03-فبراير-2023
احتجاجات

يتزامن يوم 5 فيفري مع ذكرى الانتفاضة الطلابية في تونس (صورة توضيحية من احتجاجات سابقة/ ANDREAS SOLARO أ.ف.ب)

 

لم تكن المنظمات الطلابية بتونس في منأى عن سياسة القمع وإخماد صوت المعارضة التي انتهجها نظاما الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، لكن هذه الممارسات القمعية لم تمنع تفجر الوعي الطلابي الذي كان يرنو إلى استقلالية الاتحاد العام لطلبة تونس عن السلطة ويعارض تحويله إلى أداة لخدمتها ويرفض للوصاية الحزبية عليه. وأمام تحرر إرادة الطلبة وتأثرهم بالتحركات الطلابية العالمية كان النظام قاصرًا عن تأطير الحركة الطلابية وتوجيهها كما في السابق فاختار سياسة القمع والترهيب والمحاكمات التعسفية التي جابهها الطلبة بالتظاهر والاحتجاج والدفاع عن مواقفهم وقناعاتهم بصدور عارية.

لم تكن المنظمات الطلابية بتونس في منأى عن سياسة القمع وإخماد صوت المعارضة التي انتهجها نظاما بورقيبة وبن علي ولعلّ أبرز الأحداث المرتبطة بذلك عبر التاريخ أحداث الانتفاضة الطلابية في 5 فيفري 1972

توترت العلاقة بين الحركة الطلابية والنظام. ورغم تعزز صفوف المعارضة داخل الاتحاد العام لطلبة تونس، فإن نتائج المؤتمر الـ18 للاتحاد المنعقد في قربة سنة 1971، وبإيعاز من النظام، كانت في صالح الطلبة الدستوريين الذين خفت بريقهم وكانوا أقلية مشتتة، وهو ما عارضته الجماهير الطلابية التي لم تعترف بالنتائج المعلن عنها ودعت إلى عقد مؤتمر خارق للعادة فجوبهت تحركاتها بقمع بوليسي اندلعت على إثره الحركة الطلابية في 5 فيفري/شباط 1972 وكانت نقطة فاصلة في تاريخ النضال الجامعي. 

 

  • تطورات وطنية وعالمية غذت أحداث 1972

أفاد المؤرخ وأستاذ التاريخ في الجامعة التونسية محمد ضيف الله، في حديث مع "الترا تونس"، بأن الانتفاضة الطلابية يوم 5 فيفري/شباط 1972 كانت امتدادًا لما حدث في مؤتمر الاتحاد العام لطلبة تونس الـ18 الذي انعقد في قربة سنة 1971.

وأوضح أنّ "هذا المؤتمر كان مختلفًا عن سابقيه على اعتبار أن أغلبية المؤتمرين سابقًا كانوا من الحزب الدستوري لكن في المؤتمر دخل "الدساترة" منقسمين إلى ثلاث مجموعات، منهم موالون لأحمد بن صالح ومنهم موالون لأحمد المستيري وآخرون موالون للحزب الاشتراكي الدستوري وباقون على نفس الخط، وبدخولهم منشقين تغيّر ميزان القوى في المؤتمر خاصة وأن الطلبة اليساريين كان عددهم أكثر من أي مؤتَمرٍ سابق، وتبعًا لذلك تواصل المؤتمر لـ11 يومًا متتاليًا"، معقّبًا: "وبعد الانتخابات لم يعترف طلبة اليسار بنتيجة المؤتمر، واعتبروا أن القيادة منصّبة، ودعوا لمؤتمر خارق للعادة، وعمدوا لتحريك الساحة الطلابية في أكتوبر/تشرين الأول 1971، وبدأ الاتحاد العام لطلبة تونس يفقد حضوره في الساحة الجامعية ويفقد جماهيره"، وفقه.

المؤرخ محمد ضيف الله لـ"الترا تونس": الانتفاضة الطلابية يوم 5 فيفري 1972 كانت امتدادًا لما حدث في مؤتمر الاتحاد العام لطلبة تونس الـ18 الذي انعقد في قربة سنة 1971 الذي لم يعترف طلبة اليسار بنتائجه واعتبروا أن قيادته منصّبة ودعوا لمؤتمر خارق للعادة

وأشار ضيف الله، في هذا الإطار، إلى أن "السبب المباشر لأحداث فيفري/شباط 1972 هو إلقاء القبض على مناضلة من مجموعة تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي التونسي "برسبكتيف"، وهي مجموعة اليسار الجديد التي تأسست في أكتوبر/تشرين الأول سنة 1963 وبقيت مستمرة في الجامعة حتى حوكم الطلبة في سنة 1968 من بينهم الطالبة سيمون بن عثمان التي كانت خارج تونس حينها وبعودتها سنة 1972 تم اعتقالها"، معقبًا: "وبالتالي تضامن الطلبة مع سيمون وقاموا بمظاهرة أمام المحكمة، وبالتوازي مع هذه المظاهرات طالب طلبة آخرون بعقد مؤتمر 18 خارق للعادة، معتبرين أن أشغاله لم تنته، وفي الأثناء تدخلت قوات النظام وقمعت الطلبة وألقي القبض على العديد منهم لكن الاعتقالات لم تعقب بمحاكمات وأغلقت الجامعة ولم تفتح أبوابها للطلبة إلا في شهر أفريل/نيسان من نفس السنة".

 

 

ولفت المؤرخ إلى أن "ما حدث في تونس ليس بمعزل عما يقع في العالم ففي جانفي/يناير 1971، تم حظر الاتحاد الوطني للمغرب، وهو نفس ما حصل مع الاتحاد العام للطلبة الجزائريين سنة 1973، وبالتالي المسألة غير مرتبطة بالجغرافيا التونسية فقط وإنما هي سياسة إزاء الحركة الطلابية تتجاوز تونس إلى المحيط المغاربي وربما العالمي"، حسب قراءته.

كما بين أن "الحركة الطلابية كانت لها، حتى أواخر الستينات، مواقفها وحضورها المكثف في السياسة العالمية. وفي إطار صراع بين الغرب والشرق كان هناك اتحادان عالميان للطلبة أحدهما يسمى اتحاد الطلاب العالمي له توجهات اشتراكية، وفي الغرب كانت هناك الندوة الدولية للطلبة مقرها في هولاندا تضم اتحادات الدول الليبرالية، وكان هناك صراع بين هذين الاتحادين احتد بما أثر سلبًا على السياسة الغربية، وتم حل الندوة المساندة لحركات التحرر في العالم والتي تبين سنة 1967 أن المخابرات الأمريكية كانت تشرف على تمويلها. وبحلها لم تعد هناك منافسة بين الاتحادات، وتزعزعت الحركة الطلابية في العالم بأسره وما حصل في تونس والجزائر والمغرب يندرج ضمن سياسة عالمية للتخلي عن التحركات الطلابية وضربها".

محمد ضيف الله لـ"الترا تونس": انتفاضة فيفري 1972 ارتبطت بإلقاء القبض على مناضلة من حركة "برسبكتيف" التي تضامن معها الطلبة وتظاهروا فتدخلت قوات النظام وقمعت الطلبة وألقي القبض على العديد منهم

  • استقلالية اتحاد طلبة تونس عن السلطة مرفوض

كان النظام البورقيبي رافضًا لاستقلال الاتحاد العام لطلبة تونس عن السلطة وقد حارب ذلك بشتى الطرق من خلال المحاكمات الطلابية والسجون والتجنيد وحتى بغلق المؤسسات التعليمية، إلا أن ذلك لم يثنِ الحركة الطلابية عن التأسيس لرؤية جديدة تقوم على "النضال من أجل اتحاد عام لطلبة تونس ديمقراطي وجماهيري ومستقل" و"النضال من أجل ثقافة وطنية وتعليم ديمقراطي وجامعة شعبية".  

وقد أكد محمد ضيف الله أن "الحبيب بورقيبة كان قد اجتمع بطلبة تونسيين ومغاربة وجزائريين في فيفري/شباط 1937 بفرنسا من بينهم الحبيب ثامر والهادي نويرة وسليمان بن سليمان وحثهم على تعلم السياسة وممارستها، معتبرًا أن التعليم بمفرده لن ينفعهم، لكن عند ارتقائه سدة الحكم أصبح يشجع الطلبة الدستوريين ويستقبلهم إثر كل مؤتمر، بينما كان يرفض المعارضين، وقد أزعجته الأحداث الطلابية في فيفري/شباط 1972 حتى أنه أمر بإغلاق الكليات التي جدت فيها الأحداث"، وفق روايته.

ويرى المؤرخ أنه "من غير المنطقي الحديث عن تطويع المنظمة الطلابية لأن الاتحاد أسسه الدستوريون سنة 1956 وكانت له مواقف قبل سنة 1971، لكنه سياسيًا كان مواليًا للسلطة وكان تحت أيدي النظام، والمنخرطون بالاتحاد أصبحوا فيما بعد كوادر في الحزب وفي الدولة"، حسب ضيف الله.

محمد ضيف الله: سنة 1937 اجتمع بورقيبة بالطلبة وحثهم على تعلم السياسة وممارستها لكنه بعد ارتقائه سدة الحكم أصبح يستقبل الطلبة الدستوريين بينما كان يرفض المعارضين وقد أزعجته أحداث فيفري 1972 حتى أنه أمر بإغلاق الكليات التي جدت فيها

ولفت محدث "الترا تونس" إلى أن "الاتحاد تغيّر بعد سنة 1988، وعندما عقد المؤتمر الخارق للعادة لم يكن فيه آنذاك دستوريون بل إن جميع الطلبة كانوا يساريين لديهم توجهات مختلفة ولم يعد بإمكان السلطة التحكم فيهم"، مشيرًا إلى أن "اتحاد ما قبل 1971 ليس اتحاد ما بعد 1988 فكأنهما اتحادين مختلفين يشتركان فقط في الاسم وأعداد المؤتمرات، فيما عدا ذلك فإنهما كانا يختلفان تمامًا في الميثاق الطلابي والمواقف السياسية والتوجهات الإيديولوجية"، على حد تقديره. 

 

  • اعتقالات ومحاكمات وتجنيد قسري للطلبة المعارضين

لم يكتف النظام بمحاكمة الطلبة والتضييق عليهم وترهيبهم بل عمد منذ سنة 1966 إلى تجنيدهم في ظروف صعبة مهينة كعقاب على نشاطهم السياسي الجامعي على الرغم من أن الطالب في القانون التونسي له الحق في تأجيل الخدمة العسكرية حتى إنهاء فترة تعليمه.

مئات الطلبة خضعوا للتجنيد القسري سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات وحتى أوائل التسعينات. وقد كان القيادي بحركة الشعب سالم الأبيض من بين الطلبة المجندين في الثمانينات، كما عاصر التحركات الطلابية خلال تلك الفترة. ولئن تمكن الطلبة من ممارسة نشاطهم النقابي والسياسي في الفترة البورقيبية رغم التضييقات والتتبعات، إلا أن فترة حكم بن علي كانت الأسوأ على الإطلاق تم فيها "اغتيال" التحركات الطلابية بشتى مشاربها.  

يقول سالم الأبيض، في حديث مع "الترا تونس"، إن التحركات الطلابية في فترة الثمانينات هي امتداد لأحداث سنة 1971 المتمثلة في تعليق مؤتمر الاتحاد العام لطلبة تونس بقربة، ملاحظًا أنه قبل ذلك التاريخ كانت التنظيمات السياسية الطلابية تعمل داخل الاتحاد الذي تم تأسيسه في الخمسينات كفرع من فروع الحزب الدستوري التونسي آنذاك، وبتعليق المؤتمر أصبح هذا الاتحاد مقتصرًا على الطلبة الدستوريين، وكان يعقد مؤتمرات خارج أسوار الجامعة لكنه لم يكن معترفًا به من قبل التنظيمات السياسية الطلابية التي تعتبره امتدادًا للسلطة، وهي من رفعت سنة 1972 شعارات القطيعة التنظيمية والسياسية مع السلطة. 

سالم الأبيض: التحركات الطلابية في الثمانينات هي امتداد لأحداث 1971 المتمثلة في تعليق مؤتمر  اتحاد الطلبة فأصبح الاتحاد مقتصرًا على الدستوريين وبات يعقد مؤتمرات خارج الجامعة لكنه لم يكن معترفًا به من قبل التنظيمات الطلابية التي تعتبره امتدادًا للسلطة

وبين الأبيض أنه "رغم عمل بعض الأطراف السياسية على عقد مؤتمر خاص لم ينعقد إلا سنة 1988 في كلية الحقوق في تونس بعد نهاية فترة حكم بورقيبة وطيلة تلك الفترة -أي من سنة 1971 حتى سنة 1988-، بقي العمل الطلابي مكونًا من تنظيمات سياسية في عداء مع السلطة ولا تقبل التعامل معها"، لافتًا إلى أنه "خلال تلك الفترة نشأت التيارات اليسارية وبرزت ذاتيتها السياسية بوضوح، كذلك الأمر بالنسبة للتيار الطلابي الإسلامي الذي يُعبر عنه بالاتجاه الإسلامي، بالإضافة إلى التيار الطلابي القومي العربي المتكون من فصيلين هما الطلبة العرب التقدميون الوحدويون والطليعة الطلابية العربية". 

وأفاد المتحدث بأن "فترة السبعينات والثمانينات تميزت بكثرة الصدامات مع السلطة، وقد داهمت قوات الأمن أكثر من مرة الكليات والمبيتات الجامعية"،  مشيرًا إلى أن "كل القضايا السياسية والوطنية والعالمية والعربية المتعلقة بالقضية الفلسطينية خاصة كانت محل إثارة في الجامعة ومحل مناظرات فكرية وحلقات نقاش سياسية تشارك فيها جميع التنظيمات الطلابية باستثناء الطرف الحاكم الممثل في الطلبة الدستوريين". 

كما لفت إلى أن "الاجتماعات العامة وحلقات النقاش كانت تعقد باتفاق عام رغم الصراعات التي كانت دموية في بعض الأحيان على غرار أحداث سنة 1982 التي جدت بين التيارات الطلابية اليسارية والتيار الطلابي الإسلامي الذي بلغت حد العنف الشديد وتدخلت قوات الأمن لفض الخلاف". 

سالم الأبيض لـ"الترا تونس": بدلًا من المحاكمة اختارت السلطة التجنيد وأدت بعض الاعتقالات بأصحابها إلى تنفيذ الخدمة المدنية العسكرية في "رجيم معتوق" بقبلي أو "قرعة بوفليجة" في الصحراء التونسية أو في جزيرة "زمبرة"

وتحدث سالم الأبيض عن الاعتقالات الدورية في الجامعة لنشطاء الحركة الطلابية والتي وقعت على إثرها محاكمات على خلفية الانتماء السياسي والمشاركة في أحداث معينة أو مظاهرات، كما أدت بعض الاعتقالات بأصحابها إلى تنفيذ الخدمة المدنية العسكرية في "رجيم معتوق" بمحافظة قبلي أو "قرعة بوفليجة" في الصحراء التونسية أو في جزيرة "زمبرة" في محافظة نابل، مشيرًا إلى أن تجنيد الطلبة طال أجيال السبعينات والثمانينات والتسعينات. 

ويضيف: "هي اعتقالات تمت داخل أسوار الجامعة.. الجيل الذي واكبته شخصيًا هو جيل سنة 1987 كان فيه مجموعة من اليساريين الذين اعتصموا في كلية الحقوق في علاقة بالقضية الفلسطينية، فتم اعتقالهم بالجملة"، معقبًا: "وعلى خلفية ذلك تم تنفيذ سلسلة من التحركات الطلابية التي أفضت إلى تجنيد مجموعة كبيرة من الطلبة الإسلاميين والعديد من الطلبة القوميين الذين كنت من بينهم باعتباري الناطق الرسمي باسم تيار الطلبة العرب التقدميين الوحدويين آنذاك". 

 

 

وتابع قائلًا: "وبدلًا عن المحاكمة، اختارت السلطة التجنيد لمدة سنة لكن تبعًا لسقوط نظام الحبيب بورقيبة، أصدر نظام بن علي عفوًا على الطلبة من مختلف المشارب".

وعقّب محدث "الترا تونس": "الخدمة العسكرية المدنية كانت متعلقة بالتنمية في رجيم معتوق على غرار غراسة النخيل وزرع الأراضي وغيرها. وبالتوازي مع التجنيد وقعت محاكمة بعض الطلبة الآخرين الذين اعتقدت السلطة أنهم متورطون في جرائم على شاكلة استعمال أدوات مثل "المولوتوف" داخل الحركة الطلابية".

ويرى سالم الأبيض أن الحركة الطلابية كانت تمثل منبتًا للأحزاب السياسية فكان الطلبة الدستوريون في الاتحاد العام لطلبة تونس يُعيَّن منهم الوزراء والولاة ومختلف كوادر الدولة في ظل فترتيْ حكم بورقيبة وبن علي، وكانت بقية التيارات السياسية منبتًا لقوى المعارضة السياسية وفي نفس الفترة كانت المعارضة تتغذى من النشطاء خريجي الجامعة والحركة الطلابية بانتماءاتهم اليسارية والإسلامية والقومية العربية.

سالم الأبيض: الحركة الطلابية كانت تمثل منبتًا للأحزاب السياسية فكان الطلبة الدستوريون في الاتحاد العام لطلبة تونس يُعيَّن منهم الوزراء والولاة ومختلف كوادر الدولة في ظل فترتيْ حكم بورقيبة وبن علي، وكانت بقية التيارات السياسية منبتًا لقوى المعارضة السياسية

واستطرد: "أما بعد سنة 2011 تغيرت المعطيات ليصبح ذلك المنبت يوفر كوادر للأحزاب السياسية التي ارتقت للسلطة بعد الثورة التونسية مثل حركة النهضة وحركة الشعب وحزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد "الوطد"،  مقرًا بأن الحركة الطلابية كانت دائمًا منبتًا للنظام السياسي التونسي سواء من داخل السلطة أو المعارضة.

 

  • 1991.. حين أخمد صوت الطلبة

بتتالي التحركات الاحتجاجية للطلبة الرافضة لمحاكمات الرأي ولمساعي تدجين المنظمة الطلابية والثائرة على النظام الدكتاتوري القمعي جاء رد نظام بن علي عنيفًا دمويًا سقط ضحيته الشهيدان أحمد العمري وعدنان بن سعيد يوم 8 ماي/أيار 1991. كما استشهد طلبة آخرون في شهر جانفي/يناير من نفس السنة حين خرجوا في مسيرات مساندة للعراق. في سنة 1991، كشر النظام الاستبدادي عن أنيابه وبرزت معاداته للحركة الطلابية للعيان فاستعمل الرصاص الحي ولفق التهم الكيدية للنقابيين واستعان بالبوليس السياسي لتعقب حركات المعارضين من الطلبة. كما قضى بحل الاتحاد العام التونسي للطلبة، لتدخل الجامعة التونسية في فترة حكم بن علي في ركود دام لسنوات طويلة حتى إسقاط النظام.

سالم الأبيض: الحركة الطلابية لم تتواصل لوقت طويل خلال فترة حكم زين العابدين بن علي لأنه قمعها قمعًا شديدًا سنة 1991 وكان قد استغل المعركة التي قامت مع الإسلاميين لقمع جميع التنظيمات الطلابية.. وأعيد  تشكيلها سنة 1995 في شكل تنظيمات سرية

وأكد سالم الأبيض أن "الحركة الطلابية لم تتواصل لوقت طويل خلال فترة حكم زين العابدين بن علي، لأنه قمعها قمعًا شديدًا سنة 1991 وكان قد استغل المعركة التي قامت مع الإسلاميين لقمع جميع التنظيمات الطلابية والقضاء عليها"، مشيرًا إلى أنه "أعيد  تشكيلها سنة 1995 في شكل تنظيمات سرية تضم كل القوى السياسية المتبقية؛ قومية ويسارية وليبرالية ومستقلون، أغلبها تنشط من داخل الاتحاد العام لطلبة تونس، فيما وقع حضر الاتحاد العام التونسي للطلبة الذي يمثل الإسلاميين". 

ولفت الأبيض إلى أنه "في عهد الحبيب بورقيبة كان هناك أيضًا صراع كبير بين الحركة الطلابية والسلطة والنظام. وكان بورقيبة من حين لآخر يعتقل الطلاب وتقع محاكمتهم وتجنيدهم، وكانت هناك معارك متجددة لكن نظام بورقيبة في تلك الفترة كان في حالة وهن كبير، وكانت الحركة الطلابية قوية ومتأججة طيلة الفترة البورقيبية من 1972 حتى سنة 1987 وبقيت قوية حتى سنتي 1992/1991 حيث بدأت تخفت تدريجيًا، ثم استعادت نشاطها من جديد من داخل مؤسسات معترف بها وهي الاتحاد العام لطلبة تونس، وكانت في كل مرة تقع في صراعات مع السلطة لكن ليس بنفس الحجم الكبير والكثيف والعنيف والرمزي في فترة بورقيبة والسنوات الأولى لفترة بن علي".

تعتبر الانتفاضة الطلابية 5 فيفري/شباط 1972 حلقة من حلقات النضال التونسي ضد القمع والدكتاتورية ومشاريع التدجين، كما تعدّ شمعة مضيئة في تاريخ النضال الطلابي، وقد لخّص المؤرخ محمد ضيف الله تاريخ الحركة الطلابية بتونس في كتابه "أزمنة الحركة الطلابية التونسية 1910–1991".