27-أبريل-2021

مجموعات عديدة على فيسبوك هي مجال لتبادل الخبرات (Josh Edelson/ أ ف ب)

 

يكثر الحديث للأسف عن سلبيّات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وكيف أنّه غدا وسيلة مكبّلة للأفراد، وسالبًا لوقتهم ومتحكّمًا في حيواتهم.. هذا التحكّم "اللاواعي" الذي قد يمثّل منزلقًا مغريًا للحديث بشأنه في الواقع. على أنّنا ارتأينا أن نحاول التركيز على الجانب المضيء من المسألة، وأن نتحدّث بشأن التحكّم "الواعي" والاختيار العاقل لدى روّاد هذا الفضاء التفاعليّ.

يقول المثل العربيّ: "المشورة عين الهداية"، وقديمًا قال هارون الرشيد إنّ من شاور كثُر صوابه، ويذهب ابن المقفّع إلى أنّ المستشير وإن كان أفضل من المستشار رأيًا، فإنّه يزداد بالمشورة عقلًا، وإلى غير ذلك من الأمثلة العديدة التي يزخر بها موروثنا العربيّ، بل إنّ المثل التونسيّ يقول "رأيين خير من رأي". 

رأيان خيرٌ من قول واحد، مثل تطبّقه مجموعات فيسبوك التي تكون على وزن "لقد (قمنا بكذا وكذا) من أجلكم": "لقد قرأنا من أجلكم"، "لقد شاهدنا من أجلكم"، "لقد أكلنا من أجلكم" إلى آخر ذلك..

وفعلًا، رأيان خيرٌ من قول واحد، فماذا عن ثلاثة أقوال؟ عشرة آراء؟ مائة نصيحة؟ ألف تجربة؟ هذا ما توفّره مجموعات الفايسبوك التي تكون على وزن "لقد (قمنا بكذا وكذا) من أجلكم"، فنجد من بين هذه الأفعال "لقد قرأنا من أجلكم"، "لقد شاهدنا من أجلكم"، "لقد أكلنا من أجلكم" إلى آخر ذلك من هذه الأسماء التي يطرب لها قلب كلّ مهتمّ أو شغوف.

وفي هذا المقال، يحاول "الترا تونس" رصد بعض هذه المجموعات وأشهرها والتعريف بدورها الهام في توفير تجارب مختلفة لأعضاء هذه المجموعات، بالشكل الذي يسهّل عليهم ربما اختياراتهم.

  • لقد شاهدنا من أجلكم الأفلام والمسلسلات On a regardé pour vous "Films et séries"

تُعدّ هذه المجموعة واحدة من أكبر المجموعات الفايسبوكيّة التي تجمع عشّاق السينما والفرجة كما يدلّ على ذلك اسمها، فهي تضمّ أكثر من 321 ألف عضو، وتمّ إنشاؤها منذ 2014 لمشاركة مختلف الآراء حول الأفلام والمسلسلات والوثائقيات، إلخ.. وكثيرًا ما تكون المنشورات على شكل "انصحوني باسم فيلم يكون…" ويعدّد هنا صاحب المنشور الميزات التي يفضّلها، فمنهم من يحتاج إلى فيلم كوميديّ لسهرة عائلية، ومنهم من يحتاج إلى فيلم رومانسيّ تكون نهايته حزينة، ومنهم حتّى من يطلب أفلامًا تتحدّث عن نهاية العالم.. كلٌ حسب ذوقه وميوله.

صورة غلاف مجموعة "On A Voyagé Pour Vous" (فيسبوك)

ولأنّ التحكّم في منشورات مئات آلاف الأعضاء أمر مرهق بلا شكّ، فقد وضعت إدارة المجموعة قواعد صارمة، تطبّق على الجميع بلا استثناء، ويكون العضو موافقًا عليها منذ لحظة انضمامه، ولعلّ أهمّ هذه القواعد تتمثّل في حذف المنشورات الخارجة عن موضوع المجموعة، أو غير المكتملة، كأن تكون بلا صورة أو رابط أو تصنيف.. عدا طبعًا أهمّ قاعدة وهي "لا للحرق"، بمعنى أنّ العضو يجب أن ينبّه في منشوره منذ البداية إن كان كلامه يحتوي حرقًا للأحداث أم لا، وذلك كي لا يُفسد المتعة لمن ينوي أن يأخذ برأيه، ويشاهد ما اقترحه.

اقرأ/ي أيضًا: هوس الفيسبوك ..السعادة المؤقتة القاتلة

  • لقد سافرنا من أجلكم On A Voyagé Pour Vous

ولعلّه من الغريب أن نلاحظ أنّ هذه المجموعة أيضًا التي تأسست في 2013، تضمّ تقريبًا العدد نفسه من الأعضاء في مقارنة بالمجموعة السابقة، فهي أيضا تجمع فوق الـ 321 ألف عضو، فهل أنّ عشّاق السينما هم نفسهم عشاق السفر؟ لا يمكننا الجزم بهذا، لكنّ أعضاء هذه المجموعة مهتمّون حسب التوصيف المرافق للانضمام، بمشاركة الآخرين ومساعدتهم في العثور على اقتراحات رائعة وعروض مغرية لفنادق أو مطاعم حول العالم، يمكن التوجّه إليها للاستمتاع بقضاء العطل.

صورة غلاف مجموعة "On A Voyagé Pour Vous" (فيسبوك)

ولعلّ أغلب المنشورات التي يتداولها أعضاء المجموعة تنقسم إلى توجّهين بالأساس، الأوّل هو توجّه نقل خبرة ما، كأن يجرّب العضو مكانًا سواءً في تونس أو العالم، فينشر بشأنه رأيه في السعر والخدمة المقدّمة والصعوبات التي يحذّر منها.. إلى غير ذلك من التفاصيل المهمّة لمن ينوي تجربة المكان نفسه.

ويكمن التوجّه الثاني في السؤال عن وجهة بعينها، ليتلقّى صاحب السؤال عشرات التعليقات التي يفسّر أصحابها وجهة نظرهم ويسجّلون آراءهم بخصوص هذا المكان.

اقرأ/ي أيضًا: مواقع التواصل الاجتماعي.. الفضاء البديل تونسيًا

  • لقد قرأنا من أجلكم On a lu pour vous, Tunisie

وتأسست هذه المجموعة في 2014، لتضمّ قرابة 31 ألف عضو فقط، إذ إنّ عدد أعضائها مقارنة بالمجموعات السابق ذكرها يُعدّ متواضعًا، فهل يعكس هذا مكانة الكتاب والقراءة لدى التونسيين؟ كالعادة، لا يمكننا الجزم بهذا، وإن كان المؤشّر لافتًا.

صورة غلاف مجموعة "On a lu pour vous, Tunisie" (فيسبوك)

يقول القائمون على هذه المجموعة في توصيفها: "أكلنا من أجلكم، اختبرنا لكم، بحثنا لأجلكم، نحن نرفض لك كذا... ولماذا لا نقرأ لأجلكم؟ كن كريمًا وشارك اقتباساتك ومراجعاتك وأفكارك وأعمالك وأسئلتك واقتراحاتك وطلباتك".. ولهذا تتنوّع المنشورات داخلها بين كل هذه الأصناف، لتبقى أكثر المنشورات شيوعًا هي تلك التي تقدّم مراجعات لكتاب ما أنهى صاحبه قراءته، أو تلك التي يطلب أصحابها اقتراحات للقراءة.

القائمون على مجموعة "لقد قرأنا من أجلكم" في توصيفها: "أكلنا من أجلكم، اختبرنا لكم، بحثنا لأجلكم، نحن نرفض لك كذا... ولماذا لا نقرأ لأجلكم؟"

وتختلف الأذواق في القراءة تمامًا كاختلافها في مشاهدة الأفلام أو اختيار وجهة للسفر، فنجد من يطلب كتابًا خفيفًا مسلّيًا يعيد إليه الرغبة في المطالعة من جديد، أو تلك التي تبحث عن رواية دسمة تقضّي مع شخصياتها أطول وقت ممكن، فضلًا عمّن يطلب أعمالًا مشابهة لكتاب قرأه وخلب لبّه، فتتوالى التعليقات وتتنوّع، وتنقسم إلى من يطلب اسم المكتبة التي تبيع هذا العنوان، وبين من يسأل عن رابط الكتاب بصيغته الإلكترونية (PDF).

اقرأ/ي أيضًا: شباب راديوهات الواب في تونس.. إرادة تتحدّى الكورونا

  • لقد رهجنا من أجلكم (أكلنا)

وهذه الكلمة المستخدمة في اسم المجموعة إنّما يُطلقها التونسيّ على من يأكل بشراهة، أو الذي يبالغ في الأكل، والكلمة في القواميس العربيّة لا توحي بعلاقة مباشرة مع الأكل، فهي تعني "الغبار، أو الشغب".. إلاّ إذا وسّعنا المعنى ليكون التشبيه "الذي يأكل كلّ شيء حتّى الغبار"! وكالعادة لا يمكن الجزم بشيء، ما عدا أنّ المجموعة تعرف حركيّة كبيرة وتفاعلًا بين أعضائها البالغين حوالي 319 ألفًا.

صورة غلاف مجموعة "لقد رهجنا من أجلكم" (فيسبوك)

وإذ تمنع قواعد المجموعة التي تأسست في 2013 مشاركة صور الطعام من الإنترنت، فإنّها تحثّ أعضاءها على تصوير ما صنعته أيديهم من أطباق شهيّة، ليتبادل الأعضاء بعدها مناقشة وصفات تحضير هذه الأكلة، أو إبداء ملاحظات حول طريقة طهيها، وإعطاء مكوّنات جديدة للتجربة وسط جوّ من المرح خاصة مع الشهوات الغريبة في الأكل التي تصاحب الكثيرين.

وينشر الأعضاء تجاربهم الناجحة في الطبخ للحصول على الإشادة، وطبعًا لمحاولة الإفادة، مثلما ينشرون محاولاتهم التي باءت بالفشل، فيسخرون من أنفسهم قبل حتّى تلقّي هذه السخرية من الأعضاء الآخرين، وكأنّهم يؤمنون حقًا بالمثل القائل إنّ الطبخ مثل التزلّج على الجليد، فإذا لم تسقط 10 مرات على الأقلّ، فأنت لا تتزلّج بقوّة كافية!

وهذه المجموعات الأربع هي غيض من فيض، فأنت تجد حتّى مجموعات تخصّ ولايات أو مناطق بعينها، لكن تبقى تجربة أمر ما لشخص آخر، فِعلًا يستحقّ التثمين، لما يوفّره لهذا الشخص من معلومات ووقت وجهد، ربما لا يملكهم، أو حريّ به توفيرهم لتجربة أشياء أخرى ومشاركة هذه التجارب، وهكذا دواليك.. كعجلة لا تكفّ عن الدوران.

 
اقرأ/ي أيضًا: