31-ديسمبر-2021

مختصّ في علم الطاقة: يمكن اعتبار التنجيم من العلوم الميتافيزيقية أي دراسة للماورائيات (Getty)

 

منذ أسبوع، تعيش جارتي في العمارة (ش. ب) حالة من الضغط الكبير وكان السبب مفاجئًا بالنسبة إليّ، فقد باءت محاولتها بالفشل للحصول على موعد مع إحدى قارئات الطالع الموجودة في الضاحية الجنوبية للبلاد التونسية. وكانت تربط آمالًا كثيرة بهذا الموعد الذي اعتبرته مصيريًا خاصة بعد أن فسخت خطوبتها منذ أشهر. ولا يمر يوم دون أن تطّلع (ش. ب) على برجها سواء عبر الأنترنيت أو عن طريق هاتفها الذي يعج بالتطبيقات التي تُعنى بالحظ والتنجيم. 

ولا تختلف جارتي عن عدد كبير من التونسيين الذين يؤمنون بما تقوله أبراجهم ولا يفتؤون يبحثون عما يرضي شغفهم بالاطلاع عما ينتظرهم في المستقبل. وفي المقابل، هناك جزء من الناس يعتبر هذا الأمر دجلًا وشعوذة.

رمزي الجويني (مختصّ في علم الطاقة) لـ"الترا تونس": البرج يكون شهريًا، أما الطالع فيتغير تقريبًا كل ساعتين بحسب المكان واليوم والشهر، وقراءته هي باب من أبواب علم الكواكب أو ما يسمى بعلم التنجيم

"الترا تونس" فتح هذا الملف مع الخبير في علم الطاقة رمزي الجويني والباحث في علم الاجتماع سامي نصر في هذا التقرير.

  • التنجيم علم تجريبي ضارب منذ القدم

يفسّر المختصّ في علم الطاقة رمزي الجويني أنّ التنجيم هو دراسة تأثير تحرّك الكواكب على الإنسان، أما قراءة الطالع، فهي قراءة تأثير هذه الكواكب وتحرّكها على الإنسان، وتكون محددة بيوم الولادة والشهر والسنة، ومكانها وساعتها.. فالبرج يكون شهريًا، وأما الطالع فيتغير تقريبًا كل ساعتين بحسب المكان واليوم والشهر، مضيفًا أنّ قراءة الطالع هي باب من أبواب علم الكواكب أو ما يسمى بعلم التنجيم، على حدّ تعبيره.

وفي علاقة بالجدل القائم حول مدى اعتبار التنجيم من العلوم الصحيحة، يقول الدكتور رمزي الجويني إنّ التفسير الحديث للتنجيم يعتبره أقرب إلى العلوم التجريبية التي تعتمد على الظواهر القابلة للملاحظة والتي يمكن اختبار صحتها من خلال التجربة أو المنطق، مضيفًا أنه يمكن اعتباره من العلوم الميتافيزيقية أي دراسة للماورائيات.

رمزي الجويني (مختصّ في علم الطاقة) لـ"الترا تونس": التفسير الحديث للتنجيم يعتبره أقرب إلى العلوم التجريبية التي تعتمد على الظواهر القابلة للملاحظة والتي يمكن اختبار صحتها من خلال التجربة أو المنطق

ويستطرد محدّثنا قائلًا: "لو عدنا لبعض العلماء في السابق كفخر الدين الرازي والأنطاكي وابن سينا وغيرهم.. لوجدنا أنهم يعتمدون على ما يسمى في الطب بعلم الأمزجة والطبائع، لأنهم جعلوا لكل كوكب طاقة ينتج عنها سلوك معين للبشر وتأثير على الطبيعة، كالماء والنباتات والزلازل وغيرها... لهذا أراه شخصيًا الطريق السليم لتفسير هذه العلوم، لأن تفسيرها فيزيائيًا يكاد يكون غير منطقي نظرًا لنقص البحوث والدراسات التي تعد على الأصابع. فمن غير الطبيعي الحكم على أمر من دون أي أدلة أو بحوث".

اقرأ/ي أيضًا: الأولياء الصالحون في تونس.. ذاكرة وطقوس

وفي علاقة بالمقومات التي يرتكز عليها علم التنجيم لتحديد ملامح الشخصية، يفسّر المختصّ في علم الطاقة، أنّ تحديد ملامح الشخصية يكون بمعرفة الطالع ومعرفة الكوكب الذي يرتبط به ومعرفة مكان وجود الكوكب إن كان سلبيًا أم إيجابيًا، بالإضافة إلى دراسة وجود بقية الكواكب واتصالاتها واقتراناتها ودرجاتها.. وهذا يسمى بالخارطة الفلكية، أي أماكن وجود الكواكب ساعة الولادة ويومها ومكانها، على حدّ تعبيره.

وفي تفسيره لطاقة الفلك، بيّن محدثنا أن التفسير الفيزيائي مضنٍ نظرًا لقلة البحوث والدراسات وأنه وقع تعريفها سابقًا على أنها طاقة الأمزجة والطبائع الأربعة ويعني بذلك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ولكل مخلوق طاقة من هذه الطاقات الأربع، وترتبط أيضًا بحجم الكوكب الذي يؤثر على الإنسان تأثيرًا طاقيًا، فينتج عنه سلوك معيّن، على حدّ قوله.

رمزي الجويني (مختصّ في علم الطاقة) لـ"الترا تونس": سنة 2022 تحمل عدّة متغيرات مهمة بالنسبة للكواكب.. مما يعطي عامة طاقة وعي مجتمعي بحيث يكون الإنسان أمام كشف تغييرات كثيرة

وفي ردّه عن الأطروحات التي تعتبر التنجيم شعوذة وشركًا، يؤكد الدكتور رمزي أن الشعوذة هي نقيض العلم، أما الشرك فهو عبادة غير الله، والظاهر أن هذا المجال كالكثير من المجالات دخل عليه الجهل والشعوذة خصوصًا لمن يدّعون معرفة الماضي والمستقبل كالبحّار الذي يتحرى اتجاه الرياح قبل الإبحار. غير أن علم الفلك حسب تفسيره هو "علم نتحرى به الطاقات القادمة لنستغلها، مثل ما يحدث عند هبوط المريخ إذ عادة ما تكون الطاقة سلبية، فينصح بالابتعاد عن المشاحنات".

اقرأ/ي أيضًا: من بين شقوق الفقر.. ينبت شعب البرومسبور في تونس!

واستشهد الدكتور رمزي الجويني بالسنّة النبوية، "حين نصحنا الرسول الأعظم بثلاثة أيام معيّنة بحساب الشهر العربي للحجامة، وصيام الأيام القمرية أي عند اكتمال القمر. وأما الشرك فلا أحد في زماننا يعبد كوكبًا أو يعبد الشمس في بلاد المسلمين، فهي فقط أخذ بالأسباب، وإلا لكان المعهد الوطني للرصد الجوي منبعًا للجهل" وفق وصفه.

ولم يغب عنّا سؤاله حول توقعات سنة 2022، فأفادنا محدّثنا بأن هذه السنة تحمل عدّة متغيرات مهمة بالنسبة للكواكب وأهمها استقرار المشتري بالحوت ووجود الزهرة بالجدي مما يعطي عامة طاقة وعي مجتمعي بحيث يكون الإنسان أمام كشف تغييرات كثيرة وبداية فهم هذه المرحلة الجديدة من الزمن، وأكد كذلك أننا في انتظار متغيرات عالمية كثيرة.

  • التنجيم يعزز ثقافة الوهم عند التونسي

يؤكد الباحث في علم الاجتماع سامي نصر، من جانبه، أن الدوافع الرئيسية لالتجاء التونسي إلى قراءة الأبراج تكمن في أنه عاش منذ سنوات أزمات متتالية، ويتمنى دائمًا أن ينتهي الألم مع بداية سنة جديدة فيجد في الوهم أملًا في واقع جديد.

ويضيف نصر أن آليات التنجيم تعدّدت فنجد اليوم التنجيم الإلكتروني عن طريق تطبيقات فيسبوك (كيف ستكون بعد 10 سنوات؟ ماذا ستملك في العام القادم؟ وغيرها..).

سامي نصر (باحث في علم الاجتماع) لـ"الترا تونس": التونسي محتاج للوهم لاعتباره من ميكانيزمات الدفاع، مثله مثل أحلام اليقظة التي نعيشها قبل النوم، والعرّاف يساعده في تحقيق هذه الراحة النفسية التي يستحقها

َويفسر الباحث في علم الاجتماع الأمر قائلًا: "إن التونسي محتاج للوهم لاعتباره من ميكانيزمات الدفاع، مثله مثل أحلام اليقظة التي نعيشها قبل النوم، نحلم ونستشرف المستقبل لأن الواقع رديء جدًا حسب تقييمنا له. إذ يهرب من تخميرة الواقع المؤلم إلى تخميرة الوهم، والعرّاف يساعده في تحقيق هذه الراحة النفسية التي يستحقها".

ويشير سامي نصر، إلى أنه حسب بعض الإحصاءات، فإن أكثر ما يقرؤه التونسي في الصحف هي "حظك اليوم" وإشهارات العرافات التي عادة ما تكون مغرية وتستجيب بشكل كبير لمشاكله، موجهًا الدعوة للمسؤولين للاطلاع على مشاكل الشعب بقوله: "العرافة مطّلعة على الوضع أكثر من السياسيين" على حد تعبيره. 

ولفت محدثنا إلى أن التونسي يتحرّج من الذهاب إلى الطبيب النفسي ولا يستحي من الذهاب للمنجّمين، وأرجع ذلك إلى أن بعض وسائل الإعلام طبعت مع ثقافة التنجيم وجعلتها منتشرة بكثرة، إذ تجد منجمًا يشتغل "كرونيكورًا" وتتنافس القنوات على حضور المنجّمين مع كل رأس سنة إدارية، لذلك راهنت بعض وسائل الإعلام على مسابقات الوهم ورسّخت عقلية الربح والكسب عوضًا عن ثقافة العمل والكد، على حد قوله.

سامي نصر (باحث في علم الاجتماع) لـ"الترا تونس": هناك شرعيتان للعرّاف: شرعية الصدق وشرعية الإنجاز.. فالأولى هي لكسب الحرفاء عن طريق المعجزات مثل تحليل الشخصية، أما الثانية فتكمن في الاستشهاد بالعلم والنجوم والكواكب لشرعنة ممارساتهم

أما عن اعتبار التنجيم علمًا له قواعده وأساسياته، يقول سامي نصر: "هناك شرعيتان للعرّاف: شرعية الصدق وشرعية الإنجاز.. فشرعية الصدق هي لكسب الحرفاء عن طريق المعجزات مثل تحليل الشخصية، أما الشرعية العلمية تكمن في الاستشهاد بالعلم والنجوم والكواكب وذلك لشرعنة ممارساتهم. 

وفي سؤاله عن الفئات الاجتماعية التي تهتم بهذا المجال، يؤكد نصر أن التنجيم يستقطب كل الشرائح المجتمعية، فحتى المثقفون والمشاهير يبحثون عن الوهم أينما كان.

وليس أفضل ممّا ذهب إليه محدّثنا في ختام حديثه حين قال إنّنا اليوم "نحتاج القطع مع ثقافة الوهم، وإلغاء عقلية البحث عن الكثرة بأقل المجهودات" وفق تعبيره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"كورونا" وعالم التنجيم.. بحث عن الخلاص عند باعة الوهم

ألعاب الحظ في تونس.. باقية وتتمدد في صفوف الفقراء