06-يناير-2020

ويستمرّ الجدل بخصوص تضمين هذه المادة في البرامج التعليمية التونسية (Getty)

 

لا يزال الجدل حول إدماج مادة التربية على الصحّة الجنسيّة ضمن البرامج التعليمية التونسية مستمرًا سواء في صفوف الأولياء والتلاميذ وحتّى بين المربّين. إذ رغم المحاولات المتتالية لوزارة التربية لتوضيح هذا البرنامج ومجهودات المجتمع المدني لتقريب المفاهيم للرأي العام إلّا أنّ اللبس لا يزال طاغيًا على الباحثين عن المعلومة الصحيحة بخصوص تفاصيل البرنامج.

لا بزال الجدل حول إدماج مادة التربية على الصحّة الجنسيّة ضمن البرامج التعليمية مستمرًا سواء في صفوف الأولياء والتلاميذ وحتّى بين المربّين

اقرأ/ي أيضًا: ما يجب أن تعرفه عن إدماج مادة الصحة الجنسية في البرامج التعليمية التونسية

وقد وقع الاتفاق، في الأثناء، على اختيار مواد اللغة العربية والتربية المدنية وعلوم الحياة والأرض للاستيعاب محتوى التربية على الصحّة الجنسيّة وذلك في إطار يهدف لضمان التكوين والتثقيف الشامل للأطفال والمراهقين داخل المؤسسات التربوية.

"ألترا تونس" التقى مجموعة من المتفقدين التربويين والخبراء المختصين لتوضيح بعض المسائل المتعلّقة بالجدل المتواصل بخصوص مادة التربية على الصحة الجنسية.

إنصاف فتح الله (متفقدة التربية المدنية): الجدل يتعلق بمسألة النوع الاجتماعي

تقدّر إنصاف فتح الله كمون، وهي متفقدة مادّة التربية المدنية وخبيرة لدى المعهد العربي لحقوق الإنسان، في تصريحها لـ"ألترا تونس"، أنّ البرنامج المرجعي للتربية على الصحّة الجنسيّة لمنظّمة الأمم المتحدة وصندوق الأمم المتحدة للإسكان واليونسكو وقع الاتفاق عليه من طرف المنظمات الدولية.

وأوضحت أن هذا البرنامج يتضمن عددًا من المحاور الأساسيّة وهي العلاقات بين الأفراد، والجسد، والنمو، والصحة الجنسية، والعنف، والأمن، والنوع الاجتماعي، والقيم، والحقوق، والثقافة والجنسانية مبينة تضمّن كل محور لعديد الأفكار العامة. وبيّنت في هذا الإطار: "مازال البرنامج المرجعي بصدد الترجمة والمراجعة وقد أخذنا منه ما يتماشى مع التلميذ التونسي بما يكسبه كل المهارات الحياتية التي تناسبه".

إنصاف فتح الله (متفقدة التربية المدنية): لا نستطيع الحديث عن المواطنة في غياب التربية الجنسية باعتباره سلوكًا مدنيًا

وشدّدت محدثتنا أنّ الجدل الحاصل متعلّق بمفهوم النوع الاجتماعي الذي تختلف فيه عديد الدول لذلك وقع حصر هذا المفهوم في عدم التمييز والاحترام المتبادل وتقاسم الأدوار ونبذ العنف والمساواة ومناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي.

وأكدت، في نفس السياق، عدم التطرّق لمفهوم الهويّة الجنسيّة مضيفة أنّ مفهوم الجندرة تضمّن الأدوار الاجتماعية التي يعطيها المجتمع للرجل والمرأة.

وعن اختيار مادّة التربية المدنية، أكّدت محدّثتنا أنها مادّة "حمّالة للمسألة إذ تتضمّن مواضيع تخصّ قيم المواطنة والمساواة وعدم التمييز والتسامح وحرمة الجسد وحقوق الإنسان وعليه تُمرر المفاهيم عبرها بطريقة سلسة" مؤكدة أنه "لا نستطيع الحديث عن المواطنة في غياب التربية الجنسية باعتباره سلوكًا مدنيًا".

وفسّرت انصاف فتح اللّه أنّ الحملة ضد تدريس هذه المفاهيم هي "مجرّد مخاوف وإحساس بالاستبعاد في الشأن التربوي" مشيرة إلى وجود خطأ اتصالي لذلك وقع الترويج لبعض الأطروحات بطريقة سلبية على حدّ تعبيرها.

وختمت متفقدة مادّة التربية المدنية حديثها بالسؤال: "ما معنى ألا تتحمل المدرسة مسؤوليتها في إكساب المتعلم جملة من المعارف والمهارات التي تكفل له العيش الكريم وتحصّنه من كل المخاطر المحيطة به؟".

سامية اليحياوي (متفقدة عامة للمدارس الابتدائية): ليست تربية على الممارسة الجنسية

من جهتها، أفادت سامية اليحياوي المتفقدة العامّة بالمدارس الابتدائية والخبيرة لدى المعهد العربي لحقوق الانسان لـ"ألترا تونس" تونس أنّ تناول مادّة موضوع التربية على الصحّة الجنسيّة موجّه للمرحلة العمرية بين 5 و8 سنوات عبر اعتماد المسالك التعليمية ومسالك التنشيط الثقافي التي تتضمن مفاهيم تتعلّق بالجانب الفيزيولوجي والوجداني للطفل عبر الدروس العلمية والتنشئة الاجتماعية.

سامية اليحياوي (متفقدة عامة للمدارس الابتدائية): التجارب المقاربة أكدت فشل إدراج التربية على الصحة الجنسية كمادة منفصلة

اقرأ/ي أيضًا: "رد بالك على عصفورتك".. عن عالم الجنس وبراءة الطفولة

وأوضحت أن الغاية ليست تربية الطفل على الممارسة الجنسية بل هي تربية على صحة جنسية متوازنة تسمح للناشئة أن يتصالحوا مع أجسادهم وأن يتقبلوه وأن يعرفوا أيضًا كيفيّة حمايته.

وبيّنت أن هذا الموضوع يتنزّل في إطار مشروع الإصلاح التربوي عبر إدراج التربية على مهارات الحياة بما يتجاوز الحيز المدرسي الصرف لتهيئة التلميذ ليكون مواطنًا فاعلًا في الحياة الاجتماعية على حدّ تعبيرها.

وعن سبب عدم إفراد التربية على الصحة الجنسية بمادّة خاصّة، فسّرت الخبيرة لدى المعهد العربي لحقوق الإنسان أنّها ليست مجموعة من المعلومات لتُفرد بمادة خاصّة بل هي اكتساب مهارات أفقية تتقاطع مع جملة المواد التي يدرسها التلميذ. وقالت محدّثتنا، في هذا الجانب، أنّ التجارب المقاربة أكدت فشل إدراجها كمادة منفصلة مثل فرنسا التي وقع رفضها من قبل الأولياء المحافظين كما يصعب على المدرسين التعاطي معها كمادة منفصلة على حدّ تعبيرها.

عائدة الفرشيشي (متفقدة مادة العربية): مراعاة لخصوصية الواقع التونسي

وفي نفس السياق، أفادت عائدة الفرشيشي المتفقدة العامة لمادة العربيّة لـ"ألترا تونس" أنّ برنامج اللغة العربية في صلة بمحاور التربية على الصحة الجنسية المثبتة في الإطار المرجعي، إذ يتضمّن العلاقة بين أفراد الأسرة، والعلاقات بين الأقران والأطفال في العلم، والترفيه، والثقافة، ودور الفنون في كشف أدوار المجتمع وشواغل الإنسان، والمرأة في المجتمع المعاصر.

عائدة الفرشيشي (متفقدة مادة العربية): نتفهّم مخاوف واحتراز الزملاء لكن أدعو للتحري في المشروع والتفاعل معه ايجابيًا

وأضافت أنّ المحتوى يعمل على إكساب التلميذ معارف ومهارات تمكّنه من تحمّل المسؤوليّة واتخاذ القرارات السليمة واعتماد التفكير النقدي ومناهضة الأفكار المسبقة والنمطية مما يساعد على التنشئة السليمة السويّة الضامنة لتوازن الفرد والمجتمع على حدّ تعبيرها.

وقالت المتفقدة العامة لمادة العربيّة: "نتفهّم مخاوف واحتراز الزملاء لكن أدعو للتحري في المشروع والتفاعل معه ايجابيًا"مؤكدة أنه رغم ما تصفها بردود الأفعال الانفعالية والمؤدلجة إلاّ أن التربية الجنسية موجودة في الإرث التربوي تحت مسميات أخرى، مشيرة إلى أن التحمّس للمشروع التربوي لم يحل دون قرار التأني في إدراجها ضمن البرامج الرسمية.

وأكّدت محدّثتنا أنّ التربية على الصحة الجنسية في تونس تختلف عن البلدان الأخرى إذ تراعي خصوصية الواقع التونسي الثقافي، مضيفة أنّ التحري في واقع الطفل التونسي وما يتعرض له من أشكال العنف المسلط على جسده وذاته أصبح مطلبًا ملحًا على حدّ قولها.

وحيد الفرشيشي (الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية): التثقيف الجنسي حقّ مضمّن في القانون

وفي إطار ورشة تدريبيّة للإعلاميين حول التربية على الصحة الجنسية وإدماجها في البرامج التعليمية، أكّد وحيد الفرشيشي، رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، أنّ التثقيف الصحي والجنسي موجود في القانون التونسي من بوابة الفصل 7 من قانون القضاء على العنف ضد المرأة مضيفًا أنّ أغلب الانتهاكات للطفل تقع داخل الوسط الأسري.

وقال الفرشيشي إنّ الحقوق الجنسية والإنجابية هي من حقوق الإنسان وتتكون من مجموعة من حقوق متعلقة بالجنسانية وتنبعث من حقوق الحرية والمساواة والخصوصية والاستقلالية والنزاهة والكرامة لجميع الناس بدون تمييز.

وبيّن أن هذه الحقوق تشمل الحق في المساواة، والتمتع بحماية قانونيّة متكافئة، والتحرر من كافة أشكال التمييز القائم على اختلاف النوع الجنسي والجنسانية أو اختلاف النوع الاجتماعي، والحق في الحياة، والأمن الشخصي، والسلامة الجسدية والخصوصية وغيرها.

أرزاق خنيتش (جمعية الصحة الإنجابية): التربية على الصحّة الجنسيّة معتمدة منذ 2015

وفي نفس الإطار، أكّدت أرزاق خنيتش، المديرة التنفيذية للجمعية التونسية للصحة الإنجابية لـ"ألترا تونس"، أنّ مشروع التربية الجنسيّة انطلق منذ 2015 في معهد تطاوين المدينة عبر شراكة مع الجمعية بتوفيرها لمختصّين للتلامذة حسب المحاور التي يطلبونها. وبيّنت أنه يتم تناول هذه المواضيع في الساعات الجوفاء بمعدّل مرّتين في الأسبوع مشيرة إلى التفاعل الإيجابي من طرف الإطار التربوي والتلامذة مع هذه التجربة على حدّ تأكيدها.

أرزاق خنيتش (جمعية الصحة الإنجابية): المشروع خرج من المجتمع دون استثناء أيّ طرف

وأضافت أنّ الجمعية تشتغل على التثقيف الجنسي منذ عام 2015 في جهة تطاوين رغم أنّها من الجهات المحافظة مشيرة إلى أن هذه التجربة النموذجية تضمّنت دراسة ميدانية في قصر أولاد سلطان وأربع عمادات أخرى حول نظرة أبناءالجهة للتثقيف الجنسي الشامل ومدى تقبّل الإطار التربوي والأولياء والأئمة لهذا الموضوع.

وقالت إنه وقع تقديم الدراسة لوزارة التربية التي أخذت بعين الاعتبار ملاحظات الأولياء والتلاميذ ومن أهمّها التسمية التي رفضها أغلب التلاميذ والأولياء من باب التحرّج لذلك وقع تسميتها بـ"التربية على الصحّة الجنسيّة"، ورفض إفرادها بمادّة خاصّة إذ عبّر التلاميذ عن امتعاضهم من إضافة مادّة جديدة.

وقالت المديرة التنفيذية للجمعية التونسية للصحة الإنجابية، في ختام حديثها معنا، إنّ هذا المشروع خرج من المجتمع دون استثناء أيّ طرف مشيرة بالخصوص إلى تشريك الأئمة ضمن دورة تدريبية ما مكّن من تغيير نظرتهم للموضوع على حدّ قولها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"في بيتهم وحش".. قصص عن اغتصاب أطفال من ذوي القربى

حراس المدارس.. أمناء على التلاميذ أم مغتصبون؟!