15-يوليو-2019

سابقة خطيرة باقتحام الأمن للحرم الجامعي وإيقاف طلبة وتوجيه تهم ضدهم (ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

بينما كانت الجماهير الرياضية بتونس تتفاعل مع مباراة نصف نهائي كأس الأمم الإفريقية بين تونس والينغال، الأحد 14 جويلية/يوليو 2019، كانت مجموعة من الطلبة من كلية العلوم بالمنستير بين أروقة المحاكم ومراكز الإيقاف بمنطقة الأمن الوطني بالمنستير قبل الإعلان أثناء المباراة عن إطلاق سراحهم، في قضية أثارت الرأي العام الطلابي والحقوقي والمجتمع المدني بوجه عامّ.

كيف تحولت المفاوضات النقابية إلى إيقافات بكلية العلوم بالمنستير؟ وماهي أسباب التعامل الأمني والقضائي مع ممثلي الطلبة؟

إذ لم يألف الطلبة أن يبلغ الاحتقان في مسألة طلابية نقابية إلى درجة اقتحام الأمن للحرم الجامعي، في تصعيد أعاد للأذهان ممارسات النظام السابق، وربما بشكل لم تشهده الجامعة التونسية منذ سقوط النظام الاستبدادي وإنهاء مهام "الأمن الجامعي" الذي كان فرعًا من منظومة القبضة الأمنية بالجامعات التونسية.

فكيف تحولت المفاوضات النقابية إلى إيقافات بكلية العلوم بالمنستير؟ وماهي آسباب التعامل الأمني والقضائي مع ممثلي الطلبة؟ وكيف تفاعلت الجهة الإدارية مع هذه الأزمة؟

اقتحام للحرم الجامعي وتوجيه تهم للطلبة

يوم الجمعة 12 جويلية/يوليو 2019، انتشرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر وحدات أمنية في أروقة كلية العلوم بالمنستير، قامت بعملية إيقاف واسعة شملت 16 طالبًا يدرسون بهذا المرفق العمومي الراجع بالنظر إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

وقد رافقت عملية الإيقاف احتجاجات طلابية، ليتبين لاحقًا أن عددًا من ممثلي المجلس وناشطين بالاتحاد العام التونسي للطلبة والاتحاد العام لطلبة تونس (أكبر هيكلين نقابيين للطلبة) من بين الموقوفين.

وأفاد الناطق الرسمي لمحاكم المنستير فريد بن جحا لوسائل الإعلام المحلية، يومها، أنه "تم عرض 14 طالبًا من كلية العلوم بالمنستير على أنظار النيابة العمومية من أجل تعطيل حرية العمل والاعتداء على موظف عمومي وهضم جانب موظف عمومي وذلك طبقًا لأحكام الفصول 125 و127 و136 من المجلة الجزائية".

اقتحام الأمن للحرم الجامعي في كلية العلوم بالمنستير

وأضاف بن جحا، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية)، أنه "عمد عدد من طلبة كلية العلوم إلى منع زملائهم من إجراء الامتحان وإخراج حوالي 300 من الطلبة والاعتداء على الإطار التربوي والإداري".

وأوضح أنه على خلفية هذه الأحداث تقدم عميد كلية العلوم بالمنستير وكاتبها العام بشكاية في الغرض مما أدى إلى تحول النيابة العمومية على عين المكان في محاولة لإيجاد تسوية للإشكال غير أن الطلبة رفضوا كافة الحلول وامتنعوا عن التفاوض مطالبين بإلغاء الامتحانات. وقال إنه "أمام تشبث هؤلاء الطلبة بموقفهم وقع فتح بحث عدلي في الموضوع وسماع المتضررين، تم الاحتفاظ بـ 14 طالبًا من مجموع 16 بعد ثبوت عدم تورط اثنين منهما".

اقرأ/ي أيضًا: أحداث 8 ماي 1991.. حينما وُجه الرصاص صوب الطلبة

الاتحاد العام التونسي للطلبة: دخول الأمن للجامعة خط أحمر

اتصل "ألترا تونس" بأمين عام الاتحاد العام التونسي للطلبة حمزة العكايشي الذي قال إن كلية العلوم بالمنستير تمر بوضعية استثنائية في إجراء الامتحانات مؤكدًا أن فشل المفاوضات بين أساتذة نقابة "إجابة" ووزارة التعليم العالي في الفترة الأخيرة قد ساهم في توتير الأجواء. ووصف وضعية الكلية بـ"الحرجة" مشيرًا إلى انقسام الطلبة بين مؤيد لإجراء الامتحانات وبين رافض لإجرائها.

حمزة العكايشي (أمين عام الاتحاد العام التونسي للطلبة): فشل المفاوضات بين أساتذة "إجابة" ووزارة التعليم العالي ساهم في توتير الأجواء

وعن أحداث يوم الجمعة 12 جويلية/يوليو المنقضي، شدّد محدثنا على أن مجموع الطلبة الموقوفين قد دخلوا قاعة الاجتماعات على أساس التفاوض حول إجراء الامتحانات من عدمه وذلك بحضور ممثل النيابة العمومية وممثلي الإدارة غير أنهم تفاجؤوا باقتحام عدد كبير من قوات الأمن بالكلية وإيقاف 16 طالبًا تم اقتيادهم إلى منطقة الأمن الوطني بالمنستير. وذكر أنه تم استدعاء عدل تنفيذ من طرف الاتحاد العام التونسي للطلبة لمعاينة الوضعية في الكلية.

واعتبر محدثنا أن "دخول الأمن للجامعة خط أحمر" محملًا المسؤولية الكاملة للكلية، ومعتبرًا أن الطلبة هم الحلقة الأضعف بين الوزارة والأساتذة.

ووصف الاتحاد العام التونسي للطلبة في بيان، الإثنين 15 جويلية/يوليو 2019 بعنوان "الجامعة اُنتهكت والسنة الجامعية انتهت"، إقدام قوات الأمن على اقتحام الحرم الجامعي بـ"السابقة الخطيرة" و"المشهد النوفمبري" والمنذر  بـ"عودة دولة البوليس" وفق تعبيره.

ووصف البيان الطلبة بأنهم "ضحية فشل وزير التعليم العالي الذي اتخذ من الجامعة سلمًا لطموحه السياسي"، داعيًا إلى الرفض المطلق لاستعمال الأمن "كوسيلة لترهيب الطلبة". وطالب بمحاسبة كل الأطراف التي لها علاقة بالتدخل الأمني بكلية العلوم بالمنستير مع اعتذار رسمي من الدولة.

وأكدت النقابة الطلابية ضرورة إنهاء السنة الجامعية بـ"اعتبار أن الظروف غير ملائمة لإجراء الامتحانات" ومؤكدة رفض قرار الوزير المتعلق باجتياز دورة تدارك دون الإعلان عن نتائج الدورة الرئيسية.

الكلية تصدر بيانًا ثم تسحبه

وبالعودة إلى تفاصيل أحداث الجمعة بكلية العلوم بالمنستير، وجه الطلبة الاتهامات لعميد الكلية عادل الكلبوسي رأسًا على اعتبار أنه وجه شكاية إلى النيابة العمومية. لكن نشر العميد بعد يوم من الإيقافات، وتحديدًا السبت 13 جويلية/يوليو، بيانًا توضيحيًا أدان من خلاله أي تدخل أمني في الحرم الجامعي.

فريد بن جحا (الناطق الرسمي باسم محاكم المنستير والمهدية): عميد كلية العلوم بالمنستير تراجع عن الشكاية التي تقدم بها ضد الطلبة

اقرأ/ي أيضًا: ذكريات مفخّخة.. عن الجامعة وصديقي الذي فجّر نفسه

وقال العميد إنه تم "اقتراح" التدخل الأمني ولكنه رفضه قطعيًا وفق قوله، مؤكدًا أن التدخل الأمني بقاعة الاجتماعات كان "بصفة فجئية ودون أي علم أو استشارة للعميد". وعبر عن الرفض القطعي لإدارة الكلية لإيقاف أي طالب داعيًا إلى إطلاق السراح الفوري واللامشروط لجميع الطلبة، مؤكدًا عدم تقديم شكايات للغرض.

غير أن هذا البيان التوضيحي سُحب في وقت لاحق من موقع كلية العلوم بالمنستير، في حين كشف فريد بن جحا، الناطق الرسمي باسم محاكم المنستير والمهدية الأحد 14 جويلية/يوليو، أن عميد الكلية "قد تراجع عن الشكاية التي تقدم بها ضد الطلبة".

وأضاف، في تصريح صحفي، أن الموقوفين من الطلبة التزموا، في المقابل، بالسماح لبقية طلبة الكلية بإجراء الامتحانات، مشيرًا إلى أنه تم إرجاع ملف الشكاية إلى الشرطة العدلية بعد أن تم إطلاق سراح جميع الطلبة.

هبّة في مواجهة سابقة خطيرة

أثارت، في الأثناء، حادثة اقتحام الحرم الجامعي موجة من السخط والانتقادات في صفوف الطلبة والمجتمع المدني، مع التركيز طيلة اليومين الماضين عن مسؤولية الجهة التي طلبت التدخل الأمني وتحويل التفاوض النقابي إلى ضغط بوسائل ردعية أمنية وقضائية في سابقة هي الأولى من نوعها منذ الثورة.

فرع المجلس الجهوي للمحامين بالمنستير قال إن عميد الكلية يتحمل "المسؤولية الأولى على أمن الحرم الجامعي" مضيفًا "إن التدخل الأمني بدون طلبه أو إذنه يشكل في حد ذاته سابقة خطيرة وتجاوزًا مرفوضًا بقطع النظر عن السلطة الإدارية التي أذنت بذلك".

فرع هيئة المحامين بالمنستير: حرية الطالب خط أحمر ومكانه الطبيعي هي مقاعد الدراسة وليس غرف الاحتفاظ 

واعتبر المحامون في المنستير أن "حرية الطالب خط أحمر وأن مكانه الطبيعي هي مقاعد الدراسة وليس غرف الاحتفاظ وأن مستقبله العلمي هو قضية وطن بأكمله" مع التأكيد على رفض التعامل مع الحركات الاحتجاجية الطلابية على أنها جرائم حق عام، وفق نص البيان.

وفي ذات السياق، اعتبر الاتحاد العام لطلبة تونس أن "استقدام الأمن من طرف العميد وإدخاله الحرم الجامعي سابقة خطيرة عبر إقحامه في معركة نقابية مشروعة يخوضها مناضلو الاتحاد العام لطلبة تونس". واعتبر البيان أن "هذه الممارسات التصفوية ضرب للعمل النقابي في الجامعة المضمون دستوريًا وضربًا للحركة الطلابية وذراعها النقابي الاتحاد العام لطلبة تونس".

ناقوس إنذار

هكذا تحولت مطالب نقابية من أروقة الجامعة إلى أروقة المحاكم وسط حيرة في صفوف الناشطين النقابيين من الطلبة والمجتمع المدني، إذ مرت الحركة الطلابية في تونس بمراحل عديدة وأسست لشرعيتها النضالية عبر مراحل متنوعة من النضال في سياق علاقتها بالسلطة، وحصدت مكاسب للتعليم والحريات ومعركة الديمقراطية، كما قدمت ضحايا للعمل النقابي عبر محطات تاريخية.

ويظل أهم مكسب للحركة الطلابية في تونس ما تحقق بعد الثورة عبر إدارة شأنها داخل فضاء الجامعة بعيدًا عن الرقابة الأمنية والاستقواء بأجهزة الأمن كما كان الحال طيلة عقود.

ولذلك اعتبر ناشطون أن ما جدّ مؤخرًا في كلية العلوم سابقة خطيرة وناقوس إنذار لضرورة مواصلة الدفاع عن حقوق الحركة النقابية الطلابية خاصة في العمل النقابي داخل فضاء الجامعة وعدم المس به تحت أي ذرائع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عبد الواحد العبيدلي يقتل مرتين.. ويبقى حيًا دون مضمون وفاة!

فوضى وامتحانات غير مراقبة: أيّ مصداقية للتعليم العالي الخاص؟