18-سبتمبر-2023
السدود في تونس

تقدر نسبة امتلاء السدود في تونس على المستوى الوطني بـ 27,3 % فقط حاليًا  (سد بوهرتمة بجندوبة/ ياسين القايدي/ الأناضول)

 

بينما تعاني دول مجاورة وقريبة من تونس من كوارث طبيعية كالعواصف والزلازل، يعرف البلد أزمة مناخية أخرى مختلفة المعالم، "أزمة صامتة" لا يتم تبيّنها مباشرة لكن عديد المختصين يحذرون من انعكاساتها ـ لو تواصلت ـ في الأشهر القادمة، إذ يعرف البلد حالة جفاف منذ 4 سنوات أثرت على مخزون السدود من المياه وأدت إلى سياسات تقشفية في توزيعها. وتتصاعد المخاوف من انعكاسات أعمق في حال تواصل الجفاف للسنة الخامسة على التوالي. 

 

 

  • تراجع لافت في مخزون السدود التونسية 

وفق آخر أرقام الإدارة العامة للموارد المائية في وزارة الفلاحة التونسية، وخلال الفترة ما بين 1 إلى 14 سبتمبر/أيلول 2023، لم يتم تسجيل كميات من الأمطار في تونس ما عدا كميات ضعيفة بمنطقة الشمال الغربي (0,4 مم تحديدًا) مما انعكس بشكل واضح على مخزون السدود في البلاد. 

بلغ مخزون السدود التونسية 631,2 مليون متر مكعب، بتاريخ 14 سبتمبر الجاري، مقابل 769,5 مليون متر مكعب خلال نفس الفترة من السنة المنقضية، فيما بلغ المعدل لنفس اليوم للثلاث سنوات الفارطة 824,4 مليون متر مكعب أي بتراجع يقدر بـ 23,4%

كانعكاس لذلك ووفق ذات المصدر، بلغت الإيرادات الجملية للسدود التونسية بتاريخ يوم 14 سبتمبر/أيلول الجاري، حوالي 4,3 مليون متر مكعب، مما يعني تراجعًا مهمًا بالمقارنة مع الإيرادات المسجلة خلال معدل الفترة وهو (38,7 مليون متر مكعب) والإيرادات المسجلة خلال نفس الفترة من السنة المنقضية (13,7 مليون متر مكعب). وتتوزع هذه الإيرادات كما يلي: 86% في الشمال، 11,6% في الوسط و2,3% في الوطن القبلي. 

أما المخزون الإجمالي للسدود التونسية فقد بلغ 631,2 مليون متر مكعب مقابل 769,5 مليون متر مكعب خلال نفس الفترة من السنة المنقضية، فيما بلغ المعدل لنفس اليوم للثلاث سنوات الفارطة 824,4 مليون متر مكعب أي بتراجع يقدر بـ 23,4%. ويتوزع المخزون العام للسدود كما يلي:91,3 % في الشمال و8,1% في الوسط و0,7% في الوطن القبلي، وفق ذات المصدر. 

 

وضعية السدود في تونس

وضعية السدود في تونس خلال الفترة من 1 إلى 14 سبتمبر 2023 (المرصد الوطني للفلاحة)

 

وإجمالًا، تقدر نسبة امتلاء السدود في تونس على المستوى الوطني بـ 27,3 % فقط حاليًا. وفي سياق متصل، صرح بيرم حمادة، عضو المجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري في إذاعة موزاييك المحلية، الإثنين 18 سبتمبر/أيلول 2023، أن "نسبة امتلاء سد سيدي سالم، وهو أكبر سدود تونس، في حدود 31.5 %، ونسبة امتلاء سدود الوطن القبلي لا تتجاوز 7 %".

تقدر نسبة امتلاء السدود في تونس على المستوى الوطني بـ 27,3 % فقط حاليًا ونسبة امتلاء سد سيدي سالم، وهو أكبر سدود تونس، هي في حدود 31.5 %

نسبة امتلاء السدود في تونس

نسبة امتلاء السدود في تونس بتاريخ 14 سبتمبر 2023

 

  • ماذا تعرف عن السدود في تونس؟ 

تعد تونس أكثر من 40 سدًا وتدار من قبل الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى (DGBGTH)، وتحتاجها البلاد لضمان توفير الموارد المائية خاصة في سنوات الجفاف ونقص الأمطار. 

تعد تونس أكثر من 40 سدًا وتدار من قبل الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى وتحتاجها البلاد لضمان توفير الموارد المائية خاصة في سنوات الجفاف ونقص الأمطار

من أبرز السدود في تونس، نذكر سد سيدي سالم وهو أكبر السدود التونسية، يوجد على وادي مجردة، ويقع على بعد حوالي 8 كلم شمال غربي مدينة تستور. تم إنشاؤه بين سنتي 1977 و1982. يبلغ ارتفاعه 57 مترًا ويمسح حوضه 4300 هكتارًا وتبلغ طاقة استيعابه من المياه 643 مليون متر مكعب وهو يسمح بري 38 ألف هكتار. 

ومن السدود المعروفة تونسيًا أيضًا سد بني مطير وقد أقيم سنة 1954 جنوب غربي عين دراهم بالشمال الغربي التونسي. يبلغ ارتفاعه 60 مترًا ويستوعب 60 مليون متر مكعب من الماء وهو يزود مدينة تونس بالمياه فضلاً عن استغلاله في الري لحوض وادي مجردة الأسفل.

من أبرز السدود في تونس، نذكر سد سيدي سالم وهو أكبر السدود التونسية، يوجد على وادي مجردة، وقد تم إنشاؤه بين سنتي 1977 و1982

جدير بالذكر أيضًا سد سيدي سعد ويسمى أيضًا سد بورقيبة وقد أنشئ عام 1981 بوسط البلاد بين منطقتي نصر الله وحاجب العيون من ولاية القيروان. وكان الهدف الأساسي من إنشائه حماية المنطقة من الفيضانات التي كانت تتسبب فيها أودية زرود ومرق الليل ونبهانة. 

تبلغ طاقة تخزين سد سيدي سعد 200 مليون متر مكعب من المياه. وتستغل في الفلاحة السقوية، حيث أضيفت بفضل هذا السد مساحات شاسعة إلى المجال السقوي. وتربية الأسماك منذ عام 1994، إذ بدأ استغلال بحيرة سد سيدي سعد لتربية عدة أسماك ويبلغ الإنتاج السنوي حوالي 90 طنًا يتم ترويجها في أسواق مدينة صفاقس وتونس.

 

 

  • السلطات التونسية تعتمد نظام تقسيط لتوزيع المياه 

هذه الوضعية الصعبة على مستوى المخزون المائي في تونس ليست جديدة، ومن مظاهرها السابقة إقرار وزارة الفلاحة التونسية موفى مارس/ آذار 2023، نظام حصص لتوزيع المياه في أوقات محددة من اليوم وتحجير بعض الاستخدامات، والذي بدأ العمل به من 31 مارس/ آذار 2023 والمخطط أن يتواصل إلى موفى شهر سبتمبر/ أيلول 2023، ولا تتوفر معلومات بخصوص مواصلة تفعيله لاحقًا من عدمه وإن كان يُرجح تواصل العمل به في ظل شح الأمطار وضعف مخزون السدود. 

كانت وزارة الفلاحة قد أقرت في مارس الماضي نظام حصص لتوزيع المياه في أوقات محددة من اليوم وتحجير بعض الاستخدامات للمياه الصالحة للشرب

وكان قرار وزارة الفلاحة قد منع استعمال المياه الصالحة للشرب الموزعة عبر شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه "لريّ المساحات الخضراء، ولتنظيف الشوارع والأماكن العامة، ولغسل السيارات وللأغراض الفلاحية"، وهنا تطرح أسئلة عدة حول مآلات الزراعات السقوية في تونس. 

  • انعكاسات سلبية على محصول الحبوب والزراعات السقوية 

من المتوقع أن ينعكس تتالي مواسم الجفاف سلبًا على الفلاحة التونسية. في هذا السياق، سبق أن صرح مسؤولون في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة نقابية تخص الفلاحين والبحّارة) أنهم يتوقعون موسم حبوب "كارثي" بتراجع نحو 75 بالمئة في المحصول مقارنة بالسنة الماضية وذلك بسبب الجفاف الحاد.

بالإضافة إلى الحبوب، يبقى مصير الزراعات السقوية ضبابيًا ويُنتظر تضرر محاصيل عديد الخضروات والغلال من الجفاف وهو ما سيؤثر على مداخيل آلاف الفلاحين وأسعار هذه المنتجات في الأسواق في قادم الأشهر.

يبقى مصير الزراعات السقوية ضبابيًا في تونس ويُنتظر تضرر محاصيل عديد الخضروات والغلال من الجفاف وهو ما سيؤثر على مداخيل آلاف الفلاحين وأسعار هذه المنتجات في الأسواق في قادم الأشهر

من جانب آخر، كانت قد تعالت دعوات مواطنية ومن عدد من المختصين للمطالبة بالتخلي عن عدد من الزراعات السقوية خلال هذه الفترة، خاصة تلك المعروفة بـ"المجهدة مائيًا"، والاستفادة من تلك المياه لاستهلاك المواطنين المباشر. 

وفي سياق متصل، يواجه مربو الأغنام والأبقار إشكالًا بسبب نقص المياه لمواشيهم، ولذلك انعكاسات على توفّر الأعلاف، مما يهدّد بنقص ممكن في إنتاج اللحوم لاحقًا وبغلاء الأسعار.

  • أهمية تهيئة السدود وخطر الآبار العشوائية

إضافة إلى العامل المناخي وحالة الجفاف، يفسر بعض المختصين في الشأن المائي والفلاحي الوضع الذي وصلته تونس من شح مائي بأسباب أخرى من بينها عدم تهيئة السدود وصيانتها بشكل كاف مما قد يساهم في خسائر من المياه الثمينة والتي لا تٌجمع، لكن السلطات التونسية تؤكد في مناسبات عديدة حرصها على التهيئة والعناية بالسدود.

نقص أو غياب الصيانة في شبكات المياه الصالحة للشرب يتسبّب في إضاعة نسب من المياه أيضًا، إضافة إلى مشكل عدم مراقبة حفر الآبار العشوائية الذي يعرّض المائدة المائية للإجهاد

من المشاكل الأخرى في علاقة بالمياه والتي يسلط عليها الضوء بين فينة وأخرى، نقص أو غياب الصيانة في شبكات المياه الصالحة للشرب والتي تتسبّب في إضاعة نسب من المياه أيضًا، إضافة إلى مشكل عدم مراقبة حفر الآبار العشوائية الذي يعرّض المائدة المائية للإجهاد، والتي ينتشر عددها بشكل لافت مؤخرًا في عديد الولايات التونسية.

تعيش تونس منذ سنوات على وقع أزمة مائية، في ظلّ تراجع مخزون السدود إلى مستوى متدن مع تواصل انحباس الأمطار ويثير تواصل ذلك مخاوف عدة، خاصة والبلاد تصنف، منذ فترة طويلة، تحت خط الفقر المائي بنصيب انخفض إلى حوالي 350 مترًا مكعبًا في السنة للفرد.