى اتفاق".

من جهتها، أعلنت منظمة "أنا يقظ" أنّها توصلت إلى اتفاق مع جمعية حماية واحات جمنة من أجل الحصول على جميع المعطيات المالية للجمعية الناشطة بولاية قبلي وبالتحديد في هنشير المعمر (ستيل سابقًا). ويأتي هذا الاتفاق تدعيمًا لمبادئ الشفافية والحوكمة الرشيدة في إطار تعاون ثنائي بين مكونات المجتمع المدني.

تقوم الدولة بتأجير الأرض للشركة الجديدة لمدة 30 سنة قابلة للتجديد

اقرأ/ي أيضًا: الكورونا تعمّق أزمة المهن الهشة في تونس.. بطالة وديون

كما قدّم مبروك كورشيد كاتب دولة لدى وزير المالية مكلف بأملاك الدولة والشؤون العقارية سابقًا، في جلسة تفاوضية في 19 جانفي/ يناير 2017، جملة من المقترحات أهمّها تكوين شركة ذات مساهمة مشتركة بين الدولة والأهالي بنسبة 34 في المائة للدولة و66 في المائة للأهالي، ويساهم مواطنو جمنة في هذه الشركة عبر تعاضدية فلاحية.

وحسب الاتفاق، تقوم الدولة بتأجير الأرض للشركة الجديدة لمدة 30 سنة قابلة للتجديد. أمّا بالنسبة للإدارة، فيتكون مجلسها من سبعة أعضاء: اثنان يمثلون الدولة، والبقية يختارهم المساهم الأكبر، أي أهالي جمنة. كما تم التنصيص على إدماج العمال الذين سبق لهم العمل في الواحة، وإعطاء أهالي البلدة الأولوية في أي انتدابات مستقبلية. كما تخضع الشركة للرقابة المالية، وسيتعين عليها دفع الضرائب والمساهمات في الصناديق الاجتماعية وتقديم تقارير سنوية حول أنشطتها وميزانيتها.

كما تمّ الاتفاق خلال الجلسة على الإفراج عن الحسابات البنكية لجمعية حماية واحات جمنة والتاجر الفائز بالبتة سعيد الجوادي ضمن الاتفاقات التي توصل إليها الاجتماع، فيما تمسك الوفد المفاوض باسم الأهالي بترفيع نسب مساهمتهم في الشركة لتصبح 75 في المائة للأهالي مقابل 25 في المائة للدولة.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تمّ بيع محصول التمور دون أية مشاكل، وذلك تحت اشراف جمعية حماية واحات جمنة وبحضور ممثلين عن الدولة، لكنّ ظلّ الأمر يتم دون اتفاق قانوني ينظم المسألة نهائيًا.

مساع جديدة لتسوية الملف

وزارة أملاك الدولة فتحت ملف واحات جمنة من جديد للوصول إلى اتفاق قانوني يرضي الطرفين ويكرّس مفهوم الاقتصاد الاجتماعي التضامني. وقد تمّ عقد اجتماع أولي لنقاش بعض الحلول التي طرحت على جمعية حماية واحات جمنة.

وفي هذا السياق، أكد الطاهر الطاهري رئيس الجمعية لـ"ألترا تونس" أنّ اللقاء مهم ومثمر بالنسبة للجمعية لأنّ سبل الحوار والنقاش في الموضوع مع وزارة أملاك الدولة قطعت منذ سنة 2017 تقريبًا، بسبب الأزمة التي افتعلها سابقًا مبروك كرشيد.

الطاهري الطاهري لـ"ألترا تونس": وزارة أملاك الدولة اقترحت عليهم خلال اللقاء الأخير بعث شركة إحياء تضم كلّ أهالي الجهة

وأضاف الطاهري "بناء على قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني نعتبر أنّ واحات جمنة مثال ناجح عن الاقتصاد الاجتماعي التضامني. ولقيت مساندة سابقًا من قبل العديد من البرلمانيين. وبعد نشر القانون تواصل معنا وزير التشغيل والتكوين المهني فتحي بلحاج وقام بتكريمنا كجمعية. وبعد أسبوع اتصل بنا رئيس الكتلة الديمقراطية في البرلمان هشام العجبوني لمقابلة وزير أملاك الدولة مع تقديم مقترحاتنا لإيجاد حلّ نهائي لإشكالية واحات جمنة".

وأردف بالقول "اللقاء تمّ منذ أيام قليلة وكان متميّزًا رغم بعض المآخذ على قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني إلاّ أننا نرحب بوجود قانون ينظم الأمر. وقدمنا مقترحاتنا وتحدّثنا في الإمكانيات المطروحة لحلّ الإشكال المطروح. وتمسكنا بالفصل 14 لقانون 21 لسنة 1995، الذي يوصي بكراء الأراضي الفلاحية للمنظمات أو الجمعيات أو الوحدات التعاضدية التي تخدم المصلحة العامة. ونحن كجمعية حماية واحات جمنة نسعى لحماية المصلحة العامة. لكن تبيّن من خلال رد الوزير أنّ هناك نية في اتجاه تنقيح الفصل 14 من القانون".

على صعيد آخر، بيّن الطاهر الطاهري أنّ "الجمعية غير ربحية ولا تسعى للإثراء، لذا قبلنا أنهم لن يستطيعوا كراء الأرض للجمعية. فتمّ التوجه إلى مقترح آخر تمت مناقشته سابقًا مع وزارة الفلاحة ويتمثل في تكوين وحدة تعاضدية للإنتاج الفلاحي. لكننا رفضنا هذا الحل لأنّ قانون التعاضد ينصّ على أنّ المساهمين في التعاضدية هم عمال التعاضدية، ولكن في حالتنا نحن في هذه الضيعة التي نسيرها منذ سنة 2011 مردوديتها تتوجه لكل البلاد وللجهة من خلال مساعدات بعض الجمعيات الأخرى كجمعيات مرضى السرطان أو أطفال التوحد أو مساعدة المستشفيات أو الحماية المدينة أو اتحاد المرأة ليس في الجهة فقط بل في مركز الولاية".

وأضاف "إذا تم تسييرها مستقبلًا من قبل عمال في تعاضدية يمكن أن يرفضوا المساهمة أو المساعدة بجزء من المرابيح باعتبار أنّهم المساهمون في الشركة وأرباح التعاضدية تخصهم. ويمكن أن يقولوا لنا إذا أردتم بناء مستشفى أو أي منشأة عمومية فإنّ الدولة ستتكفل بذلك. لذا رفضنا هذا الحلّ. فتم التوجه إلى نقاش الحل الثالث وهو مقترح مبروك كرشيد سنة 2016 والمتمثل في تكوين شركة يكون جزء منها للدولة وجزء آخر لأهالي جمنة، باحتساب نسبة 66 في المائة للأهالي و34 في المائة للدولة. كما وعدنا كرشيد شفاهيًا بإمكانية تنصيص نسبة 20 في المئة فقط للدولة. لذا رفضنا المقترح وانقطعت كلّ سبل الحوار آن ذاك. وقد أبدينا استعدادنا لتكوين شركة لكن نسبة الدولة مرتفعة والأهالي يرفضون ذلك".

وأفاد محدثنا أن وزارة أملاك الدولة اقترحت عليهم خلال اللقاء الأخير بعث شركة إحياء تضم كلّ أهالي الجهة، مقابل كراء الضيعة، قائلًا "وباعتبار أنّ مبلغ الكراء كان سابقًا مرتبطًا بثمن قنطار القمح، فقد تغير الأمر اليوم ويمكن إرسال خبراء لتقييم قيمة الكراء من جديد ونحن مستعدون لذلك. كما أعلمونا بإمكانية إرسال ثلاث مقترحات قانونية ونختار الصيغة القانونية التي تناسبنا وفي قادم الأيام سيتم التوصل إلى الاتفاق الرسمي والنهائي".

كما أشار إلى أنّهم تعهدوا بدفع معاليم كراء حتى السنوات الماضية منذ سنة 2011 إلى سنة 2020، مؤكدًا أنهم ليسوا ضد هيبة الدولة ولا ينازعون الدولة ملكيتها في أراضيها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد الأعمال التخريبية الأخيرة.. متى يقع حلّ أزمة نقل فسفاط قفصة؟

هل تدفع أزمة كورونا تونس إلى مزيد التفكير في أمنها الغذائي؟