25-أبريل-2021

أحدث رجة جماهيرية انقسم فيها المشاهدون بين رافض للعمل شكلًا ومضمونًا ومدافعين جديين عنه

 

مع بداية بث الأعمال الدرامية الرمضانية التونسية، برز مسلسل "كان يا ما كانش" ليس لاعتبارات فنية فقط، وإنما لإحداثه رجة جماهيرية، انقسم فيها المشاهدون بين رافض للعمل شكلًا ومضمونًا ومدافعين جديين عنه.

وتحوّل الاختلاف حول طبيعته إلى خلاف ضمني حول قدرة المشاهد على استيعاب رسائل سياسية، تمكن البعض من فك رموزها فيما فشل البعض الآخر في ذلك، أو أنّ العمل فعلًا غير جدير بالإشادة، لكن الصدى الإيجابي يعود إلى دائرة المقربين منه.

اتُهم "كان ياما كانش" بالسرقة الأدبية وشبهه المشاهدون بالسلسلة الفرنسية الشهيرة Kaamelott التي انطلق بثها عام 2005 وحققت نجاحًا جماهيريًّا كبيرًا

كما اتُهم "كان ياما كانش" بالسرقة الأدبية وشبهه المشاهدون بالسلسلة الفرنسية الشهيرة Kaamelott التي انطلق بثها عام 2005، وحققت نجاحًا جماهيريًّا كبيرًا، حينها، وهي مستلهمة بدورها من قصة القلعة الأسطورية "كاميلوت" في بريطانيا، التي يُعتقد أنها كانت مقر حكم الملك الأسطوري آرثر قبل حوالي 1400 سنة.

حاتم بالحاج كاتب العمل، وضح في حديثه لراديو "ابتسامة أف أم" أنّه يسعى للابتكار ومفاجأة المشاهدين وليس لتقديم نسخة مكررة من "شوفلي حل" أو من أعماله الأخرى، وأن هناك فرقًا بين السرقة والاستلهام من عمل ما، موضحًا أنّ المراجع التي اعتمدها تأتي ضمن عملية بناء محكمة على ما سبق، وأنه ليس في قطيعة معها، وفقه.

اقرأ/ي أيضًا: حاتم بالحاج لـ"الترا تونس": نقاد السينما والدراما في تونس عاطفيون (حوار)

  • كان يا ما كانش.. فانتازيا تاريخية

تُقدم السلسلة رؤية جديدة تخييلية لم يتعود عليها المشاهد التونسي، لكنها تحيل إلى فترات مهمة في حياته منها مرحلة طفولته، بداية من العنوان "كان يا ما كانش" الذي يُعيد إلى الذاكرة الجملة الشهيرة "كان يا ما كان" المرتبطة بعالم القصص الخيالية، وتُعد مفتاحًا لسردها بشكل جذاب مع نهاية نعرفها جميعًا "وعاشوا في سعادة وهناء". 

إذ لاقت التعبيرة شهرة في عالم الكرتون، في الثمانينيات، مع سلسلة رسوم متحركة "كان يا ما كان.. الحياة" رغم أنّها تاريخيًا تُرجع إلى القرن السابع عشر لمبتكرها شارل بيرو، أشهر كُتاب قصص الأطفال الخيالية، المؤثرة إلى اليوم وأكثرها انتشارًا، مثل سندريلا وذات القبعة الحمراء (ليلى والذئب).

الناقد السينمائي ناصر الصردي لـ"الترا تونس":  السلسلة اعتمدت على الفانتازيا لنقد بعض الظواهر الحالية لأن كل عمل فني يرمز بالضرورة إلى الفترة التي يُعايشها، عبر إسقاطات تاريخية وخيالية على الواقع الحالي

وفي هذا السياق، يقول الناقد السينمائي ناصر الصردي، إن العمل يندرج ضمن الفانتازيا التاريخية وهو جنس أدبي بالأساس، غير مرتبط مباشرة بالأعمال الدرامية والسينمائية. وبين أنّه اشتهر مع ألكسندر دوما في فرنسا، وعربيًّا مع نجيب محفوظ في بداياته قبل أن يتوجه إلى الواقعية الأدبية، إذ كان يُطوع الحكايات، منها الفرعونية، ويُضيف إليها الجانب الدرامي والميلودرامي، ليبني قصته.

واعتبر أنّ السلسلة اعتمدت على الفانتازيا لنقد بعض الظواهر الحالية، السياسية، الاجتماعية والاقتصادية، لأن كل عمل فني يرمز بالضرورة إلى الفترة التي يُعايشها، عبر إسقاطات تاريخية وخيالية على الواقع الحالي.

من جانبها، قالت الناقدة هندة حوّالة لألترا تونس، إنّ السلسلة تخييلية تُمثل قراءة فنية للمشهد السياسي والاجتماعي في تونس، خلال العشر سنوات الأخيرة. 

وبيّنت أنّ هذا الجنس السينمائي ازدهر في بداية الثلاثينيات مع الأزمة الاقتصادية الكبرى، التي عُرفت بالكساد الكبير عام 1929، بهدف الترفيه عن الناس والخروج بهم من الواقع المظلم الذي يعيشونه، و"كان يا ما كانش"، وفق قولها، ظهرت في الوقت المناسب لأنّ تونس تعيش مرحلة مظلمة تستوجب مقاربة فنية مختلفة.

الناقدة هندة حوّالة لـ"الترا تونس": "كان يا ما كانش" ظهرت في الوقت المناسب لأنّ تونس تعيش مرحلة مظلمة تستوجب مقاربة فنية مختلفة

وأوضحت أنّ التونسي يحتاج إلى الخروج من الرؤية الواقعية إلى التخييلية بالاعتماد على نص يُمثله وغير منفصل عنه.

اقرأ/ي أيضًا: مسلسلات رمضان 2021 في تونس.. جواسيس و"بوليس" وعودة للتاريخ

  • بين التقبل والنفور..

قد تكون سلسلة "كان يا ما كانش" الأولى من نوعها تونسيًّا، في اعتمادها على الفانتازيا، لكنها خلفت نوعًا من الصدام مع الجمهور، على المستوى المفاهيمي في تقبل العمل، على مستوى الشكل واللباس دون أن ننسى المضمون.

إلاَ أنّ هذا الجدل وفق الصردي هو ظاهرة صحية لأن الجمهور مختلف وليس له نفس الرأي وطريقة التقبل مع اختلاف المخزون الثقافي. 

وبين أن "كان يا ما كانش" تحتوي مرجعيات سينمائية واضحة، ومرجعيات تشكيلية لا يمكن للجميع التقاطها، ومرجعيات في الشكل السينمائي على مستوى الصورة والألوان.

وأضاف "الظاهرة لا يمكن أن تكون صحية إذا حكمنا عليها من جانب أخلاقي فقط، لكن مادام النقاش حول المحتوى والشكل والمرجعيات، فهي كذلك".

الصردي: "كان يا ما كانش" تحتوي مرجعيات سينمائية واضحة، ومرجعيات تشكيلية لا يمكن للجميع التقاطها، ومرجعيات في الشكل السينمائي على مستوى الصورة والألوان

فيما ذكرت حوّالة أنّ التونسي لم يتقبلها لأنه غير متعود على مثل هذه الأعمال، مشيرة إلى أنّ المشاهد لا يريد أن يبذل مجهودًا في الفهم، لأنه تأقلم منذ سنوات مع تكرار المشهد الدرامي ذاته، وحين يُقدّم صُناع الدراما مشهدًا آخر أكثر عُمقًا، وزاوية قراءة للأحداث بطريقة أخرى، يُربكه ذلك ويُخرجه من منطقة الراحة في إدراك وتقبل الأشياء.

وهذا لا يرتبط فقط، وفق الناقدة، بالأعمال الدرامية، إذ هي سلسلة مترابطة تتقاطع فيها مع البرامج الترفيهية وما يسوق إعلاميًّا. رؤية خلقت توجُهًا نمطيًّا تعود عليه المشاهد التونسي، ودخل في استسهال الضحك وقراءة الأحداث وفق قالب معين، حسب رأيها.

وأكّدت أنّ النفور وليد هذا السياق، فحين يُقدم عمل يقطع جذريًّا مع ما تعوّد عليه المشاهد، سنجد جزءًا من الجمهور يعتبره غير مقنع وغير مفهوم، كنتيجة لتعوده على توجه معين وتخوفه من تغييره، ورغبته في الحفاظ عليه.

حوّالة: المشاهد لا يريد أن يبذل مجهودًا في الفهم لأنه تأقلم منذ سنوات مع تكرار المشهد الدرامي ذاته

في المقابل يوجد شريحة أخرى مستعدة لتقبل مضمون جديد، أعجبها التغيير، وقد تكون غير مهتمة بالأعمال المقدمة سابقًا.

  • تحوّل في الدراما المحلية؟

تطرح "كان يا ما كانش" بأبعادها مجموعة من القضايا وتمثل في حد ذاتها تحديًّا، في بناء دراما محلية تقوم على مقاربة جديدة، نصًا وإخراجًا وتمثيلًا، رغم وصفها من قبل بعض المشاهدين بالفشل.

ووفق الناقد ناصر الصردي، فإنّه بالعودة إلى الدراما التونسية تاريخيًّا، كانت هناك أعمال جيدة بكتابة مهمة تشد الجمهور مثل الخطاب عالباب، منامة عروسية، لكن في فترة ما (لم يذكرها) لم تُقدم بالجدية الكافية.

وأضاف أنّ هناك ظاهرة عالمية تتمثل في استقطاب القنوات التلفزيونية لمخرجي السينما لإنجاز مسلسلات، وهو ما أثر إيجابيًّا في الرفع من جودة هذه الأعمال.

ويتجسد ذلك محليًّا، وفق الصردي، في مقاربة لسعد الوسلاتي السينمائية في مسلسل حرقة، ومراد بالشيخ في "أولاد الغول"، وعبد الحميد بوشناق في "كان يا ما كانش".

وأكّد أنّ مقاربتهم سينمائية بحتة ومناقشة أعمالهم ظاهرة جيدة، لأن هناك ما يناقش، فأحيانًا تشاهد أعمالًا ولا تجد فيها ما يمكن التفاعل معه وهذا في حد ذاته إيجابي، ومادامت مطروحة للنقاش فقد أثرت، لأنّ أسوأ شيء يمكن أن يقع فيه العمل الفني هو اللامبالاة"، وفق قوله.

من جانبها قالت هندة حوًالة، إنّ السلسلة عمل فني ينقد الواقع التونسي بكثير من السخرية، وروح الدعابة التونسية الخالصة، وأنّ قيمته ستظهر بعد فترة من الزمن.

ربما يكون "كان ياماكانش" لبنة يمكن استثمارها لتطوير تجربة الفانتازيا التاريخية في تونس بالاعتماد على كتابة محكمة وطرح مقنع للمشاهدين

وأكدت أنّ قطعها مع السابق مهم، لإنتاج أعمال جديدة ترضي جميع الأذواق، وتخرج من القولبة، خاصة أنّ العمل اعتمد على مراجع سينمائية مختلفة، تُدلل على تمكن صاحب العمل من الأجناس السينمائية، مع التناسق المتميز بين اللباس والقصة والديكور.

شكلت الفانتازيا التاريخية، جزءًا هامًا في الدراما، ولعل أعمالًا مثل "الجوارح" و"الموت القادم من الشرق" في سوريا، أبرز الأمثلة على نجاحها واكتساحها للساحة الفنية، رغم بدايتهما المحتشمة، لكنهما مثلا لبنة هامة لتأسيس توجه درامي متكامل، اعتمد على حبكة درامية مميزة، لغة سليمة وقضايا مرتبطة بالواقع.

ربما يكون "كان ياماكانش" لبنة يمكن استثمارها لتطوير التجربة وخلق توجه جديد في تونس، بالاعتماد على كتابة محكمة وطرح مقنع للمشاهدين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مسلسلات رمضان في تونس: "الحرقة" ينقذ الموسم!

شارات المسلسلات الرمضانية في تونس.. حضور لافت لفناني الراب